القول في تأويل قوله : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يكذّبون ويجحدون نبوَّتك من قومك: أيُّ شيء أعظم شهادة وأكبر؟ ثم أخبرهم بأن أكبر الأشياء شهادة: « الله » ، الذي لا يجوز أن يقع في شهادته ما يجوز أن يقع في [ شهادة ] غيره من خلقه من السهو والخطأ، والغلط والكذب. ثم قل لهم: إن الذي هو أكبر الأشياء شهادة، شهيدٌ بيني وبينكم, بالمحقِّ منا من المبطل، والرشيد منا في فعله وقوله من السفيه, وقد رضينا به حكمًا بيننا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل:

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: « أيّ شيء أكبر شهادة » ، قال: أمر محمد أن يسأل قريشًا, ثم أمر أن يخبرهم فيقول: « الله شهيد بيني وبينكم » .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, نحوه .

 

القول في تأويل قوله : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الذين يكذبونك: اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ « وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به » عقابَه, وأُنذر به من بَلَغه من سائر الناس غيركم إن لم ينته إلى العمل بما فيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، والإيمان بجميعه نـزولَ نقمة الله به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: « أيّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ » ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا أيها الناس، بلِّغوا ولو آية من كتاب الله, فإنه من بَلَغه آيةٌ من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله, أخذه أو تركه.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: « لأنذركم به ومن بلغ » ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلِّغوا عن الله, فمن بلغه آيه من كتاب الله, فقد بلغه أمر الله.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب القرظي: « لأنذركم به ومن بلغ » ، قال: من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: « ومن بلغ أئنكم لتشهدون » .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن , عن حسن بن صالح قال: سألت ليثًا: هل بقي أحدٌ لم تبلغه الدعوة ؟ قال: كان مجاهد يقول: حيثما يأتي القرآنُ فهو داعٍ، وهو نذير. ثم قرأ: « لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون » .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « ومن بلغ » ، من أسلم من العجم وغيرهم .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن يزيد قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب في قوله: « لأنذركم به ومن بلغ » ، قال: من بلغه القرآن, فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: « وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به » ، يعني أهل مكة « ومن بلغ » ، يعني: ومن بلغه هذا القرآن، فهو له نذير.

حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: سمعت سفيان الثوري يحدّث, لا أعلمه إلا عن مجاهد: أنه قال في قوله: « وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به » ، العرب « ومن بلغ » ، العجم.

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « لأنذركم به ومن بلغ » ، أما « من بلغ » ، فمن بلغه القرآن فهو له نذير.

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: « وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ » ، قال يقول: من بلغه القرآن فأنا نذيره. وقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [ سورة الأعراف: 158 ] . قال: فمن بلغه القرآن, فرسول الله صلى الله عليه وسلم نذيره .

قال أبو جعفر: فمعنى هذا الكلام: لأنذركم بالقرآن، أيها المشركون، وأنذر من بلغه القرآن من الناس كلهم.

ف « من » في موضع نصب بوقوع « أنذر » عليه, « وبلغ » في صلته, وأسقطت « الهاء » العائدة على « من » في قوله: « بلغ » ، لاستعمال العرب ذلك في صلات « مَن » و « ما » و « الذي » .

 

القول في تأويل قوله : أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ( 19 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء المشركين، الجاحدين نبوَّتك, العادلين بالله، ربًّا غيره: « أئنكم » ، أيها المشركون « لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى » , يقول: تشهدون أنّ معه معبودات غيره من الأوثانَ والأصنام.

وقال: « أُخْرَى » ، ولم يقل « أخَر » ، و « الآلهة » جمع, لأن الجموع يلحقها، التأنيث, كما قال تعالى : فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [ سورة طه: 51 ] ، ولم يقل: « الأوَل » ولا « الأوَّلين » .

ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: « قل » ، يا محمد « لا أشهد » ، بما تشهدون: أن مع الله آلهة أخرى, بل أجحد ذلك وأنكره « قل إنما هو إله واحد » ، يقول: إنما هو معبود واحد, لا شريك له فيما يستوجب على خلقه من العبادة « وإنني بريء مما تشركون » ، يقول: قل: وإنني بريء من كلّ شريك تدعونه لله، وتضيفونه إلى شركته، وتعبدونه معه, لا أعبد سوى الله شيئًا، ولا أدعو غيره إلهًا.

وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت في قوم من اليهود بأعيانهم، من وجه لم تثبت صحته، وذلك ما:-

حدثنا به هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس قال، جاء النحَّام بن زيد، وقردم بن كعب، وبحريّ بن عمير فقالوا: يا محمد، ما تعلم مع الله إلهًا غيرَه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، بذلك بعثت, وإلى ذلك أدعو! فأنـزل الله تعالى فيهم وفي قولهم: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إلى قوله: لا يُؤْمِنُونَ .

 

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( 20 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين « آتيناهم الكتاب » ، التوراة والإنجيل يعرفون أنما هو إله واحد ، لا جماعة الآلهة, وأن محمدًا نبيُّ مبعوث « كما يعرفون أبناءهم » .

وقوله: « الذين خسروا أنفسهم » ، من نعت « الذين » الأولى.

ويعنى بقوله: « خسروا أنفسهم » ، أهلكوها وألقوها في نار جهنم، بإنكارهم محمدًا أنه لله رسول مرسل, وهم بحقيقة ذلك عارفون « فهم لا يؤمنون » ، يقول: فهم بخسارتهم بذلك أنفسهم لا يؤمنون.

وقد قيل: إنّ معنى « خسارتهم أنفسهم » ، أن كل عبد له منـزل في الجنة ومنـزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازلَ أهل النار في الجنة, وجعل لأهل النار منازلَ أهل الجنة في النار, فذلك خسران الخاسرين منهم، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار, بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله، وظلمهم أنفسهم, وذلك معنى قول الله تعالى ذكره: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، [ سورة المؤمنون: 11 ] .

وبنحو ما قلنا في معنى قوله: « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم » قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله : « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم » ، يعرفون أنّ الإسلام دين الله, وأن محمدًا رسول الله, يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل .

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة في قوله: « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم » ، النصارى واليهود , يعرفون رسول الله في كتابهم, كما يعرفون أبناءهم.

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم » ، [ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: « كما يعرفون أبناءهم » ، لأن نَعْته معهم في التوراة ] .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم » ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . قال: زعم أهل المدينة عن أهل الكتاب ممن أسلم, أنهم قالوا: والله لنحن أعرف به من أبنائنا، من أجل الصفة والنعت الذي نجده في الكتاب، وأما أبناؤنا فلا ندري ما أحدثَ النساء !

 

القول في تأويل قوله : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 21 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن أشدُّ اعتداءً، وأخطأ فعلا وأخطأ قولا « ممن افترى على الله كذبًا » , يعني: ممن اختلق على الله قيلَ باطل, واخترق من نفسه عليه كذبًا, فزعم أن له شريكًا من خلقه، وإلهًا يعبد من دونه - كما قاله المشركون من عبدة الأوثان - أو ادعى له ولدًا أو صاحبةً، كما قالته النصارى « أو كذب بآياته » ، يقول: أو كذب بحججه وأعلامه وأدلته التي أعطاها رسله على حقيقة نبوتهم، كذّبت بها اليهود « إنه لا يفلح الظالمون » ، يقول: إنه لا يفلح القائلون على الله الباطل, ولا يدركون البقاءَ في الجنان, والمفترون عليه الكذب، والجاحدون بنبوة أنبيائه.

 

القول في تأويل قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ( 22 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المفترين على الله كذبًا، والمكذبين بآياته, لا يفلحون اليومَ في الدنيا، ولا يوم نحشرهم جميعًا- يعني: ولا في الآخرة.

ففي الكلام محذوف قد استغني بذكر ما ظَهر عما حذف.

وتأويل الكلام: إنه لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا، « ويوم نحشرهم جميعًا » ، فقوله: « ويوم نحشرهم » , مردود على المراد في الكلام. لأنه وإن كان محذوفًا منه، فكأنه فيه، لمعرفة السامعين بمعناه « ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم » ، يقول: ثم نقول، إذا حشرنا هؤلاء المفترين على الله الكذب، بادِّعائهم له في سلطانه شريكًا، والمكذِّبين بآياته ورسله, فجمعنا جميعهم يوم القيامة « أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون » ، أنهم لكم آلهة من دون الله, افتراء وكذبًا, وتدعونهم من دونه أربابًا؟ فأتوا بهم إن كنتم صادقين !

 

القول في تأويل قوله : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( 23 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم: « أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون » ؟ إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك، إذ فتناهم فاختبرناهم, « إلا أن قالوا والله ربّنا ما كنا مشركين » ، كذبًا منهم في أيمانهم على قِيلهم ذلك.

ثم اختلف القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته جماعة من قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ ) بالتاء، بالنصب, بمعنى: لم يكن اختبارَناهم لهم إلا قيلُهم « والله ربنا ما كنا مشركين » غير أنهم يقرءون « تكن » بالتاء على التأنيث. وإن كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. وذلك عند أهل العربية شاذٌ غير فصيح في الكلام. وقد روي بيتٌ للبيد بنحو ذلك, وهو قوله:

فَمَضَــى وَقَدَّمَهَـا , وكـانت عـادةً مِنْــهُ إذا هــيَ عَــرَّدَتْ إقْدَامُهَـا

فقال: « وكانت » بتأنيث « الإقدام » ، لمجاورته قوله: « عادة » .

وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفيين: ( ثُمَّ لَمْ يَكُنْ ) بالياء، ( فِتْنَتَهُمْ ) بالنصب، ( إلا أَنْ قَالُوا ) ، بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم.

غير أنهم ذكَّروا « يكون » لتذكير « أن » .

قال أبو جعفر: وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب, لأن « أنْ » أثبت في المعرفة من « الفتنة » .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: « ثم لم تكن فتنتهم » .

فقال بعضهم : معناه: ثم لم يكن قولهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال قتادة في قوله: « ثم لم تكن فتنتهم » ، قال: مقالتهم قال معمر: وسمعت غير قتادة يقول: معذرتهم .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قوله: « ثم لم تكن فتنتهم » ، قال: قولهم .

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبى, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا » ، الآية, فهو كلامهم « قالوا والله ربنا ما كنا مشركين » .

حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك: « ثم لم تكن فتنتهم » ، يعني: كلامهم .

وقال آخرون: معنى ذلك: معذرتهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن قتادة: « ثم لم تكن فتنتهم » ، قال: معذرتهم.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين » ، يقول: اعتذارهم بالباطل والكذب.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: معناه: ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم، اعتذارًا مما سلف منهم من الشرك بالله « إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين » ، فوضعت « الفتنة » موضع « القول » ، لمعرفة السامعين معنى الكلام. وإنما « الفتنة » ، الاختبار والابتلاء ولكن لما كان الجواب من القوم غيرَ واقع هنالك إلا عند الاختبار, وضعت « الفتنة » التي هي الاختبار، موضع الخبر عن جوابهم ومعذرتهم .

واختلفت القرأة أيضًا في قراءة قوله: « إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين » .

فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: وَاللَّهِ رَبِّنَا ، خفضًا، على أن « الرب » نعت لله .

وقرأ ذلك جماعة من التابعين: ( وَاللهِ رَبَّنَا ) ، بالنصب، بمعنى: والله يا ربنا. وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة.

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ: ( وَاللهِ رَبَّنَا ) ، بنصب « الرب » , بمعنى: يا ربَّنا. وذلك أن هذا جواب من المسئولين المقول لهم: « أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون » ؟ وكان من جواب القوم لربهم: والله يا ربنا ما كنا مشركين فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك في الدنيا. يقول الله تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ .

ويعني بقوله : « ما كنا مشركين » ، ما كنا ندعو لك شريكًا، ولا ندعو سواك.

 

القول في تأويل قوله : انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 24 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر، يا محمد، فاعلم، كيف كذَب هؤلاء المشركون العادلون بربهم الأوثانَ والأصنامَ، في الآخرة عند لقاء الله على أنفسهم بقيلهم: « والله يا ربنا ما كنا مشركين » , واستعملوا هنالك الأخلاق التي كانوا بها يتخلّقون في الدنيا، من الكذب والفرية .

ومعنى « النظر » في هذا الموضع، النظر بالقلب، لا النظر بالبصر. وإنما معناه: تبين فاعلم كيف كذبوا في الآخرة .

وقال: « كذبوا » , ومعناه: يكذبون, لأنه لما كان الخبر قد مضى في الآية قبلها، صار كالشيء الذي قد كانَ ووُجد .

« وضل عنهم ما كانوا يفترون » ، يقول: وفارقهم الأنداد والأصنام، وتبرءوا منها, فسلكوا غير سبيلها، لأنها هلكت, [ وأعيد الذين كانوا يعبدونها اجتراء ] , ثم أخذوا بما كانوا يفترونه من قيلهم فيها على الله، وعبادتهم إياها، وإشراكهم إياها في سلطان الله, فضلت عنهم, وعوقب عابدُوها بفريتهم.

وقد بينا فيما مضى أن معنى « الضلال » ، الأخذ على غير الهدى.

وقد ذكر أن هؤلاء المشركين يقولون هذا القول عند معاينتهم سَعةَ رحمة الله يومئذ.

ذكر الرواية بذلك:

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عمرو, عن مطرّف, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير قال: أتى رجلٌ ابنَ عباس فقال: سمعت الله يقول: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ , وقال في آية أخرى: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ، [ سورة النساء: 42 ] ؟ قال ابن عباس: أما قوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ، فإنه لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام: قالوا: « تعالوا نجحد » ، فقالوا: « وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ » ، فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم، « وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا » .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ، قال: قول أهل الشرك، حين رأوا الذنوب تغفر, ولا يغفر الله لمشرك « انظر كيف كذبوا على أنفسهم » ، بتكذيب الله إياهم .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ، ثم قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ، [ سورة النساء: 42 ] ، بجوارحهم .

حدثنا ابن وكيع, قال ، حدثنا أبي, عن حمزة الزيات, عن رجل يقال له هشام, عن سعيد بن جبير: « ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين » ، قال : حلفوا واعتذروا, قالوا: « والله ربنا » .

حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان, عن سعيد بن جبير قال، أقسموا واعتذروا: « والله ربنا » .

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن حمزة الزيات, عن رجل يقال له هشام, عن سعيد بن جبير، بنحوه .

حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية, عن سفيان بن زياد العُصْفري, عن سعيد بن جبير في قوله: « والله ربنا ما كنا مشركين » والله : لما أمر بإخراج رجال من النار من أهل التوحيد, قال من فيها من المشركين: « تعالوا نقول: لا إله إلا الله, لعلنا نخرج مع هؤلاء » . قال: فلم يصدَّقوا . قال: فحلفوا: « والله ربنا ما كنا مشركين » . قال: فقال الله: « انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون » .

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « وضل عنهم ما كانوا يفترون » أي: يشركون.

حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا المنهال بن عمرو, عن سعيد عن جبير, عن ابن عباس في قوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ، قال: لما رأى المشركون أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم, قالوا: تعالوا إذا سئلنا قلنا: « والله ربنا ما كنا مشركين » . فسئلوا, فقالوا ذلك, فختم الله على أفواههم، وشهدت عليهم جوارحهم بأعمالهم, فودَّ الذين كفروا حين رأوا ذلك: « لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا » .

حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا مسلم بن خلف, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: يأتي على الناس يوم القيامة ساعة، لما رأوا أهلُ الشرك أهلَ التوحيد يغفر لهم فيقولون: « والله ربنا ما كنا مشركين » ، قال: « انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون » .

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز, قال حدثنا سفيان عن رجل, عن سعيد بن جبير: أنه كان يقول: « والله ربِّنا ما كنا مشركين » ، يخفضها. قال : أقسموا واعتذروا قال الحارث قال، عبد العزيز, قال سفيان مرة أخرى: حدثني هشام, عن سعيد بن جبير .

 

القول في تأويل قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء العادلين بربِّهم الأوثانَ والأصنامَ من قومك، يا محمد « من يستمع إليك » , يقول: من يستمع القرآن منك, ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك، وأمره ونهيه, ولا يفقه ما تقول ولا يُوعِيه قلبَه, ولا يتدبره، ولا يصغي له سمعه، ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنـزيله الذي أنـزله عليك, إنما يسمع صوتك وقراءَتك وكلامك, ولا يعقل عنك ما تقول، لأن الله قد جعل على قلبه « أكنّة » .

وهي جمع « كنان » ، وهو الغطاء، مثل: « سِنان » ، « وأسنة » . يقال منه: « أكننت الشيءَ في نفسي » ، بالألف, « وكننت الشيء » ، إذا غطيته, ومن ذلك: بَيْضٌ مَكْنُونٌ ، [ سورة الصافات: 49 ] ، وهو الغطاء, ومنه قول الشاعر:

تَحْــــتَ عَيْــــنٍ, كِنَانُنَـــا ظِــــلُّ بُــــرْدٍ مُرَحَّــــلُ

يعني: غطاؤُهم الذي يكنُهم.

« وفي آذانهم وقرًا » ، يقول تعالى ذكره: وجعل في آذانهم ثِقلا وصممًا عن فهم ما تتلو عليهم، والإصغاء لما تدعوهم إليه.

والعرب تفتح « الواو » من « الوَقْر » في الأذن، وهو الثقل فيها وتكسرها في الحمل فتقول: « هو وِقْرُ الدابة » . ويقال من الحمل: « أوقرْتُ الدَّابة فهي مُوقَرة » ومن السمع: « وَقَرْتُ سمعه فهو موقور » , ومنه قول الشاعر:

وَلِي هَامَةٌ قَدْ وَقَّر الضَّرْبُ سَمْعَهَا

وقد ذكر سماعًا منهم: « وُقِرَتْ أذنه » ، إذا ثقلت « فهي موقورة » « وأوقرتِ النخلةُ، فهي مُوقِر » كما قيل: « امرأة طامث، وحائض » , لأنه لا حظّ فيه للمذكر. فإذا أريد أن الله أوقرها، قيل « مُوقَرةٌ » .

وقال تعالى ذكره: « وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه » ، بمعنى: أن لا يفقهوه, كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [ سورة النساء: 176 ] ، بمعنى: أن لا تضلوا, لأن « الكنّ » إنما جعل على القلب، لئلا يفقهه، لا ليفقهه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة: « وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا » ، قال: يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئًا, كمثل البهيمة التي تسمع النداء، ولا تدري ما يُقَال لها.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: « وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا » ، أما « أكنة » ، فالغطاءُ أكنّ قلوبهم، لا يفقهون الحق « وفي آذانهم وقرًا » ، قال: صمم .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: « ومنهم من يستمع إليك » ، قال: قريش .

حدثني المثنى قال، حدثنا حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

 

القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( 25 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : وإن ير هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام, الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك « كل آية » ، يقول: كل حجة وعلامة تدلُّ أهل الحجَا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبوتك « لا يؤمنوا بها » ، يقول: لا يصدّقون بها، ولا يقرّون بأنها دالّة على ما هي عليه دالة « حتى إذا جاءوك يجادلونك » ، يقول: حتى إذا صاروا إليك بعد معاينتهم الآيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به « يجادلونك » , يقول: يخاصمونك « يقول الذين كفروا » ، يعنى بذلك: الذين جحدوا آيات الله وأنكروا حقيقتها, يقولون لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا حجج الله التي احتجَّ بها عليهم، وبيانَه الذي بيَّنه لهم « إن هذا إلا أساطير الأوّلين » ، أي: ما هذا إلا أساطير الأوّلين.

و « الأساطير » جمع « إسْطارة » و « أُسطُورة » مثل « أفكوهة » و « أضحوكة » وجائز أن يكون الواحد « أسطارًا » مثل « أبيات » ، و « أبابيت » ، و « أقوال وأقاويل » , من قول الله تعالى ذكره: وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ، [ سورة الطور: 2 ] . من: « سَطَرَ يَسْطُرُ سَطْرا » .

فإذ كان من هذا: فإن تأويله: ما هذا إلا ما كتبه الأوَّلون.

وقد ذكر عن ابن عباس وغيره أنهم كانوا يتأوّلونه بهذا التأويل, ويقولون: معناه: إنْ هذا إلا أحاديث الأوّلين .

حدثني بذلك المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس .

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي, أمّا « أساطير الأوّلين » ، فأسَاجيع الأولين.

وكان بعض أهل العلم وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى بكلام العرب يقول: « الإسطارةُ » لغةٌ، ومجازُها مجازُ الترهات.

وكان الأخفش يقول: قال بعضهم : واحده « أسطورة » . وقال بعضهم: « إسطارة » . قال: ولا أراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد, نحو « العباديد » و « المَذَاكير » ، و « الأبابيل » . قال : وقال بعضهم: واحد « الأبابيل » ، « إبِّيل » ، وقال بعضهم: « إبَّوْل » مثل « عِجَّوْل » , ولم أجد العرب تعرف له واحدًا, وإنما هو مثل « عباديد » لا واحد لها. وأما « الشَّماطيط » ، فإنهم يزعمون أن واحده « شمطاط » . قال: وكل هذه لها واحد, إلا أنه لم يستعمل ولم يتكلم به, لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعًا. قال: وسمعت العرب الفصحاء تقول: « أرسل خيله أبابيل » , تريد جماعات, فلا تتكلم بها بواحدة. وكانت مجادلتهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها الله في هذه الآية، فيما ذُكِر, ما:-

حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « حتى إذا جاءوك يجادلونك » الآية، قال: هم المشركون، يجادلون المسلمين في الذَّبيحة, يقولون: « أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون, وأما ما قتل الله فلا تأكلون! وأنتم تتَّبعون أمرَ الله تعالى ذكره » !

 

القول في تأويل قوله : وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( 26 )

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » .

فقال بعضهم: معناه: هؤلاء المشركون المكذبون بآيات الله, ينهونَ الناس عن اتباع محمّد صلى الله عليه وسلم والقبول منه « وينأَوْن عنه » ، يتباعدون عنه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث وهانئ بن سعيد، عن حجاج, عن سالم, عن ابن الحنفية: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، قال: يتخلفون عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجيبونه, وينهون الناس عنه.

حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، يعني : ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به « وينأون عنه » ، يعني : يتباعدون عنه.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، أن يُتَّبع محمد، ويتباعدون هم منه.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، يقول: لا يلقونَه, ولا يَدَعُون أحدًا يأتيه.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول في قوله: « وهم ينهون عنه » ، يقول: عن محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، جمَعُوا النهي والنأي. و « النأي » ، التباعد. وقال بعضهم: بل معناه: « وهم ينهون عنه » عن القرآن، أن يسمع له ويُعمَل بما فيه.

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: « وهم ينهون عنه » ، قال: ينهون عن القرآن, وعن النبي صلى الله عليه وسلم « وينأون عنه » ، ويتباعدون عنه.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: « وهم ينهون عنه » ، قال: قريش، عن الذكر « وينأون عنه » ، يقول: يتباعدون .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، قريش، عن الذكر. « ينأون عنه » ، يتباعدون.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، قال: ينهون عن القرآن، وعن النبي صلى الله عليه وسلم, ويتباعدون عنه.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « ينأون عنه » ، قال: « وينأون عنه » ، يباعدونه.

وقال آخرون: معنى ذلك: وهم ينهون عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم « وينأون عنه » ، يتباعدون عن دينه واتّباعه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع وقبيصة وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت, عمن سمع ابن عباس يقول: نـزلت في أبي طالب, كان ينهى عن محمد أن يُؤذَى، وينأى عما جاء به أن يؤمن به .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، قال: نـزلت في أبي طالب، ينهى عنه أن يؤذى، وينأى عما جاء به.

حدثنا الحسن بن يحيى, قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن حبيب بن أبي ثابت, عمن سمع ابن عباس: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، قال: نـزلت في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذُوا محمدًا, وينأى عمّا جاء به.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن القاسم بن مخيمرة قال: كان أبو طالب ينهى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصدِّقه.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ومحمد بن بشر, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن القاسم بن مخيمرة في قوله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، قال: نـزلت في أبي طالب قال ابن وكيع، قال ابن بشر: كان أبو طالب ينهي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذَى ولا يصدّق به.

حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير, عن أبي محمد الأسدي, عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول في قول الله تعالى ذكره: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، نـزلت في أبي طالب، كان ينهى عن أذى محمد, وينأى عما جاء به أن يتّبعه.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن القاسم بن مخيمرة في قوله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، قال: نـزلت في أبي طالب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله بن موسى, عن عبد العزيز بن سياه, عن حبيب قال: ذاك أبو طالب, في قوله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » .

حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني سعيد بن أبي أيوب قال، قال عطاء بن دينار في قول الله: « وهم ينهون عنه وينأون عنه » ، أنها نـزلت في أبي طالب, أنه كان ينهى الناسَ عن إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينأى عما جاء به من الهدى.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية, قولُ من قال: تأويلُه: « وهم ينهون عنه » ، عن إتباع محمد صلى الله عليه وسلم مَنْ سواهم من الناس, وينأون عن اتباعه.

وذلك أن الآيات قبلَها جرت بذكر جماعة المشركين العادِلين به, والخبرِ عن تكذيبهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، والإعراض عما جاءهم به من تنـزيل الله ووحيه, فالواجب أن يكون قوله: « وهم ينهون عنه » ، خبرًا عنهم, إذ لم يأتنا ما يدُلُّ على انصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. بل ما قبل هذه الآية وما بعدها، يدلّ على صحة ما قلنا، من أن ذلك خبر عن جماعة مشركي قوم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يكون خبرًا عن خاصٍّ منهم .

وإذ كان ذلك كذلك, فتأويل الآية: وإن يرَ هؤلاء المشركون، يا محمد، كلَّ آية لا يؤمنوا بها, حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقولون: « إن هذا الذي جئتنا به إلا أحاديث الأوَّلين وأخبارهم » ! وهم ينهون عن استماع التنـزيل، وينأون عنك فيبعدون منك ومن اتباعك « وإن يهلكون إلا أنفسهم » ، يقول: وما يهلكونَ بصدّهم عن سبيل الله، وإعراضهم عن تنـزيله، وكفرهم بربهم - إلا أنفسهم لا غيرها, وذلك أنهم يكسِبُونها بفعلهم ذلك، سخط الله وأليم عقابه، وما لا قِبَل لها به « وما يشعرون » ، يقول: وما يدرون ما هُمْ مكسبوها من الهلاك والعطب بفعلهم.

والعرب تقول لكل من بعد عن شيء: « قد نأى عنه, فهو ينأى نَأْيًا » . ومسموع منهم: « نأيتُكَ » ، بمعنى: « نأيت عنك » . وأما إذا أرادوا: أبعدتُك عني, قالوا: « أنأيتك » . ومن « نأيتك » بمعنى: نأيتُ عنك، قول الحطيئة:

نَــــأَتْكَ أُمَامَـــةُ إلا سُـــؤَالا وَأَبْصَــرْتَ مِنْهَــا بِطَيْـفٍ خَيَـالا

 

القول في تأويل قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 27 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: « ولو ترى » ، يا محمد، هؤلاء العادلين بربهم الأصنامَ والأوثانَ، الجاحدين نبوّتك، الذين وصفت لك صفتهم « إذ وُقفوا » ، يقول: إذ حُبِسوا « على النار » ، يعني: في النار- فوضعت « على » موضع « في » كما قال: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [ سورة البقرة: 102 ] ، بمعنى في ملك سليمان.

وقيل: « ولو ترى إذ وقفوا » ، ومعناه: إذا وقفوا لما وصفنا قبلُ فيما مضى: أن العرب قد تضع « إذ » مكان « إذا » , و « إذا » مكان « إذ » , وإن كان حظّ « إذ » أن تصاحب من الأخبار ما قد وُجد فقضي, وحظ « إذا » أن تصاحب من الأخبار ما لم يوجد, ولكن ذلك كما قال الراجز، وهو أبو النجم:

مَــدَّ لَنَــا فِـي عُمْـرِهِ رَبُّ طَهَـا ثُــمَّ جَــزَاهُ اللـهُ عَنَّـا إذْ جَـزَى

جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلالِيِّ العُلَى

فقال: « ثم جزاه الله عنا إذ جزى » فوضع، « إذ » مكان « إذا » .

وقيل: « وقفوا » ، ولم يُقَل: « أُوقِفوا » , لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب. يقال: « وقَفتُ الدابة وغيرها » ، بغير ألف، إذا حبستها. وكذلك: « وقفت الأرضَ » ، إذا جعلتها صدقةً حَبيسًا, بغير ألف، وقد:-

حدثني الحارث, عن أبي عبيد قال: أخبرني اليزيديّ والأصمعي، كلاهما, عن أبي عمرو قال: ما سمعت أحدًا من العرب يقول: « أوقفت الشيء » بالألف. قال: إلا أني لو رأيت رجلا بمكانٍ فقلت: « ما أوقفك ها هنا؟ » ، بالألف، لرأيته حسنًا.

« فقالوا يا ليتنا نردّ » ، يقول: فقال هؤلاء المشركون بربهم، إذ حُبسوا في النار: « يا ليتنا نردّ » ، إلى الدنيا حتى نتوب ونراجعَ طاعة الله « ولا نكذب بآيات ربنا » ، يقول: ولا نكذّب بحجج ربنا ولا نجحدها « ونكون من المؤمنين » ، يقول: ونكون من المصدّقين بالله وحججه ورسله, متَّبعي أمره ونهيه.

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة والعراقيين: ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، بمعنى: يا ليتنا نردُّ, ولسنا نكذب بآيات ربنا، ولكنّا نكون من المؤمنين.

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفة : يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، بمعنى: يا ليتنا نرد, وأن لا نكذب بآيات ربنا، ونكونَ من المؤمنين. وتأوَّلوا في ذلك شيئًا:-

حدثنيه أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج, عن هارون قال: في حرف ابن مسعود: ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلا نُكَذِّبَ ) بالفاء .

وذكر عن بعض قرأة أهل الشام، أنه قرأ ذلك: ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ ) بالرفع ( وَنَكُونَ ) بالنصب، كأنه وجَّه تأويله إلى أنهم تمنوا الردَّ، وأن يكونوا من المؤمنين, وأخبروا أنهم لا يكذِّبون بآيات ربهم إن رُدُّوا إلى الدنيا .

واختلف أهل العربية في معنى ذلك منصوبًا ومرفوعًا.

فقال بعض نحويي البصرة: « ولا نكذِّبَ بآيات ربِّنا ونكونَ من المؤمنين » ، نصبٌ، لأنه جواب للتمني, وما بعد « الواو » كما بعد « الفاء » . قال: وإن شئت رفعتَ وجعلته على غير التمني, كأنهم قالوا: ولا نكذِّبُ والله بآيات ربنا, ونكونُ والله من المؤمنين. هذا، إذا كان على ذا الوجه، كان منقطعًا من الأوّل. قال: والرفع وجهُ الكلام , لأنه إذا نصب جعلها « واوَ » عطف. فإذا جعلها « واو » عطف, فكأنهم قد تمنوا أن لا يكذِّبوا، وأن يكونوا من المؤمنين. قال: وهذا، والله أعلم، لا يكون, لأنهم لم يتمنوا هذا, إنما تمنوا الردّ , وأخبروا أنهم لا يكذبون، ويكونون من المؤمنين.

وكان بعض نحويي الكوفة يقول: لو نصب « نكذب » و « نكون » على الجواب بالواو، لكان صوابًا. قال: والعرب تجيب ب « الواو » ، و « ثم » , كما تجيب بالفاء. يقولون: « ليت لي مالا فأعطيَك » , « وليت لي مالا وأُعْطيَك » ، « وثم أعطيَك » . قال: وقد تكون نصبًا على الصَّرف, كقولك: « لا يَسَعُنِي شيء ويعجِزَ عَنك. »

وقال آخر منهم: لا أحبُّ النصب في هذا, لأنه ليس بتمنٍّ منهم, إنما هو خبرٌ، أخبروا به عن أنفسهم. ألا ترى أن الله تعالى ذكره قد كذَّبهم فقال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ؟ وإنما يكون التكذيب للخبر لا للتمنِّي.

وكان بعضهم ينكر أن يكون الجواب « بالواو » , وبحرف غير « الفاء » . وكان يقول: إنما « الواو » موضع حال, لا يسعني شيء ويضيقَ عنك « ، أي: وهو يضيق عنك. قال: وكذلك الصَّرف في جميع العربية. قال: وأما « الفاء » فجواب جزاء: » ما قمت فنأتيَك « ، أي: لو قمت لأتينَاك. قال: فهذا حكم الصرف و « الفاء » . قال: وأمّا قوله: » ولا نكذب « ، و » نكون « فإنما جاز, لأنهم قالوا: » يا ليتنا نرد « ، في غير الحال التي وقفنا فيها على النار. فكان وقفهم في تلك, فتمنَّوا أن لا يكونوا وُقِفُوا في تلك الحال. »

قال أبو جعفر: وكأنّ معنى صاحب هذه المقالة في قوله هذا: ولو ترى إذ وقفوا على النار, فقالوا: قد وقفنا عليها مكذِّبين بآيات ربِّنا كفارًا, فيا ليتنا نردّ إليها فنُوقَف عليها غير مكذبين بآيات ربِّنا ولا كفارًا.

وهذا تأويلٌ يدفعه ظاهر التنـزيل, وذلك قول الله تعالى ذكره: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ، فأخبر الله تعالى أنهم في قيلهم ذلك كذبة, والتكذيب لا يقع في التمني. ولكن صاحب هذه المقالة أظنُّ به أنَّه لم يتدبر التأويل، ولَزِم سَنَن العربيّة.

قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك: ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) بالرفع في كليهما, بمعنى: يا ليتنا نردّ, ولسنا نكذب بآيات ربِّنا إن رددنا, ولكنا نكون من المؤمنين على وجه الخبر منهم عما يفعلون إن هم ردُّوا إلى الدنيا, لا على التمنّي منهم أن لا يكذِّبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين. لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أنهم لو ردُّوا لعادوا لما نهوا عنه, وأنهم كذبة في قيلهم ذلك. ولو كان قيلهم ذلك على وجه التمني، لاستحال تكذيبهم فيه, لأن التمني لا يكذَّب, وإنما يكون التصديقُ والتكذيبُ في الأخبار.

وأما النصب في ذلك, فإني أظنّ بقارئه أنه توخَّى تأويل قراءة عبد الله التي ذكرناها عنه, وذلك قراءته ذلك: ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، على وجه جواب التمني بالفاء. وهو إذا قرئ بالفاء كذلك، لا شك في صحة إعرابه. ومعناه في ذلك: أن تأويله إذا قرئ كذلك: لو أنّا رددنا إلى الدنيا ما كذَّبنا بآيات ربِّنا, ولكُنَّا من المؤمنين. فإن يكن الذي حَكَى من حكى عن العرب من السماع منهم الجوابَ بالواو، و « ثم » كهيئة الجواب بالفاء، صحيحًا, فلا شك في صحّة قراءة من قرأ ذلك: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ نصبًا على جواب التمني بالواو, على تأويل قراءة عبد الله ذلك بالفاء. وإلا فإن القراءة بذلك بعيدةُ المعنى من تأويل التنـزيل. ولستُ أعلم سماعَ ذلك من العرب صحيحًا, بل المعروف من كلامها: الجوابُ بالفاء، والصرفُ بالواو.