القول في تأويل قوله : قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ( 12 )

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس، إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له. يقول: قال الله لإبليس: ( ما منعك ) ، أيّ شيء منعك ( ألا تسجد ) ، أن تدع السجود لآدم ( إذ أمرتك ) ، أن تسجد « قال أنا خير منه » ، يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم « خلقتني من نار وخلقته من طين » .

فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس, ألحقته الملامة على السجود، أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود, فكيف قيل له: ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) ؟ وإن كان النكير على السجود, فذلك خلافُ ما جاء به التنـزيل في سائر القرآن, وخلاف ما يعرفه المسلمون!

قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له.

غير أن في تأويل قوله: ( ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك ) ، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا, ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب .

فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد و « لا » ها هنا زائدة, كما قال الشاعر:

أبَـى جُـودُهُ لا البُخْـلَ, وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ نَعَـمْ, مِـنْ فَتًـى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قَاتِلهْ

وقال: فسرته العرب: « أبى جوده البخل » , وجعلوا « لا » زائدةً حشوًا ها هنا، وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر « البخل » , ويجعل « لا » مضافة إليه, أراد: أبى جوده « لا » التي هي للبخل, ويجعل « لا » مضافة, لأن « لا » قد تكون للجود والبخل, لأنه لو قال له: « امنع الحق ولا تعط المسكين » فقال: « لا » كان هذا جودًا منه.

وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله, غير أنه زعم أن العلة في دخول « لا » في قوله: ( أن لا تسجد ) ، أن في أول الكلام جحدا يعني بذلك قوله: لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ, كالاستيثاق والتوكيد له . قال: وذلك كقولهم:

مَــا إنْ رَأَيْنَــا مِثْلَهُــنَّ لِمَعْشَـرٍ سُــودِ الــرُّؤُوسِ, فَـوَالِجٌ وَفُيُـولُ

فأعاد على الجحد الذي هو « ما » جحدًا, وهو قوله « إن » ، فجمعهما للتوكيد.

وقال آخر منهم: ليست « لا » ، بحشو في هذا الموضع ولا صلة, ولكن « المنع » هاهنا بمعنى « القول » ، وإنما تأويل الكلام: مَنْ قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسجود ولكن دخل في الكلام « أن » ، إذ كان « المنع » بمعنى « القول » ، لا في لفظه, كما يُفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول, وهو له في اللفظ مخالف، كقولهم: « ناديت أن لا تقم » , و « حلفت أن لا تجلس » , وما أشبه ذلك من الكلام. وقال: خفض « البخل » من روى: « أبى جوده لا البخل » ، بمعنى: كلمة البخل, لأن « لا » هي كلمة البخل, فكأنه قال: كلمة البخل.

وقال بعضهم: معنى « المنع » ، الحول بين المرء وما يريده. قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه, كالممنوع من القيام وهو يريده, فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام, إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه, فيوثر أحدهما على الآخر فيفعله . قال: فلما كانت صفة « المنع » ذلك, فخوطب إبليس بالمنع فقيل له: ( ما منعك ألا تسجد ) ، كان معناه كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرك إلى أن لا تسجد؟

قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهر منه, وهو أن معناه: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد فترك ذكر « أحوجك » ، استغناء بمعرفة السامعين قوله: إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، أن ذلك معنى الكلام، من ذكره. ثم عمل قوله: ( ما منعك ) ، في « أن » ما كان عاملا فيه قبل « أحوجك » لو ظهر، إذ كان قد ناب عنه.

وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له, وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا, فتبين بذلك فسادُ قول من قال: « لا » في الكلام حشو لا معنى لها.

وأما قول من قال: معنى « المنع » ههنا « القول » , فلذلك دخلت « لا » مع « أن » فإن « المنعَ » وإن كان قد يكون قولا وفعلا فليس المعروف في الناس استعمالُ « المنع » ، في الأمر بترك الشيء, لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله، لا يقال: « فعله » ، وهو ممنوع من فعله، إلا على استكراه للكلام . وذلك أن المنع من الفعل حَوْلٌ بينه وبينه, فغير جائز أن يكون وهو مَحُولٌ بينه وبينه فاعلا له, لأنه إن جاز ذلك، وجب أن يكون مَحُولا بينه وبينه لا محولا وممنوعًا لا ممنوعًا.

وبعدُ, فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى ذكره بالسجود لآدم كبرًا, فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم, فيجوز أن يقال له: « أي شيء قال لك: لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟ » ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: « ما منعك من السجود له فأحوجك, أو: فأخرجك, أو: فاضطرك إلى أن لا تسجد له » ، على ما بيَّنت.

وأما قوله: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ، فإنه خبرٌ من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم, فأحوجه إلى أن لا يسجد له, واضطره إلى خلافه أمرَه به، وتركه طاعته أنّ المانعَ كان له من السجود، والداعيَ له إلى خلافه أمر ربه في ذلك: أنه أشد منه أيْدًا، وأقوى منه قوة، وأفضل منه فضلا لفضل الجنس الذي منه خلق، وهو النارُ, على الذي خلق منه آدم، وهو الطين . فجهل عدوّ الله وجه الحق, وأخطأ سبيل الصواب. إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوًّا, والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الاستكبار عن السجود لآدم، والاستخفاف بأمر ربه, فأورثه العطبَ والهلاكَ. وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت, وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته, ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة . ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: « أول مَنْ قاسَ إبليس » , يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ, وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه: من خلقه إياه بيده, ونفخه فيه من روحه, وإسجاده له الملائكة, وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته . فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا, وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين!! وهو في ذلك أيضًا له غير كفء, لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره, فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟

حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي, عن هشام, عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس, وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير, عن ابن شوذب, عن مطر الورّاق, عن الحسن قوله: ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) ، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات: اسْجُدُوا لآدَمَ ، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر, لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره, فقال: « لا أسجد له, وأنا خير منه, وأكبر سنًّا, وأقوى خلقًا, خلقتني من نار وخلقته من طين! » يقول: إنّ النار أقوى من الطين.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: ( خلقتني من نار ) ، قال: ثم جعل ذريته من ماء.

قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله عدوّ الله ليس لما سأله عنه بجواب. وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود أنه خُلِقَ من نار وخلق آدم من طين, ولكنه ابتدأ خبرًا عن نفسه, فيه دليل على موضع الجواب فقال: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )

 

القول في تأويل قوله : قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ( 13 )

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: ( فاهبط منها ) .

وقد بيَّنا معنى « الهبوط » فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته.

( فما يكون لك أن تتكبر فيها ) ، يقول تعالى ذكره: فقال الله له: « اهبط منها » ، يعني: من الجنة « فما يكون لك » , يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري.

فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ, وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة, فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله, فأما غيرها، فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله، والمستكين لطاعته.

وقوله: ( فاخرج إنك من الصاغرين ) ، يقول: فاخرج من الجنة، إنك من الذين قد نالهم من الله الصَّغَار والذلّ والمَهانة.

يقال منه: « صَغِرَ يَصْغَرُ صَغَرًا وصَغارًا وصُغْرَانًا » ، وقد قيل: « صغُرَ يَصْغُرُ صَغارًا وصَغارَة » .

وبنحو ذلك قال السدي.

حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( فاخرج إنك من الصاغرين ) ، و « الصغار » ، هو الذل.

 

القول في تأويل قوله : قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 14 ) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ( 15 )

قال أبو جعفر: وهذه أيضًا جَهْلة أخرى من جَهَلاته الخبيثة. سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه . وذلك أنه سأل النَّظِرة إلى قيام الساعة, وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق. ولو أعطي ما سأل من النَّظِرة، كان قد أعطي الخلودَ وبقاءً لا فناء معه, وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [ سورة الحجر: 37- 38 / سورة ص: 80 ، 81 ] ، وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى، غير ربِّنا الحيِّ الذي لا يموت. يقول الله تعالى ذكره: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، [ سورة آل عمران: 185 / سورة الأنبياء: 35 / سورة العنكبوت: 57 ] .

و « الإنظار » في كلام العرب، التأخير. يقال منه: « أنظرته بحقي عليه أنظره به إنظارًا » .

فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون: ( إنك من المنظرين ) في هذا الموضع, فقد أجابه إلى ما سأل؟

قيل له: ليس الأمر كذلك, وإنما كان مجيبًا له إلى ما سأل لو كان قال له: « إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت أو: إلى يوم البعث أو إلى يوم يبعثون » , أو ما أشبه ذلك، مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: ( إنك من المنظرين ) ، فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بيَّن فيها مدة إنظاره إياه إليها, وذلك قوله: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، [ سورة الحجر: 37 ، 38 / سورة ص: 80 ، 81 ] ، كم المدة التي أنظره إليها, لأنه إذا أنظره يومًا واحدًا أو أقل منه أو أكثر, فقد دخل في عداد المنظرين، وتمَّ فيه وعد الله الصادق, ولكنه قد بيَّن قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه, فعلم بذلك الوقت الذي أُنظِر إليه.

وبنحو ذلك كان السدي يقول.

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [ سورة الحجر: 36- 38 / سورة ص: 80 ، 81 ] ، فلم ينظره إلى يوم البعث, ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى, فصعق مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض, فمات.

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: قال إبليس لربه: « أنظرني » ، أي أخّرني وأجّلني, وأنسئْ في أجلي, ولا تمتني إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ , يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: ( إنك من المنظرين ) ، إلى يوم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.

فإن قال قائل: فهل أحَدٌ مُنْظرٌ إلى ذلك اليوم سوى إبليس، فيقال له: « إنك منهم » ؟

قيل: نعم, مَنْ لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم، ممن تقوم عليه الساعة, فهم من المنظرين بآجالهم إليه . ولذلك قيل لإبليس: ( إنك من المنظرين ) ، بمعنى: إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم.

 

القول في تأويل قوله : قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ( 16 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: ( فبما أغويتني ) ، يقول: فبما أضللتني، كما:-

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: ( فبما أغويتني ) ، يقول: أضللتني.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( فبما أغويتني ) ، قال: فبما أضللتني.

وكان بعضهم يتأول قوله: ( فبما أغويتني ) ، بما أهلكتني, من قولهم: « غَوِيَ الفصيل يَغوَى غَوًى » , وذلك إذا فقد اللبن فمات, من قول الشاعر:

مُعَطَّفَــةُ الأَثْنَــاءِ لَيْسَ فَصِيلُهَــا بِرَازِئِهَــا دَرًّا وَلا مَيِّــتٍ غَــوَى

وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسّنه عنده، غارًّا له.

وقد حكي عن بعض قبائل طيئ، أنها تقول: « أصبح فلان غاويًا » ، أي: أصبح مريضًا.

وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم, كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي، لأقعدن لهم صراطك المستقيم, كما يقال: « بالله لأفعلن كذا » .

وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة, كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني أو: فبأنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم.

قال أبو جعفر: وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية، من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسبابَ ذلك إليه, وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان، هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر . وذلك أنّ ذلك لو كان كما قالوا: لكان الخبيث قد قال بقوله: ( فبما أغويتني ) ، « فبما أصلحتني » , إذ كان سبب « الإغواء » هو سبب « الإصلاح » , وكان في إخباره عن الإغواء إخبارٌ عن الإصلاح, ولكن لما كان سبباهما مختلفين، وكان السبب الذي به غوَى وهلك من عند الله. أضاف ذلك إليه فقال: ( فبما أغويتني ) .

وكذلك قال محمد بن كعب القرظي, فيما:-

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا أبو مودود, سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدريّة, لإبليس أعلمُ بالله منهم !

وأما قوله: ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) ، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم « صراطك المستقيم » , يعني: طريقك القويم, وذلك دين الله الحق, وهو الإسلام وشرائعه. وإنما معنى الكلام: لأصدَّن بني آدم عن عبادتك وطاعتك, ولأغوينهم كما أغويتني, ولأضلنهم كما أضللتني.

وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه:-

أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطْرِقَةٍ، فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذرُ دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك, وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطِّوَل؟ فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد, وهو جَهْدُ النفس والمال, فقال: أتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد.

وروي عن عون بن عبد الله في ذلك ما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حَبّويه أبو يزيد, عن عبد الله بن بكير, عن محمد بن سوقة, عن عون بن عبد الله: ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) ، قال: طريق مكة.

