وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( 39 ) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ( 40 ) .

ثم قال تعالى: ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) أي:أنذر الخلائق يوم الحسرة، ( إِذْ قُضِيَ الأمْرُ ) أي:فصل بين أهل الجنة وأهل النار، ودَخل كل إلى ما صار إليه مخلدًا فيه، ( وَهُمْ ) أي:اليوم ( فِي غَفْلَةٍ ) عما أنذروا به ( وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) أي:لا يُصَدقون به.

قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد [ الخدري ] قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال:يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ » قال: « فيشرئبون [ فينظرون ] ويقولون:نعم هذا الموت » . قال: « فيقال:يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ » قال:فيشرئبون فينظرون ويقولون:نعم، هذا الموت « قال: » فيؤمر به فيذبح « قال: » ويقال:يا أهل الجنة، خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت « قال:ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ) وأشار بيده قال: » أهل الدنيا في غفلة الدنيا « .»

هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث الأعمش، به . ولفظهما قريب من ذلك. وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة:حدثني أسباط بن محمد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا، مثله. وفي سنن ابن ماجه وغيره، من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بنحوه وهو في الصحيحين عن ابن عمر . ورواه ابن جُرَيْج قال:قال ابن عباس:فذكر من قبله نحوه . ورواه أيضًا عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه:يؤتى بالموت كأنه دابة، فيذبح والناس ينظرون وقال سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيل، حدثنا أبو الزعراء، عن عبد الله - هو ابن مسعود- في قصة ذكرها، قال:فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار، وهو يوم الحسرة. [ فيرى أهل النار البيت الذي الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا، فيقال لهم:لو آمنتم وعملتم صالحا، كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة، فتأخذهم الحسرة ] قال:ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال:لولا أن مَنَّ الله عليكم...

وقال السدي، عن زياد، عن زِرِّ بن حُبَيْش، عن ابن مسعود في قوله: ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ ) قال:إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، أتي بالموت في صورة كبش أملح، حتى يوقف بين الجنة والنار، ثم ينادي مناد:يا أهل الجنة، هذا الموت الذي كان يُميتُ الناس في الدنيا، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه، ثم ينادى:يا أهل النار، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم، إلا نظر إليه، ثم يذبح بين الجنة والنار، ثم ينادى:يا أهل الجنة، هو الخلود أبد الآبدين، ويا أهل النار، هو الخلود أبد الآبدين، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتًا من فرح ماتوا، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتًا من شهقة ماتوا فذلك قوله: ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ ) يقول:إذا ذبح الموت. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال:يوم القيامة، وقرأ: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [ الزمر:56 ] .

وقوله: ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف، وأن الخلق كلهم يهلكون ويبقى هو، تعالى وتقدس ولا أحد يَدّعي مُلْكا ولا تصرفًا، بل هو الوارث لجميع خلقه، الباقي بعدهم، الحاكم فيهم، فلا تظلم نفس شيئًا ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة.

قال ابن أبي حاتم:ذكر هدبة بن خالد القيسي:حدثنا حزم بن أبي حزم القُطَعي قال:كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن صاحب الكوفة:أما بعد، فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت، فجعل مصيرهم إليه، وقال فيما أنـزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه، وأشهد ملائكته على خلقه:أنه يرث الأرض ومن عليها، وإليه يرجعون.

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ( 41 ) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ( 42 ) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ( 43 ) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ( 44 ) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ( 45 ) .

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :واذكر في الكتاب إبراهيم واتلُه على قومك، هؤلاء الذين يعبدون الأصنام، واذكر لهم ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته، ويدعون أنهم على ملته، وهو كان صديقًا نبيًّا - مع أبيه- كيف نهاه عن عبادة الأصنام فقال، ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ) أي:لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررًا.

( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ) :يقول:فإن كنت من صلبك وترى أني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت ولا اطلعت عليه ولا جاءك بعد، ( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ) أي:طريقًا مستقيمًا موصلا إلى نيل المطلوب، والنجاة من المرهوب.

( يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ) أي:لا تطعه في عبادتك هذه الأصنام، فإنه هو الداعي إلى ذلك، والراضي به، كما قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [ يس:60 ] وقال: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا [ النساء:117 ] .

وقوله: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ) أي:مخالفًا مستكبرًا عن طاعة ربه، فطرده وأبعده، فلا تتبعه تصر مثله.

( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ) أي:على شركك وعصيانك لما آمرك به، ( فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) يعني:فلا يكون لك مولى ولا ناصرًا ولا مغيثًا إلا إبليس، وليس إليه ولا إلى غيره من الأمر شيء، بل اتباعك له موجب لإحاطة العذاب بك، كما قال تعالى: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ النحل:63 ] .

