رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْـزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ( 53 )

( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْـزَلْتَ ) من كتابك ( وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ) عيسى ( فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق. وقال عطاء: مع النبيين لأن كل نبي شاهد أمته.

قال ابن عباس رضي الله عنهما مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته لأنهم يشهدون للرسل بالبلاغ.

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ( 54 )

قوله تعالى: ( وَمَكَرُوا ) يعني كفار بني إسرائيل الذي أحس عيسى منهم الكفر وبروا في قتل عيسى عليه السلام، وذلك أن عيسى عليه السلام بعد إخراج قومه إياه وأمه عاد إليهم مع الحواريين، وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله وتواطئوا على الفتك به فذلك مكرهم، قال الله تعالى: ( وَمَكَرَ اللَّه وَاللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ ) فالمكر من المخلوقين: الخبث والخديعة والحيلة، والمكر من الله: استدراج العبد وأخذه بغتة من حيث لا يعلم كما قال: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ( 182 - الأعراف ) وقال الزجاج: مكر الله عز وجل مجازاتهم على مكرهم فسمي الجزاء باسم الابتداء لأنه في مقابلته كقوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ( 15 - البقرة ) وَهُوَ خَادِعُهُمْ ( 142 - النساء ) ومكر الله تعالى خاصة بهم في هذه الآية، وهو إلقاؤه الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى عليه السلام حتى قتل.

قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عيسى استقبل رهطا من اليهود فلما رأوه قالوا: قد جاء الساحر ابن الساحرة، والفاعل ابن الفاعلة، وقذفوه وأمه فلما سمع ذلك عيسى عليه السلام دعا عليهم ولعنهم فمسخهم الله خنازير. فلما رأى ذلك يهوذا رأس اليهود وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى عليه السلام، وثاروا إليه ليقتلوه فبعث الله إليه جبريل فأدخله في خوخة في سقفها روزنة فرفعه الله إلى السماء من تلك الروزنة، فأمر يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه يقال له: ططيانوس أن يدخل الخوخة ويقتله، فلما دخل لم ير عيسى، فأبطأ عليهم فظنوا أنه يقاتله فيها، فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام، فلما خرج ظنوا أنه عيسى عليه السلام فقتلوه وصلبوه، قال وهب: طرقوا عيسى في بعض الليل، ونصبوا خشبة ليصلبوه، فأظلمت الأرض، فأرسل الله الملائكة فحالت بينهم وبينه، فجمع عيسى الحواريين تلك الليلة وأوصاهم ثم قال: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة، فخرجوا وتفرقوا، وكانت اليهود تطلبه، فأتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال لهم: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه. ولما دخل البيت ألقى الله عليه شبه عيسى، فرفع عيسى وأخذ الذي دلهم عليه فقال: أنا الذي دللتكم عليه فلم يلتفتوا إلى قوله وقتلوه وصلبوه، وهم يظنون أنه عيسى، فلما صلب شبه عيسى، جاءت مريم أم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأها الله من الجنون تبكيان عند المصلوب، فجاءهما عيسى عليه السلام فقال لهما: علام تبكيان؟ إن الله تعالى قد رفعني ولم يصبني إلا خير، وإن هذا شيء شبه لهم، فلما كان بعد سبعة أيام قال الله عز وجل لعيسى عليه السلام: اهبط على مريم المجدلانية اسم موضع في جبلها، فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها، ولم يحزن حزنها ثم ليجتمع لك الحواريون فبثهم في الأرض دعاة إلى الله عز وجل فأهبطه الله عليها فاشتعل الجبل حين هبط نورًا، فجمعت له الحواريين فبثهم في الأرض دعاة ثم رفعه الله عز وجل إليه وتلك الليلة هي التي تدخن فيها النصارى، فلما أصبح الحواريون حدَّث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم فذلك قوله تعالى ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه وَاللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ )

وقال السدي : إن اليهود حبسوا عيسى في بيت وعشرة من الحواريين فدخل عليهم رجل منهم فألقى الله عليه شبهه، وقال قتادة ذكر لنا أن نبي الله عيسى عليه السلام قال لأصحابه أيكم يقذف عليه شبهي فإنه مقتول، فقال رجل من القوم: أنا يا نبي الله فقتل ذلك الرجل ومنع الله عيسى عليه السلام ورفعه إليه وكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش، وكان إنسيا ملكيا سمائيا أرضيا، قال أهل التواريخ: حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة، وولدت عيسى ببيت لحم من أرض أوري شلم لمضي خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل فأوحى الله إليه على رأس ثلاثين سنة، ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فكانت نبوته ثلاث سنين، وعاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين.

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 55 )

( إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) اختلفوا في بعض التوفي هاهنا، قال الحسن والكلبي وابن جريج: إني قابضك ورافعك في الدنيا إليَّ من غير موت، يدل عليه قوله تعالى: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ( 117 - المائدة ) أي قبضتني إلى السماء وأنا حي، لأن قومه إنما تنصروا بعد رفعه إلى السماء لا بعد موته، فعلى هذا للتوفي تأويلان، أحدهما: إني رافعك إلي وافيًا لم ينالوا منك شيئا، من قولهم توفيت كذا واستوفيته إذا أخذته تامًا والآخر: أني [ متسلمك ] من قولهم توفيت منه كذا أي تسلمته، وقال الربيع بن أنس: المراد بالتوفي النوم [ وكل ذي عين نائم ] وكان عيسى قد نام فرفعه الله نائما إلى السماء، معناه: أني منومك ورافعك إلي كما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ( 60 - الأنعام ) أي ينيمكم.

