وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ( 102 )

قوله تعالى: ( وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم أن المشركين لمّا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى الظهر يُصلون جماعة ندموا أن لو كانوا كبُّوا عليهم، فقال بعضهم لبعض: دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، يعني صلاة العصر، فإذا قاموا فيها فشدُّوا عليهم فاقتلوهم، فنـزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنها صلاة الخوف وإن الله عز وجل يقول: ( وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) فعلّمه صلاة الخوف .

وجملته: أن العدو إذا كانوا في معسكرهم في غير ناحية القبلة فيجعل الإمام القوم فرقتين فتقف طائفة وجاه العدو تحرسُهم، ويشرع الإمام مع طائفة في الصلاة، فإذا صلى بهم ركعة قام وثبت قائمًا حتى أتموا صلاتهم، ذهبوا إلى وِجَاه العدو ثم أتت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة الثانية، وثبت جالسًا حتى أتموا لأنفسهم الصلاة، ثم يُسَلِّم بهم، وهذه رواية سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بذات الرقاع، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.

أنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفّت معه وصفت طائفة وجَاهَ العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائمًا فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفةُ الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسم ثم سلّم بهم . قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا مسدد أنا يحيى عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا .

وذهب قوم إلى أن الإمام إذا قام إلى الركعة الثانية تذهب الطائفة الأولى في خلال الصلاة إلى وِجَاهِ العدو وتأتي الطائفة الثانية فيُصلي بهم الركعة الثانية ويسلّم وهم لا يسلمون بل يذهبون إلى وِجَاهِ العدو، وتعود الطائفة الأولى فتتُّم صلاتَها، ثم تعود الطائفة الثانية فتتُّم صلاتَها، وهذه رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك. وهو قول أصحاب الرأي.

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، أنا أبو عيسى الترمذي، أنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، أنا يزيد بن زريع، أنا معمر، عن الزهري، عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم بهم، فقام هؤلاء فصلوا ركعتهم .

وكلتا الروايتين صحيحة، فذهب قوم إلى أن هذا من الاختلاف المباح، وذهب الشافعي رضي الله عنه إلى حديث سهل بن أبي حثمة لأنه أشد موافقة لظاهر القرآن وأحوط للصلاة وأبلغ في حراسة العدو، وذلك لأن الله تعالى قال: ( فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ) أي: إذا صلّوا، ثم قال: ( وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا ) وهذا يدل على أن الطائفة الأولى قد صلوا، وقال: ( فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ) فمقتضاه أن يصلوا تمام الصلاة، فظاهره يدل أن كل طائفة تفارق الإمام بعد تمام الصلاة، والاحتياط لأمر الصلاة من حيث إنه لا يكثر فيها العمل والذهاب والمجيء والاحتياط لأمر الحرب من حيث إنهم إذا لم يكونوا في الصلاة كان أمكن للحرب والهرب إن احتاجوا إليه.

ولو صلى الإمام أربع ركعات بكل طائفة ركعتين جاز. أنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين الإسفرايني، أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ، قال أنا الضعاني، أنا عفان بن مسلم، ثنا أبان العطار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنّا بذات الرقاع وكنّا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلّق بشجرة فأخذ سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك، قال فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأغمد السيف وعلّقه فنُودي بالصلاة، قال فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين: قال: فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان « . »

أخبرنا عبد الوهاب بن الخطيب، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي أخبرني الثقة ابن علية أو غيره، عن يونس، عن الحسن، عن جابر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخل، فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم .

وروي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أنه صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا « ورواه زيد بن ثابت وقال: » كانت للقوم ركعة واحدة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان « . »

وتأوله قوم على صلاة شدة الخوف، وقالوا: الفرض في هذه الحالة ركعة واحدة.

وأكثر أهل العلم على أن الخوف لا ينقص عدد الركعات، وإن كان العدو في ناحية القبلة في مستوى إن حملوا عليهم رأوهم صلى الإمام بهم جميعا وحرسوا في السجود، كما أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنا أبو نعيم الإسفرايني، أنا أبو عوانة الحافظ، أنا عمار، أنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين، والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعًا ثم ركع وركعنا جميعًا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر للسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر نحر العدو فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود [ ثم قاموا ثم ] تقدم الصف المؤخر، وتأخر المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا قال جابر رضي الله عنه: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم .

واعلم أن صلاة الخوف جائزة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. عند عامة أهل العلم. ويحكى عن بعضهم عدم الجواز ولا وجه له.

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: كل حديث روي في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز، روي فيها ستة أوجه أو سبعة أوجه.

