فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( 12 )

( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) أي:ففرغ من تسويتهن سبع سماوات في يومين، أي:آخرين، وهما يوم الخميس ويوم الجمعة.

( وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) أي:ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة، وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو، ( وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) وهن الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، ( وَحِفْظًا ) أي:حرسا من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى.

( ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) أي:العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره، العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم.

قال ابن جرير:حدثنا هَنَّاد بن السري، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي سعيد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس - قال هناد:قرأت سائر الحديث- أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض، فقال: « خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ لمن سأل، قال: » وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال، حين يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم، وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة « . ثم قالت اليهود:ثم ماذا يا محمد؟ قال: » ثم استوى على العرش « . قالوا:قد أصبت لو أتممت! قالوا: ثم استراح. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فنـزل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [ ق:38- 39 ] . »

هذا الحديث فيه غرابة. فأما حديث ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة قال:أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: « خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل » فقد رواه مسلم، والنسائي في كتابيهما، عن حديث ابن جريج، به . وهو من غرائب الصحيح، وقد عَلَّله البخاري في التاريخ فقال:رواه بعضهم عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] عن كعب الأحبار، وهو الأصح.

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ( 13 ) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ( 14 ) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ( 15 ) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ( 16 ) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 17 ) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ( 18 )

يقول تعالى:قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق:إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم، كما حلت بالأمم الماضين من المكذبين بالمرسلين ( صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) أي:ومن شاكلهما ممن فعل كفعلهما. ( إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ) كقوله تعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [ الأحقاف:21 ] أي:في القرى المجاورة لبلادهم، بعث الله إليهم الرسل يأمرون بعبادة الله وحده لا شريك له، ومبشرين ومنذرين ورأوا ما أحل الله بأعدائه من النقم، وما ألبس أولياءه من النعم، ومع هذا ما آمنوا ولا صدقوا، بل كذبوا وجحدوا، وقالوا: ( لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنـزلَ مَلائِكَةً ) أي:لو أرسل الله رسلا لكانوا ملائكة من عنده، ( فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ ) أي:أيها البشر ( كَافِرُونَ ) أي:لا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا.

قال الله تعالى: ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ [ بِغَيْرِ الحَقٍّ ] ) أي:بغوا وعتوا وعصوا، ( وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) أي:منوا بشدة تركيبهم وقواهم، واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس الله! ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) أي:أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة؟ فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها، وإن بطشه شديد، كما قال تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [ الذاريات:47 ] ، فبارزوا الجبار بالعداوة، وجحدوا بآياته وعصوا رسوله، فلهذا قال: ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ) قال بعضهم:وهي الشديدة الهبوب. وقيل:الباردة. وقيل:هي التي لها صوت.

والحق أنها متصفة بجميع ذلك، فإنها كانت ريحا شديدة قوية؛ لتكون عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم، وكانت باردة شديدة البرد جدا، كقوله تعالى: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [ الحاقة:6 ] ، أي:باردة شديدة، وكانت ذات صوت مزعج، ومنه سمي النهر المشهور ببلاد المشرق « صرصرا لقوة صوت جريه. »

وقوله: ( فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ) أي:متتابعات، سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [ الحاقة:7 ] ، كقوله فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [ القمر:19 ] ، أي:ابتدئوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم، واستمر بهم هذا النحس سبع ليال وثمانية أيام حتى أبادهم عن آخرهم، واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الآخرة؛ ولهذا قال تعالى: ( لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى ) [ أي ] أشد خزيا لهم، ( وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ) أي:في الأخرى ، كما لم ينصروا في الدنيا، وما كان لهم من الله من واق يقيهم العذاب ويدرأ عنهم النكال.

وقوله: ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ) قال ابن عباس، وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، وابن زيد:بينا لهم .

وقال الثوري:دعوناهم.

( فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) أي:بصرناهم، وبينا لهم، ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح صلى الله عليه وسلم ، فخالفوه وكذبوه، وعقروا ناقة الله التي جعلها آية وعلامة على صدق نبيهم، ( فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ ) أي:بعث الله عليهم صيحة ورجفة وذلا وهوانا وعذابا ونكالا ( بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أي:من التكذيب والجحود.

( وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا [ وَكَانُوا يَتَّقُونَ ] ) أي:من بين أظهرهم، لم يمسهم سوء، ولا نالهم من ذلك ضرر، بل نجاهم الله مع نبيهم صالح [ عليه السلام ] بإيمانهم، وتقواهم لله، عز وجل.

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ( 19 ) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 20 )

يقول تعالى: ( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) أي:اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النار ( يُوزَعُونَ ) ، أي:تجمع الزبانية أولهم على آخرهم، كما قال تعالى: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مريم:86 ] ، أي:عطاشا.

وقوله: ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا ) أي:وقفوا عليها، ( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي:بأعمالهم مما قدموه وأخروه، لا يُكْتَم منه حرف.