القول في تأويل قوله : وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ

قال أبو جعفر: اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله: ( وما لكم أن لا تأكلوا ) .

فقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا. قال: وذلك نظير قوله: وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ ، [ سورة البقرة: 246 ] . يقول: أيّ شيء لنا في ترك القتال؟ قال: ولو كانت « لا » ، زائدة لا يقع الفعل. ولو كانت في معنى: « وما لنا وكذا » , لكانت: وما لنا وأن لا نقاتل .

وقال غيره: إنما دخلت « لا » للمنع, لأن تأويل « ما لك » , و « ما منعك » واحد. « ما منعك لا تفعل ذلك » , و « ما لك لا تفعل » ، واحد. فلذلك دخلت « لا » . قال: وهذا الموضع تكون فيه « لا » ، وتكون فيه « أنْ » ، مثل قوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ، [ سورة النساء: 176 ] ، و « أن لا تضلوا » ، يمنعكم من الضلال بالبيان .

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: معنى قوله: ( وما لكم ) ، في هذا الموضع: وأيُّ شيء يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه؟ وذلك أنّ الله تعالى ذكره تقدّم إلى المؤمنين بتحليل ما ذكر اسم الله عليه، وإباحة أكل ما ذبح بدينه أو دين من كان يدين ببعض شرائع كتبه المعروفة, وتحريم ما أهلّ به لغيره، من الحيوان وزجرهم عن الإصغاء لما يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض من زخرف القول في الميتة والمنخنقة والمتردية, وسائر ما حرم الله من المطاعم . ثم قال: وما يمنعكم من أكل ما ذبح بديني الذي ارتضيته, وقد فصّلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون, وبينته لكم بقولي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْـزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ، إلى قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ ، [ سورة المائدة: 3 ] ، فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله, فتتمنعوا من أكل حلاله حذرًا من مواقعة حرامه .

فإذ كان ذلك معناه، فلا وجه لقول متأوِّلي ذلك: « وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا » ، لأن ذلك إنما يقال كذلك، لمن كان كفَّ عن أكله رجاء ثواب بالكفّ عن أكله, وذلك يكون ممن آمن بالكفّ فكف اتّباعًا لأمر الله وتسليمًا لحكمه. ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة كفَّ عن أكل ما أحل الله من الذبائح رجاء ثواب الله على تركه ذلك, واعتقادًا منه أن الله حرَّمه عليه . فبيّنٌ بذلك، إذ كان الأمر كما وصفنا، أن أولى التأويلين في ذلك بالصواب ما قلنا .

وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى قوله: « فصَّل » , و « فَصَّلْنَا » و « فُصِّل » بيَّن, أو بُيِّن, بما يغني عن إعادته في هذا الموضع كما:-

حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) ، يقول: قد بين لكم ما حرم عليكم .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب, عن ابن زيد, مثله .

واختلفت القرأة في قول الله جل ثناؤه: ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) .

فقرأه بعضهم بفتح أول الحرفين من « فَصَّلَ » و « حَرَّم » ، أي: فصّل ما حرّمه من مطاعمكم, فبيَّنه لكم .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: ( وَقَدْ فَصَّلَ ) بفتح فاء « فصل » وتشديد صاده, « مَا حُرِّمَ » ، بضم حائه وتشديد رائه, بمعنى: وقد فصل الله لكم المحرَّم عليكم من مطاعمكم .

وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين: « وَقَدْ فُصِّلَ لَكَمْ » ، بضم فائه وتشديد صاده، « مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ » ، بضم حائه وتشديد رائه, على وجه ما لم يسمَّ فاعله في الحرفين كليهما .

وروي عن عطية العوفي أنه كان يقرأ ذلك: « وَقَدْ فَصَلَ » ، بتخفيف الصاد وفتح الفاء, بمعنى: وقد أتاكم حكم الله فيما حَرَّم عليكم .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن كل هذه القراءات الثلاث التي ذكرناها، سوى القراءة التي ذكرنا عن عطية، قراءات معروفات مستفيضةٌ القراءةُ بها في قرأة الأمصار, وهن متّفقات المعاني غير مختلفات, فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ فيه الصوابَ .

وأما قوله: ( إلا ما اضطررتم إليه ) ، فإنه يعني تعالى ذكره: أن ما أضطررنا إليه من المطاعم المحرّمة التي بيَّن تحريمها لنا في غير حال الضرورة، لنا حلال ما كنا إليه مضطرين, حتى تزول الضرورة . كما:-

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( إلا ما اضطررتم إليه ) ، من الميتة .

 

القول في تأويل قوله : وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ( 119 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن كثيرًا من الناس [ الذين ] يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم، أيها المؤمنون بالله، من الميتة، ليُضلون أتباعهم بأهوائهم من غير علم منهم بصحة ما يقولون, ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون, إلا ركوبًا منهم لأهوائهم, واتباعًا منهم لدواعي نفوسهم, اعتداءً وخلافًا لأمر الله ونهيه, وطاعة للشياطين ( إن ربك هو أعلم بالمعتدين ) ، يقول: إن ربك، يا محمد، الذي أحلَّ لك ما أحلَّ وحرَّم عليك ما حرم, هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها, وهو لهم بالمرصاد .

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ( ليضلون ) .

فقرأته عامة أهل الكوفة: ( لَيُضِلُّونَ ) ، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم .

وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين: « لَيَضِلُّونَ » ، بمعنى: أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه .

قال أبو جعفر: وأَولى القراءتين بالصواب في ذلك, قراءةُ من قرأ: ( وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ ) ، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبرَ نبيه صلى الله عليه وسلم عن إضلالهم من تبعهم، ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعونه إليه, فقال: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم, ونهاهم من قبول قولهم عن مثل الذي نهاه عنه, فقال لهم: وإن كثيرًا منهم ليضلونكم بأهوائهم بغير علم نظيرَ الذي قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ .

 

القول في تأويل قوله : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ودعوا، أيها الناس، علانية الإثم، وذلك ظاهره وسرّه، وذلك باطنه، . كذلك:-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، أي: قليله وكثيره، وسرّه وعلانيته .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال: سره وعلانيته .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس في قوله: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، يقول: سره وعلانيته وقوله: مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، [ سورة الأعراف: 33 ] ، قال: سره وعلانيته .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس في قوله: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال: نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه، أن يعمل به سرًّا أو علانية, وذلك ظاهره وباطنه .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، معصية الله في السر والعلانية .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال: هو ما ينوي مما هو عامل .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالظاهر من الإثم والباطن منه، في هذا الموضع.

فقال بعضهم: « الظاهر منه » ، ما حرم جل ثناؤه بقوله: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ، [ سورة النساء: 22 ] ، وقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ الآية, و « الباطن منه » ، الزنى .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير في قوله: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال: الظاهر منه: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ والأمهات والبنات والأخوات « والباطن » . الزنى .

وقال آخرون: « الظاهر » ، أولات الرايات من الزواني ، والباطن: ذوات الأخدان .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) أما « ظاهره » ، فالزواني في الحوانيت ، وأما « باطنه » ، فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرًّا .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، [ سورة الأنعام: 151 ] . كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى, ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا, فحرّم الله السر منه والعلانية « ما ظهر منها » ، يعني العلانية « وما بطن » ، يعني: السر .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبي مكين وأبيه, عن خصيف, عن مجاهد: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، قال: « ما ظهر منها » ، الجمع بين الأختين, وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده « وما بطن » ، الزنى .

وقال آخرون: « الظاهر » ، التعرّي والتجرد من الثياب، وما يستر العورة في الطواف « والباطن » ، الزنى .

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، قال: ظاهره العُرْيَة التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت ، وباطنه: الزنى .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه، وذلك سره وعلانيته. و « الإثم » كل ما عُصِي الله به من محارمه, وقد يدخل في ذلك سرُّ الزنى وعلانيته, ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهن, ونكاحُ حلائل الآباء والأمهات والبنات, والطواف بالبيت عريانًا, وكل معصية لله ظهرت أو بطنت . وإذ كان ذلك كذلك, وكان جميعُ ذلك « إثمًا » , وكان الله عمّ بقوله: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن لم يكن لأحد أن يخصّ من ذلك شيئًا دون شيء، إلا بحجة للعذر قاطعة .

غير أنه لو جاز أن يوجَّه ذلك إلى الخصوص بغير برهان, كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع، ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم, وما بيَّن الله تحريمه في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إلى آخر الآية, أولى, إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى، وهذه في سياقها. ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك, وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله, فخرج الأمر عامًا بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم .

 

القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ( 120 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين يعملون بما نَهاهم الله عنه، ويركبون معاصيَ الله ويأتون ما حرَّم الله ( سيجزون ) ، يقول: سيثيبهم الله يوم القيامة بما كانوا في الدنيا يعملون من معاصيه .

 

القول في تأويل قوله : وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ( 121 )

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، لا تأكلوا، أيها المؤمنون، مما مات فلم تذبحوه أنتم، أو يذبحه موحِّدٌ يدين لله بشرائع شَرَعها له في كتاب منـزل، فإنه حرام عليكم ولا ما أهلَّ به لغير الله مما ذبَحه المشركون لأوثانهم, فإن أكل ذلك « فسق » , يعني: معصية كفر .

فكنى بقوله: « وإنه » ، عن « الأكل » , وإنما ذكر الفعل, كما قال: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ، [ سورة آل عمران: 173 ] يراد به، فزاد قولُهم ذلك إيمانًا, فكنى عن « القول » , وإنما جرى ذكره بفعلٍ .

( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) .

اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) ، فقال بعضهم: عنى بذلك شياطين فارسَ ومن على دينهم من المجوس ( إلى أوليائهم ) ، من مردة مشركي قريش, يوحون إليهم زخرف القول، بجدالِ نبي الله وأصحابه في أكل الميتة .

ذكر من قال ذلك:

حدثني عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري قال، حدثنا موسى بن عبد العزيز القنباريّ قال، حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة: لما نـزلت هذه الآية، بتحريم الميتة، قال: أوحت فارس إلى أوليائها من قريشٍ أنْ خاصموا محمدًا وكانت أولياءهم في الجاهلية وقولوا له: أوَ ما ذبحتَ فهو حلال, وما ذَبح الله قال ابن عباس: بِشمْشَارٍ من ذهب فهو حرام ! ! فأنـزل الله هذه الآية: ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) ، قال: الشياطين: فارس, وأولياؤهم قريش .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال عمرو بن دينار, عن عكرمة: « إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم وكاتبتهم فارس, وكتبت فارسُ إلى مشركي قريش إن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله, فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله محمد وأصحابه للميتة وأمّا ما ذبحوا هم يأكلون » ! وكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد عليه السلام, فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء, فنـزلت: ( وإنه لفسقٌ وإن الشياطين ليوحون ) الآية, ونـزلت: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا . [ سورة الأنعام: 112 ]

وقال آخرون: إنما عنى بالشياطين الذين يغرُون بني آدم: أنهم أوحوا إلى أوليائهم من قريش .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن سماك, عن عكرمة قال: كان مما أوحى الشياطين إلى أوليائهم من الإنس: كيف تعبدون شيئًا لا تأكلون مما قَتَل, وتأكلون أنتم ما قتلتم؟ فرُوِي الحديث حتى بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم, فنـزلت: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) ، قال: إبليسُ الذي يوحي إلى مشركي قريش قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قال: شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس: « يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم » قال ابن جريج, عن عبد الله بن كثير قال: سمعت أنَّ الشياطين يوحون إلى أهل الشرك، يأمرونهم أن يقولوا: ما الذي يموتُ، وما الذي تذبحون إلا سواء ! يأمرونهم أن يخاصِمُوا بذلك محمدًا صلى الله عليه وسلم ( وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون ) ، قال: قولُ المشركين أمّا ما ذبح الله، للميتة، فلا تأكلون, وأمّا ما ذبحتم بأيديكم فحلال !