والذي قاله عون، وإن كان من صراط الله المستقيم، فليس هو الصراط كله. وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم، ولم يخصص منه شيئًا دون شيء. فالذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشبهُ بظاهر التنـزيل، وأولى بالتأويل, لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدَّ عن كل ما كان لهم قربة إلى الله.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى « المستقيم » ، في هذا الموضع.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( صراطك المستقيم ) ، قال: الحق.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول: ( لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم ) ، قال: سبيل الحق, فلأضلنَّهم إلا قليلا.

قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في ذلك.

فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم, كما يقال: « توجَّه مكة » ، أي إلى مكة, وكما قال الشاعر:

كَــأَنِّي إذْ أَسْــعَى لأظْفَـرَ طَـائِرًا مَـعَ النَّجْـمِ مِـنْ جَـوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ

بمعنى: لأظفر بطائر, فألقى « الباء » ، وكما قال: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ، [ سورة الأعراف: 150 ] ، بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم.

وقال بعض نحويي الكوفة، المعنى، والله أعلم: لأقعدن لهم على طريقهم, وفي طريقهم . قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز, كما تقول: « قعدت لك وجهَ الطريق » و « على وجه الطريق » ، لأن الطريق صفة في المعنى، فاحتمل ما يحتمله « اليوم » و « الليلة » و « العام » , إذا قيل: « آتيك غدًا » , و « آتيك في غد » .

قال أبو جعفر: وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب, لأن « القعود » مقتضٍ مكانًا يقعد فيه, فكما يقال: « قعدت في مكانك » , يقال: « قعدت على صراطك » , و « في صراطك » , كما قال الشاعر:

لَــدْنٌ بِهَــزِّ الْكَـفِّ يَعْسِـلُ مَتْنُـهُ فِيـهِ, كَمَـا عَسَـلَ الطَّـرِيقَ الثَّعْلَـبُ

فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان, لا يكادون يقولون: « جلست مكة » ، و « قمت بغداد » .

 

القول في تأويل قوله : ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ( 17 )

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى قوله: ( لآتينهم من بين أيديهم ) ، من قبل الآخرة ( ومن خلفهم ) ، من قبل الدنيا ( وعن أيمانهم ) ، من قِبَل الحق ( وعن شمائلهم ) ، من قبل الباطل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ) ، يقول: أشككهم في آخرتهم ( ومن خلفهم ) ، أرغبهم في دنياهم ( وعن أيمانهم ) ، أشبِّه عليهم أمرَ دينهم ( وعن شمائلهم ) ، أشَهِّي لهم المعاصي.

وقد روي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل, وذلك ما:-

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ) ، يعني من الدنيا ( ومن خلفهم ) ، من الآخرة ( وعن أيمانهم ) ، من قبل حسناتهم ( وعن شمائلهم ) ، من قبل سيئاتهم.

وتحقق هذه الرواية، الأخرى التي:

حدثني بها محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، قال: أما بين « أيديهم » ، فمن قبلهم ، وأما « من خلفهم » ، فأمر آخرتهم ، وأما « عن أيمانهم » ، فمن قبل حسناتهم ، وأما « عن شمائلهم » ، فمن قبل سيئاتهم.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ) الآية, أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار « ومن خلفهم » ، من أمر الدنيا, فزيَّنها لهم ودعاهم إليها « وعن أيمانهم » ، من قبل حسناتهم بطَّأهم عنها « وعن شمائلهم » ، زين لهم السيئات والمعاصي، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يابن آدم من كل وجه, غير أنه لم يأتك من فوقك, لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله!

وقال آخرون: بل معنى قوله: ( من بين أيديهم ) ، من قبل دنياهم ( ومن خلفهم ) ، من قبل آخرتهم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم في قوله: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم ) ، قال: ( من بين أيديهم ) ، من قبل دنياهم ( ومن خلفهم ) ، من قبل آخرتهم ( وعن أيمانهم ) من قبل حسناتهم ( وعن شمائلهم ) ، من قبل سيئاتهم.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن الحكم: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، قال: ( من بين أيديهم ) ، من دنياهم ( ومن خلفهم ) ، من آخرتهم ( وعن أيمانهم ) ، من حسناتهم ( وعن شمائلهم ) ، من قِبَل سيئاتهم.

حدثنا سفيان قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن الحكم: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ) ، قال: من قبل الدنيا يزيِّنها لهم ( ومن خلفهم ) من قبل الآخرة يبطّئهم عنها ( وعن أيمانهم ) ، من قبل الحق يصدّهم عنه ( وعن شمائلهم ) ، من قبل الباطل يرغّبهم فيه ويزينه لهم.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، أما ( من بين أيديهم ) ، فالدنيا، أدعوهم إليها وأرغبهم فيها ( ومن خلفهم ) ، فمن الآخرة أشككهم فيها وأباعدها عليهم ( وعن أيمانهم ) ، يعني الحق فأشككهم فيه ( وعن شمائلهم ) ، يعني الباطل أخفّفه عليهم وأرغّبهم فيه.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: ( من بين أيديهم ) ، من دنياهم، أرغّبهم فيها ( ومن خلفهم ) ، آخرتهم، أكفّرهم بها وأزهِّدهم فيها ( وعن أيمانهم ) ، حسناتهم أزهدهم فيها ( وعن شمائلهم ) ، مساوئ أعمالهم، أحسِّنها إليهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قول الله: ( من بين أيديهم وعن أيمانهم ) ، قال: حيث يبصرون ( ومن خلفهم ) ( وعن شمائلهم ) ، حيث لا يبصرون.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير, عن منصور قال، تذاكرنا عند مجاهد قوله: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، فقال مجاهد: هو كما قال، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم زاد ابن حميد, قال: « يأتيهم من ثَمَّ » .

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد، فذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل, فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل . وذلك أن ذلك عَقِيب قوله: لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، فاخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرَهم الله أن يسلكوه, وهو ما وصفنا من دين الله دينِ الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به, فيصدّهم عنه, وذلك « من بين أيديهم وعن أيمانهم » ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه, فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه, وذلك « من خلفهم وعن شمائلهم » .

وقيل: ولم يقل: « من فوقهم » ، لأن رحمة الله تنـزل على عباده من فوقهم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، ولم يقل: « من فوقهم » , لأن الرحمة تنـزل من فوقهم.

وأما قوله: ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) . فإنه يقول: ولا تجد، ربِّ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتَك التي أنعمت عليهم، كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به, من إسجادك له ملائكتك, وتفضيلك إياه عليَّ و « شكرهم إياه » ، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده, واتّباع أمره ونهيه.

وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:-

حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) ، يقول: موحِّدين.

 

القول في تأويل قوله : قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوِّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته, وطرده إياه عن جنته, إذ عصاه وخالف أمره, وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به . يقول: قال الله له عند ذلك: ( اخرج منها ) ، أي من الجنة ( مذؤُومًا مدحورًا ) ، يقول: مَعِيبًا.

و « الذأم » ، العيب. يقال منه: « ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم » , ويتركون الهمز فيقولون: « ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا » , و « الذأم » و « الذيم » ، أبلغ في العيب من « الذمّ » ، وقد أنشد بعضهم هذا البيت:

صَحِـبْتُكَ إذْ عَيْنِـي عَلَيْهَـا غِشَـاوَةٌ فَلَمَّـا انْجَـلَتْ قَطَّعْـتُ نَفْسِـي أَذِيمُهَا

وأكثر الرواة على إنشاده « ألومها » .

وأما المدحور: فهو المُقْصَى, يقال: « دحره يدحَرُه دَحْرًا ودُحُورًا » ، إذا أقصاه وأخرجه، ومنه قولهم: « ادحَرْ عنكَ الشيطان » .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( اخرج منها مذؤومًا مدحورًا ) ، يقول: اخرج منها لعينًا منفيًّا.

حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: « مذؤومًا » ممقوتًا.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبى قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( قال اخرج منها مذؤومًا ) ، يقول: صغيرًا منفيًّا.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: ( اخرج منها مذؤومًا مدحورًا ) ، أما « مذؤومًا » ، فمنفيًّا, وأما « مدحورا » ، فمطرودًا.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( مذؤومًا ) ، قال: منفيًّا ( مدحورًا ) ، قال: مطرودًا.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: ( اخرج منها مذؤومًا ) ، قال: منفيًّا. و « المدحور » , قال: المصغَّر.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال:، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن يونس وإسرائيل, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس: ( اخرج منها مذؤومًا ) ، قال: منفيًّا.

حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن التميمي, سأل ابن عباس: ما ( اخرج منها مذؤومًا مدحورًا ) ، قال: مقيتًا.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( اخرج منها مذؤومًا مدحورًا ) ، فقال: ما نعرف « المذؤوم » و « المذموم » إلا واحدًا, ولكن تكون حروف منتقصة, وقد قال الشاعر لعامر: يا « عام » , ولحارث: « يا حار » , وإنما أنـزل القرآن على كلام العرب.

 

القول في تأويل قوله : لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ( 18 )

قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه. أقسم أن مَنْ اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه وصَدَّق ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم يعني: من كفرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليس وذريته جهنم. فرحم الله امرأً كذّب ظن عدوِّ الله في نفسه, وخيَّب فيها أمله وأمنيته, ولم يمكّن من طمعَ طمعٍ فيها عدوَّه, واستغشَّه ولم يستنصحه، فإن الله تعالى ذكره إنما نبّه بهذه الآيات عباده على قِدَم عداوة عدوِّه وعدوهم إبليس لهم, وسالف ما سلف من حسده لأبيهم, وبغيه عليه وعليهم, وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته, وليتذكر أولو الألباب, فينـزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته ويُنيبوا إليها.

 

القول في تأويل قوله : وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ( 19 )

قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ) . فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها, وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها, ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها.

وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا، في غير هذا الموضع, فكرهنا إعادته.

( فتكونا من الظالمين ) ، يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربِّه، وفعل ما ليس له فعله.

 

القول في تأويل قوله : فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ( فوسوس لهما ) ، فوسوس إليهما, وتلك « الوسوسة » كانت قوله لهما: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ، وإقسامه لهما على ذلك.

وقيل: « وسوس لهما » , والمعنى ما ذكرت, كما قيل: « غَرِضت إليه » , بمعنى: اشتقْتُ إليه, وإنما تعني: غَرضت من هؤلاء إليه. فكذلك معنى ذلك.

فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من القيل، ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما، كما قال رؤبة:

* وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ *

ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء, وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما.

وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما:-

حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن ابن منبه, في قوله: فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا قال: كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما.

 

القول في تأويل قوله : وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ( 20 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين.

وأسقطت « لا » من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها, كما أسقطت من قوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ، [ سورة النساء: 176 ] . والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا.

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين, كما يقال: « إياك أن تفعل » كراهيةَ أن تفعل.

« أو تكونا من الخالدين » ، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا.

والقراءة على فتح « اللام » ، بمعنى: ملكين من الملائكة.

وروي عن ابن عباس، ما:-

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى, عن السدّي قال: كان ابن عباس يقرأ: « إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ » ، بكسر « اللام » .

وعن يحيى بن أبي كثير، ما:-

حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثني القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج, عن هارون قال، حدثنا يعلى بن حكيم, عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: « مَلِكَيْنِ » ، بكسر « اللام » .

وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ، [ سورة طه: 120 ] .

قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها, القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح « اللام » من: « مَلَكَيْنِ » , بمعنى: ملكين، من الملائكة ، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة, فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه.

 

القول في تأويل قوله : وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ( 21 )

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ( وقاسمهما ) ، وحلف لهما, كما قال في موضع آخر: تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ ، [ سورة النمل: 49 ] ، بمعنى تحالفوا بالله ، وكما قال خالد بن زهير [ ابن ] عمّ أبي ذويب:

وَقَاسَــمَهَا بِاللــهِ جَــهْدًا لأَنْتُــمُ ألَـذُّ مِـنَ السَّـلْوَى إِذَا مَـا نَشُـورُهَا

بمعنى: وحالفهما بالله ، وكما قال أعشى بني ثعلبة:

رَضِيعَــيْ لِبَـانٍ, ثَـدْيَ أُمٍّ تَقَاسَـمَا بِأَسْــحَمَ دَاجٍ عَــوْضُ لا نَتَفَــرَّقُ

بمعنى تحالفا.

وقوله: ( إني لكما لمن الناصحين ) أي: لممن ينصح لكما في مشورته لكما, وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إياكما بما أخبركما به، من أنكما إن أكلتماه كنتما ملكين أو كنتما من الخالدين، كما:-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) ، فحلف لهما بالله حتى خدعهما, وقد يُخْدع المؤمن بالله, فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما, فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: « من خادَعنا بالله خُدِعْنا » .

