تفسير سورة الإخلاص

 

وهي مكية.

ذكر سبب نـزولها وفضيلتها

قال الإمام أحمد:حدثنا أبو سعد محمد بن مُيَسّر الصاغاني، حدثنا أبو جعفر الرازي، حدثنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب:أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:يا محمد، انسب لنا ربك، فأنـزل الله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .

وكذا رواه الترمذي، وابن جرير، عن أحمد بن منيع - زاد ابن جرير:ومحمود بن خِدَاش - عن أبي سعد محمد بن مُيَسّر به - زاد ابن جرير والترمذي- قال: « الصَّمَدُ » الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله جل جلاله لا يموت ولا يورث، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ولم يكن له شبه ولا عدل، وليس كمثله شيء.

ورواه ابن أبي حاتم، من حديث أبي سعد محمد بن مُيَسّر، به. ثم رواه الترمذي عن عبد ابن حميد، عن عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، فذكره مرسلا ولم يذكر « أخبرنا » . ثم قال الترمذي:هذا أصح من حديث أبي سعد .

حديث آخر في معناه:قال الحافظ أبو يعلى الموصلي:حدثنا سُرَيج بن يونس، حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر:أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:انسب لنا ربك. فأنـزل الله، عز وجل: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » إلى آخرها. إسناده مقارب .

وقد رواه ابن جرير عن محمد بن عوف، عن سُرَيج فذكره .وقد أرسله غير واحد من السلف.

وروى عُبيد بن إسحاق العطار، عن قيس بن الربيع، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال:قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم:انسب لنا ربك، فنـزلت هذه السورة: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »

قال الطبراني:رواه الفريابي وغيره، عن قيس، عن أبي عاصم، عن أبي وائل، مرسلا .

ثم رَوَى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطائفي، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لكل شيء نسبة، ونسبة الله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ والصمد ليس بأجوف ] . »

حديث آخر في فضلها:قال البخاري:حدثنا محمد - هو الذُهليّ- حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو، عن ابن أبي هلال:أن أبا الرجال مُحمد بن عبد الرحمن حَدثه، عن أمه عَمْرَةَ بنت عبد الرحمن - وكانت في حِجْر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم- عن عائشة:أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سَريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: « سلوه:لأيّ شيء يصنع ذلك؟ » . فسألوه، فقال:لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « أخبروه أن الله تعالى يحبه » .

هكذا رواه في كتاب « التوحيد » .ومنهم من يسقط ذكر « محمد الذّهلي » . ويجعله من روايته عن أحمد بن صالح. وقد رواه مسلم والنسائي أيضًا من حديث عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، به .

حديث آخر:قال البخاري في كتاب الصلاة: « وقال عُبَيد الله عن ثابت، عن أنس قال:كان رجل من الأنصار يَؤمَهم في مسجد قُبَاء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « حتى يَفرُغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة. فكلَّمه أصحابه فقالوا:إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئُك حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتَقرأ بأخرى. فقال:ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يَرَونَ أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يَؤمهم غيره. فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: » يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ « . قال:إني أحبها. قال: » حُبك إياها أدخلك الجنة « . »

هكذا رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به. وقد رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه، عن البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عُبَيد الله بن عمر، فذكر بإسناده مثله سواء .ثم قال الترمذي:غريب من حديث عبيد الله، عن ثابت. قال:وروى مُبَارك بن فَضالة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا قال:يا رسول الله، إني أحب هذه السورة: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » قال: « إن حُبَّك إياها أدخلك الجنة » .

وهذا الذي علقه الترمذي قد رواه الإمام أحمد في مسنده متصلا فقال:

حدثنا أبو النضر، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:إني أحب هذه السورة: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حبك إياها أدخلك الجنة » .

حديث في كونها تعدل ثلث القرآن:قال البخاري:حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة، عن أبيه، عن أبي سعيد. أن رجلا سمع رَجُلا يقرأ: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالّها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن » . زاد إسماعيل بن جعفر، عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي سعيد قال:أخبرني أخي قتادة بن النعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف، والقَعْنَبِيّ. ورواه أبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة، كلهم عن مالك، به .وحديث قتادة بن النعمان أسنده النسائي من طريقين، عن إسماعيل بن جعفر، عن مالك، به .

حديث آخر:قال البخاري:حدثنا عُمَر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم والضحاك المَشْرِقيّ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ » . فشق ذلك عليهم وقالوا:أينا يُطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: « الله الواحد الصمد ثلث القرآن » .

تفرد بإخراجه البخاري من حديث إبراهيم بن يزيد النَّخعي والضحاك بن شُرَحبيل الهمداني المشرقي، كلاهما عن أبي سعيد، قال القَرَبرِيّ:سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراقُ أبي عبد الله قال:قال أبو عبد الله البخاري:عن إبراهيم مرسل، وعن الضحاك مسند .

حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لَهِيعَة، عن الحارث بن يزيد، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال:بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله ب « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: « والذي نفسي بيده، لَتَعدلُ نصف القرآن، أو ثلثه » .

حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا حُييّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو:أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول:ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة؟ فقالوا:وهل يستطيع ذلك أحد؟ قال:فإن « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ثلث القرآن. قال:فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب، فقال: « صدق أبو أيوب » .

حديث آخر:قال أبو عيسى الترمذي:حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا يزيد بن كيسَان، أخبرني أبو حَازم، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « احشُدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن » . فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ثم دخل فقال بعضنا لبعض:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن » . إني لأرى هذا خبرًا جاء من السماء، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: « إني قلت:سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن » .

وهكذا رواه مسلم في صحيحه، عن محمد بن بشار، به وقال الترمذي:حسن صحيح غريب، واسم أبي حازم سلمان.

حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن زائدة بن قُدَامة، عن منصور، عن هلال بن يَساف، عن الربيع بن خُثَيم عن عمرو بن ميمون، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فإنه من قرأ: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ « في ليلة، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن » .

هذا حديث تُسَاعيّ الإسناد للإمام أحمد. ورواه الترمذي والنسائي، كلاهما عن محمد بن بشار بندار - زاد الترمذي وقتيبة- كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي، به .فصار لهما عُشَاريا. وفي رواية الترمذي: « عن امرأة أبى أيوب، عن أبي أيوب » ، به [ وحسنه ] .ثم قال:وفي الباب عن أبي الدرداء، وأبي سعيد، وقتادة بن النعمان، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي مسعود. وهذا حديث حسن، ولا نعلم أحدًا رَوَى هذا الحديث أحسن من رواية « زائدة » . وتابعه على روايته إسرائيل، والفضيل بن عياض. وقد رَوَى شُعبةُ وغيرُ واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه.

حديث آخر:قال أحمد:حدثنا هُشَيْم، عن حُصَين، عن هلال بن يَسَاف، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب - أو:رجل من الأنصار- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ ب » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « فكأنما قرأ بثلث القرآن » .

ورواه النسائي في « اليوم والليلة » ، من حديث هُشَيم، عن حُصَين، عن ابن أبي ليلى، به .ولم يقع في روايته:هلال بن يساف.

حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا وَكيع، عن سفيان، عن أبي قيس عن عمرو بن ميمون، عن أبي مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « تعدُل ثلث القرآن » .

وهكذا رواه ابن ماجة، عن علي بن محمد الطَّنافسي، عن وَكيع، به .ورواه النسائي في « اليوم والليلة » من طرق أخر، عن عمرو بن ميمون، مرفوعًا وموقوفًا .

حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا بَهْز، حدثنا بُكَير بن أبي السَّميط حدثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن مَعْدَان بن أبي طلحة، عن أبي الدّرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أيعجزُ أحدُكم أن يَقرأ كلّ يوم ثلث القرآن؟ » . قالوا:نعم يا رسول الله، نحن أضعفُ من ذلك وأعجز. قال: « فإن الله جَزأ القرآن ثلاثة أجزاء، ف » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « ثلث القرآن » .

ورواه مسلم والنسائي، من حديث قتادة، به .

حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا أمية بن خالد، حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم - ابن أخي ابن شهاب - عن عمه الزهري، عن حُمَيد بن عبد الرحمن - هو ابن عوف- عن أمه - وهي:أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط - قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « تَعدلُ ثُلُثَ القرآن » .

وكذا رواه النسائي في « اليوم والليلة » ، عن عمرو بن علي، عن أمية بن خالد، به .ثم رواه من طريق مالك، عن الزهري، عن حُمَيد بن عبد الرحمن، قوله .ورواه النسائي أيضا في « اليوم والليلة » من حديث محمد بن إسحاق، عن الحارث بن الفُضَيل الأنصاري، عن الزهري، عن حُمَيد بن عبد الرحمن:أن نَفَرًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حَدثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » تَعدلُ ثُلُثَ القرآن لمن صلى بها « . »

حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة:قال الإمام مالك بن أنس، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، عن عُبيد بن حُنَين قال:سمعت أبا هريرة يقول:أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلا يقرأ « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « وَجَبَتْ » . قلت:وما وَجَبت؟ قال: « الجنة » .

ورواه الترمذي والنسائي، من حديث مالك .وقال الترمذي:حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث مالك.

وتقدم حديث: « حُبّك إياها أدخلك الجنة » .

حديث في تكرار قراءتها:قال الحافظ أبو يعلى الموصلي:حدثنا قَطن بن نُسير، حدثنا عيسى ابن ميمون القرشي، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « أما يستطيع أحدكم أن يقرأ: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « ثلاث مرات في ليلة فإنها تعدلُ ثلث القرآن؟ »

هذا إسناد ضعيف، وأجود منه حديث آخر، قال عبد الله بن الإمام أحمد:

حدثنا محمد بن أبي بكر المُقَدمي، حدثنا الضحاك بن مخلد، حدثنا ابن أبي ذئب، عن أسيدُ ابن أبي أسيد، عن معاذ بن عبد الله بن خُبيب، عن أبيه قال:أصابنا طَش وظلمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فخرج فأخذ بيدي، فقال: « قل » . فسكت. قال: « قل » . قلت:ما أقول؟ قال: « » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثًا، تكفك كل يوم مرتين » .

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، من حديث ابن أبي ذئب، به .وقال الترمذي:حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد رواه النسائي من طريق أخرى، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، فذكره [ ولفظه: « يكفك كل شيء » ] .

حديث آخر في ذلك:قال الإمام أحمد:حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا ليث بن سعد، حدثني الخليل بن مرة، عن الأزهر بن عبد الله، عن تميم الداري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قال:لا إله إلا الله واحدًا أحدًا صمدًا، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا، ولم يكن له كفوا أحدا، عشر مرات، كُتِب له أربعون ألف ألف حسنة » .

تفرد به أحمد والخليل بن مُرّة:ضعفه البخاري وغيره بمُرّة.

حديث آخر:قال أحمد أيضا:حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعَة، حدثنا زَبَّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من قرأ » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « حتى يختمها، عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة » . فقال عمر:إذن نستكثر يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: « الله أكثر وأطيب » . تفرد به أحمد .

ورواه أبو محمد الدارمي في مسنده فقال:حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد- قال الدارمي:وكان من الأبدال - أنه سمع سعيد بن المسيب يقول:إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « من قرأ » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة » . فقال عمر بن الخطاب:إذا لتكثر قصورنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الله أوسع من ذلك » .وهذا مرسل جيد.

حديث آخر:قال الحافظ أبو يعلى:حدثنا نصر بن علي، حدثني نوح بن قيس، أخبرني محمد العطار، أخبرتني أم كثير الأنصارية، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من قرأ » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « خمسين مرة غُفرت له .ذنوب خمسين سنة » إسناده ضعيف.

حديث آخر:قال أبو يعلى:حدثنا أبو الربيع، حدثنا حاتم بن ميمون، حدثنا ثابت، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ في يوم: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « مائتي مرة، كتب الله له ألفًا وخمسمائة حسنة إلا أن يكون عليه دين » .إسناده ضعيف، حاتم بن ميمون:ضعفه البخاري وغيره. ورواه الترمذي، عن محمد بن مرزوق البصري، عن حاتم بن ميمون، به. ولفظه: « من قرأ كل يوم، مائتي مرة: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دَين » .

قال الترمذي:وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب، عز وجل:يا عبدي، ادخُل على يمينك الجنة » .ثم قال:غريب من حديث ثابت، وقد رُوي من غير هذا الوجه، عنه.

وقال أبو بكر البزار:حدثنا سهل بن بحر، حدثنا حَبّان بن أغلب، حدثنا أبي، حدثنا ثابت، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « مائتي مرة، حط الله عنه ذنوب مائتي سنة » .ثم قال:لا نعلم رواه عن ثابت إلا الحسن بن أبي جعفر، والأغلب بن تميم، وهما متقاربان في سوء الحفظ.

حديث آخر في الدعاء بما تضمنته من الأسماء:قال النسائي عند تفسيرها:حدثنا عبد الرحمن بن خالد، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني مالك بن مِغْول، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه:أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي، يدعو يقول:اللهم، إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. قال: « والذي نفسي بيده، لقد سأله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب » .

وقد أخرجه بَقِيَّة أصحاب السنن من طُرُق، عن مالك بن مِغْول، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه، به .وقال الترمذي:حسن غريب.

حديث آخر في قراءتها عشر مرات بعد المكتوبة:قال الحافظ أبو يعلى [ الموصلي ] :حدثنا عبد الأعلى، حدثنا بشر بن منصور، عن عمر بن نبهان عن أبي شداد، عن جابر بن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاث من جاء بِهِنّ مع الإيمان دَخَل من أيّ أبواب الجنة شاء، وزُوّج من الحور العين حيث شاء:من عفا عن قاتله، وأدى دينا خفيا، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « . قال:فقال أبو بكر:أو إحداهن يا رسول الله؟ قال: » أو إحداهن « »

حديث في قراءتها عند دخول المنـزل:قال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري، حدثنا محمد بن الفرج، حدثنا محمد بن الزبرقان، عن مروان بن سالم، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، عن جرير بن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « حين يدخل منـزله، نفت الفقر عن أهل ذلك المنـزل والجيران » .إسناده ضعيف.

حديث في الإكثار من قراءتها في سائر الأحوال:قال الحافظ أبو يعلى:حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا يزيد بن هارون، عن العلاء بن محمد الثقفي قال:سمعت أنس بن مالك يقول:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت فيما مضى بمثله، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا جبريل، ما لي أرى الشمس طلعت اليوم بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت بمثله فيما مضى؟ « . قال:إن ذلك معاوية بن معاوية الليثي، مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: » وفيم ذلك؟ « قال:كان يكثر قراءة: » قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ « في الليل وفي النهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: » نعم « . فصلى عليه. »

وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في [ كتاب ] دلائل النبوة « من طريق يزيد بن هارون، عن العلاء أبي محمد - وهو متهم بالوضع - فالله أعلم. »

طريق أخرى:قال أبو يعلى:حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي أبو عبد الله، حدثنا عثمان بن الهيثم - مؤذن مسجد الجامع بالبصرة عندي- عن محمود أبي عبد الله عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس قال:نـزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:مات معاوية بن معاوية الليثي، فتحب أن تصلي عليه؟ قال: « نعم » . فضرب بجناحه الأرض، فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت، فرفع سريره فنظر إليه، فكبر عليه وخلفه صفان من الملائكة، في كل صف سبعون ألف ملك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا جبريل، بم نال هذه المنـزلة من الله تعالى؟ » . قال بحبه: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » وقراءته إياها ذاهبًا وجائيًا قائمًا وقاعدًا، وعلى كل حال .