حدثنا محمد بن عمار الرازي قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال، حدثنا شريك, عن سماك بن حرب, عن عكرمة, عن ابن عباس: إن المشركين قالوا للمسلمين: ما قتل ربّكم فلا تأكلون, وما قتلتم أنتم تأكلونه ! فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: لما حرم الله الميتة، أمر الشيطان أولياءَه فقال لهم: ما قتل الله لكم، خيرٌ مما تذبحون أنتم بسكاكينكم! فقال الله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .

حدثنا يحيى بن داود الواسطي قال، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق, عن سفيان, عن هارون بن عنترة, عن أبيه, عن ابن عباس قال: جادل المشركون المسلمين فقالوا: ما بال ما قتلَ الله لا تأكلونه، وما قتلتم أنتم أكلتموه! وأنتم تتبعون أمر الله ! فأنـزل الله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) ، إلى آخر الآية .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) ، يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه, وما ذبحتم أنتم فكلوه ! فأنـزل الله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد, عن يزيد, عن عكرمة: أن ناسًا من المشركين دخلُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت، من قَتَلها؟ فقال: اللهُ قتلها . قالوا: فتزعم أن ما قتلتَ أنت وأصحابُك حلالٌ, وما قتله الله حرام! فأنـزل الله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, عن الحضرمي: أن ناسًا من المشركين قالوا: أما ما قتل الصقر والكلب فتأكلونه, وأما ما قتل الله فلا تأكلونه !

حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ، قال: قالوا: يا محمد, أمّا ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه, وأمّا ما قتل ربُّكم فتحرِّمونه ! فأنـزل الله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ، وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه, إنكم إذًا لمشركون .

حدثنا المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك قال: قال المشركون: ما قتلتم فتأكلونه, وما قتل ربكم لا تأكلونه ! فنـزلت: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ، قول المشركين: أما ما ذبح الله للميتة فلا تأكلون منه, وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال !

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) ، قال: جادلهم المشركون في الذبيحة فقالوا: أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه, وأما ما قتل الله فلا تأكلونه ! يعنون « الميتة » ، فكانت هذه مجادلتهم إياهم .

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) الآية, يعني عدوّ الله إبليس, أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة فقولوا: « أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون, وأما ما قتل الله فلا تأكلون, وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمرَ الله » ! فأنـزل الله على نبيه: ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ، وإنا والله ما نعلمه كان شرك قط إلا بإحدى ثلاث: أن يدعو مع الله إلهًا آخر, أو يسجد لغير الله, أو يسمي الذبائح لغير الله .

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله, وما ذبح الله فلا تأكلونه, وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال الله: لئن أطعتموهم فأكلتم الميتة، إنكم لمشركون .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) ، قال: كانوا يقولون: ما ذكر الله عليه وما ذبحتم فكلوا ! فنـزلت: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) إلى قوله: ( ليجادلوكم ) ، قال يقول: يوحي الشياطين إلى أوليائهم: تأكلون ما قتلتم, ولا تأكلون مما قتل الله! فقال: إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه, وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) ، هذا في شأن الذبيحة. قال: قال المشركون للمسلمين: تزعمون أن الله حرم عليكم الميتة, وأحل لكم ما تذبحون أنتم بأيديكم, وحرم عليكم ما ذبح هو لكم ؟ وكيف هذا وأنتم تعبدونه! فأنـزل الله هذه الآية: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، إلى قوله: ( لمشركون ) .

وقال آخرون: كان الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قومًا من اليهود .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى وسفيان بن وكيع قالا حدثنا عمران بن عيينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال ابن عبد الأعلى: خاصمت اليهودُ النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن وكيع: جاءت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نأكل ما قتلنا, ولا نأكل ما قتل الله ! فأنـزل الله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنّ الشياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة، بما ذكرنا من جدالهم إياهم وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الإنس وجائز أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك, كما أخبر الله عنهما في الآية الأخرى التي يقول فيها: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ، [ سورة الأنعام: 112 ] . بل ذلك الأغلب من تأويله عندي, لأن الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجن والإنس, كما جعل لأنبيائه من قبله، يوحي بعضهم إلى بعض المزيَّنَ من الأقوال الباطلة, ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرمَ الله من الميتة عليهم .

واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله جل ثناؤه بنهيه عن أكله مما لم يذكر اسم الله عليه.