 

القول في تأويل قوله : فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ( فدلاهما بغرور ) ، فخدعهما بغرور.

يقال منه: « ما زال فلان يدلّي فلانًا بغرور » , بمعنى: ما زال يخدعه بغرور، ويكلمه بزخرف من القول باطل.

( فلما ذاقا الشجرة ) ، يقول: فلما ذاق آدم وحواء ثمر الشجرة, يقول: طعماه ( بدت لهما سوآتهما ) يقول: انكشفت لهما سوءاتهما, لأن الله أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة, فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطآ والمعصية التي ركبا ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) ، يقول: أقبلا وجعلا يشدَّان عليهما من ورق الجنة، ليواريا سوءاتهما، كما:-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) ، قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة، فيجعلان على سوءاتهما.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن أبي بكر, عن الحسن, عن أبي بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان آدم كأنه نخلةٌ سَحُوق، كثيرُ شعر الرأس, فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها, فانطلق فارًّا, فتعرضت له شجرة فحبسته بشعره, فقال لها: أرسليني! فقالت: لست بمرسلتك! فناداه ربه: يا آدم, أمنِّي تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك, عن الحسن, عن عمارة, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال، كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة . فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما, وكان الذي وَارى عنهما من سوءاتهما أظفارُهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ورق التين، يلصقان بعضها إلى بعض. فانطلق آدم مولّيًا في الجنة, فأخذت برأسه شجرة من الجنة, فناداه: أي آدم أمني تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك يا رب ! قال: أما كان لك فيما منحتُك من الجنة وأبحتُك منها مندوحةٌ عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب, ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قول الله: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ . قال: فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض, ثم لا تنال العيش إلا كدًّا. قال: فأهبط من الجنة, وكانا يأكلان فيها رغدًا, فأهبطا في غير رغد من طعام وشراب, فعُلّم صنعة الحديد, وأُمر بالحرث, فحرث وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم داسَه, ثم ذرّاه, ثم طحنه, ثم عجنه, ثم خبزه, ثم أكله, فلم يبلعْه حتى بُلِّعَ منه ما شاء الله أن يبلعَ.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: ( يخصفان ) ، قال: يرقعان، كهيئة الثوب.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ) وكانا قبل ذلك لا يريانها ( وطفقا يخصفان ) ، الآية.

. . . . قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال، حدثنا الحسن, عن أبي بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلا طُوالا كأنه نخلة سَحُوق, كثير شعر الرأس . فلما وقع بما وقع به من الخطيئة, بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنة, فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة, فقال لها: أرسليني ! قالت: إني غير مرسلتك! فناداه ربه: يا آدم, أمنّي تفرّ؟ قال: رب إني استحييتك.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون, عن سفيان الثوري, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) ، قال: ورق التين.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) ، قال: ورق التين.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن حسام بن مِصَكّ، عن قتادة وأبي بكر، عن غير قتادة قال: كان لباس آدم في الجنة ظُفُرًا كله, فلما وقع بالذنب، كُشِط عنه وبدت سوءته قال أبو بكر: قال غير قتادة: ( فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) ، قال: ورق التين.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: ( بدت لهما سوءاتهما ) ، قال: كانا لا يريان سوءاتهما.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول: يَنْـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ، [ سورة الأعراف: 27 ] . قال: كان لباس آدم وحواء عليهما السلام نورًا على فروجهما, لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوءاتهما.

 

القول في تأويل قوله : وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 22 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى آدمَ وحواءَ ربُّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها, وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين يقول: قد أبان عداوته لكما، بترك السجود لآدم حسدًا وبغيًا، كما:-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس قوله: ( وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) ، لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب، أطعمتني حواء ! قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية! قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس! قال: ملعون مدحور ! أما أنت يا حواء فكما دمَّيت الشجرة تَدْمَيْن كل شهر. وأما أنت يا حية، فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك, وسيشدخُ رأسك من لقيك ، اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عباد بن العوّام, عن سفيان بن حسين, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني! قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كَرْهًا، ولا تضع إلا كرها. قال: فرنَّت حواء عند ذلك, فقيل لها: الرنّة عليك وعلى ولدك.