وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ( 45 ) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ( 46 )

( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ) منكم فلا تستنصِحُوهم فإنهم أعداؤكم، ( وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ) قال الزجاج: معناه اكتفُوا بالله وليًا واكتفوا بالله نصيرًا.

( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا ) قيل: هي متصلة بقوله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا ) وقيل: هي مستأنفة، معناه: من الذين هادُوا مَنْ يُحرِّفون، كقوله تعالى: وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ( الصافات - 164 ) أي: مَنْ له مقام معلوم، يُريدُ: فريقٌ، ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ) يُغَيِّروُنَ الكلم ( عَنْ مَوَاضِعِهِ ) يعني: صفة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت اليهود يأتون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الأمر، فيُخبرهم، فيرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفُوا من عنده حرَّفُوا كلامَه، ( وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا ) قولك ( وَعَصَيْنَا ) أمرك، ( وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ) أي: اسمعْ منّا ولا نسمع منك، ( غَيْرَ مُسْمَعٍ ) أي: غير مقبول منك، وقيل: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اسمع، ثم يقولونَ في أنفسهم: لا سمعت، ( وَرَاعِنَا ) أي: ويقولون راعِنَا، يُريدُونَ به النسبة إلى الرُّعونة، ( لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ) تحريفا ( وَطَعْنًا ) قدحا ( فِي الدِّينِ ) أن قوله: « وراعنا » من المراعاة، وهم يحرِّفُونه، يُريدون به الرُّعونة، ( وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا ) أي: انظر إلينا مكان قولهم رَاعِنا، ( لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ ) أي أعدل وأصوب، ( وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ) إلا نفرًا قليلا منهم، وهو عبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ( 47 )

قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) يُخاطب اليهود، ( آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا ) يعني: القرآن، ( مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ) يعني: التوراة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كلَّم أحبار اليهود: عبد الله بن صوريا وكعب بن الأشرف، فقال: « يا معشر اليهود اتَّقُوا الله وأسلموا، فوالله إنّكم لتعلمون أنّ الذي جئْتُكم به لحق » ، قالوا: ما نعرف ذلك، وأصروا على الكفر، فنـزلت هذه الآية .

( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا ) قال ابن عباس: نجعلها كخف البعير، وقال قتادة والضحاك: نُعميها ، والمراد بالوجه العين، ( فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ) أي: نطمسُ الوجه فنرده على القفا، وقيل: نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة، لأن منابت شعور الآدميين في أدبارهم دون وجوههم، وقيل: معناه نمحو آثارها وما فيها من أنف وعين وفم وحاجب فنجعلها كالأقفاء، وقيل: نجعل عينيه على القفا فيمشي قهقرى .

روي أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه لمّا سَمِعَ هذه الآية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله، ويده على وجهه، وأسلم وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي، وكذلك كعب الأحبار لما سمع هذه الآية أسلم في زمن عمر رضي الله عنه، فقال: يا رب آمنتُ، يا رب أسلمتُ، مخافة أن يصيبَهُ وعيدُ هذه الآية .

فإن قيل: قد أوعدهم بالطمس إن لم يُؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يُفعل بهم ذلك؟ .

قيل: هذا الوعيد باق، ويكون طمسٌ ومسخٌ في اليهود قبل قيام الساعة.

وقيل: كان هذا وعيدًا بشرط، فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه دفع ذلك عن الباقين.

وقيل: أراد به القيامة، وقال مجاهد أراد بقوله: ( نَطْمِسَ وُجُوهًا ) أي: نتركهم في الضلالة، فيكون المراد طمس وجه القلب، والردّ عن بصائر الهدى على أدبارها في الكفر والضلالة.

وأصل الطمس: المحو والإفساد والتحويل، وقال ابن زيد: نمحُو آثارَهم من وجوههم ونواحيهم التي هم بها، فنردّها على أدبارهم؟ حتى يعودوا إلى حيث جاءوا منه بدءًا وهو الشام، وقال: قد مضى ذلك، وتأوله في إجلاء بني النضير إلى أذرعات وأريحاء من الشام ( أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) فنجعلهم قردة وخنازير، ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا )

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ( 48 )

( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) قال الكلبي: نـزلت في وحشي بن حرب وأصحابه، وذلك أنه لمّا قتل حمزة كان قد جعل له على قتله أن يُعتق فلم يُوَفَّ له بذلك، فلما قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا قد ندمنا على الذي صنعنا وأنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ الآيات ( الفرقان - 68 ) ، وقد دعونا مع الله إلهًا آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله وزنينا، فلولا هذه الآيات لاتبعناك، فنـزلت: إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا الآيتين، ( الفرقان - 70 - 71 ) فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلمّا قرأوا كتبوا إليه: إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملا صالحًا، فنـزل : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، فبعث بها إليهم فبعثوا إليه: إنّا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنـزلت: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ( الزمر - 53 ) ، فبعث بها إليهم فدخلوا في الإسلام ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل منهم، ثم قال لوحشي: أخبرني كيف قتلتَ حمزة؟ فلمّا أخبره قال: « ويحك غيّب وجهك عني » ، فلحق وحشي بالشام فكان بها إلى أن مات .

وقال أبو مجلز عن ابن عمر رضي الله عنه لمّا نـزلت: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، الآية قام رجل فقال: والشرك يا رسول الله، فسكتَ ثم قام إليه مرتين أو ثلاثا فنـزلت ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) .