ورواه البيهقي، من رواية عثمان بن الهيثم المؤذن، عن محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس، فذكره. وهذا هو الصواب ،ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي: « ليس بالمشهور » .وقد روي هذا من طرق أخر، تركناها اختصارًا، وكلها ضعيفة.

حديث آخر في فضلها مع المعوذتين:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معاذ بن رفاعة، حدثني علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن عقبة بن عامر قال:لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأته فأخذتُ بيده، فقلت:يا رسول الله، بم نجاة المؤمن؟ قال: « يا عقبة، احْرُسْ لسانك وليسعك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك » . قال:ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأني فأخذ بيدي، فقال: « يا عقبة بن عامر، ألا أعلمك خير ثلاث سُوَر أنـزلت في التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن العظيم؟ » . قال:قلت:بلى، جعلني الله فداك. قال:فأقرأني: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » ثم قال: « يا عقبة، لا تَنْسَهُن ولا تُبتْ ليلة حتى تقرأهن » . قال:فما نسيتهن منذ قال: « لا تنسهن » ، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن. قال عقبة، ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت:يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال: « يا عقبة، صِلْ من قطعك، وأعْطِ من حَرَمَك، وأعرض عمن ظلمك »

روى الترمذي بعضه في « الزهد » ، من حديث عُبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد وقال:هذا حديث حسن .وقد رواه أحمد من طريق آخر:

حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن أسيد بن عبد الرحمن الخَثْعَمي، عن فرْوَة بن مجاهد اللخمي، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله سواء. تفرد به أحمد .

حديث آخر في الاستشفاء بهن:قال البخاري:حدثنا قتيبة، حدثنا المفضل، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كُل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.

وهكذا رواه أهل السنن، من حديث عُقَيل، به .

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( 1 ) اللَّهُ الصَّمَدُ ( 2 ) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ( 3 ) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ( 4 )

قد تقدم ذكر سبب نـزولها. وقال عكرمة:لما قالت اليهود:نحن نعبد عُزيرَ ابن الله. وقالت النصارى:نحن نعبد المسيح ابن الله. وقالت المجوس:نحن نعبد الشمس والقمر. وقالت المشركون:نحن نعبد الأوثان - أنـزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )

يعني:هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل، ولا يُطلَق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله، عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.

وقوله: ( اللَّهُ الصَّمَدُ ) قال عكرمة، عن ابن عباس:يعني الذي يصمد الخلائق إليه في حوائجهم ومسائلهم.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار.

وقال الأعمش، عن شقيق عن أبي وائل: ( الصَّمَدُ ) السيد الذي قد انتهى سؤدده، ورواه عاصم، بن أبي وائل، عن ابن مسعود، مثله.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم: ( الصَّمَدُ ) السيد. وقال الحسن، وقتادة:هو الباقي بعد خلقه. وقال الحسن أيضا: ( الصَّمَدُ ) الحي القيوم الذي لا زوال له. وقال عكرمة: ( الصَّمَدُ ) الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم.

وقال الربيع بن أنس:هو الذي لم يلد ولم يولد. كأنه جعل ما بعده تفسيرًا له، وهو قوله: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) وهو تفسير جيد. وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير، عن أبي بن كعب في ذلك، وهو صريح فيه.

وقال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعبد الله بن بُريدة، وعكرمة أيضا، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، والضحاك، والسدي: ( الصَّمَدُ ) الذي لا جوف له.

قال سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ( الصَّمَدُ ) المصمت الذي لا جوف له.

وقال الشعبي:هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب.

وقال عبد الله بن بُرَيدة أيضًا: ( الصَّمَدُ ) نور يتلألأ.

روى ذلك كلَّه وحكاه:ابن أبي حاتم، والبيهقي والطبراني، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده، وقال:

حدثني العباس بن أبي طالب، حدثنا محمد بن عمرو بن رومي، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش، حدثني صالح بن حيان، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال - لا أعلم إلا قد رفعه- قال: ( الصَّمَدُ ) الذي لا جوف له.

وهذا غريب جدًا، والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة.

وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له، بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسير « الصمد » :وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا، عز وجل، وهو الذي يُصمَد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك [ أيضا ] .

وقوله: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) أي:ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة.

قال مجاهد: ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) يعني:لا صاحبة له.

وهذا كما قال تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ [ الأنعام:101 ] أي:هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه، تعالى وتقدس وتنـزه. قال الله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [ مريم:88 - 95 ] وقال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [ الأنبياء:26 ، 27 ] وقال تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [ الصافات:158 ، 159 ] وفي الصحيح - صحيح البخاري- : « لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا، وهو يرزقهم ويعافيهم » .

