الآيات: 73 - 75 ( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين، وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين )

 

قوله تعالى: « وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا » يعني من الشهداء والزهاد والعلماء والقراء وغيرهم، ممن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته. وقال في حق الفريقين: « وسيق » بلفظ واحد، فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان؛ لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين. « حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها » قيل: الواو هنا للعطف عطف على جملة والجواب محذوف. قال المبرد: أي سعدوا وفتحت، وحذف الجواب بليغ في كلام العرب. وأنشد:

فلو أنها نفس تموت جميعة ولكنها نفس تساقط أنفسا

فحذف جواب لو والتقدير لكان أروح. وقال الزجاج: « حتى إذا جاؤوها » دخلوها وهو قريب من الأول. وقيل: الواو زائدة. قال الكوفيون وهو خطأ عند البصريين. وقد قيل: إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله تعالى، والتقدير حتى إذا جاؤوها وأبوابها مفتحة، بدليل قوله: « جنات عدن مفتحة لهم الأبواب » [ ص: 50 ] وحذف الواو في قصة أهل النار؛ لأنهم وقفوا على النار وفتحت بعد وقوفهم إذلالا وترويعا لهم. ذكره المهدوي وحكى معناه النحاس قبله. قال النحاس: فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الأول، فقد تكلم فيه بعض أهل العلم بقول لا أعلم أنه سبقه إليه أحد، وهو أنه لما قال الله عز وجل في أهل النار: « حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها » دل بهذا على أنها كانت مغلقة ولما قال في أهل الجنة: « حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها » دل بهذا على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيؤوها؛ والله أعلم. وقيل: إنها واو الثمانية. وذلك من عادة قريش أنهم يعدون من الواحد فيقولون خمسة ستة سبعة وثمانية، فإذا بلغوا السبعة قالوا وثمانية. قال أبو بكر بن عياش. قال الله تعالى: « سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام » [ الحاقة: 7 ] وقال: « التائبون العابدون » [ التوبة: 112 ] ثم قال في الثامن: « والناهون عن المنكر » [ التوبة: 112 ] وقال: « ويقولون سبعة وثامنهم » [ الكهف: 22 ] وقال « ثيبات وأبكارا » [ التحريم: 5 ] وقد مضى القول في هذا في « براءة » مستوفى وفي « الكهف » أيضا.

قلت: وقد استدل بهذا من قال إن أبواب الجنة ثمانية؛ وذكروا حديث عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ الوضوء - ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) خرجه مسلم وغيره. وقد خرج الترمذي حديث عمر هذا وقال فيه: ( فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة ) بزيادة من وهو يدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية. وقد ذكرنا ذلك في كتاب التذكرة وانتهى عددها إلى ثلاثة عشر بابا، وذكرنا هناك عظم أبوابها وسعتها حسب ما ورد في الحديث من ذلك، فمن أراده وقف عليه هناك.

 

قوله تعالى: « وقال لهم خزنتها » قيل: الواو ملغاة تقديره حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها « قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم » أي في الدنيا. قال مجاهد: بطاعة الله. وقيل: بالعمل الصالح. حكاه النقاش والمعنى واحد. وقال مقاتل: إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا وطيبوا قال لهم رضوان وأصحابه: « سلام عليكم » بمعنى التحية « طبتم فادخلوها خالدين » .

قلت: خرج البخاري حديث القنطرة هذا في جامعه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا ) وحكى النقاش: إن على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشرب المؤمنون من إحداهما فتطهر أجوافهم وذلك قوله تعالى: « وسقاهم ربهم شرابا طهورا » [ الإنسان: 21 ] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أبشارهم فعندها يقول لهم خزنتها: « سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين » وهذا يروى معناه عن علي رضي الله عنه.

 

قوله تعالى: « وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده » أي إذا دخلوا الجنة قالوا هذا. « وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء » أي أرض الجنة قيل: إنهم ورثوا الأرض التي كانت تكون لأهل النار لو كانوا مؤمنين؛ قاله أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسدي وأكثر المفسرين وقيل: إنها أرض الدنيا على التقديم والتأخير. « فنعم أجر العاملين » قيل: هو من قولهم أي نعم الثواب هذا. وقيل: هو من قول الله تعالى؛ أي نعم ثواب المحسنين هذا الذي أعطيتهم.

 

قوله تعالى: « وترى الملائكة » يا محمد « حافين » أي محدقين « من حول العرش » في ذلك اليوم « يسبحون بحمد ربهم » متلذذين بذلك لا متعبدين به؛ أي يصلون حول العرش شكرا لربهم. والحافون أخذ من حافات الشيء ونواحيه. قال الأخفش: واحدهم حاف. وقال الفراء: لا واحد له إذ لا يقع لهم الاسم إلا مجتمعين. ودخلت « من » على « حول » لأنه ظرف والفعل يتعدى إلى الظرف بحرف وبغير حرف. وقال الأخفش: « من » زائدة أي حافين حول العرش. وهو كقولك: ما جاءني من أحد، فمن توكيد. الثعلبي: والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح وتحذفها أحيانا، فيقولون: سبح بحمد ربك، وسبح حمدا لله؛ قال الله تعالى: « سبح اسم ربك الأعلى » [ الأعلى: 1 ] وقال: « فسبح باسم ربك العظيم » [ الواقعة: 74 ] . « وقضي بينهم بالحق » بين أهل الجنة والنار. وقيل: قضى بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء وبين أممهم بالحق والعدل. « وقيل الحمد لله رب العالمين » أي يقول المؤمنون الحمد لله على ما أثابنا من نعمه وإحسانه ونصرنا على من ظلمنا. وقال قتادة في هذه الآية: افتتح الله أول الخلق بالحمد لله، فقال: « الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور » [ الأنعام:1 ] وختم بالحمد فقال: « وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين » فلزم الاقتداء به، والأخذ في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمته بحمده. وقيل: إن قول « الحمد لله رب العالمين » من قول الملائكة فعلى هذا يكون حمدهم لله تعالى على عدله وقضائه. وروي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر آخر سورة « الزمر » فتحرك المنبر مرتين.

 

سورة غافر

**intro**مقدمة السورة

 

سورة غافر، وهي سورة المؤمن، وتسمى سورة الطول وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. وعن الحسن إلا قوله: « وسبح بحمد ربك » [ غافر: 55 ] لأن الصلوات نزلت بالمدينة. وقال ابن عباس وقتادة: إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما « إن الذين يجادلون في آيات الله » [ غافر: 56 ] والتي بعدها. وهي خمس وثمانون آية. وقيل ثنتان وثمانون آية.

وفي مسند الدارمي قال: حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: كن الحواميم يسمين العرائس. وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الحواميم ديباج القرآن » وروي عن ابن مسعود مثله. وقال الجوهري وأبو عبيدة: وآل حم سور في القرآن. قال ابن مسعود: آل حم ديباج القرآن. قال الفراء: إنما هو كقولك آل فلان وآل فلان كأنه نسب السورة كلها إلى حم؛ قال الكميت:

وجدنا لكم في آل حاميم آية تأولها منا تقي ومعزب

قال أبو عبيدة: هكذا رواها الأموي بالزاي، وكان أبو عمرو يرويها بالراء. فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب. وقال أبو عبيدة: الحواميم سور في القرآن على غير قياس؛ وأنشد قائلا:

وبالحواميم التي قد سبغت

قال: والأولى أن تجمع بذوات حم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل شيء ثمرة وإن ثمرة القرآن ذوات حم هن روضات حسان مخصبات متجاورات فمن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مثل الحواميم في القرآن كمثل الحبرات في الثياب ) ذكرهما الثعلبي. وقال أبو عبيد: وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال: رأى رجل سبع جوار حسان مزينات في النوم فقال لمن أنتن بارك الله فيكن فقلن نحن لمن قرأنا نحن الحواميم.

 

الآيات: 1 - 4 ( حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد )

 

قوله تعالى: « حم » اختلف في معناه؛ فقال عكرمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( « حم » اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك ) قال ابن عباس: « حم » اسم الله الأعظم. وعنه: « الر » و « حم » و « ن » حروف الرحمن مقطعة. وعنه أيضا: اسم من أسماء الله تعالى أقسم به. وقال قتادة: إنه اسم من أسماء القرآن. مجاهد: فواتح السور. وقال عطاء الخراساني: الحاء افتتاح اسمه حميد وحنان وحليم وحكيم، والميم افتتاح اسمه ملك ومجيد ومنان ومتكبر ومصور؛ يدل عليه ما روى أنس أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما « حم » فإنا لا نعرفها في لساننا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بدء أسماء وفواتح سور ) وقال الضحاك والكسائي: معناه قضي ما هو كائن. كأنه أراد الإشارة إلى تهجي « حم » ؛ لأنها تصير حم بضم الحاء وتشديد الميم؛ أي قضي ووقع. وقال كعب بن مالك:

فلما تلاقيناهم ودارت بنا الرحى وليس لأمر حمه الله مدفع

وعنه أيضا: إن المعنى حم أمر الله أي قرب؛ كما قال الشاعر:

قد حم يومي فسر قوم قوم بهم غفلة ونوم

ومنه سميت الحمى؛ لأنها تقرب من المنية. والمعنى المراد قرب نصره لأوليائه، وانتقامه من أعدائه كيوم بدر. وقيل: حروف هجاء؛ قال الجرمي: ولهذا تقرأ ساكنة الحروف فخرجت مخرج التهجي وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت؛ فتقول: قرأت « حم » فتنصب؛ ومنه:

يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم

وقرأ عيسى بن عمر الثقفي: « حم » بفتح الميم على معنى اقرأ حم أو لالتقاء الساكنين. ابن أبي إسحاق وأبو السمال بكسرها. والإمالة والكسر للالتقاء الساكنين، أو على وجه القسم. وقرأ أبو جعفر بقطع الحاء من الميم. الباقون بالوصل. وكذلك في « حم. عسق » . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالإمالة في الحاء. وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة. الباقون بالفتح مشبعا.

 

قوله تعالى: « تنزيل الكتاب » ابتداء والخبر « من الله العزيز العليم » . ويجوز أن يكون « تنزيل » خبرا لمبتدأ محذوف؛ أي هذا « تنزيل الكتاب » . ويجوز أن يكون « حم » مبتدأ و « تنزيل » خبره والمعنى: أن القرآن أنزله الله وليس منقولا ولا مما يجوز أن يكذب به.

 

قوله تعالى: « غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب » قال الفراء: جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة. وقال الزجاج: هي خفض على البدل. النحاس: وتحقيق الكلام في هذا وتلخيصه أن « غافر الذنب وقابل التوب » يجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين، ويجوز أن يكونا للمستقبل والحال فيكونا نكرتين ولا يجوز أن يكونا نعتين على هذا ولكن يكون خفضهما على البدل، ويجوز النصب على الحال، فأما « شديد العقاب » فهو نكره ويكون خفضه على البدل. قال ابن عباس: « غافر الذنب » لمن قال: « لا إله إلا الله » « وقابل التوب » ممن قال: « لا إله إلا الله » « شديد العقاب » لمن لم يقل: « لا إله إلا الله » . وقال ثابت البناني: كنت إلى سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا تمر فيه الدواب، قال: فاستفتحت « حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم » فمر علي رجل على دابة فلما قلت « غافر الذنب » قال: قل يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، فلما قلت: « قابل التوب » قال: قل يا قابل التوب تقبل توبتي، فلما قلت: « شديد العقاب » قال: قل يا شديد العقاب اعف عني، فلما قلت: « ذي الطول » قال: قل يا ذا الطول طل علي بخير؛ فقمت إليه فأخذ ببصري، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر شيئا. وقال أهل الإشارة: « غافر الذنب » فضلا « وقابل التوب » وعدا « شديد العقاب » عدلا « لا إله إلا هو إليه المصير » فردا. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام؛ فقيل له: تتابع في هذا الشراب؛ فقال عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان، سلام عليك، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو: « بسم الله الرحمن. حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير » ثم ختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته. فلما بلغ عمر أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. و « التوب » يجوز أن يكون مصدر تاب يتوب توبا، ويحتمل أن يكون جمع توبة نحو دومة ودوم وعزمة وعزم؛ ومنه قوله:

فيخبو ساعة ويهب ساعا

ويجوز أن يكون التوب بمعنى التوبة. قال أبو العباس: والذي يسبق إلى قلبي أن يكون مصدرا؛ أي يقبل هذا الفعل، كما تقول قالا قولا، وإذا كان جمعا فمعناه يقبل التوبات. « ذي الطول لا إله إلا هو » على البدل وعلى النعت؛ لأنه معرفة. وأصل الطول الإنعام والفضل يقال منه: اللهم طل علينا أي انعم وتفضل. قال ابن عباس: « ذي الطول » ذي النعم. وقال مجاهد: ذي الغنى والسعة؛ ومنه قوله تعالى: « ومن لم يستطع منكم طولا » [ النساء: 25 ] أي غنى وسعة. وعن ابن عباس أيضا: « ذي الطول » ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله. وقال عكرمة: « ذي الطول » ذي المن. قال الجوهري: والطول بالفتح المن؛ يقال منه طال عليه وتطول عليه إذا امتن عليه. وقال محمد بن كعب: « ذي الطول » ذي التفضل؛ قال الماوردي: والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن ذنب. والتفضل إحسان غير مستحق. والطول مأخوذ من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره. وقيل: لأنه طالت مدة إنعامه. « إليه المصير » أي المرجع.

 

قوله تعالى: « ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا » سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر، والمراد الجدال بالباطل، من الطعن فيها، والقصد إلى إدحاض الحق، وإطفاء نور الله تعالى. وقد دل على ذلك في قوله تعالى: « وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق » . [ غافر:5 ] . فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها، وحل مشكلها، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها، ورد أهل الزيغ بها وعنها، فأعظم جهاد في سبيل الله. وقد مضى هذا المعنى في « البقرة » عند قوله تعالى: « ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه » [ البقرة: 258 ] مستوفى. « فلا يغررك تقلبهم في البلاد » « فلا يغررك » وقرئ: « فلا يغرك » « تقلبهم » أي تصرفهم « في البلاد » فإني إن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم. قال ابن عباس: يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن. وقيل: « لا يغررك » ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا. وقال الزجاج: « لا يغررك » سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك. وقال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن: قوله: « ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا » ، وقوله: « وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد » [ البقرة: 176 ] .

الآية [ 5 ] في الصفحة التالية ...