القول في تأويل قوله تعالى : فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ( 109 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تَك في شك ، يا محمد ، مما يعبد هؤلاء المشركون من قومك من الآلهة والأصنام، أنه ضلالٌ وباطلٌ ، وأنه بالله شركٌ ( ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ) ، يقول: إلا كعبادة آبائهم ، من قبل عبادتهم لها. يُخبر تعالى ذكره أنهم لم يعبدُوا ما عبدوا من الأوثان إلا اتباعًا منهم منهاج آبائهم، واقتفاءً منهم آثارهم في عبادتهموها، لا عن أمر الله إياهم بذلك، ولا بحجة تبيَّنوها توجب عليهم عبادتها.

ثم أخبر جل ثناؤه نبيَّه ما هو فاعل بهم لعبادتهم ذلك، فقال جل ثناؤه: ( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) ، يعني: حظهم مما وعدتهم أن أوفّيهموه من خير أو شر ( غير منقوص ) ، يقول: لا أنقصهم مما وعدتهم، بل أتمّم ذلك لهم على التمام والكمال، كما:-

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس : ( وإنا لموفُّوهم نصيبهم غير منقوص ) ، قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر.

حدثنا أبو كريب ومحمد بن بشار قالا حدثنا وكيع، عن سفيان عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله إلا أن أبا كريب قال في حديثه: من خيرٍ أو شرّ.

حدثني المثني قال، أخبرنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد عن ابن عباس: ( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) ، قال: ما قُدِّر لهم من الخير والشر.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: ( وإنا لموفّوهم نصيبهم غير منقوص ) ، قال: ما يصيبهم من خير أو شر.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله : ( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) ، قال: نصيبهم من العذاب.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ( 110 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مسليًا نبيه في تكذيب مشركي قومه إياه فيما أتاهم به من عند الله ، بفعل بني إسرائيل بموسى فيما أتاهم به من عند الله. يقول له تعالى ذكره: ولا يحزنك ، يا محمد ، تكذيب هؤلاء المشركين لك، وامض لما أمرك به ربُّك من تبليغ رسالته، فإن الذي يفعل بك هؤلاء من ردِّ ما جئتهم به عليك من النصيحة من فعل ضُربائهم من الأمم قبلهم وسنَّةٌ من سُنتهم.

ثم أخبره جل ثناؤه بما فعل قوم موسى به فقال: ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) ، يعني : التوراة، كما آتيناك الفرقان، فاختلف في ذلك الكتاب قومُ موسى ، فكذّب به بعضُهم وصدّق به بعضهم، كما قد فعل قومك بالفرقان من تصديق بعض به ، وتكذيب بعض ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) ، يقول تعالى ذكره: ولولا كلمة سبقت ، يا محمد ، من ربك بأنه لا يعجل على خلقه العذاب، ولكن يتأنى حتى يبلغ الكتاب أجله ( لقضي بينهم ) ، يقول: لقضي بين المكذب منهم به والمصدِّق ، بإهلاك الله المكذب به منهم ، وإنجائه المصدق به ( وإنهم لفي شك منه مريب ) ، يقول: وإن المكذبين به منهم لفي شك من حقيقته أنه من عند الله ( مريب ) ، يقول: يريبهم ، فلا يدرون أحقٌّ هو أم باطلٌ؟ ولكنهم فيه ممترون.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 111 )

قال أبو جعفر : اختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته جماعة من قراء أهل المدينة والكوفة: ( وَإنَّ ) مشددة ( كُلا لَمَّا ) مشددة.

واختلف أهل العربية في معنى ذلك:

فقال بعض نحويي الكوفيين: معناه إذا قرئ كذلك : وإنّ كلا لممَّا ليوفينهم ربك أعمالهم ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة ، فبقيت ثنتان، فأدغمت واحدة في الأخرى، كما قال الشاعر:

وَإِنِّـي لَمِمَّـا أُصْـدِرُ الأَمْـرَ وَجْهَـهُ إِذَا هُــوَ أَعْيـى بالسَّـبِيلِ مَصَـادِرُهُ

ثم تخفف، كما قرأ بعض القراء: وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ ، [ سورة النحل: 90 ] ، تخفُّ الياء مع الياء. وذكر أن الكسائي أنشده:

وَأشْــمَتَّ العُــدَاةَ بِنَــا فَـأضْحَوْا لــدَيْ يَتَبَاشَــرُونَ بِمَــا لَقِينَــا

وقال: يريد « لديَّ يتباشرون بما لقينا » ، فحذف ياء، لحركتهن واجتماعهن ، قال: ومثله:

كـــأنَّ مِــنْ آخِرِهــا الْقــادِمِ مَخْــرِمُ نَجْــدٍ فــارعِ المَخَـارِمِ

وقال: أراد : إلى القادم، فحذف اللام عند اللام.

وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإن كلا شديدًا وحقًّا ، ليوفينهم ربك أعمالهم. قال: وإنما يراد إذا قرئ ذلك كذلك: ( وإنّ كلا لمَّا ) بالتشديد والتنوين، ولكن قارئ ذلك كذلك حذف منه التنوين، فأخرجه على لفظ فعل « لمَّا » ، كما فعل ذلك في قوله: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ، [ سورة المؤمنون: 44 ] ، فقرأ « تترى » ، بعضهم بالتنوين، كما قرأ من قرأ: « لمَّا » بالتنوين، وقرأ آخرون بغير تنوين، كما قرأ ( لمَّا ) بغير تنوين من قرأه. وقالوا: أصله من « اللَّمِّ » من قول الله تعالى: وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا ، يعني : أكلا شديدًا.

وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإنّ كلا إلا ليوفينهم، كما يقول القائل: « بالله لمَّا قمتَ عنا ، وبالله إلا قمت عنا » .

قال أبو جعفر: ووجدت عامة أهل العلم بالعربية ينكرون هذا القول، ويأبون أن يكون جائزًا توجيه « لمَّا » إلى معنى « إلا » ، في اليمين خاصة . وقالوا: لو جاز أن يكون ذلك بمعنى إلا جاز أن يقال: « قام القوم لمَّا أخاك » بمعنى: إلا أخاك، ودخولها في كل موضع صلح دخول « إلا » فيه.

قال أبو جعفر: وأنا أرى أنّ ذلك فاسد من وجه هو أبين مما قاله الذين حكينا قولهم من أهل العربية ، في فساده، وهو أنّ « إنّ » إثبات للشيء وتحقيق له، و « إلا » ، تحقيق أيضًا، وإنما تدخل نقضًا لجحد قد تقدَّمها. فإذا كان ذلك معناها، فواجب أن تكون عندَ متأولها التأويلَ الذي ذكرنا عنه، أن تكون « إنّ » بمعنى الجحد عنده، حتى تكون « إلا نقضًا » لها. وذلك إن قاله قائل، قولٌ لا يخفى جهلُ قائله، اللهم إلا أن يخفف قارئ « إن » فيجعلها بمعنى « إن » التي تكون بمعنى الجحد. وإن فعل ذلك ، فسدت قراءته ذلك كذلك أيضًا من وجه آخر، وهو أنه يصير حينئذ ناصبًا « لكل » بقوله: ليوفينهم، وليس في العربية أن ينصب ما بعد « إلا » من الفعل ، الاسم الذي قبلها. لا تقول العرب: « ما زيدًا إلا ضربت » ، فيفسد ذلك إذا قرئ كذلك من هذا الوجه ، إلا أن يرفع رافع « الكل » ، فيخالف بقراءته ذلك كذلك قراءة القراء وخط مصاحف المسلمين، ولا يخرج بذلك من العيب لخروجه من معروف كلام العرب.

وقد قرأ ذلك بعض قراء الكوفيين: ( وَإنْ كُلا ) بتخفيف « إن » ونصب ( كُلا لمَّا ) مشدّدة.

وزعم بعض أهل العربية أن قارئ ذلك كذلك، أراد « إنّ » الثقيلة فخففها، وذكر عن أبي زيد البصري أنه سمع: « كأنْ ثَديَيْه حُقَّان » ، فنصب ب « كأن » ، والنون مخففة من « كأنّ » ، ومنه قول الشاعر:

وَوَجْــــهٌ مُشْـــرِقُ النَّحْـــرِ كَــــأَنْ ثَدْيَيْــــهِ حُقَّــــانِ

وقرأ ذلك بعض المدنيين بتخفيف: ( إنْ ) ونصب ( كُلا ) ، وتخفيف ( لَمَا ) .