وقال بعضهم: المراد بالتوفي الموت، روي [ عن ] علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معناه: أني مميتك يدل عليه قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ( 11 - السجدة ) فعلى هذا له تأويلان: أحدهما ما قاله وهب: توفى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم رفعه الله إليه، وقال محمد بن إسحاق: إن النصارى يزعمون أن الله تعالى توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه، والآخر ما قاله الضحاك وجماعة: إن في هذه الآية تقديمًا وتأخيرًا معناه أني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنـزالك من السماء.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفس محمد بيده ليوشكن أن ينـزل فيكم ابن مريم حكمًا عادلا يكسر الصليب، ويقتل الخنـزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد » .

ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في نـزول عيسى عليه السلام قال: « وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون » .

وقيل للحسين بن الفضل هل تجد نـزول عيسى في القرآن؟ قال نعم: وَكَهْلا ولم يكتهل في الدنيا وإنما معناه وكهلا بعد نـزوله من السماء.

قوله تعالى: ( وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) أي مخرجك من بينهم ومنجيك منهم ( وَجَاعِل الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) قال قتادة والربيع والشعبي ومقاتل والكلبي: هم أهل الإسلام الذين صدقوه واتبعوا دينه في التوحيد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو فوق الذين كفروا ظاهرين قاهرين بالعزة والمنعة والحجة، وقال الضحاك: يعني الحواريين فوق الذين كفروا، وقيل: هم أهل الروم، وقيل: أراد بهم النصارى فهم فوق اليهود إلى يوم القيامة، فإن اليهود قد ذهب ملكهم، وملك النصارى دائم إلى قريب من قيام الساعة، فعلى هذا يكون الاتباع بمعنى الادعاء والمحبة لا اتباع الدين. ( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) في الآخرة ( فَأَحْكُم بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) من أمر الدين وأمر عيسى .

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( 56 ) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( 57 ) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ( 58 ) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 59 ) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( 60 )

( فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا ) بالقتل والسبي والجزية والذلة ( وَالآخِرَةِ ) أي وفي الآخرة بالنار ( وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )

( وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) قرأ الحسن وحفص بالياء، والباقون بالنون أي نوفي أجور أعمالهم ( وَاللَّه لا يُحِبّ الظَّالِمِينَ ) أي لا يرحم الكافرين ولا يثني عليهم بالجميل.

قوله تعالى : ( ذَلِكَ ) أي هذا الذي ذكرته لك من الخبر عن عيسى ومريم والحواريين ( نَتْلُوه عَلَيْكَ ) [ نخبرك به بتلاوة جبريل عليك ] ( مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ) يعني القرآن والذكر ذي الحكمة، وقال مقاتل: الذكر الحكيم أي المحكم الممنوع من الباطل وقيل: الذكر الحكيم هو اللوح المحفوظ، وهو معلق بالعرش من درة بيضاء. وقيل من الآيات أي العلامات الدالة على نبوتك لأنها أخبار لا يعلمها إلا قارئ كتاب أو من يوحى إليه وأنت أمي لا تقرأ .

قوله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ) الآية نـزلت في وفد نجران وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك تشتم صاحبنا؟ قال: وما أقول ? قالوا: تقول إنه عبد الله قال: أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فغضبوا وقالوا هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فأنـزل الله تعالى ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ ) في كونه خلقه من غير أب كمثل آدم لأنه خُلق من غير أب وأم ( خَلَقَه مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ ) يعني لعيسى عليه السلام ( كُنْ فَيَكُونُ ) يعني فكان فإن قيل ما معنى قوله ( خَلَقَه مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَه كُنْ فَيَكُونُ ) ولا تكوين بعد الخلق؟ قيل معناه ثم خلقه ثم أخبركم أني قلت له: كن فكان من غير ترتيب في الخلق كما يكون في الولادة وهو مثل قول الرجل: أعطيتك اليوم درهما ثم أعطيتك أمس درهما أي ثم أخبرك أني أعطيتك أمس درهما. وفيما سبق من التمثيل دليل على جواز القياس لأن القياس هو رد فرع إلى أصل بنوع شبه وقد رد الله تعالى خلق عيسى إلى آدم عليهم السلام بنوع شبه.

قوله تعالى : ( الْحَقّ مِنْ رَبِّكَ ) أي هو الحق وقيل جاءك الحق من ربك ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) الشاكين , الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته.

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ( 61 )

قوله عز وجل: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ) أي جادلك في عيسى أو في الحق ( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) بأن عيسى عبد الله ورسوله ( فَقُلْ تَعَالَوْا ) وأصله تعاليوا تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، قال الفراء: بمعنى تعال كأنه يقول: ارتفع. قوله ( نَدْعُ ) جزم لجواب الأمر وعلامة الجزم سقوط الواو ( أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) قيل: أبناءنا أراد الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة. وأنفسنا عنى نفسه وعليا رضي الله عنه والعرب تسمي ابن عم الرجل نفسه، كما قال الله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ( 11 - الحجرات ) يريد إخوانكم وقيل هو على العموم الجماعة أهل الدين ( ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي نتضرع في الدعاء، وقال الكلبي: نجتهد ونبالغ في الدعاء، وقال الكسائي وأبو عبيدة: نلتعن والابتهال الالتعان يقال: عليه بهلة الله أي لعنته: ( فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) منا ومنكم في أمر عيسى، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غدا، فخلا بعضهم ببعض فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ قال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدًا نبي مرسل، والله ما لاعن قوم نبيًا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم ذلك لنهلكن فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم محتضنا للحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم: « إذا أنا دعوت فأمنوا » فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض منكم نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا يا أبا القاسم: قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم » فأبوا فقال: « فإني أنابذكم » فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ألفًا في صفر وألفًا في رجب، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال: « والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا » .