الآيات: 22 - 35 ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون، من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم، وقفوهم إنهم مسؤولون، ما لكم لا تناصرون، بل هم اليوم مستسلمون، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قالوا بل لم تكونوا مؤمنين، وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين، فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون، فأغويناكم إنا كنا غاوين، فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون، إنا كذلك نفعل بالمجرمين، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )

 

قوله تعالى: « احشروا الذين ظلموا وأزواجهم » هو من قول الله تعالى للملائكة: « احشروا » المشركين « وأزواجهم » أي أشياعهم في الشرك، والشرك الظلم؛ قال الله تعالى: « إن الشرك لظلم عظيم » [ لقمان: 13 ] فيحشر الكافر مع الكافر؛ قاله قتادة وأبو العالية. وقال عمر بن الخطاب في قول الله عز وجل: « احشروا الذين ظلموا وأزواجهم » قال: الزاني مع الزاني، وشارب الخمر مع شارب الخمر، وصاحب السرقة مع صاحب السرقة. وقال ابن عباس: « وأزواجهم » أي أشباههم. وهذا يرجع إلى قول عمر. وقيل: « وأزواجهم » نساؤهم الموافقات على الكفر؛ قاله مجاهد والحسن، ورواه النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب. وقال الضحاك: « وأزواجهم » قرناءهم من الشياطين. وهذا قول مقاتل أيضا: يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة. « وما كانوا يعبدون من دون الله » من الأصنام والشياطين وإبليس. « فاهدوهم إلى صراط الجحيم » أي سوقوهم إلى النار. وقيل: « فأهدوهم » أي دلوهم. يقال: هديته إلى الطريق، وهديته الطريق؛ أي دللته عليه. وأهديت الهدية وهديت العروس، ويقال أهديتها؛ أي جعلتها بمنزلة الهدية.

 

قوله تعالى: « وقفوهم » وحكى عيسى بن عمر « أنهم » بفتح الهمزة. قال الكسائي: أي لأنهم وبأنهم، يقال: وقفت الدابة أقفها وقفا فوقفت هي وقوفا، يتعدى ولا يتعدى؛ أي احسبوهم. وهذا يكون قبل السوق إلى الجحيم؛ وفيه تقديم وتأخير، أي قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار. وقيل: يساقون إلى النار أولا ثم يحشرون للسؤال إذا قربوا من النار. « إنهم مسؤولون » عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم؛ قال القرظي والكلبي. الضحاك: عن خطاياهم. ابن عباس: عن لا إله إلا الله. وعنه أيضا: عن ظلم الخلق. وفي هذا كله دليل على أن الكافر يحاسب. وقد مضى في « الحجر » الكلام فيه. وقيل: سؤالهم أن يقال لهم: « ألم يأتكم رسل منكم » [ الأنعام: 130 ] إقامة للحجة. ويقال لهم: « ما لكم لا تناصرون » على جهة التقريع والتوبيخ؛ أي ينصر بعضكم بعضا فيمنعه من عذاب الله. وقيل: هو إشارة إلى قول أبي جهل يوم بدر: « نحن جميع منتصر » [ القمر: 44 ] . وأصله تتناصرون فطرحت إحدى التاءين تخفيفا. وشدد البزي التاء في الوصل.

 

قوله تعالى: « بل هم اليوم مستسلمون » قال قتادة: مستسلمون في عذاب الله عز وجل. ابن عباس: خاضعون ذليلون. الحسن: منقادون. الأخفش: ملقون بأيديهم. والمعنى متقارب. « وأقبل بعضهم على بعض » يعني الرؤساء والأتباع « يتساءلون » يتخاصمون. ويقال لا يتساءلون فسقطت لا. النحاس: وإنما غلط الجاهل باللغة فتوهم أن هذا من قوله: « فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون » [ المؤمنون: 101 ] إنما هو لا يتساءلون بالأرحام، فيقول أحدهم: أسألك بالرحم الذي بيني وبينك لما نفعتني، أو أسقطت لي حقا لك علي، أو وهبت لي حسنة. وهذا بين؛ لأن قبله « فلا أنساب بينهم » [ المؤمنون: 101 ] . أي ليس ينتفعون بالأنساب التي بينهم؛ كما جاء في الحديث: ( إن الرجل ليسر بأن يصبح له على أبيه أو على ابنه حق فيأخذه منه لأنها الحسنات والسيئات ) ، وفي حديث آخر: ( رحم الله امرأ كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فأتاه فاستحله قبل أن يطالبه به فيأخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات زيد عليه من سيئات المطالب ) . و « يتساءلون » ها هنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضا ويوبخه في أنه أضله أو فتح بابا من المعصية؛ يبين ذلك أن بعده « إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين » قال مجاهد: هو قول الكفار للشياطين. قتادة: هو قول الإنس للجن. وقيل: هو من قول الأتباع للمتبوعين؛ دليله قوله تعالى: « ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول » [ سبأ: 31 ] الآية. قال سعيد عن قتادة: أي تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها. وعن ابن عباس نحو منه. وقيل: تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح. والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح. وقيل: « تأتوننا عن اليمين » تأتوننا مجيء من إذا حلف لنا صدقناه. وقيل: تأتوننا من قبل الدين فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها.

قلت: وهذا القول حسن جدا؛ لأن من جهة الدين يكون الخير والشر، واليمين بمعنى الدين؛ أي كنتم تزينون لنا الضلالة. وقيل: اليمين بمعنى القوة؛ أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر؛ قال الله تعالى: « فراغ عليهم ضربا باليمين » [ الصافات: 93 ] أي بالقوة وقوة الرجل في يمينه؛ وقال الشاعر:

إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

أي بالقوة والقدرة. وهذا قول ابن عباس. وقال مجاهد: « تأتوننا عن اليمين » أي من قبل الحق أنه معكم؛ وكله متقارب المعنى. « قالوا بل لم تكونوا مؤمنين » قال قتادة: هذا قول الشياطين لهم. وقيل: من قول الرؤساء؛ أي لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم منه إلى الكفر، بل كنتم على الكفر فأقمتم عليه للألف والعادة. « وما كان لنا عليكم من سلطان » أي من حجة في ترك الحق « بل كنتم قوما طاغين » أي ضالين متجاوزين الحد. « فحق علينا قول ربنا » هو أيضا من قول المتبوعين؛ أي وجب علينا وعليكم قول ربنا، فكلنا ذائقون العذاب، كما كتب الله وأخبر على ألسنة الرسل « لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين » [ السجدة: 13 ] . وهذا موافق للحديث: ( إن الله جل وعز كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ) . « فأغويناكم » أي زينا لكم ما كنتم عليه من الكفر « إنا كنا غاوين » بالوسوسة والاستدعاء. ثم قال مخبرا عنهم: « فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون » الضال والمضل. « إنا كذلك » أي مثل هذا الفعل « نفعل بالمجرمين » أي المشركين. « إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون » أي إذا قيل لهم قولوا فأضمر القول. و « يستكبرون » في موضع نصب على خبر كان. ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر إن، وكان ملغاة. ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عند موته واجتماع قريش ( قولوا لا إله إلا الله تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم ) أبوا وأنفوا من ذلك. وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزل الله تعالى في كتابه فذكر قوما استكبروا فقال: « إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون » ) وقال تعالى: « إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها وأهلها » [ الفتح: 26 ] وهي ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) استكبر عنها المشركون يوم الحديبية يوم كاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة؛ ذكر هذا الخبر البيهقي، والذي قبله القشيري.

 

الآيات: 36 - 40 ( ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين، إنكم لذائقوا العذاب الأليم، وما تجزون إلا ما كنتم تعملون، إلا عباد الله المخلصين )

 

قوله تعالى: « ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون » أي لقول شاعر مجنون؛ فرد الله جل وعز عليهم فقال: « بل جاء بالحق » يعني القرآن والتوحيد « وصدق المرسلين » فيما جاؤوا به من التوحيد. « إنكم لذائقوا العذاب الأليم » الأصل لذائقون فحذفت النون استخفافا وخفضت للإضافة. ويجوز النصب كما أنشد سيبويه:

فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا

وأجاز سيبويه « والمقيمي الصلاة » على هذا. « وما تجزون إلا ما كنتم تعملون » أي إلا بما عملتم من الشرك « إلا عباد الله المخلصين » استثناء ممن يذوق العذاب. وقراءة أهل المدينة والكوفة « المخلصين » بفتح اللام؛ يعني الذين أخلصهم الله لطاعته ودينه وولايته. الباقون بكسر اللام؛ أي الذين أخلصوا لله العبادة. وقيل: هو استثناء منقطع، أي إنكم أيها المجرمون ذائقو العذاب لكن عباد الله المخلصين لا يذوقون العذاب.

 

الآيات: 41 - 49 ( أولئك لهم رزق معلوم، فواكه وهم مكرمون، في جنات النعيم، على سرر متقابلين، يطاف عليهم بكأس من معين، بيضاء لذة للشاربين، لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، وعندهم قاصرات الطرف عين، كأنهن بيض مكنون )

 

قوله تعالى: « أولئك لهم رزق معلوم » يعني المخلصين؛ أي لهم عطية معلومة لا تنقطع. قال قتادة: يعني الجنة. وقال غيره: يعني رزق الجنة. وقيل: هي الفواكه التي ذكر قال مقاتل: حين يشتهونه. وقال ابن السائب: إنه بمقدار الغداة والعشي؛ قال الله تعالى: « ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا » [ مريم: 62 ] . « فواكه » جمع فاكهة؛ قال الله تعالى: « وأمددناهم بفاكهة » [ الطور: 22 ] وهي الثمار كلها رطبها ويابسها؛ قاله ابن عباس. « وهم مكرمون » أي ولهم إكرام من الله جل وعز برفع الدرجات وسماع كلامه ولقائه. « في جنات النعيم » أي في بساتين يتنعمون فيها. وقد تقدم أن الجنان سبع في سورة « يونس » منها النعيم.

 

قوله تعالى: « على سرر متقابلين » قال عكرمة ومجاهد: لا ينظر بعضهم في قفا بعض تواصلا وتحاببا. وقيل: الأسرة تدور كيف شاؤوا فلا يرى أحد قفا أحد. وقال ابن عباس: على سرر مكللة بالدر والياقوت والزبرجد؛ السرير ما بين صنعاء إلى الجابية، وما بين عدن إلى أيلة. وقيل: تدور بأهل المنزل الواحد. والله أعلم. « يطاف عليهم بكأس من معين » لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم. والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء مع شرابه؛ فإن كان فارغا فليس بكأس. قال الضحاك والسدي: كل كأس في القرآن فهي الخمر، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس، فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح. النحاس: وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر: كأس؛ فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح؛ كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام: مائدة؛ فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة. قال أبو الحسن بن كيسان: ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة. وقال الزجاج: « بكأس من معين » أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض. والمعين: الماء الجاري الظاهر. « بيضاء » صفة للكأس. وقيل: للخمر. قال الحسن: خمر الجنة أشد بياضا من اللبن. وقيل: « بيضاء » أي لم يعتصرها الرجال بأقدامهم. « لذة للشاربين » « لذة » قال الزجاج: أي ذات لذة فحذف المضاف. وقيل: هو مصدر جعل اسما أي بيضاء لذيذة؛ يقال شراب لذ ولذيذ، مثل نبات غض وغضيض. فأما قول القائل:

ولذ كطعم الصرخدي تركته بأرض العدا من خشية الحدثان

فانه يريد النوم. « لا فيها غول » أي لا تغتال عقولهم، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع. « ولا هم عنها ينزفون » أي لا تذهب عقولهم بشربها؛ يقال: الخمر غول للحلم، والحرب غول للنفوس؛ أي تذهب بها. وقال: نزف الرجل ينزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر. قال امرؤ القيس:

وإذا هي تمشي كمشي النزيـ ـف يصرعه بالكثيب البهر

وقال أيضا:

نزيف إذا قام لوجه تمايلت تراشي الفؤاد الرخص ألا تخرا

وقال آخر:

فلثمت فاها آخذا بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي؛ من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر. يقال: أحصد الزرع إذا حان حصاده، وأقطف الكرم إذا حان قطافه، وأركب المهر إذا حان ركوبه. وقيل: المعنى لا ينفدون شرابهم؛ لأنه دأبهم؛ يقال: أنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره. قال الحطيئة:

لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا

النحاس: والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى؛ لأن معنى « ينزفون » عند جلة أهل التفسير منهم مجاهد لا تذهب عقولهم؛ فنفى الله عز وجل عن خمر الجنة الآفات التي تلحق في الدنيا من خمرها من الصداع والسكر. ومعنى « ينزفون » الصحيح فيه أنه يقال: أنزف الرجل إذا نفد شرابه، وهو يبعد أن يوصف به شراب الجنة؛ ولكن مجازه أن يكون بمعنى لا ينفد أبدا. وقيل: « لا ينزفون » بكسر الزاي لا يسكرون؛ ذكره الزجاج وأبو علي على ما ذكره القشيري. المهدوي: ولا يكون معناه يسكرون؛ لأن قبله « لا فيها غول » . أي لا تغتال عقولهم فيكون تكرارا؛ ويسوغ ذلك في « الواقعة » . ويجوز أن يكون معنى « لا فيها غول » لا يمرضون؛ فيكون معنى « ولا هم عنها ينزفون » لا يسكرون أو لا ينفد شرابهم. قال قتادة الغول وجع البطن. وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد « لا فيها غول » قال لا فيها وجع بطن. الحسن: صداع. وهو قول ابن عباس: « لا فيها غول » لا فيها صداع. وحكى الضحاك عنه أنه قال: في الخمر أربع خصال: السكر والصداع والقيء والبول؛ فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال. مجاهد: داء. ابن كيسان: مغص. وهذه الأقوال متقاربة. وقال الكلبي: « لا فيها غول » أي إثم؛ نظيره: « لا لغو فيها ولا تأثيم » [ الطور: 23 ] . وقال الشعبي والسدي وأبو عبيدة: لا تغتال عقولهم فتذهب بها. ومنه قول الشاعر:

وما زالت الكأس تغتالنا وتذهب بالأول الأول

أي تصرع واحدا واحدا. وإنما صرف الله تعالى السكر عن أهل الجنة لئلا ينقطع الالتذاذ عنهم بنعيمهم. وقال أهل المعاني: الغول فساد يلحق في خفاء. يقال: اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره في خفية. ومنه الغول والغيلة: وهو القتل خفية.

 

قوله تعالى: « وعندهم قاصرات الطرف » أي نساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم؛ قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغيرهم. عكرمة: « قاصرات الطرف » أي محبوسات على أزواجهن. والتفسير الأول أبين؛ لأنه ليس في الآية مقصورات ولكن في موضع آخر « مقصورات » يأتي بيانه. و « قاصرات » مأخوذ من قولهم: قد اقتصر على كذا إذا اقتنع به وعدل عن غيره؛ قال امرؤ القيس:

من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا

ويروى: فوق الخد. والأول أبلغ. والإتب القميص، والمحول الصغير من الذر. وقال مجاهد أيضا: معناه لا يغرن. « عين » عظام العيون الواحدة عيناء؛ وقال السدي. مجاهد: « عين » حسان العيون. الحسن: الشديدات بياض العين، الشديدات سوادها. والأول أشهر في اللغة. يقال: رجل أعين واسع العين بيّن العين، والجمع عين. وأصله فعل بالضم فكسرت العين؛ لئلا تنقلب الواو ياء. ومنه قيل لبقر الوحش عين، والثور أعين، والبقرة عيناء. « كأنهن بيض مكنون » أي مصون. قال الحسن وابن زيد: شبهن ببيض النعام، تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار، فلونها أبيض في صفرة وهو حسن ألوان النساء. وقال ابن عباس وابن جبير والسدي: شبهن ببطن البيض قبل أن يقشر وتمسه الأيدي. وقال عطاء: شبهن بالسحاء الذي يكون بين القشرة العليا ولباب البيض. وسحاة كل شيء: قشره والجمع سحا؛ قاله الجوهري. ونحوه قول الطبري، قال: هو القشر الرقيق، الذي على البيضة بين ذلك. وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والعرب تشبه المرأة بالبيضة لصفائها وبياضها؛ قال امرؤ القيس:

وبيضة خدر لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجل

وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة: كأنه بيض النعام المغطى بالريش. وقيل: المكنون المصون عن الكسر؛ أي إنهن عذارى. وقيل: المراد بالبيض اللؤلؤ؛ كقوله تعالى: « وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون » [ الواقعة:23 ] أي في أصدافه؛ قاله ابن عباس أيضا. ومنه قول الشاعر:

وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغـ ـواص ميزت من جوهر مكنون

وإنما ذكر المكنون والبيض جمع؛ لأنه رد النعت إلى اللفظ.

الآية [ 50 ] في الصفحة التالية ...