القول في تأويل قوله : يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ( 31 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرَّون عند طوافهم ببيته الحرام، ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب, والمحرِّمين منهم أكل ما لم يحرِّمه الله عليهم من حلال رزقه، تبرُّرًا عند نفسه لربه: ( يا بني آدم خذوا زينتكم ) ، من الكساء واللباس ( عند كل مسجد وكلوا ) ، من طيبات ما رزقتكم, وحللته لكم ( واشربوا ) ، من حلال الأشربة, ولا تحرِّموا إلا ما حَرَّمْتُ عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا شعبة, عن سلمة, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أن النساء كنّ يطفن بالبيت عراة وقال في موضع آخر: بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خِرقة، فيما وُصِف إن شاء الله, وتقول:

الْيَــوْمَ يَبْــدُو بَعْضُــهُ أَوْ كُلُّــهُ فَمَــا بَــدَا مِنْــهُ فَــلا أُحِلُّــهُ

قال: فنـزلت هذه الآية: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) .

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون عراة, الرجال بالنهار, والنساء بالليل, وكانت المرأة تقول:

الْيَــوْمَ يَبْــدُو بَعْضُــهُ أَوْ كُلُّــهُ فَمَــا بَــدَا مِنْــهُ فَــلا أُحِلُّــهُ

فقال الله: ( خذوا زينتكم ) .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن ابن عباس: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: الثياب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير, عن شعبة, عن سلمة بن كهيل قال: سمعت مسلمًا البطين يحدث، عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة قال غندر: وهي عريانة قال، وهب: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرَها وما هنالك قال غندر: وتقول: « مَنْ يعيرني تِطْوافًا‍‍ » ، تجعله على فرْجها وتقول:

الْيَــوْمَ يَبْــدُو بَعْضُــهُ أَوْ كُلُّــهُ فَمَــا بَــدَا مِنْــهُ فَــلا أُحِلُّــهُ

فأنـزل الله ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) .

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرَّوا.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) « الآية » قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة, فأمرهم الله بالزينة و « الزينة » ، اللباس, وهو ما يواري السوءة, وما سوى ذلك من جيِّد البزِّ والمتاع فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي وابن فضيل, عن عبد الملك, عن عطاء: ( خذوا زينتكم ) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فأمروا أن يلبسوا ثيابهم.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم, عن عبد الملك, عن عطاء, بنحوه.

حدثني عمرو قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا عبد الملك, عن عطاء في قوله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، البسوا ثيابكم.

حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: كان ناس يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فأمروا أن يلبسوا الثياب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: ما وارى العورة ولو عبَاءة.

حدثنا عمرو قال:حدثنا يحيى بن سعيد, وأبو عاصم, وعبد الله بن داود, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد في قوله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: ما يواري عورتك، ولو عباءة.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، في قريش, لتركهم الثياب في الطواف.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان, عن سالم, عن سعيد بن جبير: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: الثياب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب, عن إبراهيم, عن نافع, عن ابن طاوس, عن أبيه: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: الشَّمْلة من الزينة.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن طاوس: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: الثياب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد وأبو أسامة, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن سعيد بن جبير قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة فقالت:

الْيَــوْمَ يَبْــدُو بَعْضُــهُ أَوْ كُلُّــهُ فَمَــا بَــدَا مِنْــهُ فَــلا أُحِلُّــهُ

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، قال: كان حي من أهل اليمن، كان أحدهم إذا قدم حاجًّا أو معتمرًا يقول: « لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دَنِسْتُ فيه » , فيقول: من يعيرني مئزرًا؟ فإن قدر على ذلك, وإلا طاف عريانًا, فأنـزل الله فيه ما تسمعون: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) .

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: قال الله: ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) يقول: ما يواري العورة عند كل مسجد.

حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة, إلا الحُمْس، قريش وأحلافهم. فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس, فإنه لا يحل له أن يلبس ثيابه. فإن لم يجد من يعيره من الحمس، فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانًا. وإن طاف في ثياب نفسه، ألقاها إذا قضى طوافه، يحرِّمها، فيجعلها حرامًا عليه. فلذلك قال الله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) .

وبه عن معمر قال، قال ابن طاوس, عن أبيه: الشَّملة، من الزينة.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، الآية, كان ناسٌ من أهل اليمن والأعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عُراة ليلا فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم، ولا يتعرّوا في المسجد.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ( خذوا زينتكم ) ، قال: زينتهم، ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون.

وحدثني به مرة أخرى بإسناده, عن ابن زيد في قوله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ، قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به، حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها. فإن وجدوا مَنْ يُعيرهم ثيابًا, وإلا طافوا بالبيت عراة. فقال: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ ، قال: ثياب الله التي أخرج لعباده، الآية.

وكالذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله: ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سَرَفًا أو مَخِيلة.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قوله: ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ، في الطعام والشراب.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرِّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم, فقال الله لهم: ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ، يقول: لا تسرفوا في التحريم.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) ، قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( ولا تسرفوا ) ، لا تأكلوا حرامًا، ذلك الإسراف.

وقوله ( إنه لا يحب المسرفين ) ، يقول: إن الله لا يحب المتعدِّين حدَّه في حلال أو حرام, الغالين فيما أحلّ الله أو حرم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال, ولكنه يحبّ أن يحلَّل ما أحل ويحرَّم ما حرم, وذلك العدل الذي أمر به.

 

القول في تأويل قوله : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت, ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرَّم، أيها القوم، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزيَّنوا بها وتتجملوا بلباسها, والحلال من رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم.

واختلف أهل التأويل في المعنيّ: بـ « الطيبات من الرزق » ، بعد إجماعهم على أن « الزينة » ما قلنا.

فقال بعضهم: « الطيبات من الرزق » في هذا الموضع، اللحم. وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم.

ذكر من قال ذلك منهم:

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي في قوله: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، وهو الودَك.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، الذي حرموا على أنفسهم. قال: كانوا إذا حجُّوا أو اعتمروا، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها.

وحدثني به يونس مرة أخرى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( قل من حرم زينة الله ) إلى آخر الآية, قال: كان قوم يحرِّمون ما يخرج من الشاة، لبنها وسمنها ولحمها, فقال الله: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، قال: والزينة من الثياب.

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن رجل, عن الحسن قال: لما بعث محمدًا فقال: « هذا نبيي، هذا خياري, استنّوا به » ، خذوا في سَنَنه وسبيله، لم تغلق دونه الأبواب، ولم تُقَمْ دونه الحَجَبَة, ولم يُغْدَ عليه بالجفان، ولم يُرْجع عليه بها، وكان يجلس بالأرض, ويأكل طعامه بالأرض, ويلعق يده, ويلبس الغليظ, ويركب الحمار, ويُرْدِف بعده, وكان يقول: « مَنْ رغب عن سنتي فليس مني » . قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته، التاركين لها! ثم إنّ عُلُوجًا فُسَّاقًا, أكلة الربا والغُلول, قد سفَّههم ربي ومقتهم, زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا، وزخرفوا هذه البيوت, يتأوّلون هذه الآية: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان, قد جعلها ملاعبَ لبطنه وفرجه من كلام لم يحفظه سفيان.

وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة, والسائبة, والوصيلة, والحام.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها, وهو قول الله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا ، [ سورة يونس: 59 ] ، وهو هذا, فأنـزل الله: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )

 

القول في تأويل قوله : قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ

قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ، إذ عَيُّوا بالجواب، فلم يدروا ما يجيبونك : زينة الله التي أخرج لعباده, وطيبات رزقه، للذين صدّقوا الله ورسوله, واتبعوا ما أنـزل إليك من ربك، في الدنيا, وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه, وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة, لا يشركهم في ذلك يومئذ أحدٌ كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات, فأكلوا من طيبات طعامها, ولبسوا من خِيار ثيابها, ونكحوا من صالح نسائها, وخلصوا بها يوم القيامة.

وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه, عن ابن عباس فقال: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) ، يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا, ثم يُخْلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا, وليس للمشركين فيها شيء.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ، يقول: قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا, لا يشركهم فيها أحدٌ في الآخرة. وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم, فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا, وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، خالصةً للمؤمنين في الآخرة، لا يشاركهم فيها الكفار. فأما في الدنيا فقد شاركوهم.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، مَنْ عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة, ومَنْ ترك الإيمان في الدنيا قَدِم على ربّه لا عذرَ له.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السديّ: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) ، يشترك فيها معهم المشركون ( خالصة يوم القيامة ) ، للذين آمنوا.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب, ويوم القيامة يَخْلُص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين, وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيبٌ.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر, ويخلص خيرُ الآخرة للمؤمنين, وليس للكافر فيها نصيب.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال: هذه يوم القيامة للذين آمنوا, لا يشركهم فيها أهل الكفر، ويشركونهم فيها في الدنيا. وإذا كان يوم القيامة، فليس لهم فيها قليل ولا كثير.

وقال سعيد بن جبير في ذلك بما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن أبان، وحبويه الرازي أبو يزيد، عن يعقوب القمي, عن سعيد بن جبير: ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال: ينتفعون بها في الدنيا، ولا يتبعهم إثمها.

واختلفت القرأة في قراءة قوله: « خالصة » .

فقرأ ذلك بعض قرأة المدينة: « خَالِصَةٌ » ، برفعها, بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا.

وقرأه سائر قرأة الأمصار: ( خَالِصَةً ) ، بنصبها على الحال من « لهم » , وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاءً منها بدلالة الظاهر عليها, على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة, وهي لهم في الآخرة خالصة. ومن قال ذلك بالنصب، جعل خبر « هي » في قوله: ( للذين آمنوا )

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة، قراءة من قرأ نصبًا, لإيثار العرب النصبَ في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة، وإن كان الرفع جائزًا, غير أن ذلك أكثر في كلامهم.

 

القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 32 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة، والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها, وميزت بين ذلك لكم، أيها الناس, كذلك أبيِّن جميع أدلتي وحججي، وأعلامَ حلالي وحرامي وأحكامي، لقوم يعلمون ما يُبَيَّن لهم، ويفقهون ما يُمَيَّز لهم.

 

القول في تأويل قوله : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت, ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه: أيها القوم، إن الله لم يحرم ما تحرمونه, بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيَّبه لهم، وإنما حرم ربِّي القبائح من الأشياء وهي « الفواحش » « ما ظهر منها » ، فكان علانية « وما بطن » ، منها فكان سرًّا في خفاء.

وقد روي عن مجاهد في ذلك ما:-

حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: ( ما ظهر منها وما بطن ) ، قال: « ما ظهر منها » ، طوافُ أهل الجاهلية عراة « وما بطن » ، الزنى.

وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى، فكرهت إعادته.

وأما « الإثم » ، فإنه المعصية « والبغي » ، الاستطالة على الناس.

يقول تعالى ذكره: إنما حرم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( والإثم والبغي ) ، أما « الإثم » فالمعصية و « البغي » ، أن يبغي على الناس بغير الحق.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله: ( ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي ) ، قال: نهى عن « الإثم » ، وهي المعاصي كلها وأخبر أن الباغيَ بَغْيُه كائنٌ على نفسه.

 

القول في تأويل قوله : وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( 33 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به، أن تعبدوا مع الله إلهًا غيره ( ما لم ينـزل به سلطانًا ) ، يقول: حرم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شِرْكًا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانًا, وهو « السلطان » ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ، يقول: وأن تقولوا إن الله أمركم بالتعرِّي والتجرُّد للطواف بالبيت, وحرم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرمتموها وسيَّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي, وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرّمه، أو أمر به، أو أباحه, فتضيفوا إلى الله تحريمه وحَظْره والأمر به, فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرمه، أو تقولون إن الله أمركم به، جهلا منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله.

