القول في تأويل قوله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ( 71 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( واتل ) على هؤلاء المشركين الذين قالوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، من قومك ( نبأ نوح ) ، يقول: خبر نوح ( إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي ) ، يقول: إن كان عظم عليكم مقامي بين أظهركم وشقّ عليكم، ( وتذكيري بآيات الله ) ، يقول، ووعظي إياكم بحجج الله، وتنبيهي إياكم على ذلك ( فعلى الله توكلت ) ، يقول: إن كان شق عليكم مقامي بين أظهركم ، وتذكيري بآيات الله ، فعزمتم على قتلي أو طردي من بين أظهركم، فعلى الله اتكالي وبه ثقتي ، وهو سَنَدي وظهري ( فأجمعوا أمركم ) ، يقول: فأعدُّوا أمركم ، واعزموا على ما تنوُون عليه في أمري.

يقال منه: « أجمعت على كذا » ، بمعنى: عزمت عليه،

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من لم يُجْمِع على الصوم من الليل فلا صَوْم له » ، بمعنى: من لم يعزم، ومنه قول الشاعر:

يَـا لَـيْتَ شِعْـرِي وَالْمُنَـى لا تَنْفَــعُ هَلْ أَغْـدُوَنْ يَوْمًــا وَأَمْـرِي مُجْمَــعُ

وروي عن الأعرج في ذلك ما:-

حدثني بعض أصحابنا ، عن عبد الوهاب ، عن هارون، عن أسيد، عن الأعرج: ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) ، يقول: أحكموا أمركم ، وادعوا شركاءكم.

ونصب قوله: ( وشركاءكم ) ، بفعل مضمر له، وذلك: « وادعوا شركاءكم » ، وعطف ب « الشركاء » على قوله: ( أمركم ) ، على نحو قول الشاعر:

وَرَأَيْــتِ زَوْجَــكِ فِــي الْـوَغَى مُتَقَلِّــــدًا سَــــيْفًا وَرُمْحَـــا

فالرمح لا يُتَقلَّد، ولكن لما كان فيما أظهر من الكلام دليلٌ على ما حذف، اكتفي بذكر ما ذكر منه مما حذف ، فكذلك ذلك في قوله: ( وشركاءكم ) .

واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته قراء الأمصار: ( وَشُرَكَاءَكُمْ ) نصبًا، وقوله: ( فَأَجْمِعُوا ) ، بهمز الألف وفتحها، من : « أجمعت أمري فأنا أجمعه إجماعًا. »

وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ ) ، بفتح الألف وهمزها ( وَشُرَكَاؤُكُمْ ) ، بالرفع على معنى: وأجمعوا أمركم، وليجمع أمرَهم أيضًا معكم شركاؤكم.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك قراءةُ من قرأ: ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ) ، بفتح الألف من « أجمعوا » ، ونصب « الشركاء » ، لأنها في المصحف بغير واو، ولإجماع الحجة على القراءة بها ، ورفض ما خالفها، ولا يعترض عليها بمن يجوز عليه الخطأ والسهو.

وعني ب « الشركاء » ، آلهتهم وأوثانهم.

وقوله: ( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) ، يقول: ثم لا يكن أمركم عليكم ملتبسًا مشكلا مبهمًا.

من قولهم: « غُمَّ على الناس الهلال » ، وذلك إذا أشكل عليهم فلم يتبيَّنوه، ومنه قول [ العجاج ] :

بَــلْ لَـوْ شَـهِدْتِ النَّـاسَ إِذْ تُكُمُّـوا بِغُمّــةٍ لَــوْ لَــمْ تُفَــرَّجْ غُمُّـوا

وقيل: إن ذلك من « الغم » ، لأن الصدر يضيق به ، ولا يتبين صاحبه لأمره مَصدرًا يَصْدُرُه يتفرَّج عليه ما بقلبه، ومنه قول خنساء:

وَذِي كُرْبَـةٍ رَاخَـى ابْنُ عَمْرٍو خِنَاقَه وَغُمَّتَــهُ عَــنْ وَجْهِــهِ فَتَجَـلَّتِ

وكان قتادة يقول في ذلك ما:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( أمركم عليكم غمة ) ، قال: لا يكبر عليكم أمركم.

وأما قوله: ( ثم اقضوا إليّ ) ، فإن معناه: ثم أمضوا إليّ ما في أنفسكم وافرغوا منه، كما:-

حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون ) ، قال: اقضوا إليّ ما كنتم قاضين.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون ) ، قال: اقضوا إليّ ما في أنفسكم.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: ( ثم اقضوا إليّ ) . .

فقال بعضهم: معناه: امضوا إلي، كما يقال: « قد قضى فلان » ، يراد: قد مات ومَضَى.

وقال آخرون منهم: بل معناه: ثم افرغوا إليّ، وقالوا: « القضاء » ، الفراغ، والقضاء من ذلك. قالوا: وكأنّ « قضى دينه » من ذلك ، إنما هو فَرَغ منه.

وقد حُكي عن بعض القراء أنه قرأ ذلك: ( ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ ) ، بمعنى: توجَّهوا إليّ حتى تصلوا إليّ، من قولهم: « قد أفْضَى إليّ الوَجَع وشبهه » .

وقوله: ( ولا تنظرون ) ، يقول: ولا تؤخرون.

من قول القائل: « أنظرت فلانًا بما لي عليه من الدين » .

قال أبو جعفر: وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول نبيه نوح عليه السلام لقومه: إنه بنُصرة الله له عليهم واثق ، ومن كيدهم وبوائقهم غير خائف وإعلامٌ منه لهم أن آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع، يقول لهم: أمضوا ما تحدّثون أنفسكم به فيَّ ، على عزم منكم صحيح، واستعينوا مع من شايعكم عليّ بآلهتكم التي تدْعون من دون الله، ولا تؤخروا ذلك ، فإني قد توكلت على الله ، وأنا به واثق أنكم لا تضروني إلا أن يشاء ربي.

وهذا وإن كان خبرًا من الله تعالى عن نوح، فإنه حثٌّ من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على التأسّي به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرشاد فيما قلَّده من الرسالة والبلاغ عنه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 72 )

يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نبيه نوح عليه السلام لقومه: ( فإن توليتم ) ، أيها القوم ، عني بعد دعائي إياكم ، وتبليغ رسالة ربي إليكم ، مدبرين، فأعرضتم عمّا دعوتكم إليه من الحقّ ، والإقرار بتوحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، وترك إشراك الآلهة في عبادته، فتضييعٌ منكم وتفريطٌ في واجب حق الله عليكم، لا بسبب من قبلي، فإني لم أسألكم على ما دعوتكم إليه أجرًا ، ولا عوضًا أعتاضه منكم بإجابتكم إياي إلى ما دعوتكم إليه من الحق والهدى، ولا طلبت منكم عليه ثوابًا ولا جزاءً ( إن أجري إلا على الله ) يقول جل ثناؤه: إن جزائي وأجر عملي وثوابه إلا على ربي ، لا عليكم ، أيها القوم ، ولا على غيركم ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) ، وأمرني ربي أن أكون من المذعنين له بالطاعة ، المنقادين لأمره ونهيه ، المذللين له، ومن أجل ذلك أدعوكم إليه ، وبأمره آمركم بترك عبادة الأوثان.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ( 73 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فكذب نوحًا قومه فيما أخبرهم به عن الله من الرسالة والوحي « فنجيناه ومن معه » ممن حمل معه في « الفلك » ، يعني في السفينة « وجعلناهم خلائف » ، يقول: وجعلنا الذين نجينا مع نوح في السفينة خلائف في الأرض من قومه الذين كذبوه بعد أن أغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، يعني حججنا وأدلتنا على توحيدنا، ورسالة رسولنا نوح.

يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: « فانظر » ، يا محمد كيف كان عاقبة المنذرين « وهم الذين أنذرهم نوحٌ عقابَ الله على تكذيبهم إياه وعبادتهم الأصنام. يقول له جل ثناؤه: انظر ماذا أعقبهم تكذيبهم رسولَهم، فإن عاقبة من كذَّبك من قومك إن تمادوا في كفرهم وطغيانهم على ربهم ، نحو الذي كان من عاقبة قوم نوح حين كذبوه. »