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ( 46 ) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ( 47 ) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ( 48 ) .

يقول تعالى مخبرًا عن جواب أبي إبراهيم [ لولده إبراهيم ] فيما دعاه إليه أنه قال: ( أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ) يعني: [ إن كنت لا ] تريد عبادتها ولا ترضاها، فانته عن سبها وشتمها وعيبها، فإنك إن لم تنته عن ذلك اقتصصتُ منك وشتمتك وسببتك، وهو قوله: ( لأرْجُمَنَّكَ ) ، قاله ابن عباس، والسدي، وابن جريج، والضحاك، وغيرهم.

وقوله: ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) :قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن إسحاق:يعني دهرًا.

وقال الحسن البصري:زمانًا طويلا. وقال السدي: ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال:أبدًا.

وقال علي بن أبي طلحة، والعوفي، عن ابن عباس: ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال:سويًّا سالمًا، قبل أن تصيبك مني عقوبة. وكذا قال الضحاك، وقتادة وعطية الجَدَلي و [ أبو ] مالك، وغيرهم، واختاره ابن جرير.

فعندها قال إبراهيم لأبيه: ( سَلامٌ عَلَيْكَ ) كما قال تعالى في صفة المؤمنين:وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [ الفرقان:63 ] وقال تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [ القصص:55 ] .

ومعنى قول إبراهيم لأبيه: ( سَلامٌ عَلَيْكَ ) يعني:أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى، وذلك لحرمة الأبوة، ( سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) أي:ولكن سأسال الله تعالى فيك أن يهديك ويغفر ذنبك، ( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) قال ابن عباس وغيره:لطيفًا، أي:في أن هداني لعبادته والإخلاص له. وقال مجاهد وقتادة، وغيرهما: ( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) قال : [ و ] عَوّدَه الإجابة.

وقال السدي: « الحفي » :الذي يَهْتَم بأمره.

وقد استغفر إبراهيم لأبيه مدة طويلة، وبعد أن هاجر إلى الشام وبنى المسجد الحرام، وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق، عليهما السلام، في قوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [ إبراهيم:41 ] .

وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام، وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك حتى أنـزل الله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ الآية [ الممتحنة:4 ] ، يعني إلا في هذا القول، فلا تتأسوا به. ثم بين تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك، ورجع عنه، فقال تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [ التوبة:113 ، 114 ] .

وقوله: ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي ) أي:أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها [ من دون الله ] ، ( وَأَدْعُو رَبِّي ) أي:وأعبد ربي وحده لا شريك له، ( عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) و « عسى » هذه موجبة لا محالة، فإنه عليه السلام، سيد الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه سلم.

فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا ( 49 ) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ( 50 ) .

يقول:فلما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله، أبدله الله من هو خير منهم، ووهب له إسحاق ويعقوب، يعني ابنه وابن إسحاق، كما قال في الآية الأخرى: وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً [ الأنبياء:72 ] ، وقال: وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [ هود:71 ] .

ولا خلاف أن إسحاق والد يعقوب، وهو نص القرآن في سورة البقرة: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ [ البقرة:133 ] . ولهذا إنما ذكر هاهنا إسحاق ويعقوب، أي:جعلنا له نسلا وعقبا أنبياء، أقر الله بهم عينه في حياته؛ ولهذا قال: ( وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا ) ، فلو لم يكن يعقوب قد نُبئ في حياة إبراهيم، لما اقتصر عليه، ولذكر ولده يوسف، فإنه نبي أيضًا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته، حين سئل عن خير الناس، فقال: « يوسف نبي الله، ابن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق نبي الله، ابن إبراهيم خليل الله » وفي اللفظ الآخر: « إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم:يوسفُ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم »

وقوله: ( وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) :قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:يعني الثناء الحسن. وكذا قال السدي، ومالك بن أنس.

وقال ابن جرير:إنما قال: ( عَلِيًّا ) ؛ لأن جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا ( 51 )

لما ذكر تعالى إبراهيم الخليل وأثنى عليه، عطف بذكر الكليم، فقال: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ) قرأ بعضهم بكسر اللام، من الإخلاص في العبادة.

قال الثوري ، عن عبد العزيز بن رُفَيع ، عن أبي لبابة قال:قال الحواريون:يا روح الله، أخبرنا عن المخلص لله. قال:الذي يعمل لله، لا يحب أن يحمده الناس.

وقرأ الآخرون بفتحها، بمعنى أنه كان مصطفى، كما قال تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [ الأعراف:144 ] .

( وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا ) ، جُمِع له بين الوصفين، فإنه كان من المرسلين الكبار أولي العزم الخمسة، وهم:نوح وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر الأنبياء أجمعين.