فقال بعضهم: هو ذبائح كانت العرب تذبحها لآلهتها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما قوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ؟ قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح . قلت لعطاء: فما قوله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ؟ قال: ينهى عن ذبائح كانت في الجاهلية على الأوثان، كانت تذبحها العرب وقريش .

وقال آخرون: هي الميتة .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، قال: الميتة .

وقال آخرون: بل عنى بذلك كلَّ ذبيحة لم يذكر اسمُ الله عليها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن جَهِير بن يزيد قال: سُئِل الحسن, سأله رجل قال له: أُتِيتُ بطيرِ كَرًى, فمنه ما ذبح فذكر اسم الله عليه, ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه، واختلط الطير؟ فقال الحسن: كُلْه، كله ! قال: وسألت محمد بن سيرين فقال: قال الله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن أيوب وهشام, عن محمد بن سيرين, عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كلوا من ذبائح أهل الكتاب والمسلمين, ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون, عن أشعث, عن ابن سيرين, عن عبد الله بن يزيد قال: كنت أجلس إليه في حلقة, فكان يجلس فيها ناس من الأنصار هو رأسهم, فإذا جاء سائل فإنما يسأله ويسكتون . قال: فجاءه رجل فسأله, فقال: رجل ذبح فنسي أن يسمِّي؟ فتلا هذه الآية: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، حتى فرغ منها .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عنى بذلك ما ذُبح للأصنام والآلهة, وما مات أو ذبحه من لا تحلّ ذبيحته .

وأما من قال: « عنى بذلك: ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله » , فقول بعيد من الصواب، لشذوذه وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله, وكفى بذلك شاهدًا على فساده . وقد بينا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى: « لطيف القول في أحكام شرائع الدين » ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

وأما قوله « ( وإنه لفسق ) ، فإنه يعني: وإنّ أكْل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة، وما أهل به لغير الله، لفسق » .

واختلف أهل التأويل في معنى: « الفسق » ، في هذا الموضع.

فقال بعضهم: معناه: المعصية .

فتأويل الكلام على هذا: وإنّ أكلَ ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية لله وإثم .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( وإنه لفسق ) ، قال: « الفسق » ، المعصية .

وقال آخرون: معنى ذلك: الكفر .

وأما قوله: ( وإن الشياطين ليوحون إلي أوليائهم ) ، فقد ذكرنا اختلاف المختلفين في المعنيّ بقوله: ( وإن الشياطين ليوحون ) ، والصوابَ من القول فيه وأما إيحاؤهم إلى أوليائهم, فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه: إما بقول, وإما برسالة, وإما بكتاب .

وقد بينا معنى: « الوحي » فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقد:-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة, عن أبي زُمَيل قال: كنت قاعدًا عند ابن عباس, فجاءه رجل من أصحابه, فقال: يا ابن عباس, زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة! يعني المختار بن أبي عبيد فقال ابن عباس: صدق ! فنفرت فقلت: يقول ابن عباس « صدق » ! فقال ابن عباس: هما وحيان، وحي الله, ووحي الشيطان، فوحي الله إلى محمد, ووحي الشياطين إلى أوليائهم . ثم قرأ: ( وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) .

وأما الأولياء: فهم النصراء والظهراء، في هذا الموضع .

ويعني بقوله: ( ليجادلوكم ) ، ليخاصموكم, بالمعنى الذي قد ذكرت قبل .

وأما قوله: ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ، فإنه يعني: وإن أطعتموهم في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم; كما:-

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: ( وإن أطعتموهم ) ، يقول: وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه .

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( وإن أطعتموهم ) ، فأكلتم الميتة .

وأما قوله: ( إنكم لمشركون ) ، يعني: إنكم إذًا مثلهم, إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالا. فإذا أنتم أكلتموها كذلك، فقد صرتم مثلهم مشركين .

قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم في هذه الآية، هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيء، وهي محكمة فيما عُنيت به. وعلى هذا قول عامة أهل العلم .

