تفسير سورة والشمس وضحاها

 

وهي مكية.

تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ:هلا صليت بـ ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ( 1 ) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ( 2 ) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ( 3 ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ( 4 ) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ( 5 ) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ( 6 ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( 7 ) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( 8 ) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( 9 ) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ( 10 )

قال مجاهد: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) أي:وضوئها. وقال قتادة: ( وَضُحَاهَا ) النهار كله.

قال ابن جرير:والصواب أن يقال:أقسم الله بالشمس ونهارها؛ لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار .

( وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) قال مجاهد:تبعها. وقال العوفي، عن ابن عباس: ( وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) قال:يتلو النهار. وقال قتادة: ( إِذَا تَلاهَا ) ليلة الهلال، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال.

وقال ابن زيد:هو يتلوها في النصف الأول من الشهر، ثم هي تتلوه. وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم:إذا تلاها ليلة القدر.

وقوله: ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) قال مجاهد:أضاء. وقال قتادة: ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) إذا غشيها النهار.

قال ابن جرير:وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى:والنهار إذا جلا الظلمة، لدلالة الكلام عليها.

قلت:ولو أن هذا القائل تأول [ ذلك ] بمعنى ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) أي:البسيطة، لكان أولى، ولصح [ تأويله في ] قول الله ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) فكان أجود وأقوى، والله أعلم. ولهذا قال مجاهد: ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) إنه كقوله: وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [ الليل:2 ] . وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس، لجريان ذكرها. وقالوا في قوله: ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) يعني:إذا يغشى الشمس حين تغيب، فتظلم الآفاق.

وقال بَقِيَّة بن الوليد، عن صفوان، حدثني يزيد بن ذي حمامة قال:إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله:غشي عبادي خلقي العظيم، فالليل يهابه، والذي خلقه أحق أن يهاب. رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: ( وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ) يحتمل أن تكون « ما » هاهنا مصدرية، بمعنى:والسماء وبنائها. وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى « مَن » يعني:والسماء وبانيها. وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم، والبناء هو الرفع، كقوله: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ أي:بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [ الذاريات:47، 48 ] .

وهكذا قوله: ( وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا ) قال مجاهد: ( طَحَاهَا ) دحاها. وقال العوفي، عن ابن عباس: ( وَمَا طَحَاهَا ) أي:خلق فيها.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( طَحَاهَا ) قسمها.

وقال مجاهد، وقتادة والضحاك، والسُّدِّي، والثوري، وأبو صالح، وابن زيد: ( طَحَاهَا ) بسطها.

وهذا أشهر الأقوال، وعليه الأكثر من المفسرين، وهو المعروف عند أهل اللغة، قال الجوهري:طحوته مثل دحوته، أي:بسطته.

وقوله: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ) أي:خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، كما قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [ الروم:30 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جَمْعَاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ » .

أخرجاه من رواية أبي هريرة

وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يقول الله عز وجل:إني خلقت عبادي حُنَفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم » .

وقوله: ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) أي:فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي:بين لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها.

قال ابن عباس: ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) بين لها الخير والشر. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والثوري.

وقال سعيد بن جبير:ألهمها الخير والشر. وقال ابن زيد:جعل فيها فجورها وتقواها.

وقال ابن جرير:حدثنا ابن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا حدثنا عَزْرَة بن ثابت، حدثني يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يَعْمَر، عن أبي الأسود الدّيلي قال:قال لي عمران بن حصين:أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدَر قد سبق، أو فيما يُستَقبَلُون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأكدت عليهم الحجة؟ قلت:بل شيء قضي عليهم. قال:فهل يكون ذلك ظلمًا؟ قال:ففزعت منه فزعًا شديدًا، قال:قلت له:ليس شيء إلا وهو خَلقُه وملْك يَده، لا يسألُ عما يفعل وهم يسألون. قال:سددك الله، إنما سألت لأخبر عقلك، إن رجلا من مُزَينة - أو جهينة- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدر قد سبق، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم، وأكدت به عليهم الحجة؟ قال: « بل شيء قد قضي عليهم » . قال:ففيم نعمل؟ قال: « من كان الله خلقه لإحدى المنـزلتين يُهَيِّئه لها، وتصديق ذلك في كتاب الله: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) »

رواه أحمد ومسلم، من حديث عَزْرَة بن ثابت به .

