وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 106 ) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ( 107 ) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ( 108 )

( وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ) ممّا هممتَ من معاقبة اليهودي، وقال مقاتل: واستغفر الله من جِدَالِكَ عن طعمة ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا )

( وَلا تُجَادِلْ ) لا تُخاصم، ( عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ) أي: يظلمون أنفسَهم بالخيانة والسرقة، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) يريد خوانًا في الدرع، أثيمًا في رميه اليهودي، قيل: إنه خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم، والمُرادُ به غيره، كقوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ ، والاستغفار في حق الأنبياء بعد النبوة على أحد الوجوه الثلاثة: إمّا لذنب تقدم على النبوة أو لذنوب أمته وقرابته، أو لمباح جاء الشرع بتحرِّيهِ فيتركه بالاستغفار، فالاستغفار يكون معناه: السمع والطاعة لحكم الشرع.

( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ) أي: يستترون ويستحيون من الناس، يريد بني ظفر بن الحارث، ( وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ) أي: لا يستترون ولا يستحيون من الله، ( وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ) يقولون ويُؤَلِّفون، والتبييت: تدبير الفعل ليلا ( مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم: نرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمع قوله ويمينه لأنه مسلم ولا يسمع من اليهودي فإنه كافر، فلم يرضَ الله ذلك منهم، ( وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) ثم يقول لقوم طعمة:

هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ( 109 ) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 110 ) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 111 ) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( 112 ) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ( 113 )

( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ ) أي: يا هؤلاء، ( جَادَلْتُم ) أي: خاصمتم، ( عَنْهُم ) يعني: عن طعمة، وفي قراءة أُبيّ بن كعب: عنه ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) والجدال: شدّة المخاصمة من الجَدْل، وهو شدة الفتل، فهو يريد فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج، وقيل: الجدال من الجَدَالة، وهي الأرض، فكأن كل واحد من الخصمين يروم قهرَ صاحبه وصرعه على الجدالة، ( فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ ) يعني: عن طعمة، ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) إذا أخذه الله بعذابه، ( أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ) كفيلا أي: من الذي يذبُّ عنهم، ويتولى أمرهم يوم القيامة؟ ثم استأنف فقال:

( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا ) يعني السرقة، ( أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ) برميه البريء، وقيل: ومَنْ يعمل سوءًا أي: شركًا أو يظلم نفسَه: يعني: إثمًا دونَ الشركِ، ( ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ ) أي: يتبْ إليه ويستغفرْهُ، ( يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) يعرض التوبةَ على طعمة في هذه الآية .

( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا ) يعني : يمين طعمة بالباطل، أي: ما سَرَقْتهُ إنّما سرقه اليهودي ( فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ) فإنّما يضرُّ به نفسَه، ( وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ) بسارق الدرع ( حَكِيمًا ) حَكَم بالقطع على السارق.

( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً ) أي: سرقة الدرع، ( أَوْ إِثْمًا ) يمينه الكاذبة، ( ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ) أي: يقذف بما جَنَى ( بَرِيئًا ) منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي ( فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا ) البهتان: هو البهت، وهو الكذب الذي يُتحيرّ في عِظَمهِ، ( وَإِثْمًا مُبِينًا ) أي: ذنبًا بينًا، وقوله ( ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ) ولم يقلْ بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم، ردَّ الكنايةَ إلى الإثم، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد.

قوله تعالى : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ ) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ( لَهَمَّت ) لقد هَمّتْ أي: أضمرت، ( طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ) يعني: قوم طعمة، ( أَنْ يُضِلُّوكَ ) يخطئوك في الحكم ويلبسوا عليك الأمر حتى تدافع عن طعمة، ( وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ ) يعني يرجع وَبَالُهُ عليهم، ( وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ) يُريد أن ضرره يرجع إليهم، ( وَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) يعني: القرآن، ( وَالْحِكْمَة ) يعني: القضاء بالوحي ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) من الأحكام، وقيل: من علم الغيب، ( وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) .