لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى ( 15 ) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( 16 ) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ( 17 ) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ( 18 ) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ( 19 ) إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ( 20 ) وَلَسَوْفَ يَرْضَى ( 21 )

وقوله: ( لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى ) أي:لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى. ثم فسره فقال: ( الَّذِي كَذَّبَ ) أي:بقلبه، ( وَتَوَلَّى ) أي:عن العمل بجوارحه وأركانه.

قال الإمام أحمد:حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا عبد ربه بن سعيد، عن المقبري، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يدخل النار إلا شقي » . قيل:ومن الشقي؟ قال: « الذي لا يعمل بطاعة، ولا يترك لله معصية » .

وقال الإمام أحمد:حدثنا يونس وسُريج قالا حدثنا فُلَيح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هُرَيرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى » . قالوا:ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: « من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى » .

ورواه البخاري عن محمد بن سنان، عن فُلَيح، به

وقوله: ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى ) أي:وسَيُزَحزح عن النار التقي النقي الأتقى.

ثم فسره بقوله: ( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ) أي:يصرف ماله في طاعة ربه؛ ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا.

( وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ) أي:ليس بَذْله حاله في مكافأة من أسدى إليه معروفًا، فهو يعطي في مقابلة ذلك، وإنما دفعه ذلك ( ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى ) أي:طمعًا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات، قال الله تعالى: ( وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) أي:ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات.

وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نـزلت في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى: ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ) ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صديقًا تقيًا كريما جوادًا بذالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسول الله، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم، ولم يكن لأحد من الناس عنده منّةٌ يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل؛ ولهذا قال له عروة بن مسعود - وهو سيد ثقيف، يوم صلح الحديبية- :أما والله لولا يد لك كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك. وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف بمن عداهم؟ ولهذا قال: ( وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من أنفق زوجين في سبيل الله دَعَته خَزَنَةُ الجنة:يا عبد الله، هذا خير » ، فقال أبو بكر:يا رسول الله، ما على من يُدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد؟ قال: « نعم، وأرجو أن تكون منهم » .

آخر تفسير سورة « الليل » ولله الحمد والمنة

 

 

تفسير سورة الضحى

 

وهي مكية.

روينا من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بَزةَ المقرئ قال:قرأت على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عبَّاد، فلما بلغت « وَالضُّحىَ » قالا لي:كَبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك. وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك. وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك .

فهذه سُنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، من ولد القاسم بن أبي بزة، وكان إمامًا في القراءات، فأما في الحديث فقد ضَعَّفَه أبو حاتم الرازي وقال:لا أحدث عنه، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال:هو منكر الحديث. لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في شرح الشاطبية عن الشافعي أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال له:أحسنت وأصبت السنة. وهذا يقتضي صحة هذا الحديث.

ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته، فقال بعضهم:يكبر من آخر « وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى » وقال آخرون:من آخر « وَالضُّحَى » وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول:الله أكبر ويقتصر، ومنهم من يقول الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر.

وذكر الفراء في مناسبة التكبير من أول سورة « الضحى » :أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة [ ثم ] جاءه الملك فأوحى إليه: « وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى » السورة بتمامها، كبر فرحًا وسرورًا. ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف، فالله أعلم .

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالضُّحَى ( 1 ) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ( 2 ) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ( 3 ) وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى ( 4 ) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ( 5 ) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ( 6 ) وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى ( 7 ) وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ( 8 ) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ( 9 ) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ( 10 ) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ( 11 )

قال الإمام أحمد:حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن الأسود بن قيس قال:سمعت جُنْدُبا يقول:اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت:يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فأنـزل الله عز وجل: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) .

رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، من طرق، عن الأسود بن قيس، عن جُنْدُب - هو ابن عبد الله البَجلي ثم العَلقي به وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس:سمع جندبًا قال:أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون:وُدِّع محمد. فأنـزل الله: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) .

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني سفيان، حدثني الأسود بن قيس، أنه سمع جندبًا يقول:رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في أصبعه فقال:

هــل أنــت إلا أصبــع دميــت وفــي ســبيل اللــه مـا لقيـت?

قال:فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم، فقالت له امرأة:ما أرى شيطانك إلا قد تركتك فنـزلت: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) والسياق لأبي سعيد.

قيل:إن هذه المرأة هي:أم جميل امرأة أبي لهب، وذكر أن إصبعه، عليه السلام، دميت. وقوله - هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون- ثابت في الصحيحين ولكن الغريب هاهنا جعله سببًا لتركه القيام ، ونـزول هذه السورة. فأما ما رواه ابن جرير:

حدثنا ابن أبي الشوارب، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا سليمان الشيباني، عن عبد الله ابن شداد:أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:ما أرى ربك إلا قد قلاك. فأنـزل الله: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى )

وقال أيضا:حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وَكِيع، عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه قال:أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فجزع جزعًا شديدًا، فقالت خديجة:إني أرى ربك قد قلاك مما نَرى من جزعك. قال:فنـزلت: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) إلى آخرها .

فإنه حديث مرسل من [ هذين الوجهين ] ولعل ذكر خديجة ليس محفوظًا، أو قالته على وجه التأسف والتحزن، والله أعلم.

وقد ذكر بعض السلف - منهم ابن إسحاق- أن هذه السورة هي التي أوحاها جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين تبدى له في صورته التي خلقه الله عليها، ودنا إليه وتدلى منهبطًا عليه وهو بالأبطح، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [ النجم:10 ] . قال:قال له هذه السورة: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى )

قال العوفي، عن ابن عباس:لما نـزلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، أبطأ عنه جبريل أياما، فتغير بذلك، فقال المشركون:ودعه ربه وقلاه. فأنـزل الله: ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى )

وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء، ( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) أي:سكن فأظلم وادلَهَم. قاله مجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، وغيرهم. وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا وهذا. كما قال: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [ الليل:1 ، 2 ] ، وقال: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [ الأنعام:96 ] .

وقوله: ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ) أي:ما تركك، ( وَمَا قَلَى ) أي:وما أبغضك، ( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى ) أي:والدار الآخرة خير لك من هذه الدار. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا، وأعظمهم لها إطراحًا، كما هو معلوم [ بالضرورة ] من سيرته. ولما خُيِّرَ، عليه السلام، في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة، وبين الصيرورة إلى الله عز وجل، اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية.

قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم النَّخعِي، عن علقمة، عن عبد الله - هو ابن مسعود- قال:اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت:يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما لي وللدنيا؟! ما أنا والدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظَلّ تحت شجرة، ثم راح وتركتها . »

ورواه الترمذي وابن ماجه، من حديث المسعودي به وقال الترمذي:حسن صحيح.

وقوله: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) أي:في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته، وفيما أعدَّه له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، وطينه [ من ] مسك أذفر كما سيأتي.

وقال الإمام أبو عمر الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال:عرض على رسول الله ما هو مفتوح على أمته من بعده كنـزا كنـزا، فسر بذلك، فأنـزل الله: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. رواه ابن جرير من طريقه، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس:ومثلُ هذا ما يقال إلا عن توقيف.

وقال السدي، عن ابن عباس:من رضاء محمد صلى الله عليه وسلم ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.

وقال الحسن:يعني بذلك الشفاعة. وهكذا قال أبو جعفر الباقر.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة:حدثنا معاويةُ بن هشام، عن علي بن صالح، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنا أهلُ بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) . »

ثم قال تعالى يعدد نعَمه عل عبده ورسوله محمد، صلوات الله وسلامه عليه: ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ) وذلك أن أباه تُوفّي وهو حَملٌ في بطن أمه، وقيل:بعد أن ولد، عليه السلام، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين. ثم كان في كفالة جده عبد المطلب، إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب. ثم لم يزل يحوطه وينصره ويَرفع من قَدره وَيُوقّره، ويكفّ عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان، وكل ذلك بقدر الله وحُسن تدبيره، إلى أن تُوفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل، فأقدم عليه سفهاء قريش وجُهالهم، فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أجرى الله سُنَّته على الوجه الأتم والأكمل. فلما وصل إليهم آوَوه ونَصَرُوه وحاطوه وقاتلوا بين يديه، رضي الله عنهم أجمعين، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.