يقول جل ثناؤه: فليحذروا أن يحلّ بهم مثل الذي حلّ ، بهم إن لم يتوبوا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ( 74 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بعثنا من بعد نوح رسلا إلى قومهم، فأتوهم ببينات من الحجج والأدلّة على صدقهم، وأنهم لله رسل، وأن ما يدعونهم إليه حقّ ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) ، يقول: فما كانوا ليصدّقوا بما جاءتهم به رسلهم بما كذب به قوم نوح ومن قبلَهم من الأمم الخالية من قبلهم ( كذلك نطبع على قلوب المعتدين ) ، يقول تعالى ذكره: كما طبعنا على قلوب أولئك فختمنا عليها، فلم يكونوا يقبَلون من أنبياء الله نصيحتَهم، ولا يستجيبون لدعائهم إيّاهم إلى ربهم ، بما اجترموا من الذنوب واكتسبوا من الآثام كذلك نطبع على قلوب من اعتدى على ربّه فتجاوز ما أمره به من توحيده، وخالف ما دعاهم إليه رسلهم من طاعته، عقوبة لهم على معصيتهم ربَّهم من هؤلاء الآخرين من بعدهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ( 75 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الذين أرسلناهم من بعد نوح إلى قومهم، موسى وهارون ابني عمران ، إلى فرعون مصر وملئه ، يعني: وأشراف قومه وسادتهم ( بآياتنا ) ، يقول: بأدلتنا على حقيقة ما دعوهم إليه من الإذعان لله بالعُبُودة، والإقرار لهما بالرسالة ( فاستكبروا ) ، يقول: فاستكبروا عن الإقرار بما دعاهم إليه موسى وهارون ( وكانوا قومًا مجرمين ) ، يعني: آثمين بربهم ، بكفرهم بالله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ( 76 ) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ( 77 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا ) ، يعني: فلما جاءهم بيانُ ما دعاهم إليه موسى وهارون، وذلك الحجج التي جاءهم بها، وهي الحق الذي جاءهم من عند الله ( قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ) ، يعنون أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له ( قال موسى ) ، لهم: ( أتقولون للحق لما جاءكم ) ، من عند الله ( أسحر هذا ) ؟ .

واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله: ( أسحر هذا ) ؟ فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت فيه على الحكاية لقولهم ، لأنهم قالوا: ( أسحر هذا ) ؟ فقال: أتقولون: ( أسحر هذا ) ؟

وقال بعض نحويي الكوفة: إنهم قالوا : « هذا سحر » ، ولم يقولوه بالألف، لأن أكثر ما جاء بغير ألف. قال: فيقال: فلم أدخلت الألف؟ فيقال: قد يجوز أن تكون من قِيلهم وهم يعلمون أنه سحر، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته: أحقٌّ هذا؟ وقد علم أنه حق. قال: وقد يجوز أن تكون على التعجّب منهم: أسحر هذا؟ ما أعظمه!

قال أبو جعفر: وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المفعولُ محذوفًا، ويكون قوله: ( أسحر هذا ) ، من قيل موسى ، منكرًا على فرعون وملئه قولَهم للحق لما جاءهم: « سحر » ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قال موسى لهم: ( أتقولون للحق لما جاءكم ) وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه سحرٌ، أسحرٌ هذا الحقّ الذي ترونه؟ فيكون « السحر » الأوّل محذوفًا ، اكتفاءً بدلالة قول موسى ( أسحر هذا ) ، على أنه مرادٌ في الكلام، كما قال ذو الرمة.

فَلَمَّـا لَبِسْـنَ اللَّيْـلَ , أَوْ حِينَ نَصَّبَت لَـهُ مِـنْ خَـدَا آذَانِهَـا وَهْـوَ جَـانِحُ

يريد: أو حين أقبل، ثم حذف اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، وكما قال جل ثناؤه: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ [ سورة الإسراء: 7 ] ، والمعنى: بعثناهم لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه، في أشباه لما ذكرنا كثيرة ، يُتْعب إحصاؤها.

وقوله: ( ولا يفلح الساحرون ) ، يقول: ولا ينجح الساحرون ولا يَبْقون.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ( 78 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال فرعون وملؤه لموسى: ( أجئتنا لتلفتنا ) ، يقول: لتصرفنا وتلوينا ( عمّا وجدنا عليه آباءنا ) ، من قبل مجيئك ، من الدين.

يقال منه: « لفت فلانٌ [ عنق فلان » إذا لواها، كما قال رؤبة ] :

*لَفْتًا وَتْهِزِيعًا سَواءَ اللَّفْتِ*

« التهزيع » : الدق، و « اللفت » ، اللّي، كما:-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : ( لتلفتنا ) ، قال: لتلوينا عما وجدنا عليه آباءنا.

وقوله: ( وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) ، يعني العظمة، وهي « الفعلياء » من « الكبر » . ومنه قول ابن الرِّقاع:

سُــؤْدَدًا غَــيْرَ فَــاحِش لا يُــدَا نِيـــهِ تِجِبَّـــارَةٌ وَلا كِبْرِيـــاءُ

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) ، قال: الملك.

. . . . قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد: ( وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) ، قال: السلطان في الأرض.

. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد قال: الملك في الأرض.

. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: ( وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) ، قال: الطاعة.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) قال: الملك.

. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد قال: السلطان في الأرض.

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال كلها متقارباتُ المعاني، وذلك أن الملك سلطان، والطاعة ملك، غير أن معنى « الكبرياء » ، هو ما ثبت في كلام العرب، ثم يكون ذلك عظمة بملك وسلطان وغير ذلك.

وقوله: ( وما نحن لكما بمؤمنين ) ، يقول: « وما نحن لكما » يا موسى وهارون « بمؤمنين » ، يعني بمقرِّين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا.