القول في تأويل قوله : رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ( 87 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: رضي هؤلاء المنافقون الذين إذا قيل لهم: آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله, استأذنك أهل الغنى منهم في التخلف عن الغزو والخروج معك لقتال أعداء الله من المشركين أن يكونوا في منازلهم، كالنساء اللواتي ليس عليهن فرض الجهاد, فهن قعود في منازلهنّ وبيوتهنّ ( وطبع على قلوبهم ) ، يقول: وختم الله على قلوب هؤلاء المنافقين ( فهم لا يفقهون ) ، عن الله مواعظه، فيتعظون بها.

وقد بينا معنى « الطبع » ، وكيف الختم على القلوب، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وبنحو الذي قلنا في معنى « الخوالف » قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، قال: « الخوالف » هنّ النساء.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، يعني: النساء.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبوية أبو يزيد, عن يعقوب القمي, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية: ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، قال: النساء.

...... قال: حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك: ( مع الخوالف ) ، قال: مع النساء.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، أي: مع النساء.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة والحسن: ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، قالا النساء.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، قال: مع النساء.

 

القول في تأويل قوله : لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 88 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لم يجاهد هؤلاء المنافقون الذين اقتصصت قصصهم المشركين, لكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والذين صدقوا الله ورسوله معه، هم الذين جاهدوا المشركين بأموالهم وأنفسهم, فأنفقوا في جهادهم أموالهم وأتعبوا في قتالهم أنفسهم وبذلوها ( وأولئك ) ، يقول: وللرسول وللذين آمنوا معه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( الخيرات ) , وهي خيرات الآخرة, وذلك: نساؤها، وجناتها، ونعيمها.

واحدتها « خَيْرَة » , كما قال الشاعر:

وَلَقَــدْ طَعَنْــتُ مَجَـامِعَ الـرَّبَلاتِ رَبَــلاتِ هِنْــدٍ خَــيْرَةِ المَلِكـاتِ

و « الخيرة » ، من كل شيء، الفاضلة.

( وأولئك هم المفلحون ) ، يقول: وأولئك هم المخلدون في الجنات، الباقون فيها، الفائزون بها.

 

القول في تأويل قوله : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 89 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أعد الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وللذين آمنوا معه ( جنات ) , وهي البساتين، تجري من تحت أشجارها الأنهار ( خالدين فيها ) ، يقول: لابثين فيها, لا يموتون فيها, ولا يظعنون عنها ( ذلك الفوز العظيم ) ، يقول: ذلك النجاء العظيم، والحظّ الجزيل.

 

القول في تأويل قوله : وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 90 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( وجاء ) ، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ( المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ) ، في التخلف ( وقعد ) ، عن المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه ( الذين كذبوا الله ورسوله ) ، وقالوا الكذب, واعتذرُوا بالباطل منهم. يقول تعالى ذكره: سيُصيب الذين جحدوا توحيد الله ونبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم منهم، عذابٌ أليم.

فإن قال قائل: ( وجاء المعذّرون ) ، وقد علمت أن « المعذِّر » ، في كلام العرب، إنما هو: الذي يُعَذِّر في الأمر فلا يبالغ فيه ولا يُحكمه؟ وليست هذه صفة هؤلاء, وإنما صفتهم أنهم كانوا قد اجتهدوا في طلب ما ينهضون به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدوّهم, وحرصوا على ذلك, فلم يجدوا إليه السبيل, فهم بأن يوصفوا بأنهم: « قد أعذروا » ، أولى وأحق منهم بأن يوصفوا بأنهم « عذَّروا » . وإذا وصفوا بذلك، فالصَّواب في ذلك من القراءة، ما قرأه ابن عباس, وذلك ما:-

حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق، عن الضحاك قال: كان ابن عباس يقرأ: ( وَجَاءَ الْمُعْذِرُونَ ) ، مخففةً, ويقول: هم أهل العذر.

