فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ
الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ( 40 ) عَلَى
أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ( 41 )
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ
( 42 )
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ
يُوفِضُونَ ( 43 )
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا
يُوعَدُونَ ( 44 )
( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ
الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ) يعني مشرق كل يوم من أيام
السنة ومغربه ( إِنَّا لَقَادِرُونَ ) ( عَلَى
أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ ) على أن
نخلق أمثل منهم وأطوع لله [ ورسوله ] ( وَمَا
نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) (
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا ) في باطلهم (
وَيَلْعَبُوا ) في دنياهم (
حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) نسختها
آية القتال. ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ ) من
القبور ( سِرَاعًا ) إلى
إجابة الداعي ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ ) قرأ
ابن عامر [ وابن عباس ] وحفص: « نُصُبٍ
» بضم النون والصاد، وقرأ الآخرون بفتح النون وسكون الصاد
يعنون إلى شيء منصوب، يقال: فلان نُصْبَ عيني. وقال الكلبي: إلى عَلَمٍ وراية. ومن
قرأ بالضم، قال مقاتل والكسائي: يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله
[ كقوله: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (
المائدة- 3 ) ] قال الحسن: يسرعون إليها أيهم
يستلمها أولا ( يُوفِضُونَ )
يسرعون. ( خَاشِعَةً ) ذليلة
خاضعة ( أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) يغشاهم
هوان ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) يعني
يوم القيامة.
سورة نوح
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا
إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ ( 1 )
قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 2 ) أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ( 3 )
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ
أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 4 )
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا ( 5 )
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا ( 6 )
(
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ) أي:
بأن أنذر قومك ( مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) المعنى: إنا أرسلناه لينذرهم
بالعذاب إن لم يؤمنوا. ( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي
لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أنذركم وأبين لكم [
رسالة الله بلغة تعرفونها ] . ( أَنِ
اعبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) « من » صلة، أي:
يغفر لكم ذنوبكم. وقيل: يعني ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان، وذلك بعض ذنوبهم (
وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) أي:
يعافيكم إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم ( إِنَّ
أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) يقول:
آمنوا قبل الموت تسلموا [ من العذاب ] فإن
أجل الموت إذا جاء لا يؤخر ولا يمكنكم الإيمان. ( قَالَ
رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا
فِرَارًا ) نفارًا وإدبارًا عن الإيمان [
والحق ] .
وَإِنِّي كُلَّمَا
دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ
وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ( 7 )
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ( 8 )
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ( 9 )
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ( 10 )
( وَإِنِّي كُلَّمَا
دَعَوْتُهُمْ ) إلى الإيمان بك (
لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ) لئلا
يسمعوا دعوتي ( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) غطوا
بها وجوههم لئلا يروني ( وَأَصَرُّوا ) على
كفرهم ( وَاسْتَكْبَرُوا ) عن
الإيمان بك ( اسْتِكْبَارًا ) ( ثُمَّ
إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ) معلنا بالدعاء. قال ابن عباس:
بأعلى صوتي. ( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ ) كررت
الدعاء مُعلنًا ( وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ
إِسْرَارًا ) قال ابن عباس: يريد الرجل بعد الرجل أكلمه سرًّا بيني
وبينهُ أدعوه إلى عبادتك وتوحيدك . (
فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا )