القول في تأويل قوله : وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ( 82 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وما كان جواب قوم لُوط للوط ، إذ وبَّخهم على فعلهم القبيح ، وركوبهم ما حرم الله عليهم من العمل الخبيث ، إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله ولذلك قيل: « أخرجوهم » ، فجمع ، وقد جرى قبل ذكر « لوط » وحده دون غيره.

وقد يحتمل أن يكون إنما جمع بمعنى: أخرجوا لوطًا ومن كان على دينه من قريتكم فاكتفى بذكر « لوط » في أول الكلام عن ذكر أتباعه، ثم جمع في آخر الكلام، كما قيل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ، [ الطلاق: 1 ] .

وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

( إنهم أناس يتطهرون ) ، يقول: إن لوطًا ومن تبعه أناس يتنـزهون عما نفعله نحنُ من إتيان الرجال في الأدبار.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد النخعي، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: من أدبار الرجال وأدبار النساء.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، من أدبار الرجال وأدبار النساء.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: يتطهرون من أدبار الرجال والنساء.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: من أدبار الرجال ومن أدبار النساء.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: يتحرَّجون.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( إنهم أناس يتطهرون ) ، يقول: عابوهم بغير عَيْب، وذمُّوهم بغير ذَمّ.

 

القول في تأويل قوله : فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ( 83 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فلما أبى قوم لوط مع توبيخ لوط إياهم على ما يأتون من الفاحشة، وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتحريم ذلك عليهم إلا التمادي في غيّهم، أنجينا لوطًا وأهله المؤمنين به ، إلا امرأته ، فإنها كانت للوط خائنة ، وبالله كافرة.

وقوله: ( من الغابرين ) ، يقول: من الباقين.

وقيل: ( من الغابرين ) ، ولم يقل « الغابرات » ، لأنه أريد أنها ممن بقي مع الرجال، فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قيل: « من الغابرين » .

والفعل منه: « غبَرَ يَغْبُرُ غُبُورًا ، وغَبْرًا » ، وذلك إذا بقي ، كما قال الأعشى:

عَــضَّ بِمَــا أَبْقَـى المَوَاسِـي لَـهُ مِــنْ أَمَــةٍ فِــي الـزَّمَنِ الغَـابِرِ

وكما قال الآخر:

وَأَبِــي الَّـذِي فَتَـحَ البِـلادَ بِسَـيْفِهِ فَأَذَلَّهـــا لِبَنِــي أَبَــانَ الغَــابِرِ

يعني: الباقي.

فإن قال قائل: فكانت امرأة لوط ممن نجا من الهلاك الذي هلك به قوم لوط؟

قيل: لا بل كانت فيمن هلك.

فإن قال: فكيف قيل: ( إلا امرأته كانت من الغابرين ) ، وقد قلت إن معنى « الغابر » الباقي؟ فقد وجب أن تكون قد بقيت؟

قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبتَ إليه ، وإنما عنى بذلك ، إلا امرأته كانت من الباقين قبلَ الهلاك ، والمعمَّرين الذين قد أتى عليهم دهرٌ كبيرٌ ومرّ بهم زمن كثيرٌ، حتى هرِمت فيمن هرِم من الناس، فكانت ممن غبرَ الدهرَ الطويلَ قبل هلاك القوم، فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب.

وقيل: معنى ذلك: من الباقين في عذاب الله.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ، [ سورة الشعراء : 171 /سورة الصافات : 135 ] ، في عذاب الله.

 

القول في تأويل قوله : وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ( 84 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأمطرنا على قوم لوط الذين كذبوا لوطًا ولم يؤمنوا به ، مطرًا من حجارة من سجّيل أهلكناهم به ( فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) ، يقول جل ثناؤه: فانظر ، يا محمد ، إلى عاقبة هؤلاء الذين كذبوا الله ورسوله من قوم لوط، فاجترموا معاصيَ الله ، وركبوا الفواحش ، واستحلوا ما حرم الله من أدبار الرجال، كيف كانت؟ وإلى أي شيء صارت؟ هل كانت إلا البوار والهلاك؟ فإن ذلك أو نظيرَه من العقوبة، عاقبةُ من كذَّبك واستكبر عن الإيمان بالله وتصديقك إن لم يتوبوا، من قومك.