وقال مجاهد في سبب نـزول هذه الآية عن ابن عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم، وهم في الصلاة فنـزلت الآية بين الظهر والعصر.

قوله تعالى: ( وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ ) أي: شهيدًا معهم فأقمت لهم الصلاة، ( فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) أي: فلتقف، كقوله تعالى: وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ( البقرة - 20 ) أي: وقفوا، ( وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ) واختلفوا في الذين يأخذون أسلحتهم، فقال بعضهم: أراد هؤلاء الذين وقفوا مع الإمام يصلّون يأخذون الأسلحة في الصلاة، فعلى هذا إنما يأخذه إذا كان لا يشغله عن الصلاة، ولا يُؤْذي مَنْ بجنبه [ فإذا شغلته حركته وثَقّلَتْهُ عن الصلاة كالجعبة والترس الكبير أو كان يؤذي من جنبه ] كالرمح فلا يأخذه.

وقيل: وليأخذوا أسلحتهم أي: الباقون الذين قاموا في وجه العدو، ( فَإِذَا سَجَدُوا ) أي: صلوا، ( فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ) يريد مكان الذين هم وِجَاه العدو، ( وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا ) وهم الذين كانوا في وجه العدو، ( فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) قيل: هؤلاء الذين أتوا، وقيل: هم الذين صلّوا، ( وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يتمنى الكفار، ( لَوْ تَغْفُلُونَ ) أي: لو وجدُوكم غافلين، ( عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ) فيقصدونَكم ويحملون عليكم حملة واحدة.

( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ) رخّص في وضع السلاح في حال المطر والمرض، لأن السلاح يثقل حمله في هاتين الحالتين، ( وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) أي: راقبوا العدو كيلا يتغفلوكم، والحذر ما يُتقَى به من العدو.

وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما نـزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه غزا محاربًا وبنى أنمار، فنـزلوا ولا يرون من العدو أحدًا، فوضع الناس أسلحتهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة له قد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء تَرُشّ، فَحَاَل الوادي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فبصرَ به غَوْرَثُ بن الحارث المحاربي فقال: قتلني الله إن لم أقتله، ثم انحدر من الجبل ومعه السيف فلم يشعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سَلَّه من غِمْدِهِ فقال: يا محمد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله، ثم قال: اللّهم اكفني غورث بن الحارث بما شئتَ، ثم أهوى بالسيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه فأكبَّ لوجهِهِ من زَلْخٍة زُلِخَهَا من بين كتفيه، وندر سيفه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم قال: يا غورث من يمنعك مني الآن؟ قال: لا أحد، قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وأعطيكَ سيفكَ؟ قال: لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبدًا ولا أعين عليك عدوًا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه، فقال غورث: والله لأنت خير مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجل أنا أحق بذلك منك، فرجع غورث إلى أصحابه فقالوا: ويلك ما منعك منه؟ قال: لقد أهويُت إليه بالسيف لأضربه فوالله ما أدري من زلخني بين كتفي فخررت لوجهي، وذكر حاله قال: وسكن الوادي فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم هذه الآية: ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) أي: من عدوِّكم.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية كان عبد الرحمن بن عوف جريحًا.

( إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ) يُهانُون فيه، والجُنَاح: الإثم، من جنحت: إذا عدلت عن القصد.

فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ( 103 )

( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ ) يعني: صلاة الخوف، أي: فرغتم منها، ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ ) أي صلُّوا لله ( قِيَامًا ) في حال الصحة، ( وَقُعُودًا ) في حال المرض، ( وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ) عند الحرج والزمانة، وقيل: اذكروا الله بالتسبيح والتحميد والتهليل والتمجيد، على كل حال.

أخبرنا عمرو بن عبد العزيز الكاشاني، أنا القاسم بن جعفر الهاشمي، أنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، أنا أبو داود السجستاني، أنا محمد بن العلاء، أنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن خالد بن سلمة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكُر الله على كل أحيانه » .

( فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ ) أي: سكنتم وأمنتم، ( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) أي: أتموها أربعًا بأركانها، ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) قيل: واجبًا مفروضًا مقدرًا في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتان، وقال مجاهد: أي فرضًا مؤقّتًا وقتَّه الله عليهم.