وروي عن الحسن البصري وعكرمة, ما:-

حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح, عن الحسين بن واقد, عن يزيد, عن عكرمة والحسن البصري قالا قال: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ . ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) ، فنسخ واستثنى من ذلك فقال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [ سورة المائدة: 5 ] .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا, أن هذه الآية محكمة فيما أنـزلت، لم ينسخ منها شيء, وأن طعام أهل الكتاب حلال، وذبائحهم ذكيّة . وذلك مما حرم الله على المؤمنين أكله بقوله: ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، بمعزل. لأن الله إنما حرم علينا بهذه الآية الميْتة، وما أهلّ به للطواغيت, وذبائحُ أهل الكتاب ذكية سمُّوا عليها أو لم يسمُّوا، لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله، يدينون بأحكامها, يذبحون الذبائح بأديانهم، كما يذبح المسلم بدينه, سمى الله على ذبيحته أو لم يسمِّه, إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته على الدينونة بالتعطيل, أو بعبادة شيء سوى الله, فيحرم حينئذ أكل ذبيحته، سمى الله عليها أو لم يسم .

 

القول في تأويل قوله : أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا

قال أبو جعفر: وهذا الكلام من الله جلّ ثناؤه يدل على نهيه المؤمنين برسوله يومئذ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في أكل الميتة، بما ذكرنا عنهم من جدالهم إياهم به, وأمره إياهم بطاعة مؤمن منهم كان كافرًا, فهداه جلّ ثناؤه لرشده، ووفقه للإيمان. فقال لهم: أطاعة من كان ميتًا, يقول: من كان كافرًا ؟ فجعله جل ثناؤه لانصرافه عن طاعته، وجهله بتوحيده وشرائع دينه، وتركه الأخذ بنصيبه من العمل لله بما يؤديه إلى نجاته, بمنـزلة « الميت » الذي لا ينفع نفسه بنافعة، ولا يدفع عنها من مكروه نازلة ( فأحييناه ) ، يقول: فهديناه للإسلام, فأنعشناه, فصار يعرف مضارّ نفسه ومنافعها, ويعمل في خلاصها من سَخَط الله وعقابه في معاده. فجعل إبصاره الحق تعالى ذكره بعد عَمَاه عنه، ومعرفته بوحدانيته وشرائع دينه بعد جهله بذلك، حياة وضياء يستضيء به فيمشي على قصد السبيل، ومنهج الطريق في الناس ( كمن مثله في الظلمات ) ، لا يدري كيف يتوجه، وأي طريق يأخذ، لشدة ظلمة الليل وإضلاله الطريق. فكذلك هذا الكافر الضال في ظلمات الكفر، لا يبصر رشدًا ولا يعرف حقًّا, يعني في ظلمات الكفر . يقول: أفَطَاعة هذا الذي هديناه للحق وبصَّرناه الرشاد، كطاعة من مثله مثل من هو في الظلمات متردّد، لا يعرف المخرج منها، في دعاء هذا إلى تحريم ما حرم الله، وتحليل ما أحل، وتحليل هذا ما حرم الله، وتحريمه ما أحلّ؟

وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت في رجلين بأعيانهما معروفين: أحدهما مؤمن, والآخر كافر .

ثم اختلف أهل التأويل فيهما.

فقال بعضهم: أما الذي كان مَيْتًا فأحياه الله، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها، فأبو جهل بن هشام .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا سليمان بن أبي هوذة, عن شعيب السراج, عن أبي سنان عن الضحاك في قوله: ( أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) ، قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( كمن مثله في الظلمات ) ، قال: أبو جهل بن هشام .

وقال آخرون: بل الميت الذي أحياه الله، عمار بن ياسر رحمة الله عليه. وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها، فأبو جهل بن هشام .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سفيان بن عيينة, عن بشر بن تيم, عن رجل, عن عكرمة: ( أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) ، قال: نـزلت في عمار بن ياسر .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن بشر, عن تيم, عن عكرمة: ( أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) ، عمار بن ياسر ( كمن مثلة في الظلمات ) ، أبو جهل بن هشام .