وقال مُطرف بن عبد الله بن الشخير: قال ابن عمر رضي الله عنه: كنا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار حتى نـزلت هذه الآية ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) فأمسكنا عن الشهادات .

حكي عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية أرجى آية في القرآن « ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » .

( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى ) اختلق، ( إِثْمًا عَظِيمًا ) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا محمد بن حماد، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلُ فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: « مَنْ مات لا يُشركُ بالله شيئا دخل الجنة، ومَنْ مات يشركُ بالله شيئا دخل النار » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا أبو معمر، أنا عبد الوارث، عن الحسين يعني: المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعَمُر حدثه أن أبا الأسود الدؤلي حدّثه أن أبا ذر حدّثه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبٌ أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: « ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة » قلتُ: وإنْ زنى وإنْ سرق؟ قال « وإنْ زنى وإنْ سرق » قلتُ: وإنْ زنى وإنْ سرق ؟ قال: « وإنْ زنى وإنْ سرق » قلتُ: وإنْ زنى وإنْ سرق؟ قال: « وإنْ زنى وإنْ سرق على رَغْمِ أنفِ أبي ذر » ، وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإنْ رغم أنف أبي ذر .

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا ( 49 )

قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ) الآية، قال الكلبي: نـزلت في رجال من اليهود منهم بحري بن عمرو والنعمان بن أوفى ومرحب بن زيد، أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا قالوا: ما نحن إلا كهيئتهم، ما عَمِلْنا بالنهار يُكفَّر عنا بالليل، وما عَمِلْنَا بالليل يُكفّر عنا بالنهار، فأنـزل الله تعالى هذه الآية. .

وقال مجاهد وعكرمة: كانوا يُقدِّمون أطفالهم في الصلاة، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم، فتلك التزكية.

وقال الحسن والضحاك وقتادة ومقاتل: نـزلت في اليهود والنصارى حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه، وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ( البقرة - 111 ) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هو تزكية بعضهم لبعض، روى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال: إن الرجل ليغدو من بيته ومعه دِينُه فيأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضرًا ولا نفعًا فيقول: والله إنك كيتَ وكيتَ!! ويرجع إلى بيته وما معه من دينه شيء، ثم قرأ: « ألم تَرَ إلى الذين يُزَكُّون أنفسهم » ، الآية. قوله تعالى: ( بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي ) أي: يطهر ويبرئ من الذنوب ويصلح، ( مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا ) وهو اسم لما في شقِّ النَّواة، والقطمير اسم للقشرة التي على النَّواة، والنقير اسم للنقطة التي على ظهر النَّواة، وقيل: الفتيل من الفتل وهو ما يجعل بين الأصبعين من الوسخ عند الفتل.

انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا ( 50 ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا ( 51 )

قوله تعالى: ( انْظُر ) يا محمد، ( كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ ) يختلقون على الله، ( الْكَذِبَ ) في تغييرهم كتابه، ( وَكَفَى بِهِ ) بالكذب ( إِثْمًا مُبِينًا )

قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) اختلفوا فيهما فقال عكرمة: هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله، وقال أبو عبيدة: هما كل معبود يُعبد من دون الله. قال الله تعالى أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( النحل - 36 ) ، وقال عمر: الجِبْتُ: السحر، والطاغُوتُ: الشيطان. وهو قول الشعبي ومجاهد. وقيل: الجِبتُ: الأوثان، والطاغوت: شياطين الأوثان. ولكل صنمٍ شيطان، يُعبِّر عنه، فيغترُّ به الناس. وقال محمد بن سيرين ومكحول: الجبتُ: الكاهن، والطاغوتُ: الساحر. وقال سعيد بن جبير وأبو العالية: الجبتُ: الساحر بلسان الحبشة، والطاغوتُ: الكاهن. ورُوي عن عكرمة: الجبتُ بلسان الحبشة: شيطان.

وقال الضحاك: الجبت: حُييُّ بن أخطب، والطاغوتُ: كعب بن الأشرف. دليله قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ( النساء - 60 ) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحيٌ أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، أنا أحمد بن منصور الرمادي، أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عوف العبدي عن حيان عن قَطَن بن قُبيصة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « العِيَافَةُ والطَّرْقُ والطِّيَرةُ مِنَ الجِبْتِ » .

وقيل: الجبتُ كل ما حرم الله، والطاغوت كلُّ ما يُطغي الإنسان.

( وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا ) قال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكبًا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد ليُحالِفُوا قريشًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنـزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه، ونـزلت اليهود في دُور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمَنُ أن يكون هذا مكرًا منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا ذلك، فذلك قوله تعالى: ( يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ )

ثم قال كعب لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون ومنّا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد ربَّ هذا البيت لنجهدنّ على قتال محمد ففعلوا.

ثم قال أبو سفيان لكعب: إنّك امرؤٌ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أمّيُّون لا نعلم، فأينا أهدَى طريقة، نحنُ أم محمد؟

قال كعب: اعرضُوا عليَّ دينكم.

فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونُعمّر بيتَ ربِّنا ونطوف به ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم، ودينُنا القديم ودينُ محمد الحديث.

فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد فأنـزل الله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ) يعني: كعبًا وأصحابه ( يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) يعني: الصنمين ( وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) أبي سفيان وأصحابه ( هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا ) محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ( سبيلا ) دينا.