الجزء الثامن
111. (
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ) كما اقترحوا ( وحشرنا ) جمعنا ( عليهم كل شيء قُبُلا ) بضمتين جمع قبيل أي فوجاً فوجاً وبكسر القاف وفتح
الباء أي معاينة فشهدوا بصدقك ( ما
كانوا ليؤمنوا ) لما
سبق علم الله (
إلا ) لكم ( أن يشاء الله ) إيمانهم فيؤمنوا ( ولكن أكثرهم يجهلون ) ذلك
112. (
وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً ) كما
جعلنا هؤلاء أعداءك ويبدل منه (
شياطين ) مردة ( الإنس والجن يوحي ) يوسوس ( بعضهم إلى بعض زخرف القول ) مموهه من الباطل ( غرورا ) أي ليغروهم ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) أي الإيحاء المذكور ( فذرهم ) دع الكفار ( وما يفترون ) من الكفر غيره مما زين لهم وهذا ما قبل الأمر بالقتال
113. (
ولتصغى ) عطف على
غرورا أي تميل (
إليه ) أي الزخرف
( أفئدة ) قلوب ( الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ) يكتسبوا ( ما هم مقترفون ) من الذنوب فيعاقبوا عليه
114. ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل
بينه وبينهم حكماً ، قل (
أفغير الله أبتغي )
أطلب ( حكما ) قاضيا بيني وبينكم ( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب ) القرآن ( مفصلا ) مبينا فيه الحق من الباطل ( والذين آتيناهم الكتاب ) التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه ( يعلمون أنه منزل ) بالتخفيف والتشديد ( من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ) الشاكين فيه والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق
115. (
وتمت كلمة ربك )
بالأحكام والمواعيد (
صدقا وعدلا ) تمييز ( لا مبدل لكلماته ) بنقص أو خلف ( وهو السميع ) لما يقال ( العليم ) بما يفعل
116. (
وإن تطع أكثر من في الأرض ) أي
الكفار ( يضلوك عن
سبيل الله ) دينه ( إن ) ما
( يتبعون
إلا الظن ) في
مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم ( وإن ) ما
( هم إلا
يخرصون ) يكذبون في
ذلك
117. ( إن
ربك هو أعلم ) أي عالم ( من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فيجازي كلا منهم
118. (
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) أي
ذبح على اسمه ( إن
كنتم بآياته مؤمنين )
119. (
وما لكم أ ) ن ( لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) من الذبائح ( وقد فُصِّل ) بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين ( لكم ما حرم عليكم ) في آية { حرمت عليكم الميتة } ( إلا ما اضطررتم إليه ) منه فهو أيضا حلال لكم المعنى لا مانع لكم من أكل ما
ذكر وقد بين لكم المحرم أكله وهذا ليس منه ( وإن كثيرا ليَضلون ) بفتح الياء وضمها ( بأهوائهم ) بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها ( بغير علم ) يعتمدونه في ذلك ( إن ربك هو أعلم بالمعتدين ) المتجاوزين الحلال إلى الحرام
120. (
وذروا ) اتركوا ( ظاهر الإثم وباطنه ) علانيته وسره والإثم قيل الزنا ، وقيل كل معصية ( إن الذين يكسبون الإثم سيجزون ) في الآخرة ( بما كانوا يقترفون ) يكتسبون
121. (
ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) بأن مات أو ذبح على اسم غيره وإلا فما ذبحه المسلم
ولم يسم فيه عمداً أو نسيانا فهو حلال قاله ابن عباس وعليه الشافعي ( وإنه ) أي الأكل منه ( لفسق ) خروج عما يحل ( وإن الشياطين ليوحون ) يوسوسون ( إلى أوليائهم ) الكفار ( ليجادلوكم ) في تحليل الميتة ( وإن أطعتموهم ) فيه ( إنكم لمشركون )
122. ونزل في أبي جهل وغيره ( أو من كان ميتا ) بالكفر ( فأحييناه ) بالهدى ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان ( كمن مثله ) مثل زائدة أي كمن هو ( في الظلمات ليس بخارج منها ) وهو الكافر ؟ لا ( كذلك ) كما زين للمؤمنين الإيمان ( زين للكافرين ما كانوا يعملون ) من الكفر والمعاصي
123. (
وكذلك ) كما جعلنا
فساق مكة أكابرها (
جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ) بالصد عن الإيمان ( وما يمكرون إلا بأنفسهم ) لأن وباله عليهم ( وما يشعرون ) بذلك
124. (
وإذا جاءتهم ) أي أهل مكة
( آية ) على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ( قالوا لن نؤمن ) به ( حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ) من الرسالة والوحي إلينا لأنا أكثر مالا وأكبر سنا قال
تعالى ( الله أعلم
حيث يجعل رسالاته )
بالجمع والإفراد ، وحيث مفعول به لفعل دل عليه أعلم أي يعلم الموضع الصالح لوضعها
فيه فيضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها ( سيصيب الذين أجرموا ) بقولهم ذلك ( صغار ) ذل ( عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) أي بسبب مكرهم
125. (
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في
حديث ( ومن يرد ) الله ( أن يضله يجعل صدره ضيْقا ) بالتخفيف والتشديد عن قبوله ( حرِجا ) شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف فيه
مبالغة ( كأنما
يصَّعد ) وفي قراءة
{ يصَّاعد } وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي أخرى بسكونها ( في السماء ) إذا كلف الإيمان لشدته عليه ( كذلك ) الجعل ( يجعل الله الرجس ) العذاب أو الشيطان أي يسلطه ( على الذين لا يؤمنون )
126. (
وهذا ) الذي أنت
عليه يا محمد (
صراط ) مستقيم ( ربك مستقيماً ) لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكد للجملة والعامل
فيها معنى الإشارة ( قد
فصلنا ) بينا ( الآيات لقوم يذَّكَّرون ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظون وخصوا
بالذكر لأنهم المنتفعون
127. (
لهم دار السلام ) أي
السلامة وهي الجنة (
عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون )
128. ( و ) اذكر ( يوم يحشرهم ) بالنون والياء أي الله الخلق ( جميعا ) ويقال لهم ( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) باغوائكم ( وقال أولياؤهم ) الذين أطاعوهم ( من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ) انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات والجن بطاعة
الإنس لهم ( وبلغنا
أجلنا الذي أجلت لنا ) وهو
يوم القيامة وهذا تحسر منهم (
قال ) تعالى لهم
على لسان الملائكة (
النار مثواكم ) مأواكم ( خالدين فيها إلا ما شاء الله ) من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها
كما قال تعالى { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } وعن ابن عباس أنه فيمن علم الله أنهم
يؤمنون فما بمعنى من ( إن
ربك حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
129. (
وكذلك ) لما متعنا
عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض (
نولي ) من الولاية
( بعض
الظالمين بعضاً ) أي
على بعض ( بما كانوا
يكسبون ) من المعاصي
130. ( يا
معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإنس أو رسل الجن
نذرهم الذين يستمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم ( يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا
شهدنا على أنفسنا ) أن
قد بلغنا قال تعالى (
وغرتهم الحياة الدنيا ) فلم
يؤمنوا ( وشهدوا
على أنفسهم أنهم كانوا كافرين )
131. (
ذلك ) أي إرسال
الرسل ( أن ) اللام مقدرة وهي مخففة أي لأنه ( لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) منها ( وأهلها غافلون ) ألم يرسل إليهم رسول يبين لهم
132. (
ولكل ) من
العاملين ( درجات ) جزاء ( مما عملوا ) من خير وشر ( وما ربك بغافل عما يعملون ) بالياء والتاء
133. (
وربك الغني ) عن خلقه
وعبادتهم ( ذو الرحمة
إن يشأ يذهبكم ) يا
أهل مكة بالإهلاك (
ويستخلف من بعدكم ما يشاء ) من
الخلق ( كما
أنشأكم من ذرية قوم آخرين )
أذهبهم ولكنه أبقاكم رحمة لكم
134. ( إن
ما توعدون ) من الساعة
والعذاب ( لآت ) لا محالة ( وما أنتم بمعجزين ) فائتين عذابنا
135. ( قل
) لهم ( يا قوم اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إني عامل ) على حالتي ( فسوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( تكون له عاقبة الدار ) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم ( إنه لا يفلح ) يسعد ( الظالمون ) الكافرون
136. (
وجعلوا ) أي كفار
مكة ( لله مما
ذرأ ) خلق ( من الحرث ) الزرع ( والأنعام نصيبا ) يصرفونه إلى الضيفان والمساكين ولشركائهم نصيبا
يصرفونه إلى سدنتها (
فقالوا هذا لله بزعمهم )
بالفتح والضم (
وهذا لشركائنا )
فكانوا إذا سقط في نصيب الله شيء من نصيبها التقطوه أو في نصيبها شيء من نصيبه
تركوه وقالوا إن الله غني عن هذا كما قال تعالى ( فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ) أي لجهته ( وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ) بئس ( ما يحكمون ) حكمهم هذا
137. (
وكذلك ) كما زين
لهم ما ذكر ( زَيَّنَ
لكثير من المشركين قتلَ أولادِهم ) بالوأد ( شركاؤُهم ) من الجن بالرفع ، فاعل زيَّنَ وفي قراءة ببناءه
للمفعول ورفع قتل ونصب الأولاد به وجر شركائهم باضافته وفيه الفصل بين المضاف
والمضاف إليه بالمفعول ولا يضر وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم به ( ليردوهم ) يهلكوهم ( وليلبسوا ) يخلطوا ( عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون )
138. (
وقالوا هذه أنعام وحرث حجر )
حرام ( لا يطعمها
إلا من نشاء ) من خدمة
الأوثان وغيرهم (
بزعمهم ) أي لا حجة
لهم فيه ( وأنعام
حرمت ظهورها ) فلا تركب
كالسوائب والحوامي (
وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) عند ذبحها بل يذكرون اسم أصنامهم ونسبوا ذلك إلى الله
( افتراء
عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون )
عليه
139. (
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام )
المحرمة وهي السوائب والبحائر (
خالصة ) حلال ( لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) أي النساء ( وإن يكن ميتة ) بالرفع والنصب مع تأنيث الفعل وتذكيره ( فهم فيه شركاء سيجزيهم ) الله ( وصفهم ) ذلك بالتحليل والتحريم أي جزاءه ( إنه حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
140. ( قد
خسر الذين قتلوا ) بالتخفيف
والتشديد ( أولادهم ) بالوأد ( سفها ) جهلا ( بغير علم وحرموا ما رزقهم الله ) مما ذكر ( افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين )
141. (
وهو الذي أنشأ ) خلق
( جنات ) بساتين ( معروشات ) مبسوطات على الأرض كالبطيخ ( وغير معروشات ) بأن ارتفعت على ساق كالنخل ( و )
أنشأ ( النخل
والزرع مختلفا أكله )
ثمره وحبه في الهيئة والطعم (
والزيتون والرمان متشابهاً )
ورقُهُما ، حال (
وغير متشابه ) طعمهما ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) قبل النضج ( وآتوا حقه ) زكاته ( يوم حصاده ) بالفتح والكسر من العشر أو نصفه ( ولا تسرفوا ) بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء ( إنه لا يحب المسرفين ) المتجاوزين ما حد لهم
142. ( و ) أنشأ ( من الأنعام حمولة ) صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار ( وفَرْشا ) لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم سميت فرشا لأنها
كالفرش للأرض لدنوها منها (
كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) طرائقه من التحريم والتحليل ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
143. (
ثمانية أزواج ) أصناف بدل
من حمولة وفرشا ( من
الضأن ) زوجين ( اثنين ) ذكر وأنثى ( ومن المعز ) بالفتح والسكون ( اثنين قل ) يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب
ذلك إلى الله (
آلذكرين ) من الضأن
والمعز ( حرم ) الله عليكم ( أم الأنثيين ) منهما ( أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ) ذكراً كان أو أنثى ( نبئوني بعلم ) عن كيفية تحريم ذلك ( إن كنتم صادقين ) فيه ، المعنى من أين جاء التحريم فإن كان من قبل
الذكورة فجميع الذكور حرام أو الأنوثة فجميع الإناث أو اشتمال الرحم فالزوجان فمن
أين التخصيص؟ والاستفهام للإنكار
144. (
ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه
أرحام الأنثيين أم ) بل
( كنتم
شهداء ) حضوراً ( إذ وصاكم الله بهذا ) التحريم فاعتمدتم ذلك لا بل أنتم كاذبون فيه ( فمن ) أي
لا أحد ( أظلم ممن
افترى على الله كذبا )
بذلك ( ليضل
الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
145. ( قل
لا أجد فيما أوحي إلي )
شيئاً ( محرماً
على طاعم يطعمه إلا أن يكون )
بالياء والتاء (
ميتة ) بالنصب وفي
قراءة بالرفع مع التحتانية ( أو
دما مسفوحا ) سائلا
بخلاف غيره كالكبد والطحال ( أو
لحم خنزير فإنه رجس )
حرام ( أو ) إلا أن يكون ( فسقا أهل لغير الله به ) أي ذبح على اسم غيره ( فمن اضطر ) إلى شيء مما ذكر فأكله ( غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور ) له ما أكل ( رحيم ) به ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب
من الطير
146. (
وعلى الذين هادوا ) أي
اليهود ( حرمنا كل
ذي ظفر ) وهو ما لم
تفرق أصابعه كالإبل والنعام (
ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ) الثروب وشحم الكلي ( إلا ما حملت ظهورهما ) أي ما علق بها منه ( أو )
حملته ( الحوايا ) الأمعاء جمع حاوياء أو حاوية ( أو ما اختلط بعظم ) منه وهو شحم الأَلْيَة فإنه أحل لهم ( ذلك )
التحريم ( جزيناهم ) به ( ببغيهم ) بسبب طلعهم بما سبق في سورة النساء ( وإنا لصادقون ) في أخبارنا ومواعيدنا
147. (
فإن كذبوك ) فيما جئت
به ( فقل ) لهم ( ربكم ذو رحمة واسعة ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة وفيه تلطف بدعائهم إلى
الإيمان ( ولا يرد
بأسه ) عذابه إذا
جاء ( عن القوم
المجرمين )
148. (
سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ) نحن ( ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ) فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راضٍ به! قال تعالى ( كذلك ) كما كذب هؤلاء ( كذب الذين من قبلهم ) رسلهم ( حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم ) بأن الله راض بذلك ( فتخرجوه لنا ) أي لا علم عندكم ( إن ) ما
( تتبعون ) في ذلك ( إلا الظن وإن ) ما ( أنتم إلا تخرصون ) تكذبون فيه
149. ( قل
) إن لم يكن لكم حجة ( فلله الحجة البالغة ) التامة ( فلو شاء ) هدايتكم ( لهداكم أجمعين )
150. ( قل
هلم ) أحضروا ( شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) الذي حرمتموه ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا
بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ) يشركون
151. ( قل
تعالوا أتل ) أقرأ ( ما حرم ربكم عليكم أ ) ن مفسرة ( لا تشركوا به شيئا و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم ) بالوأد ( من ) أجل
( إملاق ) فقر تخافونه ( نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ) الكبائر كالزنا ( ما ظهر منها وما بطن ) أي علانيتها وسرها ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) كالقود وحد الردة ورجم المحصن ( ذلكم ) المذكور ( وصاكم به لعلكم تعقلون ) تتدبرون
152. (
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي ) أي بالخصلة التي ( هي أحسن ) وهي ما فيه صلاحه ( حتى يبلغ أشده ) بأن يحتلم ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) بالعدل وترك البخس ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) طاقتها في ذلك فإن أخطأ في الكيل والوزن والله يعلم