مع موافقة مجاهد إياه وغيره عليه؟

قيل: إن معنى ذلك على غير ما ذهبتَ إليه, وإن معناه: وجاء المعتذِرون من الأعراب ولكن « التاء » لما جاورت « الذال » أدغمت فيها, فصُيِّرتا ذالا مشدَّدة، لتقارب مخرج إحداهما من الأخرى, كما قيل: « يذَّكَّرون » في « يتذكرون » , و « يذكّر » في « يتذكر » وخرجت العين من « المعذّرين » إلى الفتح, لأن حركة التاء من « المعتذرين » ، وهي الفتحة، نقلت إليها، فحركت بما كانت به محركة. والعرب قد توجِّه في معنى « الاعتذار » ، إلى « الإعذار » , فيقول: « قد اعتذر فلان في كذا » , يعني: أعذر, ومن ذلك قول لبيد:

إِلَـى الحَـوْلِ ثُـمَّ اسْـمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا ومَـنْ يَبْـكِ حَـوْلا كَـامِلا فَقَدِ اعتَذَرْ

فقال: فقد اعتذر, بمعنى: فقد أعْذَر.

على أن أهل التأويل قد اختلفوا في صفة هؤلاء القوم الذين وصفهم الله بأنهم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم « معذِّرين » .

فقال بعضهم: كانوا كاذبين في اعتذارهم, فلم يعذرهم الله.

ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي, عن الحسين قال: كان قتادة يقرأ: ( وجاء المعذرون من الأعراب ) ، قال: اعتذروا بالكذب.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا, عن ابن جريج, عن مجاهد: ( وجاء المعذرون من الأعراب ) ، قال: نفر من بني غفار، جاءوا فاعتذروا, فلم يعذرهم الله.

فقد أخبر من ذكرنا من هؤلاء: أن هؤلاء القوم إنما كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحق، فغير جائز أن يوصفوا بالإعذار، إلا أن يوصفوا بأنهم أعْذَرُوا في الاعتذار بالباطل. فأمّا بالحق على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء فغير جائز أن يوصَفوا به.

وقد كان بعضهم يقول: إنما جاءوا معذّرين غير جادِّين, يعرضون ما لا يريدون فعله. فمن وجَّهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك, غير أني لا أعلم أحدًا من أهل العلم بتأويل القرآن وجَّه تأويله إلى ذلك, فأستحبُّ القول به.

وبعدُ, فإن الذي عليه من القراءة قرأة الأمصار، التشديد في « الذال » , أعني من قوله: ( المُعَذّرُونَ ) ، ففي ذلك دليلٌ على صحة تأويل من تأوله بمعنى الاعتذار، لأن القوم الذين وُصفوا بذلك لم يكلفوا أمرًا عَذَّرُوا فيه, وانما كانوا فرقتين: إما مجتهد طائع، وإما منافق فاسقٌ، لأمر الله مخالف. فليس في الفريقين موصوفٌ بالتعذير في الشخوص مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنما هو معذّر مبالغٌ, أو معتَذِر.

فإذا كان ذلك كذلك, وكانت الحجة من القرأة مجمعة على تشديد « الذال » من « المعذرين » , عُلم أن معناه ما وصفناه من التأويل.

وقد ذكر عن مجاهد في ذلك موافقة ابن عباس.

حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن حميد قال: قرأ مجاهد: ( وَجاءَ المُعذَرُونَ ) ، مخففةً, وقال: هم أهل العذر.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: كان المعذرون، [ فيما بلغني، نفرًا من بني غِفارٍ، منهم: خفاف بن أيماء بن رَحَضة، ثم كانت القصة لأهل العذر، حتى انتهى إلى قوله: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ، [ الآية ] .

 

القول في تأويل قوله : لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 91 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ليس على أهل الزمانة وأهل العجز عن السفر والغزو, ولا على المرضى, ولا على من لا يجد نفقة يتبلَّغ بها إلى مغزاه « حرج » , وهو الإثم، يقول: ليس عليهم إثم، إذا نصحوا لله ولرسوله في مغيبهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما على المحسنين من سبيل ) ، يقول: ليس على من أحسن فنصح لله ولرسوله في تخلّفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجهاد معه، لعذر يعذر به، طريقٌ يتطرَّق عليه فيعاقب من قبله ( والله غفور رحيم ) ، يقول: والله ساتر على ذنوب المحسنين, يتغمدها بعفوه لهم عنها ( رحيم ) ، بهم، أن يعاقبهم عليها.