وقال البخاري:حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « قال الله، عز وجل:كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله:لن يُعيدَني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله:اتخذ الله ولدًا. وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد » .

ورواه أيضا من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة، مرفوعًا بمثله. تفرد بهما من هذين الوجهين .

آخر تفسير سورة « الإخلاص »

 

تفسير سورتي المعوذتين

 

وهما مدنيتان.

قال الإمام أحمد:حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عاصم بن بَهْدَلة، عن زر بنُ حُبَيش قال:قلت لأبي بن كعب:إن ابن مسعود [ كان ] لا يكتب المعوذتين في مصحفه؟ فقال:أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل، عليه السلام، قال له: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فقلتها، قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فقلتها. فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم .

ورواه أبو بكر الحُميدي في مسنده، عن سفيان بن عيينة، حدثنا عبدة بن أبي لُبَابة وعاصم بن بهدلة، أنهما سمعا زر بن حبيش قال:سألتُ أبي بن كعب عن المعوذتين، فقلت:يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يَحُكهما من المصحف. فقال:إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « قيل لي:قل، فقلت » . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال أحمد:حدثنا وَكيع، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر قال:سألتُ ابنَ مسعود عن المعوذتين فقال:سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عنهما فقال: « قيل لي، فقلت لكم، فقولوا » . قال أبي:فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نقول .

وقال البخاري:حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا عَبدَةُ بن أبي لُبَابة، عن زر بن حُبَيش - وحدثنا عاصم عن زر- قال:سألت أبي بن كعب فقلت:أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا. فقال:إني سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « قيل لي، فقلت » . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ورواه البخاري أيضًا والنسائي، عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عبدة وعاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، به .

وقال الحافظ أبو يعلى:حدثنا الأزرق بن علي، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا الصَّلْت بن بَهرَام، عن إبراهيم، عن علقمة قال:كان عبد الله يَحُك المعوذتين من المصحف، ويقول:إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما، ولم يكن عبد الله يقرأ بهما

ورواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال:كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه، ويقول:إنهما ليستا من كتاب الله - قال الأعمش:وحدثنا عاصم، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب قال:سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: « قيل لي، فقلت » .

وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء:أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتواتر عنده، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة، رضي الله عنهم، كتبوهما في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنة.

وقد قال مسلم في صحيحه:حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن بيان، عن قيس بن أبي حَازم، عن عقبة بن عامر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألم تر آيات أنـزلت هذه الليلة لم يُر مثلهن قط: » قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ « و » قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ « . »

ورواه أحمد، ومسلم أيضا، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة، به . وقال الترمذي:حسن صحيح.

طريق أخرى:قال الإمام أحمد:حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر قال:بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نَقب من تلك النقاب، إذ قال لي: « يا عقبة، ألا تَركب؟ » . قال: [ فَأجْلَلْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه. ثم قال: « يا عُقيب، ألا تركب؟ » . قال ] فأشفقت أن تكون معصية، قال:فنـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنيهة، ثم ركب، ثم قال: « يا عقيب، ألا أُعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ » . قلت:بلى يا رسول الله. فأقرأني: « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما، ثم مر بي فقال: « كيف رأيت يا عقيب اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت » .

ورواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك، كلاهما عن ابن جابر، به .

ورواه أبو داود والنسائي أيضًا، من حديث ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة، به .

طريق أخرى:قال أحمد:حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني يزيد ابن عبد العزيز الرعيني وأبو مرحوم، عن يزيد بن محمد القرشي، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر قال:أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة.

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، من طرق، عن علي بن أبي رباح . وقال الترمذي:غريب.

طريق أخرى:قال أحمد:حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لَهِيعة، عن مشَرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال:قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اقرأ بالمعوذتين، فإنك لن تقرأ بمثلهما » . تفرد به أحمد .

طريق أخرى:قال أحمد:حدثنا حيوة بن شُرَيْح، حدثنا بَقِيَّة، حدثنا بَحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدان، عن جُبَير بن نُفَير، عن عقبة بن عامر أنه قال:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له بغلة شهباء، فركبها فأخذ عقبة يقودها له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » . فأعادها له حتى قرأها، فعرف أني لم أفرح بها جدًا، فقال: « لعلك تهاونت بها؟ فما قمت تصلي بشيء مثلها » .

ورواه النسائي عن عمرو بن عثمان، عن بقية، به . ورواه النسائي أيضا من حديث الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر:أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين، فذكر نحوه .

طريق أخرى:قال النسائي:أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، سمعت النعمان، عن زياد أبي الأسد، عن عقبة بن عامر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الناس لم يتعوذوا بمثل هذين: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) . »

طريق أخرى:قال النسائي:أخبرنا قتيبة، حدثنا الليث، عن أبي عجلان، عن سعيد المقبري، عن عقبة بن عامر قال:كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « يا عقبة، قل » . فقلت:ماذا أقول؟ فسكت عني، ثم قال: « قل » . قلت:ماذا أقول يا رسول الله؟ فسكت عني، فقلت:اللهم، أردده على. فقال: « يا عقبة، قل » . قلت:ماذا أقول يا رسول الله؟ فقال: « »

« قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال: « قل » . قلت:ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: « ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما » .

طريق أخرى:قال النسائي:أخبرنا محمد بن يسار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عقبة بن عامر:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في صلاة الصبح .

طريق أخرى:قال النسائي:أخبرنا قتيبة، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي عمران أسلم، عن عقبة بن عامر قال:اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه فقلت:أقرئني سورة هود أو سورة يوسف. فقال: « لن تقرأ شيئًا أنفع عند الله من » قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق « . »

حديث آخر:قال النسائي:أخبرنا محمود بن خالد، حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي عبد الله، عن ابن عائش الجهني:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: « يا ابن عائش، ألا أدلك - أو:ألا أخبرك - بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون؟ . قال:بلى، يا رسول الله. قال: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) هاتان السورتان » .

فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه، تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث.

وقد تقدم في رواية صُدَيّ بن عجلان، وفَرْوَةَ بن مُجَاهد، عنه: « ألا أعلمك ثلاثَ سُوَر لم ينـزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلهن؟ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا إسماعيل، حدثنا الجريري، عن أبي العلاء قال:قال رجل:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، والناس يعتقبون، وفي الظهر قلة، فحانت نـزلَة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونـزلتي، فلحقني فضرب [ من بعدي ] منكبي، فقال: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه، ثم قال: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه، فقال: » إذا صليت فاقرأ بهما « . »

الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر، والله أعلم.

ورواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن علية، به .

حديث آخر:قال النسائي:أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، عن عبد الله بن سعيد، حدثني يزيد بن رومان، عن عقبة بن عامر، عن عبد الله الأسلمي - هو ابن أنيس- :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال: « قل » . فلم أدر ما أقول، ثم قال لي: « قل » . قلت: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ثم قال لي: « قل » . قلت: أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ حتى فرغت منها، ثم قال لي: « قل » . قلت: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) حتى فرغت منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هكذا فَتَعَوَذْ ما تعوذَ المتعوذون بمثلهن قط » .

حديث آخر:قال النسائي:أخبرنا عمرو بن علي أبو حفص، حدثنا بَدَل، حدثنا شداد بن سعيد أبو طلحة، عن سعيد الجُرَيري، حدثنا أبو نَضْرة، عن جابر بن عبد الله قال:قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اقرأ يا جابر » . قلت:وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال: « اقرأ » قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ « و » قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس « . فقرأتهما، فقال: » اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما « . »

وتقدم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهن، وينفث في كفيه، ويمسح بهما رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده.

وقال الإمام مالك:عن ابن شهاب، عن عُرْوَة، عن عائشة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح بيده عليه، رجاء بركتها.

ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة - ومن حديث ابن القاسم، وعيسى بن يونس - وابن ماجة من حديث معن وبشر بن عُمَر، ثمانيتهم عن مالك، به .

وتقدم في آخر سورة: « ن » من حديث أبي نضرة، عن أبي سعيد:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أعين الجان وعين الإنسان، فلما نـزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي:حديث حسن.

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ( 1 ) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )

قال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا حسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال:الفلق:الصبح.

وقال العوفي، عن ابن عباس: ( الْفَلَقِ ) الصبح. ورُوي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن محمد بن عقيل، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وابن زيد، ومالك عن زيد بن أسلم، مثل هذا.

قال القرظي، وابن زيد، وابن جرير:وهي كقوله تعالى: فَالِقُ الإِصْبَاحِ [ الأنعام:96 ] .

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( الْفَلَقِ ) الخلق. وكذا قال الضحاك:أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله.

وقال كعب الأحبار: ( الْفَلَقِ ) بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، ورواه ابن أبي حاتم، ثم قال:

حدثنا أبي، حدثنا سهيل بن عثمان، عن رجل سماه، عن السدي، عن زيد بن علي، عن آبائه أنهم قالوا: ( الْفَلَقِ ) جب في قعر جهنم، عليه غطاء، فإذا كشف عنه خرجت منها نار تصيح منه جهنم، من شدة حر ما يخرج منه.

وكذا رُوي عن عمرو بن عَبَسَةَ والسدي، وغيرهم. وقد ورد في ذلك حديثٌ مرفوع منكر، فقال ابن جرير:

حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هُريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ( الْفَلَقِ ) جُبّ في جهنم مغطى » إسناده غريب ولا يصح رفعه.

وقال أبو عبد الرحمن الحبلي: ( الْفَلَقِ ) من أسماء جهنم.

قال ابن جرير:والصواب القول الأول، أنه فلق الصبح. وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري، رحمه الله، في صحيحه .

وقوله: ( مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ) أي:من شر جميع المخلوقات. وقال ثابت البناني، والحسن البصري:جهنم وإبليس وذريته مما خلق.

( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) قال مجاهد:غاسقُ الليلُ إذا وقبَ غُروبُ الشمس. حكاه البخاري عنه. ورواه ابن أبي نَجِيح، عنه. وكذا قال ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، وخُصَيف، والحسن، وقتادة:إنه الليل إذا أقبل بظلامه.

