خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ( 43 ) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ( 44 ) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ( 45 ) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ( 46 ) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ( 47 )

وقوله: ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) أي:في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه. ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة، إذا تجلى الرب، عز وجل، فيسجد له المؤمنون، لا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجُد، بل يعود ظهر أحدهم طبقًا واحدًا، كلما أراد أحدهم أن يسجد خَرّ لقفاه، عكس السجود، كما كانوا في الدنيا، بخلاف ما عليه المؤمنون.

ثم قال تعالى: ( فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ) يعني:القرآن. وهذا تهديد شديد، أي:دعني وإياه مني ومنه، أنا أعلم به كيف أستدرجه، وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر؛ ولهذا قال: ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) أي:وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ [ المؤمنون:55، 56 ] ، وقال: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [ الأنعام:44 ] . ولهذا قال هاهنا: ( وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) أي:وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم وذلك من كيدي ومكري بهم؛ ولهذا قال تعالى: ( إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) أي:عظيم لمن خالف أمري، وكذب رسلي، واجترأ على معصيتي.

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله تعالى ليُمْلي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه » . ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [ هود:102 ] .

وقوله: ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) تقدم تفسيرهما في سورة « الطور » والمعنى في ذلك:أنك يا محمد تدعوهم إلى الله، عز وجل، بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند الله، عز وجل، وهم يكذبون بما جئتهم به، بمجرد الجهل والكفر والعناد.

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ( 48 ) لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ( 49 ) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 50 ) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ( 51 ) وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ( 52 )

يقول تعالى: ( فَاصْبِرْ ) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم؛ فإن الله سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، ( وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) يعني:ذا النون، وهو يونس بن متى، عليه السلام، حين ذهب مُغَاضِبًا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، الذي لا يُرَدّ ما أنفذه من التقدير، فحينئذ نادى في الظلمات. أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [ الأنبياء:87 ] . قال الله فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [ الأنبياء:88 ] ، وقال تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ الصافات:143، 144 ] وقال هاهنا: ( إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ) قال ابن عباس، ومجاهد، والسدي:وهو مغموم. وقال عطاء الخراساني، وأبو مالك:مكروب. وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال: لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ خرجت الكلمة تَحُفّ حول العرش، فقالت الملائكة:يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة. فقال الله:أما تعرفون هذا؟ قالوا:لا. قال:هذا يونس. قالوا:يا رب، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة؟ قال:نعم. قالوا:أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء؛ ولهذا قال تعالى: ( فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ )

وقد قال الإمام أحمد:حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا ينبغي لأحد أن يقول:أنا خير من يونس بن متى » .

ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة .

وقوله: ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: ( لَيُزْلِقُونَكَ ) لينفذونك بأبصارهم، أي:ليعينونك بأبصارهم، بمعنى:يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله، عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة .

حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه:قال أبو داود:حدثنا سليمان بن داود العَتَكي، حدثنا شريك ( ح ) ، وحدثنا العباس العَنْبَريّ، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك، عن العباس بن ذَرِيح، عن الشعبي - قال العباس:عن أنس- قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا رقية إلا من عين أو حُمة أو دم لا يرقأ » . لم يذكر العباس العين. وهذا لفظ سليمان .

حديث بُرَيدة بن الحُصَيب، رضي الله عنه:قال أبو عبد الله ابن ماجة:حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمَير، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفر الرازي، عن حُصَين، عن الشعبي، عن بُرَيدة بن الحصيب قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا رقية إلا من عين أو حُمة » .

هكذا رواه ابن ماجة وقد أخرجه مسلم في صحيحه، عن سعيد بن منصور، عن هشيم، عن حُصَين بن عبد الرحمن، عن عامر الشعبي، عن بريدة موقوفًا، وفيه قصة وقد رواه شعبة، عن حصين، عن الشعبي، عن بريدة. قاله الترمذي وروى هذا الحديث الإمام البخاري من حديث محمد بن فضيل، وأبو داود من حديث مالك بن مِغْول، والترمذي من حديث سفيان بن عيينة، ثلاثتهم عن حصين، عن عامر عن الشعبي، عن عمران بن حُصَين موقوفًا .

حديث أبي جندب بن جنادة:قال الحافظ أبو يعلى الموصلي، رحمه الله:حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البِرِند السامي، حدثنا ديلم بن غَزوان، حدثنا وهْب بن أبي دبي، عن أبي حرب عن أبي ذر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن العين لتولع الرجلَ بإذن الله، فيتصاعد حالقا، ثم يتردى منه » إسناده غريب، ولم يخرجوه .

حديث حابس التميمي:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الصمد، حدثنا حرب، حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني حَيَّة بن حابس التميمي:أن أباه أخبره:أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطيَرَة الفَألُ » .

وقد رواه الترمذي عن عمرو بن علي، عن أبي غسان يحيى بن كثير، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، به ثم قال:غريب. قال:وروى شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن حَيَّة بن حابس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت:كذلك رواه الإمام أحمد، عن حسن بن موسى وحُسَين بن محمد، عن شيبان، يحيى بن أبي كثير، عن حَيَّة، حدثه عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا بأس في الهام، والعين حق، وأصدق الطيرة الفأل » .

حديث ابن عباس:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن دُوَيد، حدثني إسماعيل بن ثوبان، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « العين حق، العين حق، تستنـزل الحالق » غريب.

طريق أخرى:قال مسلم في صحيحه:حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وُهَيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « العين حق، ولو كان شيء سَابَقَ القَدَرَ سَبَقَت العين، وإذا اغْتُسلتم فاغسلوا » . انفرد به دون البخاري .

وقال عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن المِنْهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين، يقول: « أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهَامَّة، ومن كل عين لامَّة » ، ويقول هكذا كان إبراهيم يُعَوِّذ إسحاق وإسماعيل، عليهما السلام « . »

أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال، به

حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، رضي الله عنه: « قال ابن ماجة:حدثنا هشام بن عمار، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي أمامة ابن سهل بن حُنَيف قال:مر عامر بن ربيعة بسهل بن حُنَيف، وهو يغتسل، فقال:لم أر كاليوم ولا جلدَ مخبأة. فما لبث أن لُبِطَ به، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له:أدرك سهلا صريعًا. قال: » من تتهمون به؟ « . قالوا:عامر بن ربيعة. قال: » علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعجبه فَلْيَدعُ له بالبركة « . ثُم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه، ودَاخِلة إزاره، وأمره أن يصب عليه. »

قال سفيان:قال مَعْمَر، عن الزهري:وأمر أن يكفَأ الإناء من خلفه .

وقد رواه النسائي، من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس، كلاهما عن الزهري، به. ومن حديث سفيان بن عيينة أيضًا عن معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة:ويكفَأ الإناء من خلفه. ومن حديث ابن أبي ذئب عن الزهري، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حُنَيف، عن أبيه، به. ومن حديث مالك أيضًا، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، به .

حديث أبي سعيد الخدري:قال ابن ماجة:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنس. فلما نـزل المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك.

ورواه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن إياس أبي مسعود الجُرَيري، به وقال الترمذي:حسن.

حديث آخر عنه:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، حدثني عبد العزيز بن صُهيب، حدثني أبو نضرة، عن أبي سعيد:أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:اشتكيت يا محمد؟ قال: « نعم » . قال باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس و عين يشفيك، باسم الله أرقيك .

ورواه عن عفان، عن عبد الوارث، مثله. ورواه مسلم وأهل السنن - إلا أبا داود- من حديث عبد الوارث، به .

وقال الإمام أحمد أيضًا:حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا داود، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد - أو:جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى، فأتاه جبريل فقال:باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من كل حاسد وعين والله يُشفيك .

ورواه أيضًا، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن داود، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد به .

قال أبو زُرْعَة الرازي:روى عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن عبد العزيز، عن أبي نضرة، وعن عبد العزيز، عن أنس، في معناه، وكلاهما صحيح.

حديث أبي هُرَيرة:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا مَعْمَر، عن هَمَّام بن مُنَبِّه قال:هذا ما حدثنا أبو هُرَيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن العين حق » .

أخرجاه من حديث عبد الرزاق .

وقال ابن ماجة:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن الجُرَيري، عن مُضَارب بن حَزن، عن أبي هُرَيرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « العين حق » .تفرد به.

ورواه أحمد، عن إسماعيل بن عُلَيَّة، عن سعيد الجريري، به .

وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير، حدثنا ثور - يعني ابن يزيد- عن مكحول، عن أبي هُرَيرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « العين حق، ويحضُرها الشيطانُ، وحسد ابن آدم »

وقال أحمد:حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس:سُئل أبو هُرَيرة:هل سمعت رسول الله يقول:الطيرة في ثلاث:في المسكن والفرس والمرأة؟ قال:قلت:إذًا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل! ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « أصدق الطيرة الفألُ، والعين حق » .

حديث أسماء بنت عُمَيس:قال الإمام أحمد:حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عُروةَ بن عامر، عن عُبَيد بن رفاعة الزُرقي قال:قالت أسماء:يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: « نعم، فلو كان شيء يسبق القدرَ لسبقته العين » .

وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة، به ورواه الترمذي أيضًا والنسائي، من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن عُرْوَة بن عامر، عن عُبَيد بن رفاعة، عن أسماء بنت عميس، به وقال الترمذي:حسن صحيح.

حديث عائشة، رضي الله عنها:قال ابن ماجة:حدثنا علي بن أبي الخَصِيب، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، ومِسْعَر، عن معبد بن خالد، عن عبد الله بن شَدَّاد، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين .

ورواه البخاري عن محمد بن كثير، عن سفيان، عن معبد بن خالد، به. وأخرجه مسلم من حديث سُفيانَ ومِسْعَر، كلاهما عن معبد، به ثم قال ابن ماجة:

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وُهَيب، عن أبي واقد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « استعيذوا بالله فإن النفس حق » . تفرد به

وقال أبو داود:حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المَعين .

حديث سهل بن حُنَيف:قال الإمام أحمد:حدثنا حُسَين بن محمد، حدثنا أبو أويس حدثنا الزهري، عن أبي أمامة بن سَهل بن حُنَيف:أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخَرَار - من الجحفة- اغتسل سهلُ بن حُنَيف - وكان رجلا أبيض حَسن الجسم والجلد- فنظر إليه عامر بن ربيعة، أخو بني عدي بن كعب، وهو يغتسل، فقال:ما رأيت كاليوم ولا جلد مُخَبَّأة. فلُبِطَ سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له:يا رسول الله، هل لك في سهل. والله ما يرفع رأسه ولا يُفيق. قال: « هل تتهمون فيه من أحد؟ » . قالوا:نظر إليه عامر بن ربيعة. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه، وقال: « علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بَركت؟ » . ثم قال له: « اغتسل له » - فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ودَاخلَة إزاره في قَدح- ثم صُب ذلك الماء عليه. يَصُبَه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ . القدح وراءه. ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس، ليس به بأس .

حديث عامر بن ربيعة: « قال الإمام أحمد في مسند عامر:حدثنا وَكِيع، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن عيسى، عن أمَيّة بن هند بن سهل بن حُنَيْف، عن عبد الله بن عامر قال:انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل، قال:فانطلقا يلتمسان الخمرَ - قال:فوضع عامر جُبَّة كانت عليه من صوف، فنظرت إليه فأصبته بعيني فنـزل الماء يغتسل. قال:فسمعت له في الماء فرقعة، فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته. قال:فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال:فضرب صدره بيده ثم قال: » اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها « . قال:فقام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » إذا رأى أحدكم من أخيه، أو من نفسه أو من ماله، ما يعجبه، فَليُبَرِّك، فإن العين حق « . »

حديث جابر:قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده:حدثنا محمد بن مَعْمَر، حدثنا أبو داود، حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري - ويقال له:ابن الضَجِيع، ضجيع حمزة، رضي الله عنه- حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس » .

قال البزار:يعني العين. قال ولا نعلم يروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد.

قلت:بل قد روي من وجه آخر عن جابر؛ قال الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشَكَّر- في كتاب العجائب، وهو مشتمل على فوائد جليلة وغريبة:حدثنا الرهاوي، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي، حدثنا محمد بن المُنكَدر، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « العين حق، لتُورِد الرجل القبر، والجمل القِدر، وإن أكثر هلاك أمتي في العين » .

ثم رواه عن شعيب بن أيوب، عن معاوية بن هشام، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قد تُدخل الرجلَ العينُ في القبر، وتدخل الجمل القدر » .

