الآيات: 47 - 50 ( وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار، قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد، وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )

 

قوله تعالى: « وإذ يتحاجون في النار » أي يختصمون فيها « فيقول الضعفاء للذين استكبروا » عن الانقياد للأنبياء « إنا كنا لكم تبعا » فيما دعوتمونا إليه من الشرك في الدنيا « فهل أنتم مغنون عنا » أي متحملون « نصيبا من النار » أي جزءا من العذاب. والتبع يكون واحدا ويكون جمعا في قول البصريين واحده تابع. وقال أهل الكوفة: هو جمع لا واحد له كالمصدر فلذلك لم يجمع ولو جمع لقيل أتباع. « قال الذين استكبروا إنا كل فيها » أي في جهنم. قال الأخفش: « كل » مرفوع بالابتداء. وأجاز الكسائي والفراء « إنا كلا فيها » بالنصب على النعت والتأكيد للمضمر في « إنا » وكذلك قرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر والكوفيون يسمون التأكيد نعتا. ومنع ذلك سيبويه؛ قال: لأن « كلا » لا تنعت ولا ينعت بها. ولا يجوز البدل فيه لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره، وقال معناه المبرد قال: لا يجوز أن يبدل من المضمر هنا؛ لأنه مخاطب ولا يبدل من المخاطَب ولا من المخاطِب؛ لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما؛ هذا نص كلامه. « إن الله قد حكم بين العباد » أي لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره؛ فكل منا كافر.

 

قوله تعالى: « وقال الذين في النار » من الأمم الكافرة. ومن العرب من يقول اللذون على أنه جمع مسلم معرب، ومن قال: « الذين » في الرفع بناه كما كان في الواحد مبنيا. وقال الأخفش: ضمت النون إلى الذي فأشبه خمسة عشر فبني على الفتح. « لخزنة جهنم » خزنة جمع خازن ويقال: خزان وخزن. « ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » « يخفف » جواب مجزوم وإن كان بالفاء كان منصوبا، إلا أن الأكثر في كلام العرب في جواب الأمر وما أشبهه أن يكون بغير فاء وعلى هذا جاء القرآن بأفصح اللغات كما قال:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

قال محمد بن كعب القرظي: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة؛ فقال الله تعالى: « وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب فردت عليهم « أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال » الخبر بطوله. وفي الحديث عن أبي الدرداء خرجه الترمذي وغيره قال: يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيأكلونه لا يغني عنهم شيئا، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيغصون به، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثوا بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة يقولون: « ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » فيجيبوهم « أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال » أي خسار وتبار.

 

الآيات: 51 - 54 ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار، ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب، هدى وذكرى لأولي الألباب )

 

قوله تعالى: « إنا لننصر رسلنا » ويجوز حذف الضمة لثقلها فيقال: « رسْلنا » والمراد موسى عليه السلام. « والذين آمنوا في الحياة الدنيا » في موضع نصب عطف على الرسل، والمراد المؤمن الذي وعظ. وقيل: هو عام في الرسل والمؤمنين، ونصرهم بإعلاء الحجج وإفلاحها في قول أبي العالية. وقيل: بالانتقام من أعدائهم. قال السدي: ما قتل قوم قط نبيا أو قوما من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله عز وجل من ينتقم لهم، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا.

 

قوله تعالى: « ويوم يقوم الأشهاد » يعني يوم القيامة. قال زيد بن أسلم: « الأشهاد » أربعة: الملائكة والنبيون والمؤمنون والأجساد. وقال مجاهد والسدي: « الأشهاد » الملائكة تشهد للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأمم بالتكذيب. وقال قتادة: الملائكة والأنبياء. ثم قيل: « الأشهاد » جمع شهيد مثل شريف وأشراف. وقال الزجاج: « الأشهاد » جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب. النحاس: ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ولا يقاس عليه ولكن ما جاء منه مسموعا أدي كما سمع، وكان على حذف الزائد. وأجاز الأخفش والفراء: « ويوم تقوم الأشهاد » بالتاء على تأنيث الجماعة. وفي الحديث عن أبي الدرداء وبعض المحدثين يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقا على الله عز وجل أن يرد عنه نار جهنم ) ثم تلا: « إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا » . وعنه عليه السلام أنه قال: ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله عز وجل يوم القيامة ملكا يحميه من النار ومن ذكر مسلما بشيء يشينه به وقفه الله عز وجل على جسر من جهنم حتى يخرج مما قال ) . « يوم » بدل من يوم الأول. « لا ينفع الظالمين معذرتهم » قرأ نافع والكوفيون « ينفع » بالياء. الباقون بالتاء. « ولهم اللعنة ولهم سوء الدار » « اللعنة » البعد من رحمة الله و « سوء الدار » جهنم.

 

قوله تعالى: « ولقد آتينا موسى الهدى » هذا دخل في نصرة الرسل في الدنيا والآخرة أي آتيناه التوراة والنبوة. وسميت التوراة هدى بما فيها من الهدى والنور؛ وفي التنزيل: « إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور » [ المائدة:44 ] . « وأورثنا بني إسرائيل الكتاب » يعني التوراة جعلناها لهم ميراثا. « هدى » بدل من الكتاب ويجوز بمعنى هو هدى؛ يعني ذلك الكتاب. « وذكرى لأولي الألباب » أي موعظة لأصحاب العقول.

الآية [ 55 ] في الصفحة التالية ...