وقد يحتمل أن يكون قارئ ذلك كذلك، قصدَ المعنى الذي حكيناه عن قارئ الكوفة من تخفيفه نون « إن » وهو يريد تشديدها، ويريد ب « ما » التي في « لما » التي تدخل في الكلام صلة، وأن يكون قَصَد إلى تحميل الكلام معنى: وإنّ كلا ليوفينهم .

ويجوز أن يكون معناه كان في قراءته ذلك كذلك: وإنّ كُلا ليوفينهم ، أي : ليوفين كُلا فيكون نيته في نصب « كل » كانت بقوله: « ليوفينهم » ، فإن كان ذلك أراد ، ففيه من القبح ما ذكرت من خلافه كلام العرب. وذلك أنها لا تنصب بفعل بعد لام اليمين اسمًا قبلَها.

وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والبصرة: ( وَإنَّ ) مشددة ( كُلا لَمَا ) مخففة ( لَيُوَفِّيَنَّهُمْ ) . ولهذه القراءة وجهان من المعنى:

أحدهما: أن يكون قارئها أراد: وإن كلا لمَنَ ليوفينهم ربك أعمالهم، فيوجه « ما » التي في « لما » إلى معنى « من » كما قال جل ثناؤه: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ، [ سورة النساء : 3 ] ، وإن كان أكثر استعمال العرب لها في غير بني آدم وينوي باللام التي في « لما » اللام التي تُتَلقَّى بها « إنْ » جوابًا لها، وباللام التي في قوله: ( ليوفينهم ) ، لام اليمين ، دخلت فيما بين ما وصلتها، كما قال جل ثناؤه: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ [ سورة النساء : 72 ] ، وكما يقال : « هذا ما لَغَيرُه أفضلُ منه » .

والوجه الآخر: أن يجعل « ما » التي في « لما » بمعنى « ما » التي تدخل صلة في الكلام، واللام التي فيها هي اللام التي يجاب بها، واللام التي في: ( ليوفينهم ) ، هي أيضًا اللام التي يجاب بها « إنّ » كررت وأعيدت، إذا كان ذلك موضعها، وكانت الأولى مما تدخلها العرب في غير موضعها ، ثم تعيدها بعدُ في موضعها، كما قال الشاعر:

فَلَـوْ أَنَّ قَـوْمِي لَـمْ يَكُونُـوا أَعِـزَّةً لَبَعْـدُ لَقَـدْ لاقَيْـتُ لا بُـدَّ مَصْرَعَـا

وقرأ ذلك الزهري فيما ذكر عنه: ( وإنَّ كُلا ) بتشديد « إنَّ » ، و ( لمَّا ) بتنوينها، بمعنى: شديدًا وحقًا وجميعًا.

قال أبو جعفر : وأصح هذه القراءات مخرجًا على كلام العرب المستفيض فيهم ، قراءة من قرأ: « وَإنَّ » بتشديد نونها، « كُلا لَمَا » بتخفيف « ما » ( لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ) ، بمعنى: وإن كل هؤلاء الذين قصَصَنا عليك ، يا محمد ، قصصهم في هذه السورة، لمن ليوفينهم ربك أعمالهم ، بالصالح منها بالجزيل من الثواب، وبالطالح منها بالشديد من العقاب فتكون « ما » بمعنى « مَن » واللام التي فيها جوابًا لـ « إنّ » ، واللام في قوله: ( ليوفينهم ) ، لام قسم.

وقوله: ( إنه بما يعملون خبير ) ، يقول تعالى ذكره: إن ربك بما يعمل هؤلاء المشركون بالله من قومك ، يا محمد، « خبير » ، لا يخفى عليه شيء من عملهم ، بل يخبرُ ذلك كله ويعلمه ويحيط به ، حتى يجازيهم على جميع ذلك جزاءهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 112 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه، كما أمرك ربك ( ومن تاب معك ) ، يقول: ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ( ولا تطغوا ) ، يقول: ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه. ( إنه بما تعملون بصير ) ، يقول: إن ربكم ، أيها الناس ، بما تعملون من الأعمال كلِّها ، طاعتها ومعصيتها « بصير » ، ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصرٌ. يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله، أيها الناس ، أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد.

