القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 13 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كفاك حجةً على حقيقة ما أتيتهم به، ودلالةً على صحة نبوّتك ، هذا القرآن ، من سائر الآيات غيره، إذ كانت الآيات إنما تكون لمن أعطيها دلالة على صدقه، لعجز جميع الخلق عن أن يأتوا بمثلها. وهذا القرآن ، جميع الخلق عَجَزَةٌ عن أن يأتوا بمثله، فان هم قالوا: « افتريته » ، أي : اختلقته وتكذَّبته.

ودلّ على أن معنى الكلام ما ذكرنا ، قوله: ( أم يقولون افتراه ) إلى آخر الآية. ويعني تعالى ذكره بقوله: ( أم يقولون افتراه ) ، أي : أيقولون افتراه ؟

وقد دللنا على سبب إدخال العرب « أم » في مثل هذا الموضع .

فقل لهم: يأتوا بعشر سُور مثل هذا القرآن « مفتريات » ، يعني مفتعلات مختلقات، إن كان ما أتيتكم به من هذا القرآن مفترًى ، وليس بآية معجزةٍ كسائر ما سُئلته من الآيات، كالكنـز الذي قلتم: هَلا أنـزل عليه ؟ أو الملك الذي قلتم: هلا جاء معه نذيرًا له مصدقًا ! فإنكم قومي ، وأنتم من أهل لساني، وأنا رجل منكم، ومحال أن أقدر أخلق وحدي مائة سورة وأربع عشرة سورة، ولا تقدروا بأجمعكم أن تفتروا وتختلقوا عشر سور مثلها، ولا سيما إذا استعنتم في ذلك بمن شئتم من الخلق.

يقول جل ثناؤه: قل لهم: وادعوا من استطعتم أن تدعوهم من دون الله يعني سوى الله، لا افتراء ذلك واختلاقه من الآلهة، فإن أنتم لم تقدروا على أن تفتروا عشر سور مثله، فقد تبين لكم أنكم كذبةٌ في قولكم : ( افتراه ) ، وصحّت عندكم حقيقة ما أتيتكم به أنه من عند الله. ولم يكن لكم أن تتخيروا الآيات على ربكم، وقد جاءكم من الحجة على حقيقة ما تكذبون به أنه من عند الله ، مثل الذي تسألون من الحجة وترغبون أنكم تصدِّقون بمجيئها.

وقوله: ( إن كنتم صادقين ) ، لقوله: ( فأتوا بعشر سور مثله ) ، وإنما هو: قل : فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، إن كنتم صادقين أن هذا القرآن افتراه محمد وادعوا من استطعتم من دون الله على ذلك ، من الآلهة والأنداد.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريح: ( أم يقولون افتراه ) ، قد قالوه ، ( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) . وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ ، قال: يشهدون أنها مثله هكذا قال القاسم في حديثه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( 14 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: فإن لم يستجب لكمْ من تدعون من دون الله إلى أنْ يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، ولم تطيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك، فاعلموا وأيقنوا أنه إنما أنـزل من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم بعلم الله وإذنه، وأن محمدًا لم يفتره، ولا يقدر أن يفتريه ( وأن لا إله إلا هو ) ، يقول: وأيقنوا أيضًا أن لا معبود يستحق الألوهة على الخلق إلا الله الذي له الخلق والأمر، فاخلعوا الأنداد والآلهة ، وأفردوا له العبادة.

وقد قيل: إن قوله: ( فإن لم يستجيبوا لكم ) خطاب من الله لنبيه، كأنه قال: فإن لم يستجب لك هؤلاء الكفار ، يا محمد، فاعلموا ، أيها المشركون ، أنما أنـزل بعلم الله وذلك تأويل بعيد من المفهوم.

وقوله: ( فهل أنتم مسلمون ) ، يقول: فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة، ومخلصون له العبادة ، بعد ثبوت الحجة عليكم؟

وكان مجاهد يقول: عني بهذا القول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( فهل أنتم مسلمون ) ، قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال

وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ( وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) ، قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وقيل: ( فإن لم يستجيبوا لكم ) ، والخطاب في أوّل الكلام قد جرى لواحدٍ، وذلك قوله: قُلْ فَأْتُوا ، ولم يقل: « فإن لم يستجيبوا لك » على نحو ما قد بينا قبلُ في خطاب رئيس القوم وصاحب أمرهم، أن العرب تخرج خطابه أحيانا مخرج خطاب الجمع، إذا كانَ خطابه خطابًا لأتباعه وجنده، وأحيانًا مخرج خطاب الواحد ، إذا كان في نفسه واحدًا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ ( 15 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: من كان يريد بعمله الحياة الدنيا، وإيّاها وَزينتها يطلب به ، نوفّ إليهم أجور أعمالهم فيها وثوابها ( وهم فيها ) يقول: وهم في الدنيا ، ( لا يبخسون ) ، يقول: لا ينقصون أجرها، ولكنهم يوفونه فيها.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) الآية، وهي ما يعطيهم الله من الدنيا بحسناتهم ، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرًا. يقول: من عمل صالحًا التماس الدنيا ، صومًا أو صلاةً أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا لالتماس الدنيا ، يقول الله: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعملُ التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ) ، قال: ثوابَ ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صَنَعوا فيها.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير قوله: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها ) ، قال: وَزْنَ ما عملوا من خير أعطوا في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها. قال: هي مثل الآية التي في الروم: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ، [ سورة الروم: 39 ]

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن سعيد بن جبير: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) ، قال: من عمل للدنيا وُفِّيهُ في الدنيا.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) ، قال: من عمل عملا مما أمر الله به ، من صلاة أو صدقة ، لا يريد بها وجهَ الله ، أعطاه الله في الدنيا ثوابَ ذلك مثلَ ما أنفق ، فذلك قوله: ( نوفّ إليهم أعمالهم فيها ) ، في الدنيا، ( وهم فيها لا يبخسون ) ، أجر ما عملوا فيها، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ، الآية.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عيسى يعني ابن ميمون عن مجاهد في قوله: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) ، قال: ممن لا يقبل منه ، جُوزِي به ، يُعطَى ثوابَه.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن عيسى الجرشي، عن مجاهد: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ) ، قال: ممن لا يقبل منه ، يعجّل له في الدنيا.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ) ، أي: لا يظلمون. يقول: من كانت الدنيا همَّه وسَدَمه وطَلِبته ونيّته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة، وليس له حسنة يعطى بها جزاءً. وأما المؤمن ، فيجازى بحسناته في الدنيا ، ويثاب عليها في الآخرة ( وهم فيها لا يبخسون ) أي : في الآخرة لا يظلمون.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق جميعًا، عن معمر، عن قتادة: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ) ، الآية، قال: من كان إنما هِمّته الدنيا ، إياها يطلب ، أعطاه الله مالا وأعطاه فيها ما يعيش، وكان ذلك قصاصًا له بعمله. ( وهم فيها لا يبخسون ) ، قال: لا يظلمون.

. . .. قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ليث بن أبي سلم، عن محمد بن كعب القرظي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحسن من محسن ، فقد وقع أجره على الله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ) ، الآية، يقول: من عمل عملا صالحًا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجرًا في الدنيا: يصل رحمًا، يعطي سائلا يرحم مضطرًّا ، في نحو هذا من أعمال البرّ ، يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا، ويُوسِّع عليه في المعيشة والرزق، ويقرُّ عينه فيما خَوَّله، ويدفع عنه من مكاره الدنيا ، في نحو هذا، وليس له في الآخرة من نصيب.

حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير قال ، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس في قوله: ( نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ) ، قال: هي في اليهود والنصارى.

. . . . قال، حدثنا حفص بن عمر قال ، حدثنا يزيد بن زريع، عن أبي رجاء الأزدي، عن الحسن: ( نوف إليهم أعمالهم فيها ) ، قال: طيباتهم.

حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.

حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن وهيب: أنه بلغه أن مجاهدًا كان يقول في هذه الآية: هم أهل الرياء، هم أهل الرياء.

. . . . قال، أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح قال ، حدثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان، أن عقبة بن مسلم حدثه، أنّ شُفيّ بن ماتع الأصبحي حدثه: أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال من هذا؟ فقالوا أبو هريرة! فدنوت منه حتى قعدت بين يديه ، وهو يحدِّث الناس، فلما سكت وَخَلا قلت: أنشدك بحقِّ ، وبحقِّ، لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عَقَلته وعلمتَه . قال: فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثًا حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ثم نَشَغ نشغةً، ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثًا حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما فيه أحدٌ غيري وغيره ! ثم نشَغ أبو هريرة نشغةً شديدة، ثم مال خارًّا على وجهه، واشتدّ به طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ، نـزل إلى القيامة ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثيةٌ، فأوّل من يدعى به رجلٌ جمع القرآن، ورجل قُتِل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنـزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا رب ! قال: فماذا عملت فيما عُلِّمت؟ قال: كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار! فيقول الله له: كذبت ! وتقول له الملائكة: كذبت ! ويقول الله له: بل أردت أن يقال: « فلان قارئ » فقد قيل ذلك ! ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسِّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب ! قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم ، وأتصدَّق. فيقول الله له: كذبت ! وتقول الملائكة: كذبت ! ويقول الله له: بل أردت أن يقال: « فلان جواد » ، فقد قيل ذلك! ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: فيماذا قُتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت ! وتقول له الملائكة: كذبت ! ويقول الله له: بل أردت أن يقال: « فلان جريء » ، وقد قيل ذلك ! ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة ، أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة.

قال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة أن شفيًّا هو الذي دخل على معاوية، فأخبره بهذا.

قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم : أنه كان سيَّافًا لمعاوية، قال: فدخل عليه رجل فحدّثه بهذا عن أبي هريرة، فقال أبو هريرة : وقد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس! ثم بكى معاوية بكاءً شديدًا حتى ظننا أنه هلك، وقلنا: [ قد جاءنا ] هذا الرجل بشرٍّ ! ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه فقال: صدق الله ورسوله : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ) ، وقرأ إلى: وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن عيسى بن ميمون، عن مجاهد: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) الآية، قال: ممن لا يتقبل منه، يصوم ويصلي يريد به الدنيا، ويدفع عنه هَمّ الآخرة ( وهم فيها لا يبخسون ) ، لا ينقصون.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 16 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين ذكرت أنّا نوفيهم أجور أعمالهم في الدنيا ( ليس لهم في الآخرة إلا النار ) ، يصلونها ( وحبط ما صنعوا فيها ) ، يقول: وذهب ما عملوا في الدنيا، ( وباطل ما كانوا يعملون ) ، لأنهم كانوا يعملون لغير الله، فأبطله الله وأحبط عامله أجره.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، قد بين له دينه فتبينه ( ويتلوه شاهد منه ) .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: يعني بقوله: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، محمدًا صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن خلف قال ، حدثنا حسين بن محمد قال ، حدثنا شيبان، عن قتادة، عن عروة، عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبت ، أنت التالي في ( ويتلوه شاهد منه ) ؟ قال: لا والله يا بنيّ ! وددت أني كنت أنا هو، ولكنه لسانُه

حدثني يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، ، عن الحسن: ( ويتلوه شاهد منه ) قال: لسانه.

حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، في قوله: ( ويتلوه شاهد منه ) قال: لسانه.

حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا الحكم بن عبد الله أبو النعمان العجلي قال ، حدثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.

حدثني علي بن الحسن الأزدي قال ، حدثنا المعافى بن عمران، عن قرة بن خالد، عن الحسن، مثله.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، وهو محمد ، كان على بيّنة من ربه.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قوله: ( ويتلوه شاهد منه ) قال: لسانه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: لسانه هو الشاهد.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا غندر، عن عوف، عن الحسن، مثله.

وقال آخرون: يعني بقوله: ( ويتلوه شاهد منه ) ، محمدًا صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن سليمان العلاف، عن الحسين بن علي في قوله: ( ويتلوه شاهد منه ) قال: الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا غندر، عن عوف، قال، حدثني سليمان العلاف قال: بلغني أن الحسن بن علي قال: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: محمد صلى الله عليه وسلم.

. . . . قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن سليمان العلاف، سمع الحَسَن بن علي: ( ويتلوه شاهد منه ) ، يقول: محمد، هو الشاهد من الله.

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) ، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان على بينة من ربه، والقرآن يتلوه شاهدٌ أيضًا من الله ، بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، قال: النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، مثله.

. . .. قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

حدثنا الحارث قال ، حدثنا أبو خالد، سمعت سفيان يقول: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، قال: محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون: هو علي بن أبي طالب.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا رزيق بن مرزوق قال ، حدثنا صباح الفراء، عن جابر، عن عبد الله بن نجيّ قال، قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلا وقد نـزلت فيه الآية والآيتان. فقال له رجُل: فأنتَ فأي شيء نـزل فيك؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نـزلت في هود : ( ويتلوه شاهد منه ) .

وقال آخرون: هو جبريل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: ( ويتلوه شاهد منه ) ، إنه كان يقول: جبريل.

حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: جبريل.

وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى ، بإسناده عن إبراهيم فقال: قال : يقولون : « علي » ، إنما هو جبريل.

حدثنا أبو كريب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد قال: هو جبريل، تلا التوراة والإنجيل والقرآن، وهو الشاهد من الله.

حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان وحدثنا محمد بن عبد الله المخرّميّ ، قال ، حدثنا جعفر بن عون قال ، حدثنا سفيان وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم: ( ويتلوه شاهد منه ) قال: جبريل.

حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

. . . . قال، حدثنا سهل بن يوسف قال ، حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

. . . . قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قال: جبريل.

. . . . قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: جبريل.

. . . . قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: جبريل

. . . . حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، يعني محمدًا هو على بينة من الله ( ويتلوه شاهد منه ) ، جبريل ، شاهدٌ من الله ، يتلو على محمد ما بُعث به.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: هو جبريل

. . . . قال، حدثنا أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، قال: هو جبريل.

. . . . قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: جبريل.

. . . . حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، يعني محمدًا ، على بينة من ربه ( ويتلوه شاهد منه ) ، فهو جبريل ، شاهد من الله بالذي يتلو من كتاب الله الذي أنـزل على محمد قال: ويقال: ( ويتلوه شاهد منه ) ، يقول: يحفظه المَلَك الذي معه.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال،كان مجاهد يقول في قوله: ( أفمن كان على بينة من ربه ) ، قال: يعني محمدًا، ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: جبريل.

وقال آخرون: هو ملك يحفظه.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: معه حافظ من الله ، مَلَكٌ.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون، وسويد بن عمرو، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن مجاهد: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: ملك يحفظه.

. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن سمع مجاهدًا: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: الملك.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( ويتلوه شاهد منه ) ، يتبعه حافظٌ من الله ، مَلَكٌ.

حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد، عن أيوب، عن مجاهد: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: الملك يحفظه: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، [ سورة البقرة: 121 ] قال: يتّبعونه حقّ اتباعه.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قال: حافظ من الله ، مَلكٌ.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصواب في تأويل قوله: ( ويتلوه شاهد منه ) ، قولُ من قال: « هو جبريل » ، لدلالة قوله: ( ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً ) ، على صحة ذلك . وذلك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يتلُ قبل القرآن كتاب موسى، فيكون ذلك دليلا على صحة قول من قال: « عنى به لسان محمد صلى الله عليه وسلم، أو: محمد نفسه، أو : عليّ » على قول من قال: « عني به علي » . ولا يعلم أنّ أحدًا كان تلا ذلك قبل القرآن ، أو جاء به، ممن ذكر أهل التأويل أنه عنى بقوله: ( ويتلوه شاهد منه ) ، غير جبريل عليه السلام.

فإن قال قائل: فإن كان ذلك دليلك على أن المعنيَّ به جبريل، فقد يجب أن تكون القراءة في قوله: ( ومن قبله كتاب موسى ) بالنصب ، لأن معنى الكلام على ما تأولتَ يجب أن يكون: ويتلو القرآنَ شاهدٌ من الله، ومن قبل القرآن كتابَ موسى؟

قيل: إن القراء في الأمصار قد أجمعت على قراءة ذلك بالرفع فلم يكن لأحد خلافها، ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالنصب ، كانت قراءة صحيحةً ومعنى صحيحًا.

فإن قال: فما وجه رفعهم إذًا « الكتاب » على ما ادعيت من التأويل؟

قيل: وجه رفعهم هذا أنهم ابتدؤوا الخبر عن مجيء كتاب موسى قبل كتابنا المنـزل على محمد، فرفعوه ب « من » [ ومنه ] ، والقراءة كذلك، والمعنى الذي ذكرت من معنى تلاوة جبريل ذلك قبل القرآن، وأن المراد من معناه ذلك ، وإن كان الخبر مستأنفًا على ما وصفت ، اكتفاءً بدلالة الكلام على معناه.

وأما قوله: ( إمامًا ) فإنه نصب على القطع من « كتاب موسى » ، وقوله ( ورحمة ) ، عطف على « الإمام » . كأنه قيل: ومن قبله كتاب موسى إمامًا لبني إسرائيل يأتمُّون به، ورحمةً من الله تلاه على موسى، كما:-

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن أبيه، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: ( ومن قبله كتاب موسى ) ، قال: من قبله جاء بالكتاب إلى موسى.

وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً ) ، « كمن هو في الضلالة متردد لا يهتدي لرشد، ولا يعرف حقًّا من باطل، ولا يطلب بعمله إلا الحياة الدنيا وزينتها » . وذلك نظير قوله: أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [ سورة الزمر: 9 ] والدليل على حقيقة ما قلنا في ذلك أن ذلك عقيب قوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، الآية، ثم قيل: أهذا خير ، أمن كان على بينة من ربه؟ والعرب تفعل ذلك كثيرًا إذا كان فيما ذكرت دلالة على مرادها على ما حذفت، وذلك كقول الشاعر:

وَأُقْسِــمُ لَـوْ شَـيْءٌ أَتَانَـا رَسُـولُه سِـواكَ وَلَكِـنْ لَـمْ نَجِـدْ لَـكَ مَدْفَعًا

وقوله: ( أولئك يؤمنون به ) ، يقول: هؤلاء الذين ذكرت ، يصدقون ويقرّون به ، إن كفر به هؤلاء المشركون الذين يقولون: إن محمدًا افتراه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ( 17 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ومن يكفر بهذا القرآن ، فيجحد أنه من عند الله ( من الأحزاب ) وهم المتحزّبة على مللهم ( فالنار موعده ) ، أنه يصير إليها في الآخرة بتكذيبه. يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( فلا تك في مرية منه ) ، يقول: فلا تك في شك منه، من أن موعدَ من كفر بالقرآن من الأحزاب النارُ، وأن هذا القرآن الذي أنـزلناه إليك من عند الله.

ثم ابتدأ جل ثناؤه الخبر عن القرآن فقال: إن هذا القرآن الذي أنـزلناه إليك ، يا محمد ، الحقّ من ربك لا شك فيه، ولكنّ أكثر الناس لا يصدِّقون بأن ذلك كذلك.

فإن قال قائل: أوَ كان النبي صلى الله عليه وسلم في شكٍّ من أن القرآن من عند الله، وأنه حق، حتى قيل له: « فلا تك في مرية منه » ؟

قيل: هذا نظير قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ [ سورة يونس: 94 ] ، وقد بينا ذلك هنالك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا أيوب قال: نبئت أن سعيد بن جبير قال: ما بلغني حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على وَجهه إلا وجدت مصداقَه في كتاب الله تعالى، حتى قال « لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصرانيّ، ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار » . قال سعيد، فقلت : أين هذا في كتاب الله؟ حتى أتيت على هذه الآية: ( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ) ، قال: من أهل الملل كُلّها.

حدثنا محمد بن عبد الله المخرّمي ، وابن وكيع قالا حدثنا جعفر بن عون قال ، حدثنا سفيان، عن أيوب، عن سعيد بن جبير في قوله: ( ومن يكفُر به من الأحزاب ) ، قال: من الملل كلها.

