لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ( 181 )

قوله تعالى: ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْن أَغْنِيَاءُ ) قال الحسن ومجاهد: لما نـزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا قالت اليهود: إن الله فقير استقرض منّا ونحن أغنياء، وذكر الحسن: أن قائل هذه المقالة حيي بن أخطب .

وقال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق: كتب النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فدخل أبو بكر رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناسًا كثيرًا من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم، ومعه حبر آخر يقال له أشيع. فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدًا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة فآمِنْ وصَدِّقْ وأقْرِضِ الله قرضًا حسنًا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثوابَ.

فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربَّنا يستقرضُ أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني؟ فإن كان ما تقول حقًا فإن الله إذًا لفقير ونحن أغنياء، وأنه ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنيًا ما أعطانا الربا.

فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربةً شديدةً وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربتُ عُنقَك يا عُدوَّ الله فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: « ما حملك على ما صنعت » ؟ فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيمًا زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فغضبتُ لله فضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص، فأنـزل الله تعالى ردًّا على فنحاص وتصديقًا لأبي بكر رضي الله عنه: ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْن أَغْنِيَاءُ ) « »

( سَنَكْتُب مَا قَالُوا ) من الإفك والفرية على الله ( فنجازيهم به ) وقال مقاتل: سنحفظ عليهم، وقال الواقدي: سنأمر الحفظة بالكتابة، نظيره قوله تعالى: وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ، ( وَقَتْلَهُم الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُول ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) قرأ حمزة « سيكتب » بضم الياء، « وقتلهم » برفع اللام « ويقول » بالياء « و ( ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) أي: النار وهو بمعنى المحرق كما يقال: لهم عذاب أليم أي: مؤْلم. »

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ( 182 ) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 183 )

( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ) فيُعذب بغير ذنب.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا ) الآية قال الكلبي: نـزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن التابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد تزعم أن الله تعالى بعثك إلينا رسولا وأنـزل عليك الكتاب وأن الله تعالى قد عهد إلينا في التوراة ( أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ ) يزعم أنه جاء من عند الله، ( حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُه النَّارُ ) فإن جئتنا به صدقناك؛ قال فأنـزل الله تعالى: ( الَّذِينَ قَالُوا ) أي: سمع الله قول الذين قالوا ومحل ( الَّذِينَ ) خفض ردًّا على ( الَّذِينَ ) الأول، ( إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا ) أي: أمرنا وأوصانا في كتبه أن لا نؤمن برسول أي: لا نصدق رسولا يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فيكون دليلا على صدقه، والقربان: كل ما يتقرّب به العبد إلى الله تعالى من نسيكةٍ وصدقةٍ وعملٍ صالحٍ فُعْلان من القربة وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل وكانوا إذا قربوا قربانًا أو غنموا غنيمةً جاءت نارٌ بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي وحفيف فتأكله وتحرق ذلك القربان وتلك الغنيمة فيكون ذلك علامة القبول وإذا لم يُقبل بقيت على حالها.

وقال السدي: إن الله تعالى أمر بني إسرائيل من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد، فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان قال الله تعالى إقامة للحجة عليهم، ( قُلْ ) يا محمد ( قَدْ جَاءَكُمْ ) يا معشر اليهود ( رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ ) القربان ( فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ ) يعني: زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء، وأراد بذلك أسلافهم فخاطبهم بذلك لأنهم رضوا بفعل أسلافهم ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) معناه تكذيبهم مع علمهم بصدقك، كقتل آبائهم الأنبياء، مع الإتيان بالقربان والمعجزات، ثم قال معزيا لنبيه صلى الله عليه وسلم:

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ( 184 ) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ( 185 )

( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ) قرأ ابن عامر « وبالزبر » أي: بالكتب المزبورة يعني: المكتوبة، واحدها زبور مثل: رسول ورُسُل، ( وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) الواضح المضيء.

قوله عز وجل: ( كُلّ نَفْسٍ ) منفوسة، ( ذَائِقَة الْمَوْتِ ) وفي الحديث: « لمّا خلق الله تعالى آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها فوعدَها أن يرُدَّ فيها ما أخذ منها فما من أحد إلا يدفن في التربة التي خلق منها » ، ( وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ ) توفون جزاء أعمالكم، ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ( فَمَنْ زُحْزِحَ ) نُجيِّ وأزيل، ( عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) ظفر بالنجاة ونجا من الخوف، ( وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلا مَتَاع الْغُرُورِ ) يعني منفعة ومتعة كالفأس والقدر والقصعة ثم تزول ولا تبقى.

وقال الحسن: كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل له.

قال قتادة: هي متاع متروكة يوشك أن تضمحل بأهلها فخذوا من هذا المتاع بطاعة الله ما استطعتم والغرور: الباطل.

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا بن هارون، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يقول الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سمعتْ ولا خطر على قلب بشر » واقرءوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( السجدة - 17 ) وإنَّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرءوا إن شئتم: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ( الواقعة - 30 ) ولموضعُ سوطِ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها واقرءوا إن شئتم ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغُرور ) .

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ( 186 )

( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) الآية قال عكرمة ومقاتل والكلبي وابن جريج: نـزلت الآية في أبي بكر وفنحاص بن عازوراء. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص بن عازوراء سيد بني قينقاع ليستمدّه، وكتب إليه كتابًا وقال لأبي بكر رضي الله عنه « لا تفتاتَنَّ عليّ بشيء حتى ترجع » فجاء أبو بكر رضي الله عنه وهو متوشح بالسيف فأعطاه الكتاب فلما قرأه قال: قد احتاج ربُّك إلى أن نمده، فهم أبو بكر رضي الله عنه أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تفتاتَنَّ علي بشيء حتى ترجع » فكف فنـزلت هذه الآية .

وقال الزهري: نـزلت في كعب بن الأشرف فإنه كان يهجو رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويسبُّ المسلمين، ويحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ويشبب بنساء المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « من لي بابن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله » ؟.

فقال محمد بن مسلمة الأنصاري: أنا لك يا رسول الله، أنا أقتله قال: « فافعل إن قدرت على ذلك » .

فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثًا لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق نفسه، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه وقال له: لم تركتَ الطعامَ والشرابَ؟ قال: يا رسول الله قلت قولا ولا أدري هل أفي به أم لا فقال: إنما عليك الجهد.

فقال: يا رسول الله إنه لا بد لنا من أن نقول قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك، فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسَلْكانُ بن سلام وأبو نائلة، وكان أخا كعب من الرضاعة، وعباد بن بشر والحارث بن أوس وأبو عيسى بن جُبير فمشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجّههم، وقال: « انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم » ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في ليلة مقمرة.

فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فقدّموا أبا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا الشعر، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكْتُمْ عليّ قال أفعل قال: كان قدوم هذا الرجل بلادنا بلاءً عادتنا العربُ ورمونا عن قوس واحدة، وانقطعت عنا السبل حتى ضاعت العيال وجهدت الأنفس، فقال كعب: أنا ابن الأشرف أمَا والله لقد كنت أخبرتك يا بن سلامة أن الأمر سيصير إلى هذا، فقال أبو نائلة: إن معي أصحابا أردنا أن تبيعنا طعامَك ونرهنك ونوثّق لك وتحسن في ذلك قال: أترهنوني أبناءكم قال : إنا نستحي إن يعير أبناؤنا فيقال هذا رهينةُ وَسْقٍ وهذا رهينة وسْقَينْ قال: ترهنوني نساءكم قالوا: كيف نرهُنك نساءنا وأنت أجمل العرب ولا نأمنك وأية امرأة تمتنع منك لجمالك؟ ولكنا نرهنك الحلقة يعني: السلاح وقد علمت حاجتنا إلى السلاح، قال: نعم وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح إذا رآه فوعده أن يأتيه فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم خبره.

فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ليلا فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس، فوثب من ملحفته فقالت امرأته: أسمع صوتا يقطر منه الدم، وإنك رجل محارب وإن صاحب الحرب لا ينـزل في مثل هذه الساعة فكلِّمْهم من فوق الحصن فقال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة وإن هؤلاء لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، وإن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب، فنـزل إليهم فتحدث معهم ساعة ثم قالوا: يا بن الأشرف هل لك إلى أن نتماشى إلى شعب العجوز نتحدث فيه بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن شئتم؟ فخرجوا يتماشون وكان أبو نائلة قال: لأصحابه إني فاتل شعره فأشّمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، ثم إنه شامَ يدَه في فودِ رأسه ثم شَمَّ يدَه فقال: ما رأيت كالليلة طيبَ عروس قط، قال: إنه طيب أم فلان يعني امرأته، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة فعاد لمثلها ثم أخذ بفودي رأسه حتى استمكن ثم قال: اضربوا عدو الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحةً لم يبق حولَنَا حصن إلا أوقدت عليه نار، قال فوضعته في ثندوته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدو الله، وقد أُصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسيافنا، فخرجنا وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث ونـزفه الدم، فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارَنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل كعب وجئنا برأسه إليه وتفل على جُرح صاحبنا.

فرجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود وقعتنا بعدو الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه » فوثب مُحَيَّصَةُ بن مسعود على سُنَيْنَة رجل من تجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حُوَيِّصَة بن مسعود إذْ ذَاك لم يُسْلم وكان أسنَّ من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أيْ عدو الله قتلته أما والله لرُبّ شحم في بطنك من ماله.

قال محيصة: والله لو أمرني بقتلك من أمرني بقتله لضربت عنقك، قال: لو أمركَ محمد بقتلي لقتلتني؟ قال: نعم قال والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب؟ ! فأسلم حويصة وأنـزل الله تعالى في شأن كعب: ( لَتُبْلَوُنّ ) لتخبرنّ اللام للتأكيد وفيه معنى القسم، والنون لتأكيد القسم ( فِي أَمْوَالِكُمْ ) بالجوائح والعاهات والخسران ( وَأَنْفُسِكُمْ ) بالأمراض وقيل: بمصائب الأقارب والعشائر، قال عطاء: هم المهاجرون أخذ المشركون أموالهم ورِبَاعَهم وعذّبُوهم وقال الحسن: هو ما فرض عليهم في أموالهم وأنفسهم من الحقوق، كالصلاة والصيام والحج والجهاد والزكاة، ( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) يعني: اليهود والنصارى، ( وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ) يعني: مشركي العرب، ( أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا ) على أذاهم ( وَتَتَّقُوا ) الله ، ( فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ ) من حق الأمور وخيرها وقال عطاء: من حقيقة الإيمان.