وذكر أن هذه الآية نـزلت في « عائذ بن عمرو المزني » .

وقال بعضهم في « عبد الله بن مغفل » .

* ذكر من قال: نـزلت في « عائذ بن عمرو » .

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ) ، نـزلت في عائذ بن عمرو.

* ذكر من قال: نـزلت في « ابن مغفل » .

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ) ، إلى قوله: حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه, فجاءته عصابة من أصحابه، فيهم « عبد الله بن مغفل المزني » , فقالوا: يا رسول الله، احملنا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أجد ما أحملكم عليه! فتولوا ولهم بكاءٌ, وعزيزٌ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقةً ولا محملا. فلما رأى الله حرصَهم على محبته ومحبة رسوله, أنـزل عذرهم في كتابه فقال: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ) ، إلى قوله: فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ .

 

القول في تأويل قوله : وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ( 92 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا سبيل أيضًا على النفر الذين إذا ما جاءوك، لتحملهم، يسألونك الحُمْلان، ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداءِ الله معك، يا محمد, قلت لهم: لا أجد حَمُولةً أحملكم عليها ( تولوا ) ، يقول: أدبروا عنك, ( وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ) ، وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون، ويتحمَّلون به للجهادِ في سبيل الله.

وذكر بعضهم: أن هذه الآية نـزلت في نفر من مزينة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ) ، قال: هم من مزينة.

حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) ، قال: هم بنو مُقَرِّنٍ، من مزينة.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن ابن جريج قراءةً، عن مجاهد في قوله: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) ، إلى قوله: ( حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون ) ، قال: هم بنو مقرِّن. من مزينة.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) ، قال: هم بنو مقرِّن من مزينة.

...... قال، حدثنا أبي, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, عن عروة, عن ابن مغفل المزني, وكان أحد النفر الذين أنـزلت فيهم: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) ، الآية.

حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: ( تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ) ، قال: منهم ابن مقرِّن وقال سفيان: قال الناس: منهم عرباض بن سارية.

وقال آخرون: بل نـزلت في عِرْباض بن سارية.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو عاصم, عن ثور بن يزيد, عن خالد بن معدان, عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قالا دخلنا على عرباض بن سارية, وهو الذي أنـزل فيه: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) ، الآية.

حدثني المثنى قال، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال، حدثنا الوليد قال، حدثنا ثور, عن خالد, عن عبد الرحمن بن عمرو, وحجر بن حجر بنحوه.

وقال آخرون: بل نـزلت في نفر سبعة، من قبائل شتى.

ذكر من قال ذلك:

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب وغيره قال: جاء ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه, فقال: ( لا أجد ما أحملكم عليه ) ! فأنـزل الله: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) ، الآية. قال: هم سبعة نفر: من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير ومن بني واقف: هرمي بن عمرو ومن بني مازن بن النجار: عبد الرحمن بن كعب, يكنى أبا ليلى ومن بني المعلى: سلمان بن صخر ومن بني حارثة: عبد الرحمن بن يزيد، أبو عبلة, وهو الذي تصدق بعرضِه فقبله الله منه ومن بني سَلِمة: عمرو بن غنمة, وعبد الله بن عمرو المزني.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قوله: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) ، إلى قوله: ( حزنًا ) ، وهم البكاؤون، كانوا سبعة.

 

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( 93 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما السبيل بالعقوبة على أهل العذر، يا محمد, ولكنها على الذين يستأذنونك في التخلف خِلافَك، وترك الجهاد معك، وهم أهل غنى وقوّةٍ وطاقةٍ للجهاد والغزو, نفاقًا وشكًّا في وعد الله ووعيده ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) ، يقول: رضوا بأن يجلسوا بعدك مع النساء وهن « الخوالف » ، خلف الرجال في البيوت, ويتركوا الغزو معك، ( وطبع الله على قلوبهم ) ، يقول: وختم الله على قلوبهم بما كسبوا من الذنوب ( فهم لا يعلمون ) ، سوء عاقبتهم، بتخلفهم عنك، وتركهم الجهاد معك، وما عليهم من قبيح الثناء في الدنيا، وعظيم البلاء في الآخرة.