حدثني يعقوب ، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال ، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير قال: كنت لا أسمع بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وَجهه، إلا وجدت مصداقه أو قال تصديقه في القرآن، فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار » ، فجعلت أقول: أين مصداقُها؟ حتى أتيت على هذه: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ، إلى قوله: ( فالنار موعده ) ، قال: فالأحزاب، الملل كلها.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، حدثني أيوب، عن سعيد بن جبير قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني ، فلا يؤمن بي إلا دخل النار » ، فجعلت أقول: أين مصداقها في كتاب الله؟ قال: وقلَّما سمعت حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وجدتُ له تصديقًا في القرآن، حتى وجدت هذه الآيات: ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) ، الملل كلها.

. . .. قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) ، قال: الكفارُ أحزابٌ كلهم على الكفر.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ ، [ سورة الرعد: 36 ] ، أي : يكفر ببعضه، وهم اليهود والنصارى. قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: « لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني ، ثم يموت قبل أن يؤمن بي، إلا دخل النار » .

حدثني المثنى قال ، حدثنا يوسف بن عدي النضري قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني، فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ( 18 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأي الناس أشد تعذيبًا ممن اختلق على الله كذبًا فكذب عليه؟ ( أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ) يعرضون يوم القيامة على ربهم « ، فيسألهم عما كانوا في دار الدنيا يعملون، كما: »

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ) ، قال: الكافر والمنافق ، ( أولئك يعرضون على ربهم ) ، فيسألهم عن أعمالهم.

وقوله: ( ويقول الأشهاد ) ، يعني الملائكة والأنبياء الذين شهدوهم وحفظوا عليهم ما كانوا يعملون وهم جمع « شاهد » مثل « الأصحاب » الذي هو جمع « صاحب » ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ) ، يقول: شهد هؤلاء الأشهاد في الآخرة على هؤلاء المفترين على الله في الدنيا، فيقولون: هؤلاء الذين كذبوا في الدنيا على ربهم، يقول الله: ( ألا لعنة الله على الظالمين ) ، يقول: ألا غضب الله على المعتدين الذين كفروا بربّهم.

وبنحو ما قلنا في قوله ( ويقول الأشهاد ) ، قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( ويقول الأشهاد ) ، قال: الملائكة.

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الملائكة.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( ويقول الأشهاد ) ، والأشهاد: الملائكة، يشهدون على بني آدم بأعمالهم.

حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( الأشهاد ) ، قال: الخلائق أو قال: الملائكة.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، بنحوه.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: ( ويقول الأشهاد ) ، الذين كان يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ) ، حفظوه وشهدوا به عليهم يوم القيامة قال ابن جريج: قال مجاهد: « الأشهاد » ، الملائكة.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش عن قوله: ( ويقول الأشهاد ) ، قال: الملائكة.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ويقول الأشهاد ) ، يعني الأنبياء والرسل، وهو قوله: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ ، [ سورة النحل: 89 ] . قال: وقوله: ( ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ) ، يقولون: يا ربنا أتيناهم بالحق فكذبوا، فنحن نشهد عليهم أنهم كذبوا عليك يا ربنا.

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد وهشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز المازني قال، بينا نحن بالبيت مع عبد الله بن عمر ، وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر ، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كَنَفه فيقرّره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف ! مرتين ، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . قال: فيعطى صحيفة حسناته أو : كتابه بيمينه. وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الأشهاد: « ألا هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين » .

حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا هشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: كنا نحدَّث أنه لا يخزَى يومئذ أحدٌ ، فيخفى خزيُه على أحد ممن خلق لله أو: الخلائق.

 

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ( 19 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ألا لعنة الله على الظَّالمين الذين يصدّون الناسَ، عن الإيمان به، والإقرار له بالعبودة ، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد ، من مشركي قريش، وهم الذين كانوا يفتنون عن الإسلام من دخل فيه . ( ويبغونها عوجًا ) ، يقول: ويلتمسون سبيل الله ، وهو الإسلام الذي دعا الناس إليه محمد، يقول: زيغًا وميلا عن الاستقامة. ( وهم بالآخرة هم كافرون ) ، يقول: وهم بالبعث بعد الممات مع صدهم عن سبيل الله وبغيهم إياها عوجًا ( كافرون ) يقول: هم جاحدون ذلك منكرون.