وقوله: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) يحتمل أن يكون المعنى:قد أفلح من زكى نفسه، أي:بطاعة الله - كما قال قتادة- وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. ويُروَى نحوه عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وكقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [ الأعلى:14 ، 15 ] .

( وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) أي:دسسها، أي:أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.

وقد يحتمل أن يكون المعنى:قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي وأبو زُرْعَة قالا حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام- عن جُوَيبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أفلحت نفس زكاها الله » .

ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك، به. وجويبر [ هذا ] هو ابن سعيد، متروك الحديث، والضحاك لم يلق ابن عباس.

وقال الطبراني:حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا أبي، حدثنا ابن لَهِيعة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الآية: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) وقف، ثم قال: « اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكاها » .

حديث آخر:قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا يعقوب بن حميد المدني، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي، حدثنا مَعْن بن محمد الغفاري، عن حنظلة بن علي الأسلمي، عن أبي هريرة قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) قال: « اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها » لم يخرجوه من هذا الوجه.

وقال الإمام أحمد:حدثنا وَكِيع، عن نافع - عن ابن عمر- عن صالح بن سُعَيد، عن عائشة:أنها فَقَدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: « رب، أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها » تفرد به.

حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث، عن زيد بن أرقم قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « اللهم، إني أعوذ بك من العجز والكَسَل والهرم، والجُبن والبخل وعذاب القبر. اللهم، آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم، إني أعوذ بك من قَلْب لا يخشع، ومن نَفْس لا تشبع، وعِلْم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها » . قال زيد:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكوهن.

رواه مسلم من حديث أبي معاوية، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث - وأبي عثمان النهدي، عن زيد بن أرقم، به .

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ( 11 ) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ( 12 ) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ( 13 ) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ( 14 ) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا ( 15 )

يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي.

وقال محمد بن كعب: ( بِطَغْوَاهَا ) أي:بأجمعها.

والأول أولى، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما. فأعقبهم ذلك تكذيبًا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم من الهدى واليقين.

( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ) أي:أشقى القبيلة، هو قُدَار بن سالف عاقرُ الناقة، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [ القمر:29 ] . وكان هذا الرجل عزيزًا فيهم، شريفًا في قومه، نسيبًا رئيسًا مطاعًا، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا ابن نمير، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن زَمْعَةَ قال:خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها، فقال: « ( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ) انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه، مثل أبي زمعة » .

ورواه البخاري في التفسير، ومسلم في صفة النار، والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما وكذا ابن جرير وابن أبي حاتم [ من طرق ] عن هشام بن عروة، به .

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن محمد بن خُثَيم عن محمد بن كعب القرظي، عن محمد بن خُثَيم أبي يزيد عن عمار بن ياسر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: « ألا أحدثك بأشقى الناس؟ » . قال:بلى:قال: « رجلان؛ أحيمر ثمود الذي عَقَر الناقة، والذي يضربك يا عليّ عَلَى هذا - يعني قَرنه- حتى تبتل منه هذه » يعني:لحيته .

وقوله: ( فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ) يعني:صالحًا، عليه السلام: ( نَاقَةُ اللَّهِ ) أي:احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء، ( وَسُقْيَاهَا ) أي:لا تعتدوا عليها في سقياها، فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم. قال الله: ( فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا ) أي:كذبوه فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم، ( فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ ) أي:غضب عليهم، فدمر عليهم، ( فَسَوَّاهَا ) أي:فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء.

قال قتادة:بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسواها.

وقوله: ( وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا ) وقرئ: « فلا يخاف عقباها » .

قال ابن عباس:لا يخاف الله من أحد تبعة. وكذا قال مجاهد، والحسن، وبكر بن عبد الله المزني، وغيرهم.

وقال الضحاك والسدي: ( وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا ) أي:لم يخف الذي عقرها عاقبة ما صنع. والقول الأول أولى؛ لدلالة السياق عليه، والله أعلم.

آخر تفسير « والشمس وضحاها » .

 

 

تفسير سورة الليل

 

وهي مكية.

تقدم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: « فهلا صليت » بـ « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى » « وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا » « وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى » ؟ .

بسم الله الرحمن الرحيم

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ( 1 ) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ( 2 ) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ( 3 ) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ( 4 ) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ( 5 ) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ( 6 ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ( 7 ) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ( 8 ) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ( 9 ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ( 10 ) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ( 11 )

قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة:أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق، فصلى فيه ركعتين وقال:اللهم، ارزقني جليسًا صالحًا. قال:فجلس إلى أبي الدرداء، فقال له أبو الدرداء:ممن أنت؟ قال:من أهل الكوفة. قال:كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ: ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) ؟ قال علقمة: « والذكر والأنثى » . فقال أبو الدرداء:لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال هؤلاء حتى شككوني. ثم قال:ثم ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره، والذي أجير من الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم؟ .

وقد رواه البخاري هاهنا ومسلم، من طريق الأعمش، عن إبراهيم قال:قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء، فطلبهم فوجدهم، فقال:أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قالوا:كلنا، قال:أيكم أحفظ؟ فأشاروا إلى علقمة، فقال:كيف سمعته يقرأ: ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) ؟ قال: « والذكر والأنثى » . قال:أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ: ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) والله لا أتابعهم .

هذا لفظ البخاري:هكذا قرأ ذلك ابن مسعود، وأبو الدرداء - ورفعه أبو الدرداء- وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو مُثبَت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق: ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) فأقسم تعالى بـ ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) أي:إذا غَشيَ الخليقةَ بظلامه، ( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) أي:بضيائه وإشراقه، ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) كقوله: وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا [ النبأ:8 ] ، وكقوله: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [ الذاريات:49 ] .

ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان القسم عليه أيضا متضادا؛ ولهذا قال: ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) أي:أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضًا ومتخالفة، فمن فاعل خيرا ومن فاعل شرا.

قال الله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ) أي:أعطى ما أمر بإخراجه، واتقى الله في أموره، ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) أي:بالمجازاة على ذلك - قاله قتادة، وقال خَصِيف:بالثواب. وقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو صالح، وزيد بن أسلم: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) أي:بالخلف. وقال أبو عبد الرحمن السلمي، والضحاك: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) أي:بلا إله إلا الله. وفي رواية عن عكرمة: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) أي:بما أنعم الله عليه. وفي رواية عن زيد بن أسلم: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال:الصلاة والزكاة والصوم. وقال مرة:وصدقة الفطر.

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا زُهَير بن محمد، حدثني مَن سَمِع أبا العالية الرياحي يُحدث عن أبي بن كعب قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسنى قال: « الحسنى:الجنة » .

وقوله: ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) قال ابن عباس:يعني للخير. وقال زيد بن أسلم:يعني للجنة.

وقال بعض السلف:من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيئة السيئةُ بعدها؛ ولهذا قال تعالى: ( وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ) أي:بما عنده، ( واستغنى ) قال عكرمة، عن ابن عباس:أي بخل بماله، واستغنى عن ربه، عز وجل. رواه ابن أبي حاتم.

( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ) أي:بالجزاء في الدار الآخرة.

( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) أي:لطريق الشر، كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [ الأنعام:110 ] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله، عز وجل، يُجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشر بالخذلان. وكل ذلك بقدر مُقدّر، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة:

رواية أبي بكر الصديق، رضي الله عنه:قال الإمام أحمد:حدثنا علي بن عَيَّاش، حدثني العطاف بن خالد، حدثني رجل من أهل البصرة، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن أبيه قال:سمعت أبي يذكر أن أباه سمع أبا بكر وهو يقول:قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:يا رسول الله، أنعمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف؟ قال: « بل على أمر قد فُرغ منه » . قال:ففيم العملُ يا رسول الله؟ قال: « كل ميسر لما خلق له » .