 

القول في تأويل قوله : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 85 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ولد مدين و « مدين » ، هم ولدُه مديان بن إبراهيم خليل الرحمن، فيما:-

حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.

فإن كان الأمر كما قال: فـ « مدين » ، قبيلة كَتميم.

وزعم أيضًا ابن إسحاق: أن شعيبًا الذي ذكر الله أنه أرسله إليهم ، من ولد مدين هذا، وأنه « شعيب بن ميكيل بن يشجر » ، قال: واسمه بالسريانية ، « يثرون » .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام على ما قاله ابن إسحاق: ولقد أرسلنا إلى ولد مدين ، أخاهم شعيب بن ميكيل، يدعوهم إلى طاعة الله ، والانتهاء إلى أمره، وترك السعي في الأرض بالفساد ، والصدِّ عن سبيله، فقال لهم شعيب: يا قوم ، اعبدوا الله وحده لا شريك له، ما لكم من إله يستوجب عليكم العبادة غير الإله الذي خلقكم ، وبيده نفعكم وضركم ( قد جاءتكم بينة من ربكم ) ، يقول: قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقيقة ما أقول ، وصدق ما أدعوكم إليه ( فأوفوا الكيل والميزان ) ، يقول: أتموا للناس حقوقهم بالكيل الذي تكيلون به ، وبالوزن الذي تزنون به ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ، يقول ولا تظلموا الناس حقوقهم ، ولا تنقصوهم إياها.

ومن ذلك قولهم: « تَحْسَبُها حَمْقَاءَ وهي بَاخِسَةٌ » ، بمعنى: ظالمة ومنه قول الله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ، [ سورة يوسف: 20 ] ، يعني به: رديء.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ، يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ، : قال: لا تظلموا الناس أشياءهم.

قوله: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) ، يقول: ولا تعملوا في أرض الله بمعاصيه ، وما كنتم تعملونه قبل أن يبعث الله إليكم نبيه، من عبادة غير الله ، والإشراك به ، وبخس الناس في الكيل والوزن ( بعد إصلاحها ) ، يقول: بعد أن قد أصلح الله الأرض بابتعاث النبي عليه السلام فيكم، ينهاكم عما لا يحل لكم ، وما يكرهه الله لكم ( ذلكم خير لكم ) ، يقول: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به ، من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ، وإيفاء الناس حقوقهم من الكيل والوزن ، وترك الفساد في الأرض، خيرٌ لكم في عاجل دنياكم وآجل آخرتكم عند الله يوم القيامة ( إن كنتم مؤمنين ) ، يقول: إن كنتم مصدقيَّ فيما أقول لكم ، وأؤدِّي إليكم عن الله من أمره ونهيه.

 

القول في تأويل قوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( 86 )

قال أبو جعفر : يعني بقوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، ولا تجلسوا بكل طريق وهو « الصراط » توعدون المؤمنين بالقتل.

وكانوا ، فيما ذكر ، يقعدون على طريق من قصد شعيبًا وأراده ليؤمن به، فيتوعَّدونه ويخوِّفونه ، ويقولون: إنه كذاب!

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( بكل صراط توعدون ) ، قال: كانوا يوعدون مَنْ أتى شعيبًا وغشِيَه فأراد الإسلام.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، و « الصراط » ، الطريق، يخوِّفون الناس أن يأتوا شعيبًا.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله ) ، قال: كانوا يجلسون في الطريق ، فيخبرون مَنْ أتى عليهم: أن شعيبًا عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: ( بكل صراط ) ، قال:طريق ( توعدون ) ، بكل سبيل حق.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، كانوا يقعدون على كل طريق يوعدون المؤمنين.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن السدي: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، قال: العشَّارُون.

حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر الرازي قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسْرِي به على خشبة على الطريق ، لا يمرُّ بها ثوبٌ إلا شقته ، ولا شيء إلا خرقته ، قال: ما هذا يا جبريل ؟ ، قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه! ثم تلا ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون ) .

وهذا الخبر الذي ذكرناه عن أبي هريرة ، يدلّ على أن معناه كان عند أبي هريرة: أن نبي الله شعيبًا إنما نهى قومه بقوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، عن قطع الطريق، وأنهم كانوا قُطَّاع الطريق.

وقيل: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، ولو قيل في غير القرآن: « لا تقعدوا في كلّ صراط » ، كان جائزًا فصيحًا في الكلام ، وإنما جاز ذلك لأن الطريق ليس بالمكان المعلوم، فجاز ذلك كما جاز أن يقال: « قعد له بمكان كذا، وعلى مكان كذا، وفي مكان كذا » .

وقال: ( توعدون ) ، ولم يقل: « تَعِدُون » ، لأن العرب كذلك تفعل فيما أبهمت ولم تفصح به من الوعيد. تقول: « أوعدته » بالألف ، « وتقدَّم مني إليه وعيد » ، فإذا بينت عما أوعدت وأفصحت به، قالت: « وعدته خيرًا » ، و « وعدته شرًّا » ، بغير ألف، كما قال جل ثناؤه: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، [ سورة الحج: 72 ] .

وأما قوله: ( وتصدون عن سبيل الله من آمن به ) ، فإنه يقول: وتردُّون عن طريق الله ، وهو الردُّ عن الإيمان بالله والعمل بطاعته ( من آمن به ) ، يقول: تردُّون عن طريق الله مَنْ صدق بالله ووحّده ( وتبغونها عوجًا ) ، يقول: وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته ( عوجًا ) ، عن القصد والحق ، إلى الزيغ والضلال ، كما:-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وتصدون عن سبيل الله ) ، قال: أهلها ( وتبغونها عوجًا ) ، تلتمسون لها الزيغ.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( وتبغونها عوجًا ) ، قال: تبغون السبيل عن الحق عوجًا.

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( وتصدون عن سبيل الله ) ، عن الإسلام تبغون السبيل ( عوجًا ) ، هلاكًا.

وقوله: ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) ، يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثّرَ جماعتهم بعد أن كانوا قليلا عددهم، وأنْ رَفعهم من الذلة والخساسة ، يقول لهم: فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك ، وأخلصوا له العبادة، واتقوا عقوبته بالطاعة، واحذروا نقمته بترك المعصية ، ( وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) ، يقول: وانظروا ما نـزل بمن كان قبلكم من الأمم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله، من المَثُلات والنقمات، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه؟ ألم يُهلك بعضهم غرقًا بالطوفان ، وبعضهم رجمًا بالحجارة ، وبعضهم بالصيحة؟

و « الإفساد » ، في هذا الموضع ، معناه: معصية الله.

 

القول في تأويل قوله : وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ( 87 )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره: ( وإن كان طائفة منكم ) ، وإن كانت جماعة منكم وفرقة ( آمنوا ) ، يقول: صدّقوا ( بالذي أرسلتُ به ) من إخلاص العبادة لله ، وترك معاصيه ، وظلم الناس ، وبخسهم في المكاييل والموازين، فاتّبعوني على ذلك ( وطائفة لم يؤمنوا ) ، يقول: وجماعة أخرى لم يصدِّقوا بذلك، ولم يتبعوني عليه ( فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ) ، يقول: فاحتبسوا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم ( وهو خير الحاكمين ) ، يقول: والله خيرُ من يفصل وأعدل من يقضي، لأنه لا يقع في حكمه مَيْلٌ إلى أحدٍ، ولا محاباة لأحدٍ.