وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ( 50 ) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ( 51 ) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ( 52 ) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ( 53 ) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ( 54 ) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ( 55 )

وقوله: ( وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) . وهو إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه كما أخبر بنفوذ قدره فيهم، فقال: ( وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ ) أي:إنما نأمر بالشيء مرة واحدة، لا نحتاج إلى تأكيد بثانية، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلا موجودا كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين، وما أحسن ما قال بعض الشعراء:

إذَا مــا أرَادَ اللــه أمْــرًا فَإِنَّمـا يقُـــولُ لـــهُ:كُــنْ , قَوَلــةً فَيَكُونُ

وقوله: ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ) يعني:أمثالكم وسلفكم من الأمم السابقة المكذبين بالرسل، ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) أي:فهل من متعظ بما أخزى الله أولئك، وقدر لهم من العذاب، كما قال: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ [ سبأ:54 ] .

وقوله: ( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ) أي:مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة عليهم السلام، ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ) أي:من أعمالهم ( مُسْتَطَرٌ ) أي:مجموع عليهم، ومسطر في صحائفهم، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

وقد قال الإمام أحمد:حدثنا أبو عامر، حدثنا سعيد بن مسلم بن بانك:سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير، حدثني عوف بن الحارث - وهو ابن أخي عائشة لأمها- عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: « يا عائشة، إياك ومُحَقِّرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا » .

ورواه النسائي وابن ماجه، من طريق سعيد بن مسلم بن بانك المدني . وثقه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وغيرهم.

وقد رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن مسلم هذا من وجه آخر ، ثم قال سعيد:فحدثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي:ويحك يا سعيد بن مسلم! لقد حدثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنبا فاستصغره، فأتاه آت في منامه فقال له:يا سليمان:

لا تَحْــقِرنَّ مِـنَ الذنـوبِ صَغِـيـرا إن الصَّغـير غــدًا يعــود كبيـرا

إن الصغــير ولــو تقـادم عهـده عنــد الإلــه مُسَــطَّرٌ تســطيـرا

فـازجر هـواك عـن البطالـة لا تكن صعـــب القيـاد وشـمرن تشميرا

إن المُحِـــبَّ إذا أحـــب إلهــهُ طــار الفــؤاد وأُلْهِــم التفكـيــرا

فاســأل هــدايتك الإلــه بِنِيَّــة فَكَــفَى بِــرَبّكَ هاديــا ونصـيرا

وقوله: ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ) أي:بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسُّعر والسحب في النار على وجوههم، مع التوبيخ والتقريع والتهديد.

وقوله: ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) أي:في دار كرامة الله ورضوانه وفضله، وامتنانه وجوده وإحسانه، ( عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) أي:عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون؛ وقد قال الإمام أحمد:

حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس، عن عبد الله بن عمرو - يَبلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم- قال: « المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين:الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا » .

انفرد بإخراجه مسلم والنسائي، من حديث سفيان بن عيينة، بإسناده مثله .

آخر تفسير سورة « اقتربت » ، ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة

 

 

تفسير سورة الرحمن

 

وهي مكية.

قال الإمام أحمد:حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن عاصم، عن زِرٍّ، أن رجلا قال لابن مسعود:كيف تعرف هذا الحرف: « ماء غير ياسن أو آسن » ؟ فقال:كل القرآن قد قرأت. قال:إني لأقرأ المفصل؛ أجمع في ركعة واحدة. فقال:أهذًّا كهذِّ الشعر، لا أبا لك؟ قد علمت قرائن النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل، وكان أول مفصل ابن مسعود: ( الرحمن ) .

وقال أبو عيسى الترمذي:حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم، حدثنا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة « الرحمن » من أولها إلى آخرها، فسكتوا فقال: « لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، قالوا:لا بشيء من نعمك - ربنا- نكذب، فلك الحمد » .

ثم قال:هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد. ثم حكي عن الإمام أحمد أنه كان لا يعرفه، ينكر رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا.

ورواه الحافظ أبو بكر البزار، عن عمرو بن مالك، عن الوليد بن مسلم. وعن عبد الله بن أحمد بن شبوية، عن هشام بن عمار، كلاهما عن الوليد بن مسلم، به. ثم قال:لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه .

وقال أبو جعفر بن جرير:حدثنا محمد بن عباد بن موسى، وعمرو بن مالك البصري قالا حدثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة « الرحمن » - أو:قُرِئَت عنده- فقال: « ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم؟ » قالوا:وما ذاك يا رسول الله؟ قال: « ما أتيت على قول الله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ إلا قالت الجن:لا بشيء من نعمة ربنا نكذب » .

ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك، به . ثم قال:لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الرَّحْمَنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الإِنْسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 ) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ( 5 ) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ( 6 ) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ( 7 ) أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ( 8 ) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ( 9 ) وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ( 10 ) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ ( 11 ) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ( 12 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 13 )

يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه:أنه أنـزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه، فقال: ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) قال الحسن:يعني:النطق . وقال الضحاك، وقتادة، وغيرهما:يعني الخير والشر. وقول الحسن ها هنا أحسن وأقوى؛ لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن، وهو أداء تلاوته، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين، على اختلاف مخارجها وأنواعها.

وقوله: ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) أي:يجريان متعاقبين بحساب مُقَنَّن لا يختلف ولا يضطرب، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [ يس:40 ] ، وقال تعالى: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [ الأنعام:96 ] .

وعن عكرمة أنه قال:لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد، ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون الشمس، لما استطاع أن ينظر إليها. ونور الشمس جزء من سبعين جزءًا من نور الكرسي، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءًا من نور العرش، ونور العرش جزء من سبعين جزءًا من نور الستر. فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا. رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ) قال ابن جرير:اختلف المفسرون في معنى قوله: ( والنجم ) بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق، فروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال:النجم ما انبسط على وجه الأرض - يعني من النبات. وكذا قال سعيد بن جبير، والسدي، وسفيان الثوري. وقد اختاره ابن جرير رحمه الله.

وقال مجاهد:النجم الذي في السماء. وكذا قال الحسن وقتادة. وهذا القول هو الأظهر والله أعلم؛ لقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الآية [ الحج:18 ] .

وقوله: ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) يعني:العدل، كما قال: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [ الحديد:25 ] ، وهكذا قال هاهنا: ( أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ) أي:خلق السموات والأرض بالحق والعدل، لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل؛ ولهذا قال: ( وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) أي:لا تبخسوا الوزن، بل زِنوا بالحق والقسط، كما قال [ تعالى ] وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ [ الشعراء:182 ] .

وقوله: ( وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ ) أي:كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها، وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات، لتستقر لما على وجهها من الأنام، وهم:الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم، في سائر أقطارها وأرجائها. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد:الأنام:الخلق.

( فِيهَا فَاكِهَةٌ ) أي:مختلفة الألوان والطعوم والروائح، ( وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ ) أفرده بالذكر لشرفه ونفعه، رطبا ويابسا. والأكمام - قال ابن جُرَيْج عن ابن عباس:هي أوعية الطلع. وهكذا قال غير واحد من المفسرين، وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود، فيكون بسرا ثم رطبا، ثم ينضج ويتناهى يَنْعُه واستواؤه.

قال ابن أبي حاتم ذُكِرَ عن عمرو بن علي الصيرفي:حدثنا أبو قتيبة، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي، عن الشعبي قال:كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب:أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك، فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير، تخرج مثل آذان الحمير، ثم تشقق مثل اللؤلؤ، ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تَيْنَع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج أُكِل، ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادًا للمسافر، فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة. فكتب إليه عمر بن الخطاب من عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم، إن رسلك قد صدقوك ، هذه الشجرة عندنا، وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله، فإن مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ آل عمران:59 ، 60 ] .

وقيل:الأكمام رفاتها، وهو:الليف الذي على عنق النخلة. وهو قول الحسن وقتادة.

( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ ) يعني:التبن.

وقال العَوْفي، عن ابن عباس: ( الْعَصْفِ ) ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه، فهو يسمى العصف إذا يبس. وكذا قال قتادة، والضحاك، وأبو مالك:عصفه:تبنه.

وقال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: ( والريحان ) يعني:الورق.

وقال الحسن:هو ريحانكم هذا.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( والريحان ) خضر الزرع.

ومعنى هذا - والله أعلم- أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف، وهو:ما على السنبلة، وريحان، وهو:الورق الملتف على ساقها.

وقيل:العصف:الورق أول ما ينبت الزرع بقلا. والريحان:الورق، يعني:إذا أدجن وانعقد فيه الحب. كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة.

وَقُـولا لـه:من يُنْبِتُ الحَبَّ في الثَّرى فَيُصْبِـحَ منـه البقـلُ يَهْـتَزُّ رابيـا?

وَيُخْـرجَ منْـه حَبَّـه فـي رُؤوسـه? فَفـي ذاك آيـاتٌ لِمَـنْ كَـانَ واعيـا

وقوله: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) أي:فبأي الآلاء - يا معشر الثقلين، من الإنس والجن- تكذبان؟ قاله مجاهد، وغير واحد. ويدل عليه السياق بعده، أي:النِّعَمُ ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها، لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها ، فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون: « اللهم، ولا بشيء من آلائك ربنا نكذِّب، فلك الحمد » . وكان ابن عباس يقول: « لا بأيِّها يا رب » . أي:لا نكذب بشيء منها.

قال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ، وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر، والمشركون يستمعون ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) .

خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ( 14 ) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ( 15 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 16 )

يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار، وخلقه الجان من مارج من نار، وهو:طرف لهبها. قاله الضحاك، عن ابن عباس. وبه يقول عكرمة، ومجاهد، والحسن، وابن زيد.

وقال العَوْفي، عن ابن عباس: ( مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ) من لهب النار، من أحسنها.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ) من خالص النار. وكذا قال عكرمة، ومجاهد، والضحاك وغيرهم.

وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم » .

ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، به .

وقوله: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) تقدم تفسيره.