الآية: 16 ( وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون )

 

قوله تعالى: « وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا » تقدم الكلام فيه. « ولقاء الآخرة » أي بالبعث. « فأولئك في العذاب محضرون » أي مقيمون. وقيل: مجموعون. وقيل: معذبون. وقيل: نازلون؛ ومنه قوله تعالى: « إذا حضر أحدكم الموت » [ البقرة: 180 ] أي نزل به؛ قاله ابن شجرة، والمعنى متقارب.

 

الآيات: 17 - 18 ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون )

 

قوله تعالى: « فسبحان الله » الآية فيه ثلاثة أقوال: الأول: أنه خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحض على الصلاة في هذه الأوقات. قال ابن عباس: الصلوات الخمس في القرآن؛ قيل له: أين؟ فقال: قال الله تعالى « فسبحان الله حين تمسون » صلاة المغرب والعشاء « وحين تصبحون » صلاة الفجر « وعشيا » العصر « وحين تظهرون » الظهر؛ وقاله الضحاك وسعيد بن جبير. وعن ابن عباس أيضا وقتادة: أن الآية تنبيه على أربع صلوات: المغرب والصبح والعصر والظهر؛ قالوا: والعشاء الآخرة هي في آية أخرى في « وزلفا من الليل » [ هود: 114 ] وفي ذكر أوقات العورة. وقال النحاس: أهل التفسير على أن هذه الآية « فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون » في الصلوات. وسمعت على بن سليمان يقول: حقيقته عندي: فسبحوا الله في الصلوات، لأن التسبيح في الصلاة؛ وهو القول الثاني. والقول الثالث: فسبحوا الله حين تمسون وحين تصبحون؛ ذكره الماوردي. وذكر القول الأول، ولفظه فيه: فصلوا لله حين تمسون وحين تصبحون. وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان: أحدهما: لما تضمنها من ذكر التسبيح في الركوع والسجود. الثاني: مأخوذ من السبحة والسبحة الصلاة؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تكون لهم سبحة يوم القيامة ) أي صلاة.

 

قوله تعالى: « وله الحمد في السماوات والأرض » اعتراض بين الكلام بدؤوب الحمد على نعمه وألائه. وقيل: معنى « وله الحمد » أي الصلاة له لاختصاصها بقراءة الحمد. والأول أظهر؛ فإن الحمد لله من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ودوام نعمته؛ فيكون نوعا آخر خلاف الصلاة، والله أعلم. وبدأ بصلاة المغرب لأن الليل يتقدم النهار. وفي سورة « الإسراء » بدأ بصلاة الظهر إذ هي أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم. الماوردي: وخص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن للإنسان في النهار متقلبا في أحوال توجب حمد الله تعالى عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها؛ فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.

 

قرأ عكرمة « حينا تمسون وحينا تصبحون » والمعنى: حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه؛ فحذف « فيه » تخفيفا، والقول فيه كالقول في « واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا » [ البقرة: 48 ] . « وعشيا وحين تظهرون » قال الجوهري: العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة؛ تقول: أتيته عشية أمس وعشي أمس. وتصغير العشي: عشيان، على غير قياس مكبره؛ كأنهم صغروا عشيانا، والجمع عشيانات. وقيل أيضا في تصغيره: عشيشيان، والجمع عشيشيات. وتصغير العشية عشيشية، والجمع عشيشيات. والعشاء ( بالكسر والمد ) مثل العشي. والعشاء إن المغرب والعتمة. وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وأنشدوا:

غدونا غدوة سحرا بليل عشاء بعدما انتصف النهار

الماوردي: والفرق بين المساء والعشاء: أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشاء آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب، وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس.

 

الآية: 19 ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون )

 

بين كمال قدرته؛ أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات بعد همودها، كذلك يحييكم بالبعث. وفي هذا دليل على صحة القياس؛ وقد مضى في « آل عمران » بيان « تخرج الحي من الميت » [ آل عمران: 27 ] .

الآية [ 20 ] في الصفحة التالية ...