وكان ابن عيينة يقول في معنى قوله: ( فاستقم كما أمرت ) ، ما:-

حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان في قوله: ( فاستقم كما أمرت ) ، قال: استقم على القرآن.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: ( ولا تطغوا ) ، قال: الطغيان: خلاف الله ، وركوب معصيته . ذلك « الطغيان » .

 

القول في تأويل قوله : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ( 113 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا ، أيها الناس ، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم ( فتمسكم النار ) ، بفعلكم ذلك وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم ووليّ يليكم ( ثم لا تنصرون ) ، يقول: فإنكم إن فعلتم ذلك لم ينصركم الله، بل يخلِّيكم من نصرته ويسلط عليكم عدوّكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ، يعني: الركون إلى الشرك.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم.

حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم. يقول: « الركون » ، الرضى.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) ، قال: لا ترضوا أعمالهم ( فتمسكم النار ) .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) ، قال: قال ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ، يقول: لا تلحقوا بالشرك، وهو الذي خرجتم منه.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ، قال: « الركون » ، الإدهان. وقرأ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ، [ سورة القلم: 9 ] ، قال: تركنُ إليهم، ولا تنكر عليهم الذي قالوا، وقد قالوا العظيمَ من كفرهم بالله وكتابه ورسله. قال: وإنما هذا لأهل الكفر وأهل الشرك وليس لأهل الإسلام. أما أهل الذنوب من أهل الإسلام ، فالله أعلم بذنوبهم وأعمالهم. ما ينبغي لأحد أن يُصَالح على شيء من معاصي الله ، ولا يركن إليه فيها.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ( 114 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( وأقم الصلاة ) ، يا محمد، يعني: صَلِّ ( طرفي النهار ) ، يعني الغداة‍َ والعشيَّ.

واختلف أهل التأويل في التي عُنِيت بهذه الآية من صَلوات العشيّ، بعد إجماع جميعهم على أن التي عُنيت من صَلاة الغداة، الفجرُ.

فقال بعضهم: عُنيت بذلك صلاة الظهر والعصر. قالوا: وهما من صلاة العشيّ.

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: الفجر، وصلاتي العشي يعني الظهر والعصر.

حدثني المثني قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ، مثله.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: صلاة الفجر، وصلاة العشي.

حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: فطرفا النهار: الفجرُ والظهرُ والعصرُ.

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: ( طرفي النهار ) ، قال: الفجر والظهر والعصر.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: الفجر والظهر والعصر.

وقال آخرون: بل عنى بها صلاة المغرب.

ذكر من قال ذلك :

حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، يقول: صلاة الغداة وصلاة المغرب.

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال. صلاة الغداة والمغرب.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، الصبح، والمغرب.

وقال آخرون: عني بها: صلاة العصر.

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: صلاة الفجر والعصر.

. . . . قال: حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد القبائي، عن محمد بن كعب ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، الفجر و العصر.

حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا أبو رجاء، عن الحسن في قوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: صلاة الصبح وصلاة العصر.

حدثني الحسين بن علي الصدائي قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا مبارك، عن الحسن قال، قال الله لنبيه: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: ( طرفي النهار ) ، الغداة والعصر.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، يعني صلاة العصر والصبح.

حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، الغداة والعصر.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن زيد، عن محمد بن كعب: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، الفجر والعصر.

حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة، عن الحسن: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، قال: الغداة والعصر.

وقال بعضهم: بل عنى بطرفي النهار: الظهر، والعصر ، وبقوله: ( زلفًا من الليل ) ، المغرب، والعشاء، والصبح.

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قولُ من قال: « هي صلاة المغرب » ، كما ذكرنا عن ابن عباس.

وإنما قلنا هو أولى بالصواب لإجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر، وهي تصلى قبل طلُوع الشمس . فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعًا ، أن تكون صلاةُ الطرف الآخر المغرب، لأنها تصلى بعد غُروب الشمس. ولو كان واجبًا أن يكون مرادًا بصلاة أحد الطرفين قبل غروب الشمس ، وجب أن يكون مرادًا بصلاة الطرف الآخر بعدَ طلوعها، وذلك ما لا نعلم قائلا قاله ، إلا من قال: « عنى بذلك صلاة الظهر والعصر » . وذلك قول لا يُخِيلُ فساده، لأنهما إلى أن يكونا جميعًا من صلاة أحد الطرفين ، أقربُ منهما إلى أن يكونا من صلاة طرفي النهار. وذلك أن « الظهر » لا شك أنها تصلَّى بعد مضي نصف النهار في النصف الثاني منه، فمحالٌ أن تكون من طرف النهار الأول ، وهي في طرفه الآخر.

فإذا كان لا قائلَ من أهل العلم يقول: « عنى بصلاة طرف النهار الأول صلاةً بعد طلوع الشمس » ، وجب أن يكون غير جائز أن يقال: « عنى بصلاة طرف النهار الآخر صلاةً قبل غروبها » .

وإذا كان ذلك كذلك ، صح ما قلنا في ذلك من القول ، وفسدَ ما خالفه.

وأما قوله: ( وزلفًا من الليل ) ، فإنه يعني: ساعاتٍ من الليل.

وهي جمع « زُلْفة » ، و « الزلفة » ، الساعة ، والمنـزلة، والقربة، وقيل: إنما سميت « المزدلفة » و « جمع » من ذلك ، لأنها منـزلٌ بعد عرفة وقيل سميت بذلك، لازدلاف آدم من عَرَفة إلى حواء وهي بها ، ومنه قول العجاج في صفة بعير:

نــاجٍ طَــوَاهُ الأَيْـنُ مِمَّـا وجَفـا طَـــيَّ اللَّيــالِي زُلَفًــا فَزُلَفَــا

واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قراء المدينة والعراق: ( وَزُلَفًا ) ، بضم الزاي وفتح اللام.

وقرأه بعض أهل المدينة بضم الزاي واللام كأنه وجَّهه إلى أنه واحدٌ، وأنه بمنـزلة « الحُلُم » .

وقرأ بعض المكيين: ( وَزُلْفًا ) ، ضم الزاي وتسكين اللام.

قال أبو جعفر: وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها: ( وزُلَفًا ) ، بضم الزاي وفتح اللام، على معنى جمع « زُلْفة » ، كما تجمع « غُرْفَة غُرف » ، و « حُجْرة حُجر » .

وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك، لان صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زُلَفٍ من الليل، وهي التي عُنِيت عندي بقوله: ( وزلفًا من الليل ) .

وبنحو الذي قلنا في قوله: ( وزلفًا من الليل ) ، قال جماعة من أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: الساعات من الليل صلاة العتمة.

حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ( زلفًا من الليل ) يقول: صلاة العتمة.

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: العشاء.

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء ويقرأ: ( وزلفًا من الليل ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: ساعة من الليل، صلاة العتمة.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: العتمة، وما سمعت أحدًا من فقهائنا ومشايخنا، يقول « العشاء » ، ما يقولون إلا « العتمة »

وقال قوم: الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامتها زُلَفًا من الليل، صلاة المغرب والعشاء.

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع، واللفظ ليعقوب قالا حدثنا ابن علية قال ، حدثنا أبو رجاء عن الحسن: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: هما زُلفتان من الليل: صلاة المغرب، وصلاة العشاء.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن في قوله: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: المغرب، والعشاء.

حدثني الحسن بن علي، قال ثنا أبي قال ، حدثنا مبارك، عن الحسن، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، قال: ( زلفًا من الليل ) : المغرب، والعشاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما زُلْفَتا الليل، المغرب والعشاء. « »

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان عن منصور عن مجاهد : ( وزلفًا من الليل ) ، قال: المغرب، والعشاء.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، مثله.