رواية علي، رضي الله عنه:قال البخاري، حدثنا أبو نعيم:حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب قال:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بَقِيع الغَرْقَد في جنازة، فقال: « ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده من النار » . فقالوا:يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال: « اعملوا، فكل ميسر لما خلق له » . قال:ثم قرأ: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) إلى قوله: ( لِلْعُسْرَى ) .

وكذا رواه من طريق شعبة ووَكِيع، عن الأعمش، بنحوه ثم رواه عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور، عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخْصَرَةٌ فَنَكَسَ فجعل ينكُت بمخصرته، ثم قال: « ما منكم من أحد - أو:ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة » . فقال رجل:يا رسول الله، أفلا نتكل وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء؟ فقال: « أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء » . ثم قرأ: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) الآية .

وقد أخرجه بقية الجماعة، من طرق، عن سعد بن عبيدة، به .

رواية عبد الله بن عمر:وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال:سمعتُ سالم بنَ عبد الله يُحدث عن ابن عُمَر:قال:قال عمر:يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه؟ أفي أمر قد فُرغ أو مبتدأ أو مبتدع؟ قال: « فيما قد فُرغَ منه، فاعمل يا ابن الخطاب، فإن كُلا مُيَسَّر، أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء » .

ورواه الترمذي في القدر، عن بندار، عن ابن مَهْدِي، به وقال:حسن صحيح.

حديث آخر من رواية جابر:قال ابن جرير:حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو ابن الحارث، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال:يا رسول الله، أنعمل لأمر قد فرغ منه، أو لأمر نستأنفه؟ فقال: « لأمر قد فرغ منه » . فقال سراقة:ففيم العمل إذًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل عامل مُيَسَّر لعمله » .

ورواه مسلم عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، به .

حديث آخر:قال ابن جرير:حدثني يونس، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طلق ابن حبيب، عن بشير بن كعب العدوي قال:سأل غلامان شابان النبي صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله، أنعمل فيما جَفَّت به الأقلام وجَرَتْ به المقادير، أو في شيء يستأنف؟ فقال: « بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير » . قالا ففيم العمل إذًا؟ قال: « اعملوا فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له » . قالا فالآن نجد ونعمل .

رواية أبي الدرداء:قال الإمام أحمد:حدثنا هَيْثَم بن خارجة، حدثنا أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي، عن يونس بن ميسرة بن حَلْبس، عن أبي إدريس، عن أبي الدرداء قال:قالوا:يا رسول الله، أرأيت ما نعمل، أمر قد فُرغ منه أم شيء نستأنفه؟ قال: « بل أمر قد فرغ منه » . قالوا:فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: « كل امرئ مهيأ لما خلق له » .

تفرد به أحمد من هذا الوجه.

حديث آخر:قال ابن جرير:حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كَبْشَة، حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا عباد بن راشد، عن قتادة، حدثني خُلَيد العصري، عن أبي الدرداء قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجَنْبَتَيْهَا ملكان يناديان بصوت يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين:اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا » . وأنـزل الله في ذلك القرآن: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) .

ورواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن ابن أبي كبشة، بإسناده مثله.