وقال الزهري: ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) الشمس إذا غربت. وعن عطية وقتادة:إذا وقب الليل:إذا ذهب. وقال أبو المهزم، عن أبي هريرة: ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) كوكب. وقال ابن زيد:كانت العرب تقول:الغاسق سقوط الثريا، وكان الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها.

قال ابن جرير:ولهؤلاء من الأثر ما حدثني:نصر بن علي، حدثني بكار بن عبد الله - ابن أخي همام - حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: « ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) قال:النجم الغاسق » .

قلت:وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن جرير:وقال آخرون:هو القمر.

قلت:وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد:

حدثنا أبو داود الحَفري، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث، عن أبي سلمة قال:قالت عائشة، رضي الله عنها:أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمر حين يطلع، وقال: « تَعوَّذِي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب » .

ورواه الترمذي والنسائي، في كتابي التفسير من سننيهما، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، به . وقال الترمذي:حسن صحيح. ولفظه: « تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب » . ولفظ النسائي: « تعوَّذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب » .

قال أصحاب القول الأول وهو أنه الليل إذا ولج - :هذا لا ينافي قولنا؛ لأن القمر آيةُ الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم لا تضيء، إلا في الليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.

وقوله: ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ) قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة والضحاك:يعني:السواحر - قال مجاهد:إذا رقين ونفثن في العقد.

وقال ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال:ما من شيء أقرب من الشرك من رقية الحية والمجانين .

وفي الحديث الآخر:أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:اشتكيت يا محمد؟ فقال: « نعم » . فقال:بسم الله أرْقِيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك .

ولعل هذا كان من شكواه، عليه السلام، حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرَة الحسَّاد من اليهود في رءوسهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وفضحهم، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر، بل كفى الله وشفى وعافى.

وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن يزيد بن حَيَّان، عن زيد بن أرقم قال:سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أياما، قال:فجاءه جبريل فقال:إن رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عُقَدًا في بئر كذا وكذا، فَأرْسِل إليها من يجيء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عليًا، رضي الله تعالى عنه ] فاستخرجها، فجاء بها فحللها قال:فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نَشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه [ قط ] حتى مات.

ورواه النسائي عن هَنَّاد، عن أبي معاوية محمد بن حَازم الضرير .

وقال البخاري في « كتاب الطب » من صحيحه:حدثنا عبد الله بن محمد قال:سمعت سفيان بن عيينة يقول:أول من حدثنا به ابنُ جُرَيْج، يقول:حدثني آل عُرْوَة، عن عروة، فسألت هشاما عنه، فحدثَنا عن أبيه، عن عائشة قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحر، حتى كان يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال سفيان:وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا - فقال: « يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر:ما بال الرجل؟ قال:مطبوب. قال:ومن طَبَّه؟ قال:لَبيد بن أعصم - رجل من بني زُرَيق حَليف ليهُودَ، كان منافقًا- وقال:وفيم؟ قال:في مُشط ومُشاقة. قال:وأين؟ قال:في جُف طَلْعَة ذكر تحت رعوفة في بئر ذَرْوَان » . قالت:فأتى [ النبي صلى الله عليه وسلم ] البئر حتى استخرجه فقال: « هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نُقَاعة الحنَّاء، وكأن نخلها رءوس الشياطين » . قال:فاستخرج . [ قالت ] . فقلت:أفلا؟ أي:تَنَشَّرْتَ ؟ فقال: « أمَّا اللهُ فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًا » .

وأسنده من حديث عيسى بن يونس، وأبي ضَمْرة أنس بن عياض، وأبي أسامة، ويحيى القطان وفيه: « قالت:حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله » . وعنده: « فأمر بالبئر فدفنت » . وذكر أنه رواه عن هشام أيضًا ابن أبي الزَّناد والليث بن سعد .

وقد رواه مسلم، من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير. ورواه أحمد، عن عفان، عن وُهَيب عن هشام، به .

ورواه الإمام أحمد أيضًا عن إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن مَعْمَر، عن هشَام، عن أبيه، عن عائشة قالت:لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يُرى أنه يأتي ولا يأتي، فأتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر:ما باله؟ قال:مطبوب. قال:ومن طبه؟ قال:لبيد بن الأعصم، وذكر تمام الحديث .

وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره:قال ابن عباس وعائشة، رضي الله عنهما:كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبَّت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مُشَاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مُشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها. وكان الذي تولى ذلك رجل منهم - يقال له: [ لبيد ] بن أعصم- ثم دسها في بئر لبني زُرَيق، ويقال لها:ذَرْوان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه، ولبث ستة أشهر يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يَذُوب ولا يدري ما عراه. فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فَقَعَد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه:ما بال الرجل؟ قال:طُبَ. قال:وما طُبَ؟ قال:سحر. قال:ومن سحره؟ قال:لبيد بن أعصم اليهودي. قال:وبم طَبَه؟ قال:بمشط ومشاطة. قال:وأين هو؟ قال:في جُفَ طلعة تحت راعوفة في بئر ذَرْوَان - والجف:قشر الطلع، والراعوفة:حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح - فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعورًا، وقال: « يا عائشة، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي؟ » . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمار بن ياسر، فنـزحوا ماء البئر كأنه نُقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود، فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فأنـزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نَشطَ من عقال، وجعل جبريل، عليه السلام، يقول:باسم الله أرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين الله يشفيك. فقالوا:يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شرًا » .

هكذا أورده بلا إسناد، وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم، والله أعلم.

 

 

 

تفسير سورة الناس

 

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ( 1 ) مَلِكِ النَّاسِ ( 2 ) إِلَهِ النَّاسِ ( 3 ) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ( 4 ) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ( 5 ) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( 6 )

هذه ثلاث صفات من صفات الرب، عز وجل؛ الربوبية، والملك، والإلهية:فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات، من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزَين له الفواحش، ولا يألوه جهدًا في الخبال. والمعصوم من عَصَم الله، وقد ثبت في الصحيح أنه: « ما منكم من أحد إلا قد وُكِل به قرينه » . قالوا:وأنت يا رسول الله؟ قال: « نعم، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير » وثبت في الصحيح، عن أنس في قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، وخروجه معها ليلا ليردها إلى منـزلها، فلقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال رسول الله: « على رسلكما، إنها صفية بنت حُيي » . فقالا سبحان الله، يا رسول الله. فقال: « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا، أو قال:شرًا » .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي:حدثنا محمد بن بحر، حدثنا عدي بن أبي عمَارة، حدثنا زيادًا النّميري، عن أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر خَنَس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس » غريب.

وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عاصم، سمعت أبا تميمة يُحَدث عن رَديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:عَثَر بالنبي صلى الله عليه وسلم حمارهُ، فقلت:تَعِس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تقل:تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلت:تعس الشيطان، تعاظَم، وقال:بقوتي صرعته، وإذا قلت:بسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب » .

تفرد به أحمد، إسناده جيد قوي، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلِب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب.

وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أحدكم إذا كان في المسجد، جاءه الشيطان فأبس به كما يُبَس الرجل بدابته، فإذا سكن له زنقه - أو:ألجمه » . قال أبو هُرَيرة:وأنتم ترون ذلك، أما المزنوق فتراه مائلا- كذا- لا يذكر الله، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله، عز وجل. تفرد به أحمد .

وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) قال:الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خَنَس. وكذا قال مجاهد، وقتادة.

وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه:ذُكرَ لي أن الشيطان، أو:الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس.

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: ( الْوَسْوَاس ) قال:هو الشيطان يأمر، فإذا أطيع خنس.

وقوله: ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) هل يختص هذا ببني آدم - كما هو الظاهر - أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا.

وقال ابن جرير:وقد استعمل فيهم ( رجَالٌ منَ الجن ) فلا بدع في إطلاق الناس عليهم .

وقوله: ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) هل هو تفصيل لقوله: ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) ثم بينهم فقال: ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) وهذا يقوي القول الثاني. وقيل قوله: ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) تفسير للذي يُوسوس في صدور الناس، من شياطين الإنس والجن، كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [ الأنعام:112 ] ، وكما قال الإمام أحمد:

حدثنا وَكِيع، حدثنا المسعودي، حدثنا أبو عُمَر الدمشقي، حدثنا عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال:أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فجلست، فقال: « يا أبا ذر، هل صليت؟ » . قلت:لا. قال: « قم فصل » . قال:فقمت فصليت، ثم جلست فقال: « يا أبا ذر، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن » .

قال:قلت:يا رسول الله، وللإنس شياطين؟ قال: « نعم » . قال:قلت:يا رسول الله، الصلاة؟ قال: « خير موضوع، من شاء أقل، ومن شاء أكثر » . قلت:يا رسول الله فما الصوم؟ قال: « فرض يجزئ، وعند الله مزيد » . قلت:يا رسول الله، فالصدقة؟ قال: « أضعاف مضاعفة » . قلت:يا رسول الله، أيها أفضل؟ قال: « جُهد من مُقل، أو سر إلى فقير » . قلت:يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول؟ قال: « آدم » . قلت:يا رسول الله، ونبي كان؟ قال: « نعم، نبي مُكَلَّم » . قلت:يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: « ثلثمائة وبضعة عشر، جَمًّا غَفيرًا » . وقال مرة: « خمسة عشر » . قلت:يا رسول الله، أيما أنـزل عليك أعظم؟ قال: « آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ »

ورواه النسائي، من حديث أبي عمر الدمشقي، به . وقد أخرج هذا الحديث مطولا جدًا أبو حاتم بن حبان في صحيحه، بطريق آخر، ولفظ آخر مطول جدًا فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد:حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن منصور، عن ذر بن عبد الله الهَمْداني، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به. قال:فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة » .

ورواه أبو داود والنسائي، من حديث منصور - زاد النسائي:والأعمش - كلاهما عن ذر، به .

آخر التفسير، ولله الحمد والمنة، والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين . ورضي الله عن الصحابة أجمعين . حسبنا الله ونعم الوكيل.

وكان الفراغ منه في العاشر من جمادي الأولى سنة خمس وعشرين وثمانين. والحمد له وحده .