وقد جاء بيان أوقات الصلاة في الحديث، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا أبو بكر عبد الله بن هاشم، حدثنا وكيع، أنا سفيان، عن عبد الرحمن بن الحارس، عن عياش بن أبي ربيعة الزرقي، عن حكيم بن حكيم عن عبَّاد بن حُنَيفْ، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمَّني جبريلُ عند البيت مرتين فصلّى بي المغرب حينَ أفطر الصائم، وصلّى بي العشاءَ حينَ غابَ الشّفقُ، وصلّى بي الفجرَ حين حَرُمَ الطعامُ والشرابُ على الصائم، وصلّى بي الغد الظهرَ حين كان ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله، وصلّى بي العصَر حين كان ظِلُّ كل شيء مثليه، وصلّى بي المغربَ حينَ أفطرَ الصائم، وصلّى بي العشاء ثُلُثَ الليل الأول، وصلّى بي الفجرَ فأسفر، ثم التفتَ إلي قال: يا محمد هذا وقتُ النبيين من قبلك، الوقتُ ما بين هذين الوقتين » .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو بكر بن الحسن الحيري، أنا وكيع، أنا حاجب بن أحمد، ثنا عبد الله بن هشام، ثنا وكيع ثنا بدر بن عثمان، ثنا أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن سائلا أتاه فسأله عن مواقيت الصلاة، قال: فلم يردَّ عليه شيئًا ثم أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الصلاةَ حين انشقَّ الفجرُ فصلى، ثم أمره فأقام الظهرَ، والقائل يقول: قد زالت الشمس أو لم تزل، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام العصرَ والشمس مرتفعةٌ بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغربَ حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاءَ حين سقوط الشفقِ، قال: وصلى الفجرَ من الغد، والقائل يقول: طلعتِ الشمسُ أو لم تطلع، وصلى الظهر قريبًا من وقت العصر بالأمس وصلى العصر والقائل يقول قد احمرَّتِ الشمسُ وصلّى المغربَ قبل أن يغيبَ الشفقُ الأحمر، وصلى العشاء ثُلُثَ الليل الأول، ثم قال: أين السائل عن الوقت؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: « ما بين هذين الوقتين وقت » .

وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 104 )

قوله تعالى: ( وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ) الآية، سبب نـزولها أن أبا سفيان وأصحابه لمّا رجعوا يوم أُحد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة في آثارهم فشكوا ألم الجراحات، فقال الله تعالى: ( وَلا تَهِنُوا ) أي: لا تضعُفوا ( في ابتغاء القوم ) في طلب أبي سفيان وأصحابه، ( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ ) تتوجّعُون من الجراح، ( فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ ) أي: يتوجّعُون، يعني الكفار، ( كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ) أي: وأنتم مع ذلك تأملون من الأجر والثواب في الآخرة والنصر في الدنيا ما لا يرجون، وقال بعض المفسرين: المراد بالرجاء الخوف، لأن كل راج خائف أن لا يدرك مأموله.

ومعنى الآية: وترجون من الله أي: تخافون من الله أي: تخافون من عذاب الله ما لا يخافون، قال الفراء رحمه الله: ولا يكون الرجاء بمعنى الخوف إلا مع الجحد، كقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ( الجاثية - 14 ) أي: لا يخافون، وقال تعالى: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ( نوح - 13 ) أي: لا تخافون لله عظمتَه، ولا يجوز رجوتُك بمعنى: خفتُك ولا خفتُك وأنتَ تريد رجوتك ( وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ( 105 )

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) الآية، روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نـزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق من بني ظفر بن الحارث سرقَ درعًا من جار له يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار، ثم خبأها عند رجل من اليهود، يقال له زيد بن السمين، فالتمست الدرع عند طعمة فحلف: بالله ما أخذها وما له بها من علم، فقال أصحاب الدرع: لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره، فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق إلى منـزل اليهودي فأخذوه منه، فقال اليهودي دفعها إلي طعمة بن أبيرق، فجاء بنو ظفر وهم قوم طعمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يُجادل عن صاحبهم ، وقالوا له: إنك إن لم تفعل افتضح صاحبنا، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعاقب اليهودي. ويُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أخرى أن طعمة سرق الدرع في جراب فيه نخالة فخرق الجراب حتى كان يتناثر منه النخالة طول الطريق فجاء به إلى دار زيد السمين وتركه على بابه، وحمل الدرع إلى بيته، فلما أصبح صاحب الدرع جاء على أثر النخالة إلى دار زيد السمين فأخذه وحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يد زيد اليهودي، وقال مقاتل: إنّ زيدًا السمين أودع درعًا عند طعمة فجحدها طعمة فأنـزل الله تعالى هذه الآية ، فقال: ( إِنَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) بالأمر والنهي والفصل، ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) بما علّمكَ الله وأوحى إليك، ( وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ ) [ طعمة ] ( خَصِيمًا ) معينًا مدافعًا عنه.