حديث آخر:قال ابن أبي حاتم:حدثني أبو عبد الله الطهراني، حدثنا حفص بن عُمَر العَدَاني، حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رجلا كان له نخل، ومنها نخلة فرعها إلى دار رجل صالح فقير ذي عيال، فإذا جاء الرجل فدخل داره وأخذ الثمر من نخلته، فتسقط الثمرة فيأخذها صبيان الفقير فنـزل من نخلته فَنـزع الثمرة من أيديهم، وإن أدخل أحدهم الثمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام ونـزع الثمرة من حلقه. فشكا ذلك الرجلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « اذهب » . ولقي النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « أعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة » فقال له:لقد أعطيت، ولكن يعجبني ثمرها، وإن لي لنخلا كثيرًا ما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة من ثمرها. فذهب النبي صلى الله عليه وسلم فتبعه رجل كان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صاحب النخلة. فقال الرجل:يا رسول الله، إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتها أتعطيني بها ما أعطيته بها نخلة في الجنة؟ قال: « نعم » . ثم إن الرجل لقي صاحب النخلة، ولكلاهما نخل، فقال له:أخبرك أن محمدًا، [ قد ] أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة، فقلت، له:قد أعطيتُ ولكن يعجبني ثمرها. فسكت عنه الرجلُ، فقال له:أتُراك إذا بعتها؟ قال:لا إلا أن أعطى بها شيئًا، ولا أظنني أعطاه. قال:وما مناك بها ؟ قال:أربعون نخلة. فقال الرجل:لقد جئتَ بأمر عظيم، نخلتك تطلب بها أربعين نخلة؟‍‍! ثم سكتا وأنشأ في كلام [ آخر ] ثم قال:أنا أعطيتك أربعين نخلة، فقال:أشهد لي إن كنت صادقا. فأمر بأناس فدعاهم فقال:اشهدوا أني قد أعطيته من نخلي أربعين نخلة بنخلته التي فرعها في دار فلان ابن فلان. ثم قال:ما تقول؟ فقال صاحب النخلة:قد رضيت. ثم قال بعدُ:ليس بيني وبينك بيع لم نفترق قال له:قد أقالك الله، ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة. فقال صاحب النخلة:قد رضيتُ على أن تعطيني الأربعين على ما أريد. قال:تعطينيها على ساق. ثم مكث ساعة، ثم قال:هي لك على ساق وأوقف له شهودًا وعد له أربعين نخلة على ساق، فتفرقا، فذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله، إن النخلة المائلة في دار فلان قد صارت لي، فهي لك. فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجل صاحب الدار فقال له: « النخلة لك ولعيالك » . قال عكرمة:قال ابن عباس:فأنـزل الله عز وجل: ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) إلى قوله: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) إلى آخر السورة .

هكذا رواه ابن أبي حاتم، وهو حديث غريب جدًا.

قال ابن جرير:وذكر أن هذه الآية نـزلت في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه:حدثني هارون بن إدريس الأصم، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال:كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه:أي بني، أراك تعتق أناسًا ضعفاء، فلو أنك تعتق رجالا جُلَداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك؟‍! فقال:أيْ أبَت، إنما أريد - أظنه قال - ما عند الله:قال:فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنـزلت فيه: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى * وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) .

وقوله: ( وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ) قال مجاهد:أي إذا مات. وقال أبو صالح، ومالك عن زيد بن أسلم:إذا تردى في النار.

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ( 12 ) وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى ( 13 ) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ( 14 )

قال قتادة: ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ) أي:نبين الحلالَ والحرامَ. وقال غيره:من سَلك طريق الهدى وَصَل إلى الله. وجعله كقوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [ النحل:9 ] . حكاه ابن جرير.

وقوله: ( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى ) أي:الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما.

وقوله: ( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ) قال مجاهد:أي توهج.

قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سِماك بن حرب، سمعتُ النعمان بن بشير يخطب يقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: « أنذركم النار [ أنذرتكم النار، أنذرتكم النار ] حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا. قال:حتى وقعت خَميصة كانت على عاتقه عند رجليه » .

وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، حدثني أبو إسحاق:سمعت النعمان ابن بشير يخطب ويقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجلٌ توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه » .

رواه البخاري

وقال مسلم:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن بشير قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار يَغلي منهما دماغه كما يَغْلي المِرْجَل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابا » .