قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ( 72 ) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ( 73 )

( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ] ) حكى قولها في هذه الآية، كما حكى فعلها في الآية الأخرى، فإنها: ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ ) وفي الذاريات: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [ الذاريات:29 ] ، كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب. ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) أي:قالت الملائكة لها، لا تعجبي من أمر الله، فإنه إذا أراد شيئًا أن يقول له: « كن » فيكون، فلا تعجبي من هذا، وإن كنت عجوزا [ كبيرة ] عقيما، وبعلك [ وهو زوجها الخليل عليه السلام، وإن كان ] شيخا كبيرا، فإن الله على ما يشاء قدير.

( رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) أي:هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمود، ممجد في صفاته وذاته؛ ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا:قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال:قولوا: « اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على [ إبراهيم و ] آل إبراهيم، إنك حميد مجيد » .

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ( 74 ) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ( 75 ) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ( 76 )

يخبر تعالى عن [ خليله ] إبراهيم، عليه السلام، أنه لما ذهب عنه الروع، وهو ما أوْجَس من الملائكة خيفة، حين لم يأكلوا، وبشروه بعد ذلك بالولد [ وطابت نفسه ] وأخبروه بهلاك قوم لوط، أخذ يقول كما قال [ عنه ] سعيد بن جبير في الآية قال:لما جاءه جبريل ومن معه، قالوا له إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ [ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ] [ العنكبوت:31 ] ، قال لهم [ إبراهيم ] أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟ قالوا:لا. قال:أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟ قالوا:لا. قال:أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا؟ قالوا:لا. قال:ثلاثون؟ قالوا لا حتى بلغ خمسة قالوا:لا. قال:أرأيتكم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا:لا. فقال إبراهيم عليه السلام عند ذلك: إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ الآية [ العنكبوت:32 ] ، فسكت عنهم واطمأنت نفسه.

وقال قتادة وغيره قريبا من هذا - زاد ابن إسحاق:أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد؟ قالوا:لا. قال:فإن كان فيها لوط يدفع به عنهم العذاب، قالوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا [ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ] [ العنكبوت:32 ] .

وقوله: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ) مدح إبراهيم بهذه الصفات الجميلة، وقد تقدم تفسيرها [ في سورة براءة ] .

وقوله: ( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ] ) أي:إنه قد نفذ فيهم القضاء، وحَقَّت عليهم الكلمة بالهلاك، وحلول البأس الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ( 77 ) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ( 78 ) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ( 79 )

يخبر تعالى عن قُدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم، وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة. فانطلقوا من عنده، فأتوا لوطا عليه السلام، وهو - على ما قيل - في أرض له [ يعمرها ] وقيل: [ بل كان ] في منـزله، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون، على هيئة شبان حسان الوجوه، ابتلاء من الله [ واختبارا ] وله الحكمة والحجة البالغة، [ فنـزلوا عليه ] فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم، وخشي إن لم يُضِفْهم أن يضيفهم أحد من قومه، فينالهم بسوء، ( وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) .

قال ابن عباس [ ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق ] وغير واحد [ من الأئمة ] شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع [ قومه ] عنهم، ويشق عليه ذلك.

وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له [ يعمل فيها ] فتضيّفوه فاستحيا منهم، فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق، كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه:إنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء. ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم، حتى كرره أربع مرات قال قتادة:وقد كانوا أمروا ألا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

وقال السدي:خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدون نصف النهار، ولقوا بنت لوط تستقي [ من الماء لأهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى رثيا والصغرى زغرتا ] فقالوا [ لها ] يا جارية، هل من منـزل؟ فقالت [ لهم ] مكانكم حتى آتيكم، وفَرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت:يا أبتاه، أدرك فتيانا على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم [ هي ] أحسن منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم، و [ قد ] كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا:خل عنا فلْنُضِف الرجال. فجاء بهم، فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته فأخبرت قومها [ فقالت:إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط ] ، فجاءوا يهرعون إليه.

وقوله: ( يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ) أي:يسرعون ويهرولون [ في مشيتهم ويجمرون ] من فرحهم بذلك [ وروي في هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة وشمر بن عطية وسفيان بن عيينة ] .

وقوله: ( وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) أي:لم يزل هذا من سجيتهم [ إلى وقت آخر ] حتى أخذوا وهم على ذلك الحال.

وقوله: ( قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) يرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنـزلة الوالد [ للرجال والنساء ] ، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة، كما قال لهم في الآية الأخرى:أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [ الشعراء:165، 166 ] ، وقوله في الآية الأخرى: قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ [ الحجر:70 ] أي:ألم ننهك عن ضيافة الرجال قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ الحجر:71، 72 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة: ( هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) قال مجاهد:لم يكن بناته، ولكن كن من أمَّتِهِ، وكل نبي أبو أمَّتِه.

وكذا روي عن قتادة، وغير واحد.

وقال ابن جُرَيْج:أمرهم أن يتزوجوا النساء، ولم يعرض عليهم سفاحا.

وقال سعيد بن جبير:يعني نساءهم، هن بَنَاته، وهو أب لهم ويقال في بعض القراءات النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم.

وكذا روي عن الربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم.

وقوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) أي:اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم ، ( أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ) أي: [ ليس منكم رجل ] فيه خير، يقبل ما آمره به، ويترك ما أنهاه عنه؟

( قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ) أي:إنك تعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن، ( وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ) أي:ليس لنا غرض إلا في الذكور، وأنت تعلم ذلك، فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك؟

قال السدي: ( وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ) إنما نريد الرجال.

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ( 80 ) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ( 81 )

يقول تعالى مخبرًا عن نبيه لوط، عليه السلام:إن لوطا توعدهم بقوله : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً [ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ] ) أي:لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل [ من العذاب والنقمة وإحلال البأس بكم ] بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث، من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد - يعني:الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه » .

[ وروي من حديث الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا ومن حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به، ومن حديث ابن لهيعة عن أبي يونس سمع أبا هريرة به وأرسله الحسن وقتادة ] .

فعند ذلك أخبرته الملائكة أنهم رُسل الله إليه، و [ وبشروه ] أنهم لا وصول لهم إليه [ ولا خلوص ] ( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ) وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل، وأن يتَّبع أدبارهم، أي:يكون ساقة لأهله، ( وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ) أي:إذا سمعت ما نـزل بهم، ولا تهولنَّكم تلك الأصوات المزعجة، ولكن استمروا ذاهبين [ كما أنتم ] .

( إِلا امْرَأَتَكَ ) قال الأكثرون:هو استثناء من المثبت وهو قوله: ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) تقديره ( إِلا امْرَأَتَكَ ) وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب هؤلاء امرأتك؛ لأنه من مثبت ، فوجب نصبه عندهم.

وقال آخرون من القراء والنحاة:هو استثناء من قوله: ( وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ ) فجَّوزوا الرفع والنصب، وذكر هؤلاء [ وغيرهم من الإسرائيليات ] أنها خرجت معهم، وأنها لما سمعت الوَجْبَة التفتت وقالت واقوماه. فجاءها حجر من السماء فقتلها .

ثم قربوا له هلاك قومه تبشيرًا له؛ لأنه قال لهم: « أهلكوهم الساعة » ، فقالوا: ( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) هذا وقومُ لُوطِ وقُوف على الباب وعُكوف قد جاءوا يُهرعون إليه من كل جانب، ولوط واقف على الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه، وهم لا يقبلون منه، بل يتوعدونه، فعند ذلك خرج عليهم جبريل، عليه السلام، فضرب وجوههم بجناحه، فطمس أعينهم، فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق، كما قال تعالى: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * [ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ] [ القمر:37 - 39 ] .

وقال مَعْمَر، عن قتادة، عن حذيفة بن اليمان قال:كان إبراهيم، عليه السلام، يأتي قوم لوط، فيقول:أنَهاكم الله أن تَعَرّضوا لعقوبته؟ فلم يطيعوه، حتى إذا بلغ الكتاب أجله [ لمحل عذابهم وسطوات الرب بهم قال ] انتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له، فدعاهم إلى الضيافة فقالوا:إنا ضيوفك الليلة، وكان الله قد عهد إلى جبريل ألا يُعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شَهادات فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشر [ والدواهي العظام ] ، فمشى معهم ساعة، ثم التفت إليهم فقال:أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض شرا منهم. أين أذهب بكم؟ إلى قومي وهم [ من ] أشر خلق الله، فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال:احفظوها هذه واحدة. ثم مشى معهم ساعة، فلما توسط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم قال:أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أشر منهم، إن قومي أشر خلق الله. فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال:احفظوا، هاتان اثنتان، فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء منهم وشفقة عليهم فقال إن قومي أشر من خلق الله؟ أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرًا منهم. فقال جبريل للملائكة:احفظوا، هذه ثلاث، قد حق العذاب. فلما دخلوا ذهبت عجوز السوء فصعدت فلوحت بثوبها، فأتاها الفساق يُهرَعون سراعا، قالوا:ما عندك؟ قالت:ضَيَّف لوطًا قوم ما رأيت قط أحسن وجوها منهم، ولا أطيب ريحًا منهم. فهُرعوا يسارعون إلى الباب، فعالجهم لوط على الباب، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج، يناشدهم الله ويقول: ( هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) فقام الملك فَلَزّ بالباب - يقول فسده - واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن الله له، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء، فنشر جناحه. ولجبريل جناحان، وعليه وشاح من درّ منظوم، وهو براق الثنايا، أجلى الجبين، ورأسه حُبُكٌ حُبُك مثل المرجان وهو اللؤلؤ، كأنه الثلج، ورجلاه إلى الخضرة. فقال يا لوط: ( إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ) امض يا لوط عن الباب ودعني وإياهم، فتنحى لوط عن الباب، فخرج إليهم، فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم، فصاروا عُمْيًا لا يعرفون الطريق [ ولا يهتدون بيوتهم ] ثم أمر لوط فاحتمل بأهله في ليلته قال: ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ) .

وروي عن محمد بن كعب [ القرظي ] وقتادة، والسدي نحو هذا.