وبنحو الذي قلنا في الآية قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: ( أو من كان ميتًا فأحييناه ) قال: ضالا فهديناه ( وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) قال: هدى ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) ، قال: في الضلالة أبدًا .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( أو من كان ميتًا فأحييناه ) ، هديناه ( وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ) في الضلالة أبدًا .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن رجل, عن مجاهد: ( أو من كان ميتًا فأحييناه ) ، قال: ضالا فهديناه .

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: ( أو من كان ميتًا فأحييناه ) ، يعني: من كان كافرًا فهديناه ( وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) ، يعني بالنور، القرآنَ، من صدَّق به وعمل به ( كمن مثله في الظلمات ) ، يعني: بالظلمات، الكفرَ والضلالة .

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) ، يقول: الهدى « يمشي به في الناس » , يقول: فهو الكافر يهديه الله للإسلام. يقول: كان مشركًا فهديناه ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) .

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( أو من كان ميتًا فأحييناه ) ، هذا المؤمن معه من الله نور وبيِّنة يعمل بها ويأخذ، وإليها ينتهي, كتابَ الله ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) ، وهذا مثل الكافر في الضلالة، متحير فيها متسكع, لا يجد مخرجًا ولا منفذًا .

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: ( أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) ، يقول: من كان كافرًا فجعلناه مسلمًا، وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس، وهو الإسلام, يقول: هذا كمن هو في الظلمات, يعني: الشرك .

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس ) ، قال: الإسلام الذي هداه الله إليه ( كمن مثله في الظلمات ) ، ليس من أهل الإسلام . وقرأ: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، [ سورة البقرة: 257 ] . قال: والنور يستضيء به ما في بيته ويبصره, وكذلك الذي آتاه الله هذا النور، يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره، كما يستضيء صاحب هذا السراج . قال: ( كمن مثله في الظلمات ) ، لا يدري ما يأتي ولا ما يقع عليه .

 

القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 122 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما خذلت هذا الكافر الذي يجادلكم أيها المؤمنون بالله ورسوله، في أكل ما حرّمت عليكم من المطاعم عن الحق, فزينت له سوءَ عمله فرآه حسنًا، ليستحق به ما أعددت له من أليم العقاب, كذلك زيَّنت لغيره ممن كان على مثل ما هو عليه من الكفر بالله وآياته، ما كانوا يعملون من معاصي الله, ليستوجبوا بذلك من فعلهم، ما لهم عند ربهم من النَّكال .

قال أبو جعفر: وفي هذا أوضح البيان على تكذيب الله الزاعمين أن الله فوَّض الأمور إلى خلقه في أعمالهم، فلا صنع له في أفعالهم, وأنه قد سوَّى بين جميعهم في الأسباب التي بها يصلون إلى الطاعة والمعصية. لأن ذلك لو كان كما قالوا, لكان قد زَيَّن لأنبيائه وأوليائه من الضلالة والكفر، نظيرَ ما زيَّن من ذلك لأعدائه وأهل الكفر به ، وزيّن لأهل الكفر به من الإيمان به، نظيرَ الذي زيّن منه لأنبيائه وأوليائه . وفي إخباره جل ثناؤه أنه زين لكل عامل منهم عمله، ما ينبئ عن تزيين الكفر والفسوق والعصيان, وخصّ أعداءه وأهل الكفر، بتزيين الكفر لهم والفسوق والعصيان, وكرّه إليهم الإيمان به والطاعة .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( 123 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون, كذلك جعلنا بكل قرية عظماءَها مجرميها يعني أهل الشرك بالله والمعصية له ( ليمكروا فيها ) ، بغرور من القول أو بباطل من الفعل، بدين الله وأنبيائه ( وما يمكرون ) : أي ما يحيق مكرهم ذلك, إلا بأنفسهم , لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله « وهم لا يشعرون » , يقول: لا يدرون ما قد أعدّ الله لهم من أليم عذابه, فهم في غيِّهم وعتوِّهم على الله يتمادَوْن .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( أكابر مجرميها ) ، قال: عظماءها .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( أكابر مجرميها ) ، قال: عظماءها .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: نـزلت في المستهزئين قال ابن جريج، عن عمرو, عن عطاء, عن عكرمة: ( أكابر مجرميها ) ، إلى قوله: بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ، بدين الله، وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين .

والأكابر: جمع « أكبر » , كما « الأفاضل » جمع « أفضل » . ولو قيل: هو جمع « كبير » , فجمع « أكابر » , لأنه قد يقال: « أكبر » , كما قيل: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ، [ سورة الكهف: 103 ] ، واحدهم « الخاسر » ، لكان صوابًا . وحكي عن العرب سماعًا « الأكابرة » و « الأصاغرة » , و « الأكابر » ، و « الأصاغر » ، بغير الهاء، على نية النعت, كما يقال: « هو أفضل منك » . وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على « أفعل » ، إذا أخرجوها إلى الأسماء, مثل جمعهم « الأحمر » و « الأسود » ، « الأحامر » و « الأحامرة » , و « الأساود » و « الأساودة » ، ومنه قول الشاعر:

إنَّ الأحَـــامِرَة الثَّلاثَــةَ أَهْلَكَــتْ مَــالِي, وكُـنْتُ بِهِـنّ قِدْمًـا مُولَعًـا

الخَــمْرُ واللَّحْــمُ السِّــمِينُ إدَامُـهُ والزَّعْفَــرَانُ, فَلَــنْ أرُوحَ مُبَقَّعَــا

وأما « المكر » ، فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر، ليورِّطه الماكر به مكروهًا من الأمر .

 

القول في تأويل قوله : وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا جاءت هؤلاء المشركين الذين يجادلون المؤمنين بزخرف القول فيما حرم الله عليهم، ليصدّوا عن سبيل الله ( آية ) ، يعني: حجة من الله على صحة ما جاءهم به محمد من عند الله وحقيقته قالوا لنبي الله وأصحابه: ( لن نؤمن ) ، يقول: يقولون: لن نصدق بما دعانا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان به, وبما جاء به من تحريم ما ذكر أنّ الله حرّمه علينا ( حتى نؤتى ) ، يعنون: حتى يعطيهم الله من المعجزات مثل الذي أعطى موسى من فلق البحر, وعيسى من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص . يقول تعالى ذكره: ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ، يعني بذلك جل ثناؤه: أن آيات الأنبياء والرسل لن يُعطاها من البشر إلا رسول مرسل, وليس العادلون بربهم الأوثان والأصنام منهم فيعطوها . يقول جل ثناؤه: فأنا أعلم بمواضع رسالاتي، ومن هو لها أهل, فليس لكم أيها المشركون أن تتخيَّروا ذلك عليّ أنتم, لأن تخيُّر الرسول إلى المرسِلِ دون المرسَل إليه, والله أعلم إذا أرسل رسالةً بموضع رسالاته .

 

القول في تأويل قوله : سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ( 124 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, معلِّمَه ما هو صانع بهؤلاء المتمردين عليه: « سيصيب » ، يا محمد، الذين اكتسبوا الإثم بشركهم بالله وعبادتهم غيره ( صغار ) ، يعني: ذلة وهوان ، كما:-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله ) ، قال: « الصغار » ، الذلة .

وهو مصدر من قول القائل: « صَغِرَ يصغَرُ صَغارًا وصَغَرًا » , وهو أشدّ الذلّ .

وأما قوله: ( صغار عند الله ) ، فإن معناه: سيصيبهم صغارٌ من عند الله, كقول القائل: « سيأتيني رزقي عند الله » , بمعنى: من عند الله, يراد بذلك: سيأتيني الذي لي عند الله . وغير جائز لمن قال: « سيصيبهم صغار عند الله » ، أن يقول: « جئت عند عبد الله » ، بمعنى: جئت من عند عبد الله, لأن معنى « سيصيبهم صغارٌ عند الله » ، سيصيبهم الذي عند الله من الذل، بتكذيبهم رسوله. فليس ذلك بنظير: « جئت من عند عبد الله » . .

وقوله: ( وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) ، يقول: يصيب هؤلاء المكذبين بالله ورسوله، المستحلين ما حرَّم الله عليهم من الميتة، مع الصغار عذابٌ شديد، بما كانوا يكيدون للإسلام وأهله بالجدال بالباطل، والزخرف من القول، غرورًا لأهل دين الله وطاعته .