لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى ( 15 ) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( 16 ) وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى ( 17 )

( لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ ) الرسول، ( وَتَوَلَّى ) عن الإيمان. ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى ) يريد بالأشقى الشقي، وبالأتقى التقي.

الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ( 18 )

( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ ) يعطي مالهُ ( يَتَزَكَّى ) يطلب أن يكون عند الله زاكيًا لا رياء ولا سمعة، يعني أبا بكر الصديق، في قول الجميع.

قال ابن الزبير: كان أبو بكر يبتاع الضعفة فيعتقهم، فقال أبوه: أيْ بنيَّ لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك؟ قال: مَنْعَ ظهري أريد، فنـزل: « وسيجنبها الأتقى » ، إلى آخر السورة .

وذكر محمد بن إسحاق قال: كان بلال لبعض بني جمح وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة، وكان صادق الإسلام طاهر القلب، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد.

وقال محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: مرّ به أبو بكر يومًا وهم يصنعون به ذلك، وكانت دار أبي بكر في بني جمح، فقال لأمية ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، قال أبو بكر: أفعل! عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، على دينك، أعطيك؟ قال: قد فعلت فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذه فأعتقه، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ستَّ [ رقاب ] ، بلال سابعهم، عامر بن فهيرة شهد بدرًا وأحدًا، وقتل يوم بئر معونة شهيدًا، وأم عميس، وزِنيِّرة فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى [ فقالت: كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى ] ، وما تنفعان فرد الله إليها بصرها، وأعتق النهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما تحطبان لها وهي تقول والله لا أعتقكما أبدًا. فقال أبو بكر: خلا يا أم فلان، فقالت: خلا أنت أفسدتهما فأعتقهما، قال [ أبو بكر رضي الله عنه ] فبكم؟ قالت: بكذا وكذا، قال: قد أخذتهما وهما حرتان، ومر بجارية بني المؤمل وهي تعذب فابتاعها فأعتقها .

وقال سعيد بن المسيب: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال: أتبيعه؟ قال: نعم أبيعه بنسطاس عبدٍ لأبي بكر ، صاحب عشرة آلاف دينار، وغلمان وجوار ومواش، وكان مشركًا حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له ، فأبى فأبغضه أبو بكر، فلما قال له أمية أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه وباعه منه، فقال المشركون: ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليدٍ كانت لبلال عنده فأنـزل الله:

وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ( 19 ) إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى ( 20 ) وَلَسَوْفَ يَرْضَى ( 21 )

( وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ) أي يجازيه ويكافئه عليها . ( إِلا ) لكن ( ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى ) يعني: لا يفعل ذلك مجازاة لأحد بيدٍ له عنده، ولكنه يفعله ابتغاء وجه ربه الأعلى وطلب رضاه. ( وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) بما يعطيه الله عز وجل في الآخرة من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل .

 

سورة الضحى

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالضُّحَى ( 1 ) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ( 2 ) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ( 3 )

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنـزل الله عز وجل: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) .

وقيل: إن المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب.

وقال المفسرون سألت اليهود، رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح؟ فقال: سأخبركم غدًا، ولم يقل: إن شاء الله، فاحتبس عنه الوحي .

وقال زيد بن أسلم: كان سبب احتباس جبريل عليه السلام عنه كون جَرْوٍ في بيته، فلما نـزل عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطائه، فقال: إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب [ أو ] صورة .

واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه، فقال ابن جريج : اثنا عشر يومًا. وقال ابن عباس: خمسة عشر يومًا. وقال مقاتل: أربعون يومًا.

قالوا: فقال المشركون: إن محمدًا ودّعه ربه وقلاه، فأنـزل الله تعالى هذه السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك » ، فقال جبريل: « إني كنت أشدَّ شوقًا [ إليك ] ، ولكني عبدٌ مأمور » ، فأنـزل: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ( مريم - 64 ) .

قوله عز وجل: ( وَالضُّحَى ) أقسم بالضحى وأراد به النهار كله، بدليل أنه قابله بالليل [ فقال والليل ] إذا سجى، نظيره: قوله: « أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى » ( الأعراف - 98 ) أي نهارًا.

وقال قتادة ومقاتل: يعني وقت الضحى، وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس، واعتدال النهار في الحر والبرد والصيف والشتاء. ( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) قال الحسن: أقبل بظلامه، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وقال الوالبي عنه: إذا ذهب، قال عطاء والضحاك: غطى كل شيء بالظلمة. وقال مجاهد: استوى. وقال قتادة وابن زيد: سكن واستقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك. يقال: ليل ساج وبحر ساج [ إذا كان ساكنًا ] . قوله تعالى: ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) هذا جواب القسم، أي ما تركك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك.

وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى ( 4 )

( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى ) حدثنا المطهر بن علي الفارسي، أخبرنا محمد بن إبراهيم [ الصالحاني ] ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ، أخبرنا ابن أبي عاصم، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا » .

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ( 5 ) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ( 6 )

( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) قال عطاء عن ابن عباس: هو الشفاعة في أمته حتى يرضى، وهو قول علي والحسن.

وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك فيهم » .

وقال حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: إنكم يا معشر أهل العراق تقولون: أرجى آية في القرآن: « قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ » ، وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله « ولسوف يعطيك ربك فترضى » من الثواب. وقيل: من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين، ( فَتَرْضَى )

ثم أخبره الله عز وجل عن حالته التي كان عليها قبل الوحي، وذكَّره نعمه فقال جل ذكره: ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي فقال: أنبأني عبد الله بن حامد الأصفهاني، أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري، حدثنا محمد بن عيسى أنا أبو عمرو الجويني وأبو الربيع الزهراني قالا حدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سألت ربي مسألة وودت أني لم أكن سألته، قلت: يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكًا عظيمًا، وآتيت فلانا كذا وآتيت فلانا كذا؟ قال: يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قلت: بلى، أيْ ربِّ [ قال: ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قلت: بلى أيْ ربِّ، قال: ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت: بلى أيْ ربِّ » ، وزاد غيره عن حماد قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعتُ عنك وزرك؟ قلت: بلى أيْ ربِّ ] .

ومعنى الآية: ألم يجدك يتيمًا صغيرًا فقيرًا حين مات أبواك ولم يخلِّفا لك مالا ولا مأوى، فجعلت لك مأوىً تأوي إليه، وضمَّك إلى عمك أبي طالب حتى أحسن تربيتك وكفاك المؤنة.

وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى ( 7 ) وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ( 8 )

( وَوَجَدَكَ ضَالا ) يعني ضالا عما أنت عليه ( فَهَدَى ) أي: فهداك للتوحيد والنبوة.

قال الحسن والضحاك وابن كيسان: « ووجدك ضالا » عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عنها، فهداك إليها، [ كما قال ] « وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ » ( يوسف - 3 ) وقال: « مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ » ( الشورى - 52 ) .

وقيل: ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب وروى أبو الضحى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير، فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه فرده إلى عبد المطلب.

وقال سعيد بن المسيب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقةً إذ جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة، ورده إلى القافلة فمنَّ الله عليه بذلك . وقيل: وجدك ضالا [ ضال ] نفسك لا تدري من أنت، فعرفك نفسك وحالك. ( وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ) أي فقيرًا فأغناك بمال خديجة ثم بالغنائم.

وقال مقاتل: [ فأرضاك ] بما أعطاك من الرزق. واختاره الفراء. وقال: لم يكن غنيًا عن كثرة المال ولكن الله [ أرضاه ] بما آتاه وذلك حقيقة الغنى.

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنه قال أخبرنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليس الغنى عن كثرة العرضَ، ولكن الغنى غنى النفس » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزغرتاني . أخبرنا أحمد بن سعيد أخبرنا أبو يحيى محمد بن عبد الله، حدثنا أبي، حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحُبلَي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا وقنّعه الله بما آتاه » .

ثم أوصاه باليتامى والفقراء فقال:

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ( 9 )

( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) قال مجاهد: لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيمًا. وقال الفراء والزجاج: لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه ، وكذا كانت العرب تفعل في أمر اليتامى، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم.

أخبرنا أبو بكر محمد عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا [ عبد الله ] بن محمود، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى [ بن ] سليمان عن يزيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « خَيْر بيتٍ في المسلمين بيتٍ فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُساء إليه » ، ثم قال بأصبعيه: « أنا وكافل اليتيم [ في الجنة ] هكذا [ وهو يشير ] بأصبعيه [ السبابة والوسطى ] » .

وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ( 10 ) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ( 11 )

( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) قال المفسرون: يريد السائل على الباب، يقول: لا تنهره لا تزجره إذا سألك، فقد كنت فقيرًا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردًا لينًا، يقال: نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره.

وقال قتادة: رُدّ السائل برحمة ولين. قال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السُؤَّال يحملون زادنا إلى الآخرة.

وقال إبراهيم: السائل يريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول: هل توجهون إلى أهليكم بشيء؟

وروي عن الحسن في قوله: « أما السائل فلا تنهر » ، قال: طالب العلم. ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال مجاهد يعني النبوة، روى عنه أبو بشر واختاره الزجاج وقال: أي بلغ ما أرسلت به، وحدث بالنبوة التي آتاك [ الله ] .

وقال الليث عن مجاهد: يعني القرآن وهو قول الكلبي، أمره أن [ يقرأ به ] .

وقال مقاتل: اشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من جبر اليتيم والهدى بعد الضلالة والإغناء بعد العيلة، والتحدث بنعمة الله شكرًا.

أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن محمي البسطامي، حدثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسين النصر أبادي، [ حدثنا علي بن سعيد النسوي ] أخبرنا سعيد بن عفير، حدثنا يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصاري، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من صُنع إليه معروف فليجز به، فإن لم يجد ما يُجزي به فليثن عليهِ فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعطَ كان كلابس ثوبين من زور » .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق، حدثنا أبو القاسم بن منيع، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا وكيع عن أبي عبد الرحمن يعني القاسم بن الوليد، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: « من لم يشكرِ القليلَ لم يشكر الكثيرَ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى، التحدث بنعمة الله شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب » .

والسنة - في قراءة أهل مكة- أن يكبر من أول سورة « والضحى » على رأس كل سورة حتى يختم القرآن؛ فيقول: الله أكبر.

قال الشيخ الإمام الأجل محيي السنة ناصر الحديث قدوة الأئمة ناشر الدين ركن الإسلام إمام الأئمة مفتي الشرق أبو محمد الحسين بن مسعود رحمه الله: كذلك قرأته على الإمام المقرئ أبي نصر محمد بن أحمد بن علي الحامدي بمرو، قال: قرأت على أبي القاسم طاهر بن علي الصيرفي، قال: قرأت على أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران، قال: قرأت على أبي علي محمد بن أحمد بن حامد الصفار المقرئ، قال: قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الهاشمي، قال: قرأت على أبي ربيعة والحسين بن محمد الحداد، وهما قرأا على أبي الحسين بن أبي بزة وأخبرهما [ ابن أبي بزة ] أنه قرأ على عكرمة بن سليمان بن كثير المكي، وأخبره عكرمة أنه قرأ على شبل بن عباد وإسماعيل بن قسطنطين، وأخبراه أنهما قرأا على عبد الله بن كثير، وأخبرهما عبد الله [ بن كثير - رضي الله عنهم أجمعين ] أنه قرأ على مجاهد، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب.

وأخبرنا الإمام المقرئ أبو نصر محمد بن أحمد بن علي وقرأت عليه بمرو، وقال: أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد الزيدي بالتكبير، وقرأت عليه بثغر حران، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد الموصلي المعروف بالنقاش، وقرأت عليه بمدينة السلام، حدثنا أبو ربيعة محمد بن إسحاق الربعي، وقرأت عليه بمكة قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي [ بزة ] ، وقرأت عليه قال لي : قرأته على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت « والضحى » قالا لي: كبر حتى تختم، مع خاتمة كل سورة، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك، وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس [ فأمره بذلك ] ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك وأخبره أبي أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك .

وكان سبب التكبير أن الوحي لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه، وودعه، فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، فلما نـزل « والضحى » كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا بنـزول الوحي، فاتخذوه سنة .

 

سورة الشرح

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ( 1 ) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ( 2 ) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ( 3 ) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ( 4 )

( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) ألم نفتح ونوسع ونليِّن لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة. ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ) قال الحسن، ومجاهد وقتادة، والضحاك: وحططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية، وهو كقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ( الفتح - 2 ) .

وقال الحسين بن الفضل: يعني الخطأ والسهو. وقيل: ذنوب أمتك [ فأضافه ] إليه لاشتغال قلبه بهم، وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة: يعني خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها . ( الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ) أثقل ظهرك فأوهنه حتى سُمِعَ له نقيض، أي صوت. ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن، حدثنا أبو بكر بن حبيب، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل، حدثنا صفوان يعني ابن صالح عبد الملك، حدثنا الوليد يعني بن مسلم، حدثني عبد الله بن لهيعة عن درَّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية « ورفعنا لك ذكرك » ؟ قال: قال الله تعالى: « إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي » .

وعن الحسن قال: « ورفعنا لك ذكرك » إذا ذكرت، ذكرتَ [ معي ] وقال عطاء عن ابن عباس: يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر، ولو أن عبدا عبد الله وصدّقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم ينتفع بشيء، وكان كافرًا.

وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله .

وقال الضحاك: لا تقبل صلاة [ إلا به ] ولا تجوز خطبة إلا به. وقال مجاهد: [ ورفعنا لك ذكرك ] يعني بالتأذين.

وفيه يقول حسان بن ثابت:

ألــم تــر أن اللـه أرسـلَ عبـدَه ببرهانــه, واللــه أَعْــلى وأمجـد

أَغَـــرُّ عليــه للنبــوة خــاتمٌ مــن اللـه مشـهودٌ يَلـوُحُ ويشـهَدُ

وضـمَّ الإلـهُ اسـم النبـي مـع اسمه إذا قـال فـي الخـمس المـؤذنُ: أشهدُ

وشــقٌ لــه مــن اسـمه لِيُجِلّـه فـذو العَـرْشِ محـمودٌ وهـذا محمـدُ .

وقيل: رفع الله ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله.

ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدة، وذلك أنه كان بمكة في شدة، فقال الله عز وجل:

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( 5 ) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( 6 )

( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسرًا ورخاءً بأن يظهرك عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به، « إن مع العسر يسرا » كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء.

وقال الحسن لما نـزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أبشروا، قد جاءكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين » .

قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر حتى يدخل، إنه لن يغلب عسر يسرين .

قال المفسرون: ومعنى قوله: « لن يغلب عسر يسرين » أن الله تعالى كررّ العُسرَ بلفظ المعرفة واليُسْر بلفظ النكرة، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسمًا معرفًا، ثم أعادته كان الثاني هو الأول، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين، وإذا أعادته معرفة فالثاني هو الأول، كقولك: إذا كسبت، درهمًا أنفقت، درهمًا، فالثاني غير الأول، وإذا قلت: إذا كسبتَ درهمًا فأنفق الدرهم، فالثاني هو الأول، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف، فكان عسرًا واحدًا، واليسر مكرر بلفظ [ التنكير ] ، فكانا يسرين، فكأنه قال: فإن مع العسر يسرا، إن مع ذلك العسر يسرا آخر.

وقال أبو علي [ الحسن ] بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب « النظم » تكلم الناس في قوله: « لن يغلب عسر يسرين » ، فلم يحصل منه غير قولهم: إن العسر معرفة واليسر نكرة، فوجب أن يكون عسر واحد ويسران، وهذا قول مدخول، إذا قال الرجل: إن مع الفارس سيفا [ إن مع الفارس سيفًا ] ، فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحدً والسيف اثنين، فمجاز قوله: « لن يغلب عسر يسرين » أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مُقِلّ مخفّ، فكانت قريش تعيره بذلك، حتى قالوا: إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة، فاغتَّم النبي لذلك، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره، فعدد الله نعمه عليه في هذه السورة، ووعده الغنى، ليسليه بذلك عما خامره من الغم، فقال: « فإن مع العسر يسرا » ، مجازه: لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسرًا في الدنيا عاجلا ثم أَنْجَزَه مَا وَعَدَهْ، وفتح عليه القرى العربية ووسع عليه ذات يده، حتى كان يعطي المئين من الإبل، ويهب الهبات السَّنِيَّة، ثم ابتدأ فضلا آخر من أمر الآخرة، فقال: إن مع العسر يسرًا، والدليل على ابتدائه: تعريه من الفاء والواو، وهذا وعد لجميع المؤمنين، ومجازه: إن مع العسر يسرا، أي: إن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرًا في الآخرة، فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الأولى ويسر الآخرة وهو ما ذكره في الآية الثانية، فقوله عليه السلام: « لن يغلب عسر يسرين » أي: لن يغلب عسر، الدنيا اليسرَ الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة، وإنما يغلب أحدهما، هو يسر الدنيا، وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل، أي لا يجمعهما في الغلبة، كقوله صلى الله عليه وسلم : « شهرا عيد لا ينقصان » أي لا يجتمعان في النقصان.

فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 )

( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) أي فاتعب، والنَّصبَ: التعب، قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك، ومقاتل، والكلبي: فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يُعْطِكَ .

[ وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال: إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة ] .

وقال ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل .

وقال الشعبي: إذا فرغت من التشهد فادع، لدنياك وآخرتك.

وقال الحسن وزيد بن أسلم: إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك .

وقال منصور عن مجاهد: إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصَلِّ .

وقال حيان عن الكلبي: إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب، أي: استغفر لذنبك وللمؤمنين.

وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ( 8 )

( وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) قال عطاء: تضرع إليه راهبًا من النار راغبًا في الجنة. وقيل: فارغب إليه في جميع أحوالك. قال الزجاج: أي اجعل رغبتك إلى الله وحده.