 

القول في تأويل قوله : وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ( 34 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره تهدُّدًا للمشركين الذين أخبر جل ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشة قالوا: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ووعيدًا منه لهم على كذبهم عليه، وعلى إصرارهم على الشرك به والمقام على كفرهم ومذكرًا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الذين كانوا قبلهم : ( ولكل أمة أجل ) ، يقول: ولكل جماعة اجتمعت على تكذيب رُسل الله، وردِّ نصائحهم, والشرك بالله، مع متابعة ربهم حججه عليهم « أجل » , يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم, ونـزول المثُلات بهم على شركهم ( فإذا جاء أجلهم ) ، يقول: فإذا جاء الوقت الذي وقّته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم ( لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) ، يقول: لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا، ولا يُمَتَّعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم، ساعة من ساعات الزمان ( ولا يستقدمون ) ، يقول: ولا يتقدّمون بذلك أيضًا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتًا للهلاك.

 

القول في تأويل قوله : يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 35 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره معرِّفًا خلقه ما أعدَّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله, وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: ( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم ) ، يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعتي، والانتهاء إلى أمري ونهيي « منكم » , يعني: من أنفسكم, ومن عشائركم وقبائلكم ( يقصون عليكم آياتي ) ، يقول: يتلون عليكم آيات كتابي, ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاؤوكم به من عندي, وحقيقة ما دعوكم إليه من توحيدي ( فمن اتقى وأصلح ) ، يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رُسلي مما قص عليه من آياتي وصدَّق، واتقى الله فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه على لسان رسوله ( وأصلح ) ، يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدًا قبل ذلك من معاصي الله بالتحوُّب منها ( فلا خوف عليهم ) ، يقول: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه ( ولا هم يحزنون ) ، على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها, وشهواتهم التي تجنَّبوها, اتباعًا منهم لنهي الله عنها، إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الله قال، حدثنا هياج قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد, عن أبي سيّار السُّلَمي قال، إن الله جعل آدم وذريته في كفّه فقال: ( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ، ثم نظر إلى الرسل فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [ سورة المؤمنون: 51- 52 ] ، ثم بَثَّهم.

فإن قال قائل: ما جواب قوله: ( إما يأتينكم رسل منكم ) ؟

قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك.

فقال بعضهم في ذلك: الجوابُ مضمرٌ, يدل عليه ما ظهر من الكلام, وذلك قوله: ( فمن اتقى وأصلح ) . وذلك لأنه حين قال: ( فمن اتقى وأصلح ) ، كأنه قال: فأطيعوهم.

وقال آخرون منهم: الجواب: « فمن اتقى » , لأن معناه: فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدل على أنّ ذلك كذلك, تبعيضه الكلام, فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر « منكم » .

 

القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 36 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأما من كذّب بإيتاء رسلي التي أرسلتها إليه، وجحد توحيدي، وكفر بما جاء به رسلي، واستكبر عن تصديق حُجَجي وأدلّتي ( فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، يقول: هم في نار جهنم ماكثون, لا يخرجون منها أبدًا.

 

القول في تأويل قوله : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلا وأجهلُ قولا وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب ( ممن افترى على الله كذبًا ) ، يقول: ممن اختلق على الله زُورًا من القول, فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها ( أو كذب بآياته ) ، يقول: أو كذب بأدلته وأعلامه الدّالة على وحدانيته ونبوّة أنبيائه, فجحد حقيقتها ودافع صحتها ( أولئك ) يقول: مَنْ فعل ذلك، فافترى على الله الكذب وكذب بآياته ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، يقول: يصل إليهم حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ.

ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك « النصيب » ، الذي لهم في « الكتاب » ، وما هو؟

فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعدَّه لأهل الكفر به.

ذكر من قال ذلك.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا مروان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح قوله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، أي من العذاب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن إسماعيل, عن أبي صالح, مثله.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، يقول: ما كتب لهم من العذاب.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن كثير بن زياد, عن الحسن في قوله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: من العذاب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن جويبر, عن أبي سهل, عن الحسن, قال: من العذاب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن رجل, عن الحسن, قال: من العذاب.

وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما سبق لهم من الشقاء والسعادة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سعيد: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: من الشِّقوة والسعادة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، كشقي وسعيد.

حدثنا واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن فضيل, عن الحسن ابن عمرو الفقيمي, عن الحكم قال: سمعت مجاهدًا يقول: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: هو ما سبق.

حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، ما كتب لهم من الشقاوة والسعادة.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة, كشقي وسعيد.

. . . . قال، حدثنا ابن المبارك, عن شريك, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، من الشقاوة والسعادة.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن إدريس, عن الحسن بن عمرو, عن الحكم, عن مجاهد: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ما قد سبق من الكتاب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ما سبق لهم في الكتاب.

. . . . قال، حدثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم, عن شريك, عن سالم, عن سعيد: ( أولئك ينالهم نصيبهم ) ، قال: من الشقاوة والسعادة.

. . . . قال: حدثنا أبو معاوية, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: ما قُضي أو قُدِّر عليهم.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ( ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، ينالهم الذي كتب عليهم من الأعمال.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية, عن إسماعيل بن سميع, عن بكر الطويل, عن مجاهد في قول الله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: قوم يعملون أعمالا لا بُدَّ لهم من أن يعملوها.

وقال آخرون: معنى ذلك، أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم، بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، يقول: نصيبهم من الأعمال, من عمل خيرًا جُزي به, ومن عمل شرًّا جزي به.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) قال: من أحكام الكتاب، على قدر أعمالهم.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم التي عملوا وأسْلَفوا.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة قوله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، أي: أعمالهم, أعمال السوء التي عملوها وأسلفوها.

حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، قال أبي: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، زعم قتادة: من أعمالهم التي عملوا.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك قوله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، يقول: ينالهم نصيبهم من العمل. يقول: إن عمل من ذلك نصيبَ خير جُزِي خيرًا, وإن عمل شرًّا جُزِي مثله.

وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وُعِدوا في الكتاب من خير أو شر.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس في هذه الآية: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: من الخير والشر.

. . . قال حدثنا زيد, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد قال: ما وُعدوا.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ما وعدوا.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر.

. . . . قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ليث, عن ابن عباس: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ما وُعِدوا مثله.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ما وُعِدوا فيه.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد في قوله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ما وعدوا من خير أو شر.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية, عن الحسن بن عمرو, عن الحكم, عن مجاهد في قول الله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب.

وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الذي كتبه الله على من افترى عليه.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، يقول: ينالهم ما كتب عليهم. يقول: قد كتب لمن يفتري على الله أنّ وجهه مسوَدٌّ.

وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع بن أنس: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، مما كتب لهم من الرزق.

. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب, عن ابن لهيعة, عن أبي صخر, عن القرظي: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: عمله ورزقه وعمره.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال: من الأعمال والأرزاق والأعمار, فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم، وقد فرغوا من هذه الأشياء كلها.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا، ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فأبان بإتباعه ذلك قولَه: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيًّا عليهم في الدنيا أن ينالهم, لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسلَه لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب، أو مما قد أعدّ لهم في الآخرة, لم يكن محدودًا بأنه ينالهم إلى مجيء رسل الله لوفاتهم، لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة, وأن عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء، فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه. فبيِّنٌ بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه.

 

القول في تأويل قوله : حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ( 37 )

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ( حتى إذا جاءتهم رسلنا ) ، إلى أن جاءتهم رسلنا. يقول جل ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، أو كذبوا بآيات ربهم, ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم، وسبق في علمه لهم من رزق وعمل وأجل وخير وشر في الدنيا, إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. فإذا جاءتهم رسلنا، يعني ملك الموت وجنده ( يتوفونهم ) ، يقول: يستوفون عددهم من الدنيا إلى الآخرة ( قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله ) ، يقول: قالت الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم, لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر الله الذي هو خالقكم وخالقهم، وما قد نـزل بساحتكم من عظيم البلاء؟ وهلا يُغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه؟ فأجابهم الأشقياء فقالوا: ضَلَّ عنا أولياؤنا الذين كنا ندعو من دون الله. يعني بقوله: ( ضلوا ) ، جاروا وأخذوا غير طريقنا، وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. يقول الله جل ثناؤه: وشهد القوم حينئذ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله، جاحدين وحدانيته.