وقوله: ( وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى ) كقوله وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ الشورى:52 ] ومنهم من قال [ إن ] المراد بهذا أنه، عليه السلام، ضل في شعاب مكة وهو صغير، ثم رجع. وقيل:إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام، وكان راكبًا ناقة في الليل، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق. حكاهما البغوي.

وقوله: ( وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ) أي:كنت فقيرًا ذا عيال، فأغناك الله عمن سواه، فجمع له بين مقامي، الفقير الصابر والغني الشاكر، صلوات الله وسلامه عليه.

وقال قتادة في قوله: ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ) قال:كانت هذه منازل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله، عز وجل. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.

وفي الصحيحين - من طريق عبد الرزاق- عن مَعْمَر، عن همام بن مُنَبّه قال:هذا ما حَدّثنا أبو هُرَيرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس » .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه » .

ثم قال: ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) أي:كما كنت يتيمًا فآواك الله فلا تقهر اليتيم، أي:لا تذله وتنهره وتهنه، ولكن أحسِنْ إليه، وتلطف به.

قال قتادة:كن لليتيم كالأب الرحيم.

( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) أي:وكما كنت ضالا فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد.

قال ابن إسحاق: ( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) أي:فلا تكن جبارًا، ولا متكبرًا، ولا فَحَّاشا، ولا فَظّا على الضعفاء من عباد الله.

وقال قتادة:يعني رَد المسكين برحمة ولين.

( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) أي:وكما كنت عائلا فقيرًا فأغناك الله، فحدث بنعمة الله عليك، كما جاء في الدعاء المأثور النبوي: « واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها، قابليها، وأتمها علينا » .

وقال ابن جرير:حدثني يعقوب، حدثنا ابن عُلَية، حدثنا سعيد بن إياس الجُرَيري، عن أبي نضرة قال:كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدّث بها.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد:حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا الجراح بن مَليح، عن أبي عبد الرحمن، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: « من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله. والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر. والجماعة رحمة، والفرقة عذاب » إسناد ضعيف.

وفي الصحيحين، عن أنس، أن المهاجرين قالوا:يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كله. قال: « لا ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم » .

وقال أبو داود:حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يشكر الله من لا يشكر الناس » .

ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد، عن ابن المبارك، عن الربيع بن مسلم وقال:صحيح.

وقال أبو داود:حدثنا عبد الله بن الجراح، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أبلي بلاء فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره » . تفرد به أبو داود .

وقال أبو داود:حدثنا مُسَدَّد، حدثنا بشر حدثنا عمارة بن غَزْية، حدثني رجل من قومي، عن جابر بن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أعطَى عَطاء فَوَجَد فَليَجزْ به، فإن لم يجد فَليُثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره » . قال أبو داود:ورواه يحيى بن أيوب، عن عُمارة بن غَزية، عن شرحبيل عن جابر - كرهوه فلم يسموه. تفرد به أبو داود .

وقال مجاهد:يعني النبوة التي أعطاك ربك. وفي رواية عنه:القرآن.

وقال ليث، عن رجل، عن الحسن بن علي: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال:ما عملت من خير فَحَدث إخوانك.

وقال محمد بن إسحاق:ما جاءك الله من نعمة وكرامة من النبوة فحدّث بها واذكرها، وادع إليها. وقال:فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوة سرًا إلى من يطمئن إليه من أهله، وافترضت عليه الصلاة، فصلى.

آخر تفسير سورة « الضحى » [ ولله الحمد ] .

 

 

تفسير سورة ألم نشرح

 

وهي مكية.

بسم الله الرحمن الرحيم

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ( 1 ) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ( 2 ) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ( 3 ) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ( 4 ) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( 5 ) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( 6 ) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 ) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ( 8 )

يقول تعالى: ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) يعني:أما شرحنا لك صدرك، أي:نورناه وجعلناه فَسيحًا رحيبًا واسعًا كقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [ الأنعام:125 ] ، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شَرْعه فسيحا واسعًا سمحًا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق.

وقيل:المراد بقوله: ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) شرح صدره ليلة الإسراء، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة وقد أورده الترمذي هاهنا. وهذا وإن كان واقعًا، ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره الذي فُعِل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضًا، والله أعلم.

قال عبد الله بن الإمام أحمد:حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز حدثنا يونس بن محمد، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب، حدثني أبي محمد بن معاذ، عن معاذ، عن محمد، عن أبي بن كعب:أن أبا هريرة كان جريًّا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال:يا رسول الله، ما أولُ ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: « لقد سألتَ يا أبا هريرة، إني لفي الصحراء ابنُ عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل:أهو هو؟ [ قال:نعم ] فاستقبلاني بوجوه لم أرها [ لخلق ] قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط. فأقبلا إلي يمشيان، حتى أخذ كل واحد منهما بعَضُدي، لا أجد لأحدهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه:أضجعه. فأضجعاني بلا قَصْر ولا هَصْر. فقال أحدهما لصاحبه:افلق صدره. فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له:أخرج الغِلّ والحَسَد. فأخرج شيئًا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها، فقال له:أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج شبهُ الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال:اغدُ واسلم. فرجعت بها أغدو، رقة على الصغير، ورحمةً للكبير » .

وقوله: ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ) بمعنى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [ الفتح:2 ] ( الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ) الإنقاض:الصوت. وقال غير واحد من السلف في قوله: ( الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ) أي:أثقلك حمله.

وقوله: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال مجاهد:لا أُذْكرُ إلا ذُكِرتَ معي:أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

وقال قتادة:رفع اللهُ ذكرَه في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا مُتشهد ولا صاحبُ صلاة إلا ينادي بها:أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.

قال ابن جرير:حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن دَراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « أتاني جبريل فقال:إنّ ربي وربك يقول:كيف رفعت ذكرك؟ قال:الله أعلم. قال:إذا ذُكِرتُ ذُكِرتَ معي » ، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى، به ورواه أبو يعلى من طريق ابن لَهِيعة، عن دَرَّاج .

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا أبو عُمر الحَوضي، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سألت ربي مسألة وَدَدْتُ أني لم أكن سألته، قلت:قد كانت قبلي أنبياء، منهم من سخرت له الريح ومنهم من يحيي الموتى. قال:يا محمد، ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قلت:بلى يا رب. قال:ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قلت:بلى يا رب. قال:ألم أجدك عائلا فاغنيتك؟ قال:قلت:بلى يا رب. قال:ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت:بلى يا رب » .

وقال أبو نعيم في « دلائل النبوة » :حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا موسى بن سهل الجَوْني، حدثنا أحمد بن القاسم بن بَهْرام الهيتي، حدثنا نصر بن حماد، عن عثمان بن عطاء، عن الزهري، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لما فرغت مما أمرني الله به من أمر السموات والأرض قلت:يا رب، إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرمته، جعلت إبراهيم خليلا وموسى كليما، وسخرت لداود الجبال، ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال:أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله، أني لا أذكر إلا ذُكِرْتَ معي، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرءون القرآن ظاهرا، ولم أعطها أمة، وأعطيتك كنـزا من كنوز عرشي:لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » .

وحكى البغوي، عن ابن عباس ومجاهد:أن المراد بذلك:الأذان. يعني:ذكره فيه، وأورد من شعر حسان بن ثابت:

أغَـــرّ عَلَيــه للنبــوة خَـــاتَم مِـنَ اللـه مـن نُـور يَلـوحُ وَيشْـهَد

وَضـمَّ الإلـهُ اسـم النبـي إلى اسمـه إذا قَـالَ فـي الخَـمْس المؤذنُ:أشهـدُ

وَشَــقَّ لَــهُ مِــن اسـمه ليُجِلَّـه فَـذُو العَـرشِ محـمودٌ وهَـذا مُحَمَّدُ

وقال آخرون:رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، ثم شهر ذكره في أمته فلا يُذكر الله إلا ذُكر معه.

وما أحسن ما قال الصرصري، رحمه الله:

لا يَصِــحُّ الأذانُ فــي الفَـرْضِ إلا باسـمِه العَـذْب فـي الفـم المـرْضي

وقال أيضًا:

[ ألَم تَــر أنَّــا لا يَصــحُّ أذانُنَــا وَلا فَرْضُنـا إنْ لـم نُكَـررْه فيهمـا ]

وقوله: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) أخبر تعالى أن مع العسر يوجَدُ اليسر، ثم أكد هذا الخبر.

قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا حُميد بن حماد بن خَوَار أبو الجهم، حدثنا عائذ بن شُريح قال:سمعت أنس بن مالك يقول:كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا وحياله حجر، فقال: « لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه » ، فأنـزل الله عز وجل: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) .

ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن مَعْمَر، عن حُميد بن حماد، به ولفظه: « لو جاء العسر حتى يدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يخرجه » ثم قال: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) ثم قال البزار:لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح .

قلت:وقد قال فيه أبو حاتم الرازي:في حديثه ضعف، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة، عن رجل، عن عبد الله بن مسعود موقوفا.

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا أبو قَطَن حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال:كانوا يقولون:لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين.

وقال ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن الحسن قال:خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحك، وهو يقول: « لن يَغْلِب عُسْر يسرين، لن يغلب عسر يسرين، فإن مع العسر يسرًا * إن مع العسر يسرًا » .

وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد، عن الحسن مرسلا .

وقال سعيد، عن قتادة:ذُكِرَ لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: « لن يغلب عسر يسرين » .

ومعنى هذا:أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر فتعدد؛ ولهذا قال: « لن يغلب عسر يسرين » ، يعني قوله: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد.

وقال الحسن بن سفيان:حدثنا يزيد بن صالح، حدثنا خارجة، عن عباد بن كثير، عن أبي الزناد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « نـزل المعونة من السماء على قدر المؤونة، ونـزل الصبر على قدر المصيبة » .

ومما يروى عن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال:

صَـبرا جَـميلا مـا أقـرَبَ الفَـرجـا مَـن رَاقَـب اللـه فـي الأمـور نَجَا

مَــن صَــدَق اللـه لَـم يَنَلْـه أذَى وَمَــن رَجَـاه يَكـون حَـيثُ رَجَـا

وقال ابن دُرَيد:أنشدني أبو حاتم السجستاني:

إذا اشــتملت عـلى اليـأس القلـوبُ وضـاق لمـا بـه الصـدر الرحـيبُ

وأوطـــأت المكــاره واطمــأنت وأرســت فــي أماكنهـا الخـطوبُ

ولـم تـر لانكشـاف الضـر وجهــا ولا أغنــــى بحيــلته الأريــبُ

أتــاك عـلى قُنـوط منــك غَـوثٌ يمــن بــه اللطيــف المسـتجيبُ

وكـــل الحادثـــات إذا تنــاهت فموصــول بهــا الفـرج القـريب

وقال آخر:

وَلَـرُب نـازلـة يضيـق بهـا الفتـى ذرعـا وعنـد اللـه منهـا المخـرج

كــملت فلمــا اسـتحكمت حلقاتهـا فرجــت وكــان يظنهـا لا تفـرج

وقوله: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) أي:إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة. ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: « لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان » وقوله صلى الله عليه وسلم: « إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء، فابدءوا بالعَشَاء » .

قال مجاهد في هذه الآية:إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة، فانصب لربك، وفي رواية عنه:إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك، وعن ابن مسعود:إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل. وعن ابن عياض نحوه. وفي رواية عن ابن مسعود: ( فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) يعني:في الدعاء.

وقال زيد بن أسلم، والضحاك: ( فَإِذَا فَرَغْتَ ) أي:من الجهاد ( فَانْصَبْ ) أي:في العبادة. ( وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) قال الثوري:اجعل نيتك ورغبتك إلى الله، عز وجل.

آخر تفسير سورة « ألم نشرح » ولله الحمد.