صحته نيته فلا مؤاخذة عليه ورد كما في حديث ( وإذا قلتم ) في حكم أو غيره ( فاعدلوا ) بالصدق ( ولو كان ) القول له أو عليه ( ذا قربى ) قرابة ( وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكَّرون ) بالتشديد ، تتعظون والسكون
153. (
وأنَّ ) بالفتح على
تقدير اللام والكسر استئنافا (
هذا ) الذي
وصيتكم به ( صراطي
مستقيما ) حال ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) الطرق المخالفة له ( فتفرق ) فيه حذف إحدى التاءين تميل ( بكم عن سبيله ) دينه ( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
154. ( ثم
آتينا موسى الكتاب )
التوراة وثم لترتيب الأخبار (
تماما ) للنعمة ( على الذي أحسن ) بالقيام به ( وتفصيلا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( وهدى ورحمة لعلهم ) أي بني إسرائيل ( بلقاء ربهم ) بالبعث ( يؤمنون )
155. (
وهذا ) القرآن ( كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ) يا أهل مكة بالعمل بما فيه ( واتقوا ) الكفر ( لعلكم ترحمون )
156. أنزلناه ( أن ) لا
( تقولوا إنما
أنزل الكتاب على طائفتين )
اليهود والنصارى ( من
قبلنا وإن ) مخففة
واسمها محذوف أي إنا (
كنا عن دراستهم )
قراءتهم ( لغافلين ) لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا
157. ( أو
تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) لجودة أذهاننا ( فقد جاءكم بينة ) بيان ( من ربكم وهدى ورحمة ) لمن اتبعه ( فمن ) أي
لا أحد ( أظلم ممن
كذب بآيات الله وصدف )
أعرض ( عنها
سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ) أي أشده ( بما كانوا يصدفون )
158. ( هل
ينظرون ) ما ينتظر
المكذبون ( إلا أن
تأتيهم ) بالتاء
والياء ( الملائكة ) لقبض أرواحهم ( أو يأتي ربك ) أي أمره بمعنى عذابه ( أو يأتي بعض آيات ربك ) أي علاماته الدالة على الساعة ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) الجملة صفة النفس ( أو )
نفسا لم تكن ( كسبت في
إيمانها خيرا ) طاعة أي لا
تنفعها توبتها كما في الحديث ( قل
انتظروا ) أحد هذه
الأشياء ( إنا
منتظرون ) ذلك
159. ( إن
الذين فرقوا دينهم )
باختلافهم فيه فأخذوا بعضه وتركوا بعضه ( وكانوا شيعا ) فرقا في ذلك ، وفي قراءة { فارقوا } أي تركوا دينهم الذي
أمروا به وهم اليهود والنصارى (
لست منهم في شيء ) أي
فلا تتعرض لهم (
إنما أمرهم إلى الله )
يتولاه ( ثم ينبئهم
) في الآخرة ( بما كانوا يفعلون ) فيجازيهم به ، وهذا منسوخ بآية السيف
160. ( من
جاء بالحسنة ) أي لا إله
إلا الله ( فله عشر
أمثالها ) أي جزاء عشر
حسنات ( ومن جاء
بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) أي
جزاؤه ( وهم لا
يظلمون ) ينقصون من
جزائهم شيئا
161. ( قل
إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم )
ويبدل من محله (
ديناً قِيَمَاً )
مستقيماً ( ملة
إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
162. ( قل
إن صلاتي ونسكي )
عبادتي من حج وغيره (
ومحياي ) حياتي ( ومماتي ) موتي ( لله رب العالمين )
163. ( لا
شريك له ) في ذلك ( وبذلك ) أي التوحيد ( أمرت وأنا أول المسلمين ) من هذه الأمة
164. ( قل
أغير الله أبغي ربا )
إلها أي لا أطلب غيره (
وهو رب ) مالك ( كل شيء ولا تكسب كل نفس ) ذنبا ( إلا عليها ولا تزر ) تحمل نفس ( وازرة ) آثمة ( وزر ) نفس
( أخرى ثم
إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )
165. (
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) جمع
خليفة ، أي يخلف بعضكم بعضاً فيها ( ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) بالمال والجاه وغير ذلك ( ليبلوكم ) ليختبركم ( في ما آتاكم ) أعطاكم ليظهر المطيع منكم والعاصي ( إن ربك سريع العقاب ) لمن عصاه ( وإنه لغفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم
7. سورة الأعراف
1. (
المص ) الله أعلم
بمراده بذلك
2. هذا ( كتاب أنزل إليك ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( فلا يكن في صدرك حرج ) ضيق ( منه ) أن
تبلغه مخافة أن تكذب (
لتنذر ) متعلق
بأنزل أي للإنذار ( به
وذكرى ) تذكرة ( للمؤمنين ) به
3. قل لهم ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) أي القرآن ( ولا تتبعوا ) تتخذوا ( من دونه ) أي الله أي غيره ( أولياء ) تطيعونهم في معصيته تعالى ( قليلاً ما تذكرون ) بالياء والتاء تتعظون ، وفيه إدغام التاء في الأصل في
الذال وفي قراءة بسكونها ، وما زائدة لتأكيد القلة
4. (
وكم ) خبرية
مفعول ( من قرية ) أريد أهلها ( أهلكناها ) أردنا إهلاكها ( فجاءها بأسنا ) عذابنا ( بياتاً ) ليلاً ( أو هم قائلون ) نائمون بالظهيرة ، والقيلولة استراحة نصف النهار وإن
لم يكن معها نوم ، أي مرة جاءها ليلاً ومرة جاءها نهاراً
5. (
فما كان دعواهم )
قولهم ( إذ جاءهم
بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين )
6. (
فلنسألن الذين أرسل إليهم ) أي
الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم ( ولنسألن المرسلين ) عن الإبلاغ
7. (
فلنقصن عليهم بعلم )
لنخبرنهم عن علم بما فعلوه (
وما كنا غائبين ) عن
إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا
8. (
والوزنُ ) للأعمال أو
لصحائفها بميزان له لسان وكفتان9. (
ومن خفت موازينه )
بالسيئات ( فأولئك
الذين خسروا أنفسهم )
بتصييرها إلى النار (
بما كانوا بآياتنا يظلمون )
يجحدون
10. (
ولقد مكناكم ) يا بني آدم
( في الأرض
وجعلنا لكم فيها معايش )
بالياء أسبابا تعيشون بها جمع معيشة ( قليلا ما ) لتأكيد القلة ( تشكرون ) على ذلك
11. (
ولقد خلقناكم ) أي أباكم
آدم ( ثم
صورناكم ) أي صورناه
وأنتم في ظهره ( ثم
قلنا للملائكة اسجدوا لآدم )
سجودَ تحيةٍ بالانحناء (
فسجدوا إلا إبليس ) أبا
الجن كان بين الملائكة ( لم
يكن من الساجدين )
12. (
قال ) تعالى ( ما منعك أ ) ن ( لا
) زائدة ( تسجد إذ ) حين ( أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )
13. (
قال فاهبط منها ) أي
من الجنة ، وقيل من السماوات (
فما يكون ) ينبغي ( لك أن تتكبر فيها فاخرج ) منها ( إنك من الصاغرين ) الذليلين
14. (
قال أَنظِرني ) أَخِّرني ( إلى يوم يبعثون ) أي الناس
15. (
قال إنك من المنظرين ) وفي
آية أخرى { إلى يوم الوقت المعلوم } أي يوم النفخة الأولى
16. (
قال فبما أغويتني ) أي
بإغوائك لي ، والباء للقسم وجوابه ( لأقعدن لهم ) أي لبني آدم ( صراطك المستقيم ) أي على الطريق الموصل إليك
17. ( ثم
لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه ، قال ابن عباس: ولا
يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى. ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) مؤمنين
18. (
قال اخرج منها مذؤوما )
بالهمزة معيبا أو ممقوتا (
مدحورا ) مبعدا عن
الرحمة ( لمن تبعك
منهم ) من الناس واللام
للابتداء أو موطئة للقسم وهو (
لأملأن جهنم منكم أجمعين ) أي
منك بذريتك ومن الناس وفيه تغليب الحاضر على الغائب وفي الجملة معنى جزاء من
الشرطية أي من تبعك أعذبه
19. ( و ) قال ( يا آدم اسكن أنت ) تأكيد للضمير في اسكن ليعطف عليه ( وزوجك ) حواء بالمد ( الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) بالأكل منها وهي الحنطة ( فتكونا من الظالمين )
20. (
فوسوس لهما الشيطان )
إبليس ( ليبدي ) يظهر ( لهما ما ووري ) فوعل من المواراة ( عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة
إلا ) كراهةَ ( أن تكونا مَلَكَين ) وقرئ بكسر اللام ( أو تكونا من الخالدين ) أي وذلك لازم عن الأكل منها كما في آية أخرى { هل
أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى }
21. (
وقاسمهما ) أي أقسم
لهما بالله ( إني لكما
لمن الناصحين ) في ذلك
22. (
فدلاهما ) حطَّهما عن
منزلتهما ( بغرور ) منه ( فلما ذاقا الشجرة ) أي أكلا منها ( بدت لهما سوآتهما ) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمي كل منها
سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه (
وطفقا يخصفان ) أخذا
يلزقان ( عليهما من
ورق الجنة ) ليستترا به
( وناداهما ربهما
ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) بين العداوة ، والاستفهام للتقرير
23. (
قالا ربنا ظلمنا أنفسنا )
بمعصيتنا ( وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
24. (
قال اهبطوا ) أي آدم
وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضهم بعضا ( ولكم في الأرض مستقر ) أي مكان استقرار ( ومتاع ) تمتع ( إلى حين ) تنقضي فيه آجالكم
25. (
قال فيها ) أي الأرض ( تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) بالبعث بالبناء للفاعل والمفعول
26. ( يا
بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ) أي
خلقناه لكم ( يواري ) يستر ( سوآتكم وريشا ) وهو ما يتجمل به من الثياب ( ولباس التقوى ) العمل الصالح والسمت الحسن ، بالنصب عطف على لباسا
والرفع مبتدأ خبره جملة (
ذلك خير ، ذلك من آيات الله )
دلائل قدرته ( لعلهم
يذكرون ) فيؤمنوا
فيه التفات عن الخطاب
27. ( يا
بني آدم لا يفتنَنَّكم )
يضلنكم ( الشيطان ) أي لا تتبعوه ( كما أخرج أبويكم ) بفتنته ( من الجنة ينزع ) حال ( عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه ) أي الشيطان ( يراكم هو وقبيله ) جنوده ( من حيث لا ترونهم ) للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم ( إنا جعلنا الشياطين أولياء ) أعوانا وقرناء ( للذين لا يؤمنون )
28. (
وإذا فعلوا فاحشة )
كالشرك وطوافهم بالبيت عراة قائلين لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فنهوا عنها ( قالوا وجدنا عليها آباءنا ) فاقتدينا بهم ( والله أمرنا بها ) أيضا ( قل ) لهم
( إن الله لا
يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) أنه قال ، استفهام إنكار
29. ( قل
أمر ربي بالقسط )
بالعدل ( وأقيموا ) معطوف على معنى بالقسط ، أي قال أقسطوا وأقيموا أو
قبله فاقبلوا مقدرا (
وجوهكم ) لله ( عند كل مسجد ) أي أخلصوا له سجودكم ( وادعوه ) اعبدوه ( مخلصين له الدين ) من الشرك ( كما بدأكم ) خلقكم ولم تكونوا شيئا ( تعودون ) أي يعيدكم أحياء يوم القيامة
30. (
فريقا ) منكم ( هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين
أولياء من دون الله ) أي
غيره ( ويحسبون
أنهم مهتدون )
31. ( يا
بني آدم خذوا زينتكم ) ما
يستر عورتكم ( عند كل
مسجد ) عند الصلاة
والطواف ( وكلوا
واشربوا ) ما شئتم ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )
32. ( قل
) إنكارا عليهم ( من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ) من اللباس ( والطيبات ) المستلذات ( من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) بالاستحقاق وإن شاركهم فيها غيرهم ( خالصة ) خاصة بهم بالرفع والنصب حال ( يوم القيامة كذلك نفصل الآيات ) نبينها مثل ذلك التفصيل ( لقوم يعلمون ) يتدبرون فإنهم المنتفعون بها
33. ( قل
إنما حرم ربي الفواحش )
الكبائر كالزنا ( ما
ظهر منها وما بطن ) أي جهرها
وسرها ( والإثم ) المعصية ( والبغي ) على الناس ( بغير الحق ) وهو الظلم ( وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به ) بإشراكه ( سلطانا ) حجة ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) من تحريم ما لم يحرم وغيره
34. (
ولكل أمة أجل ) مدة ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ) عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) عليه
35. ( يا
بني آدم إمَّا ) فيه
إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى ) الشرك ( وأصلح ) عمله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
36. (
والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا )
تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
37. (
فمن ) أي لا أحد
( أظلم ممن
افترى على الله كذبا )
بنسبة الشريك والولد إليه ( أو
كذب بآياته ) القرآن ( أولئك ينالهم ) يصيبهم ( نصيبهم ) حظهم ( من الكتاب ) مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير
ذلك ( حتى إذا
جاءتهم رسلنا ) أي
الملائكة ( يتوفونهم
قالوا ) لهم تبكيتا
( أين ما
كنتم تدعون ) تعبدون ( من دون الله قالوا ضلوا ) غابوا ( عنا ) فلم
نرهم ( وشهدوا
على أنفسهم ) عند الموت
( أنهم
كانوا كافرين )
38. (
قال ) لهم تعالى
يوم القيامة ( ادخلوا في
) جملة ( أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في ) متعلق بادخلوا ( النار كلما دخلت ) النار ( أمة لعنت أختها ) التي قبلها لضلالها بها ( حتى إذا ادَّاركوا ) تلاحقوا ( فيها جميعا قالت أخراهم ) وهم الأتباع ( لأولاهم ) أي لأجلائهم وهم المتبوعون ( ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً ) مضعفاً ( من النار قال ) تعالى ( لكل )
منكم ومنهم ( ضعف ) عذاب مضعف ( ولكن لا يعلمون ) 39. (
وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ) لأنكم تكفرون بسببنا فنحن وأنتم سواء ، قال تعالى لهم
( فذوقوا
العذاب بما كنتم تكسبون )
40. ( إن
الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا )
تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) إذا عرج بأرواحهم إليها بعد الموت فيهبط بها إلى
سجِّين بخلاف المؤمن فتفتح له ويصعد بروحه إلى السماء السابعة كما ورد في حديث ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج ) يدخل ( الجمل في سمّ الخياط ) ثقب الإبرة وهو غير ممكن فكذا دخولهم ( وكذلك ) الجزاء ( نجزي المجرمين ) بالكفر
41. (
لهم من جهنم مهاد )
فراش ( ومن فوقهم
غواش ) أغطية من
النار جمع غاشية وتنوينه عوض من الياء المحذوفة ( وكذلك نجزي الظالمين )
42. (
والذين آمنوا وعملوا الصالحات )
مبتدأ ، وقوله ( لا
نكلف نفساً إلا وسعها )
طاقتها من العمل اعتراض بينه وبين خبره وهو ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
43. (
ونزعنا ما في صدورهم من غل ) حقد
كان بينهم في الدنيا (
تجري من تحتهم ) تحت
قصورهم ( الأنهار
وقالوا ) عند الاستقرار
في منازلهم ( الحمد لله
الذي هدانا لهذا )
العمل الذي هذا جزاؤه (
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) حذف جواب لولا لدلالة ما قبله عليه ( لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن ) مخففة أي أنه أو مفسرة في المواضع الخمسة ( تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون )
44. (
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار )
تقريرا أو تبكيتا ( أن
قد وجدنا ما وعدنا ربنا ) من
الثواب ( حقا فهل
وجدتم ما وعد ) كم ( ربكم ) من العذاب ( حقاً ؟ قالوا نعم فأذن مؤذن ) نادى مناد ( بينهم ) بين الفريقين أسمعهم ( أن لعنة الله على الظالمين )
45. (
الذين يصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( ويبغونها ) أي يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجاً ( وهم بالآخرة كافرون )
46. (
وبينهما ) أي أصحاب
الجنة والنار (
حجاب ) حاجز ، قيل
هو سور الأعراف (
وعلى الأعراف ) وهو سور
الجنة ( رجال ) استوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الحديث ( يعرفون كلا ) من أهل الجنة والنار ( بسيماهم ) بعلامتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين
لرؤيتهم لهم إذ موضعهم عال (
ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم ) قال تعالى ( لم يدخلوها ) أي أصحاب الأعراف الجنة ( وهم يطمعون ) في دخولها ، قال الحسن لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها
بهم وروى الحاكم عن حذيفة قال : «
بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم »
47. (
وإذا صرفت أبصارهم ) أي
أصحاب الأعراف (
تلقاء ) جهة ( أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا ) في النار ( مع القوم الظالمين )
48. ( ونادى
أصحاب الأعراف رجالا ) من
أصحاب النار ( يعرفونهم
بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم ) من
النار ( جمعكم ) المال أو كثرتكم ( وما كنتم تستكبرون ) أي واستكباركم عن الإيمان ، ويقولون لهم مشيرين إلى
ضعفاء المسلمين
49. (
أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ) قد قيل لهم ( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) وقرئ { أُدْخِلوا } بالبناء للمفعول و { دخلوا }
فجملة النفي حال أي مقولا لهم ذلك
50. (
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) من الطعام ( قالوا إن الله حرمهما ) منعهما ( على الكافرين )
51. (
الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم ) نتركهم في النار ( كما نسوا لقاء يومهم هذا ) بتركهم العمل له ( وما كانوا بآياتنا يجحدون ) أي وكما جحدوا
52. (
ولقد جئناهم ) أي أهل مكة
( بكتاب ) قرآن ( فصلناه ) بيناه بالأخبار والوعد والوعيد ( على علم ) حال أي عالمين بما فصل فيه ( هدى ) حال
من الهاء ( ورحمة
لقوم يؤمنون ) به
53. ( هل
ينظرون ) ما ينتظرون
( إلا
تأويله ) عاقبة ما
فيه ( يوم يأتي
تأويله ) هو يوم
القيامة ( يقول
الذين نسوه من قبل )
تركوا الإيمان به ( قد
جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو ) هل ( نرد ) إلى
الدنيا ( فنعمل غير
الذي كنا نعمل )
نوحد الله ونترك الشرك فيقال لهم لا ، قال تعالى ( قد خسروا أنفسهم ) إذ صاروا إلى الهلاك ( وضل ) ذهب
( عنهم ما
كانوا يفترون ) من دعوى
الشريك
54. ( إن
ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولو
شاء خلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت ( ثم استوى على العرش ) هو في اللغة سرير الملك ، استواءً يليق به ( يغشي الليل النهار ) مخففاً ومشدداً أي يغطي كلا منهما بالآخر ( يطلبه ) يطلب كل منهما الآخر طلباً ( حثيثاً ) سريعاً ( والشمس والقمر والنجوم ) بالنصب عطفاً على السماوات والرفع مبتدأ خبره ( مسخرات ) مذللات ( بأمره ) بقدرته ( ألا له الخلق ) جميعا ( والأمر ) كله ( تبارك ) تعاظم ( الله رب ) مالك ( العالمين )
55. (
ادعوا ربكم تضرعا ) حال
تذللا ( وخفية ) سرا ( إنه لا يحب المعتدين ) في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت
56. (
ولا تفسدوا في الأرض )
بالشرك والمعاصي (
بعد إصلاحها ) ببعث الرسل
( وادعوه
خوفا ) من عقابه ( وطمعا ) في رحمته ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) المطيعين ، وتذكير قريب المخبر به عن رحمة لإضافتها
إلى الله
57. (
وهو الذي يرسل الرياح نُشُراً بين يدي رحمته ) أي متفرقة قدام المطر ، وفي قراءة بسكون الشين
تخفيفاً وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدراً وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل
النون أي مبشراً ومفرد الأولى نَشُور كرسول والأخيرة بشير ( حتى إذا أقلت ) حملت الرياح ( سحابا ثقالا ) بالمطر ( سقناه ) أي السحاب وفيه التفات عن الغيبة ( لبلد ميت ) لا نبات به أي لإحيائها ( فأنزلنا به ) بالبلد ( الماء فأخرجنا به ) بالماء ( من كل الثمرات كذلك ) الإخراج ( نخرج الموتى ) من قبورهم بالإحياء ( لعلكم تذكرون ) فتؤمنوا
58. (
والبلد الطيب ) العذب
التراب ( يخرج
نباته ) حسناً ( بإذن ربه ) هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها ( والذي خبث ) ترابه ( لا يخرج ) نباته ( إلا نكداً ) عسراً بمشقةٍ وهذا مثلُ للكافر ( كذلك ) كما بينا ما ذكر ( نصرف ) نبين ( الآيات لقوم يشكرون ) الله فيؤمنون
59. (
لقد ) جواب قسم
محذوف ( أرسلنا
نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) بالجر صفة لإله ، والرفع بدل من محله ( إني أخاف عليكم ) إن عبدتم غيره ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
60. (
قال الملأ ) الأشراف ( من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ) بين
61. (
قال يا قوم ليس بي ضلالة ) هي
أعم من الضلال فنفيها أبلغ من نفيه ( ولكني رسول من رب العالمين )
62. (
أبْلِغُكم ) بالتخفيف
والتشديد ( رسالات
ربي وأنصح ) أريد الخير
( لكم وأعلم
من الله ما لا تعلمون )
63. ( أ ) كذبتم ( وعجبتم أن جاءكم ذكر ) موعظة ( من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم ) العذاب إن لم تؤمنوا ( ولتتقوا ) الله ( ولعلكم ترحمون ) بها
64. (
فكذبوه فأنجيناه والذين معه ) من
الغرق ( في الفلك ) السفينة ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ) بالطوفان ( إنهم كانوا قوما عمين ) عن الحق
65. ( و ) أرسلنا ( إلى عاد ) الأولى ( أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) تخافونه فتؤمنون
66. (
قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة ) جهالة ( وإنا لنظنك من الكاذبين ) في رسالتك
67. (
قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين )
68. (
أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ) مأمون على الرسالة
69. (
أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في الأرض ( من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطةً ) قوةً وطَولاً وكان طويلهم مائة ذراع وقصيرهم ستين ( فاذكروا آلاء الله ) نعمه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
70. (
قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ) نترك ( ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا ) به من العذاب ( إن كنت من الصادقين ) في قولك
71. (
قال قد وقع ) وجب ( عليكم من ربكم رجس ) عذاب ( وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها ) أي سميتم بها ( أنتم وآباؤكم ) أصناما تعبدونها ( ما نزل الله بها ) أي بعبادتها ( من سلطان ) حجة وبرهان ( فانتظروا ) العذاب ( إني معكم من المنتظرين ) ذلكم بتكذيبكم لي فأرسلت عليهم الريح العقيم
72. (
فأنجيناه ) أي هوداً ( والذين معه ) من المؤمنين ( برحمة منا وقطعنا دابر ) القوم ( الذين كذبوا بآياتنا ) أي استأصلناهم ( وما كانوا مؤمنين ) عطف على كذبوا
73. ( و ) أرسلنا ( إلى ثمودَ ) بترك الصرف ، مراداً به القبيلة ( أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله
غيره قد جاءتكم بينة )
معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( هذه ناقة الله لكم آية ) حال عاملها معنى الإشارة وكانوا سألوه أن يخرجها لهم
من صخرة عينوها (
فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) بعقر أو ضرب ( فيأخذكم عذاب أليم )
74. (
واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في
الأرض ( من بعد
عاد وبوأكم ) أسكنكم ( في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً ) تسكنونها في الصيف ( وتنحتون الجبال بيوتاً ) تسكنونها في الشتاء ، ونصبه على الحال المقدرة ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
75. (
قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) تكبروا عن الإيمان به ( للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) أي من قومه بدل مما قبله بإعادة الجار ( أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه ) إليكم ( قالوا ) نعم ( إنا بما أرسل به مؤمنون )
76. ( قال
الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون )
77. وكانت الناقة لها يوم في الماء ولهم يوم فملُّوا ذلك ( فعقروا الناقة ) عقرها قُدار [ بن سالف ] بأمرهم بأن قتلها بالسيف ( وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ) به من العذاب على قتلها ( إن كنت من المرسلين )
78. (
فأخذتهم الرجفة )
الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
79. (
فتولى ) أعرض صالح
( عنهم وقال
يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )
80. ( و ) اذكر ( لوطاً ) ويبدل منه ( إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ) أي أدبار الرجال ( ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) الإنس والجن
81. (
إنكم ) وفي قراءة
{ أئنكم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال الألف بينهما على الوجهين ( لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) متجاوزون الحلال إلى الحرام
82. (
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم ) أي لوطاً وأتباعه ( من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) من أدبار الرجال
83. (
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) الباقين في العذاب
84. (
وأمطرنا عليهم مطراً ) هو
حجارة السجيل فأهلكتهم (
فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )
85. ( و ) أرسلنا ( إلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم
من إله غيره قد جاءتكم بينة )
معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( فأوفوا ) أتموا ( الكيل والميزان ولا تبخسوا ) تنقصوا ( الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض ) بالكفر والمعاصي ( بعد إصلاحها ) ببعث الرسل ( ذلكم ) المذكور ( خير لكم إن كنتم مؤمنين ) مريدي الإيمان فبادروا إليه
86. (
ولا تقعدوا بكل صراط )
طريق ( توعدون ) تخوفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم ( وتصدون ) تصرفون ( عن سبيل الله ) دينه ( من آمن به ) بتوعدكم إياه بالقتل ( وتبغونها ) تطلبون الطريق ( عوجاً ) معوجة ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة
المفسدين ) قبلكم
بتكذيب رسلهم أي آخر أمرهم من الهلاك
87. (
وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) به ( فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ) وبينكم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل ( وهو خير الحاكمين ) أعدلهم