حديث عبد الله بن عمرو: « قال الإمام أحمد:حدثنا قتيبة، حدثنا رشدين بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، عن هشام بن أبي رُقية، عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » لا عدوى ولا طيرةَ، ولا هَامة ولا حَسَد، والعين حق « . تفرد به أحمد . »

حديث عن علي:روى الحافظ ابن عساكر من طريق خَيْثمة بن سليمان الحافظ:حدثنا عبيد بن محمد الكَشَوري، حدثنا عبد الله بن عبد الله بن عبد ربه البصري، عن أبي رجاء، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي؛ أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتما، فقال:يا محمد، ما هذا الغم الذي أراه في وجهك؟ قال: « الحسن والحسين أصابتهما عين » . قال:صَدَق بالعين، فإن العين حق، أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات؟ قال: « وما هن يا جبريل؟ » . قال:قل:اللهم ذا السلطان العظيم، ذا المن القديم، ذا الوجه الكريم، ولي الكلمات التامات، والدعوات المستجابات، عاف الحسن والحسين من أنفس الجن، وأعين الإنس. فقالها النبي صلى الله عليه وسلم فقاما يلعبان بين يديه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « عَوِّذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ، فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله » .

قال الخطيب البغدادي:تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبيد الله الحَيَطي من أهل تُسْتَر. ذكره ابن عساكر في ترجمة « طراد بن الحسين » ، من تاريخه .

وقوله: ( وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) أي:يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم، ويقولون: ( إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) أي:لمجيئه بالقرآن، قال الله تعالى ( وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ )

 

 

تفسير سورة الحاقة

 

وهي مكية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَاقَّةُ ( 1 ) مَا الْحَاقَّةُ ( 2 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ( 3 ) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ( 4 ) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ( 5 ) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ( 6 ) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ( 7 ) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ( 8 )

الحاقةُ من أسماء يوم القيامة؛ لأن فيها يَتَحقَّقُ الوَعدُ والوَعيد؛ ولهذا عَظَّم تعالى أمرَها فقال: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ) ؟

ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها فقال تعالى: ( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) وهي الصيحة التي أسكتتهم، والزلزلة التي أسكنتهم. هكذا قال قتادة:الطاغية الصيحة. وهو اختيار ابن جرير .

وقال مجاهد:الطاغية الذنوب. وكذا قال الربيع بن أنس، وابن زيد:إنها الطغيان، وقرأ ابن زيد: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [ الشمس:11 ] .

وقال السُّدِّي: ( فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) قال:يعني:عاقر الناقة.

( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ ) أي:باردة. قال قتادة، والربيع، والسدي، والثوري: ( عاتية ) أي:شديدة الهبوب. قال قتادة:عتت عليهم حتى نَقَّبت عن أفئدتهم.

وقال الضحاك: ( صرصر ) باردة ( عاتية ) عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة. وقال علي وغيره:عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب.

( سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ ) أي:سلطها عليهم ( سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) أي:كوامل متتابعات مشائيم.

قال ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والثوري، وغير واحد ( حسوما ) متتابعات.

وعن عكرمة والربيع:مشائيم عليهم، كقوله: فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ [ فصلت:16 ] قال الربيع:وكان أولها الجمعة. وقال غيره الأربعاء. ويقال:إنها التي تسميها الناس الأعجاز؛ وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى: ( فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ) وقيل:لأنها تكون في عجز الشتاء، ويقال:أيام العجوز؛ لأن عجوزًا من قوم عاد دخلت سَرَبا فقتلها الريح في اليوم الثامن. حكاه البغوي والله أعلم.

قال ابن عباس: ( خاوية ) خربة. وقال غيره:بالية، أي:جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتًا على أم رأسه، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان.

وقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « نُصِرْتُ بالصَّبا، وأهلكَت عادٌ بالدَّبور » .

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي، حدثنا محمد بن يحيى بن الضِّريس العبدي، حدثنا ابن فُضَيل، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم، فَمرّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم، فجعلتهم بين السماء والأرض. فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح وما فيها قالوا:هذا عارض ممطرنا. فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة » .

وقال الثوري عن ليث، عن مجاهد:الريح لها جناحان وذنب.

( فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ) ؟ أي:هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أنه ممن ينتسب إليهم؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خَلفَا.