حدثني المثنى قال حدثنا أبو نعيم قال: ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

. . . . قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قد بيّن اللهُ مواقيتَ الصلاة في القرآن، قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [ سورة الإسراء: 78 ] ، قال: « دلوكها » : إذا زالت عن بطن السماء ، وكان لها في الأرض فيءٌ. وقال: ( أقم الصلاة طرفي النهار ) ، الغداة، والعصر ( وزلفًا من الليل ) ، المغرب، والعشاء. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هُما زلفتا الليل ، المغرب والعشاء.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء.

حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: ( زلفًا من الليل ) ، المغرب والعشاء.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب، مثله.

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: ( وزلفًا من الليل ) ، المغرب والعشاء.

حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم بن سليمان، عن الحسن قال: زلفتا الليل، المغرب والعشاء.

حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: المغرب والعشاء.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عاصم، عن الحسن: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: المغرب والعشاء.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك: ( وزلفًا من الليل ) ، قال: المغرب والعشاء.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن عاصم، عن الحسن: ( زلفًا من الليل ) ، صلاة المغرب والعشاء.

وقوله: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، يقول تعالى ذكره: إنّ الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه، يذهب آثام معصية الله ، ويكفّر الذنوب.

ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع ، اللاتي يذهبن السيئات، فقال بعضهم: هنّ الصلوات الخمس المكتوبات.

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن أبي محمد ابن الحضرمي قال ، حدثنا كعب في هذا المسجد، قال: والذي نفس كعب بيده ، إن الصلوات الخمس لهُنّ الحسنات التي يذهبن السيئات ، كما يغسل الماءُ الدَّرَنَ.

حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح قال: سمعت محمد بن كعب القرظى يقول في قوله: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: هن الصلوات الخمس.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: الصلوات الخمس.

. . . . قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد: ( إن الحسنات ) الصلوات.

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة جميعا، عن عوف، عن الحسن: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: الصلوات الخمس.

حدثني زريق بن السَّخت قال ، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: الصلوات الخمس.

حدثني المثني قال ، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله تعالى: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: الصلوات الخمس.

حدثني المثني قال ، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال، الصلوات الخمس.

حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: الصلوات الخمس.

. . . . قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد الجريري قال، حدثني أبو عثمان، عن سلمان قال: والذي نفسي بيده، إن الحسنات التي يمحو الله بهن السيئات كما يغسل الماء الدَّرَن: الصلواتُ الخمس.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص بن غياث، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: الصلوات الخمس.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مزيدة بن زيد، عن مسروق: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: الصلوات الخمس.

حدثني محمد بن عمارة الأسدي، وعبد الله بن أبي زياد القطواني قالا حدثنا عبد الله بن يزيد قال، أخبرنا حيوة قال، أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان رحمة الله عليه يقول: جلس عثمان يومًا وجلسنا معه، فجاء المؤذن ، فدعا عثمان بماءٍ في إناء ، أظنه سيكون فيه قدر مُدٍّ ، فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وُضوئي هذا ، ثم قال: من توضأ وُضوئي هذا ثم قام فصلَّى صلاة الظهر ، غفر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح، ثم صَلَّى العصر ، غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر، ثمَّ صلَّى المغرب ، غفر له ما بينه وبين صلاة العصر، ثم صلّى العشاء ، غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب، ثمَّ لعله يبيت ليلته يَتَمَرّغ، ثم إن قام فتوضأ وصلَّى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهُنَّ الحسنات يذهبن السيئات.

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثنا أبو زرعة قال ، حدثنا حيوة قال ، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان رضى الله عنه قال: جلس عثمان بن عفان يومًا على المقاعد فذكر نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه قال: « وهن الحسنات إن الحسنات يذهبن السيئات » .

حدثنا ابن البرقي قال ، حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن يزيد، ورشدين بن سعد قالا حدثنا زهرة بن معبد قال: سمعت الحارث مولى عثمان بن عفان يقول، جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد، ثم ذكر نحو ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال: وهن الحسنات : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .

حدثنا محمد بن عوف قال ، حدثنا محمد بن إسماعيل قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلت الصلوات كفارات لما بينهن، فإن الله قال: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .

حدثنا ابن سيار القزاز قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي قال، كنت مع سلمان تحت شجرة، فأخذ غصنا من أغصانها يابسًا فهزَّه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت معه تحت شجرة ، فأخذ غصنًا من أغصانها يابسًا فهزه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: ألا تسألني لم أفعل هذا يا سلمان؟ فقلت: ولم تفعله؟ فقال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلَّى الصلوات الخمس، تحاتّت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق. ثم تلا هذه الآية: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، إلى آخر الآية.

وقال آخرون: هو قول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر » .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، قال: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر » .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، قولُ من قال في ذلك: « هن الصلوات الخمس » ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال: « مَثَلُ الصلوات الخمس مَثَلُ نَهْرٍ جَارٍ عَلَى بابِ أحَدِكم، ينغمس فيه كل يومٍ خمس مرات، فماذا يُبقينَ من دَرَنه؟ » ، وأن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات، والوعدُ على إقامتها الجزيلَ من الثواب عَقيبها ، أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال ، إذا خُصّ بالقصد بذلك بعضٌ دون بعض.

وقوله: ( ذلك ذكرى للذاكرين ) ، يقول تعالى ذكره: هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم ، وتهددت فيه، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يُذهبن السيئات ، تذكرة ذكّرت بها قومًا يذكُرون وعد الله، فيرجُون ثوابه ووعيده ، فيخافون عقابه، لا من قد طبع على قلبه ، فلا يجيب داعيًا ، ولا يسمع زاجرًا.

وذكر أن هذه الآية نـزلت بسبب رجل نالَ من غير زوجته ولا ملك يمينه بعضَ ما يحرم عليه، فتاب من ذنبه ذلك.

*ذكر الرواية بذلك:

حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود قالا قال عبد الله بن مسعود: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجتُ امرأة في بعض أقطار المدينة، فأصبت منها ما دون أن أمسَّها، فأنا هذا ، فاقض فيَّ ما شئت ! فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت على نفسك ! قال: ولم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا . فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه، فلما أتاه قرأ عليه: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ، فقال رجل من القوم: هذا لهُ يا رسول الله خاصَّةً؟ قال: بل للناس كافة.

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان، فضممتها إليَّ وباشرتُها وقبَّلتها، وفعلت بها كلَّ شي غير أني لم أجامعها . فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فنـزلت هذه الآية: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه، فقال عمر: يا رسول الله، أله خاصَّةً، أم للناس كافة؟ قال: لا بل للناس كافة ولفظ الحديث لابن وكيع.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، أنه سمع إبراهيم بن زيد، يحدث عن علقمة ، والأسود، عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأةً في بستان ، ففعلت بها كل شيء ، غير أني لم أجامعها، قَبَّلتها ، ولزمتُها ، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت . فلم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا . فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه ! فأتبعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَصَره، فقال: « ردُّوه عليَّ ! فردُّوه، فقرأ عليه: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ، قال: فقال معاذ بن جبل: أله وحده ، يا نبي الله، أم للناس كافة؟ فقال: » بل للناس كافة .

حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا أبو عوانة، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة ، والأسود ، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخذت امرأة في البُستان فأصبتُ منها كل شيء، غير أني لم أنكحها، فاصنع بي ما شئت ! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب دعاه فقرأ عليه هذه الآية: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، الآية.

حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي قال ، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب قال، سمعت إبراهيم يحدث عن خاله الأسود، عن عبد الله: أن رجلا لقي امرأةً في بعض طرق المدينة، فأصاب منها ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنـزلت: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ، فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله، لهذا خاصة ، أو لنا عامة؟ قال: بل لكم عامة.

حدثنا ابن المثني قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا شعبة قال، أنبأني سماك قال، سمعت إبراهيم يحدث عن خاله، عن ابن مسعود: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقيت امرأة في حُشٍّ بالمدينة، فأصبت منها ما دون الجماع، نحوه.

حدثنا ابن المثني قال ، حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي قال ، حدثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم، عن خاله، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.

حدثني أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جاء فُلانُ بن معتِّب رجل من الأنصار ، فقال: يا رسول الله دخلت عليّ امرأة، فنلتُ منها ما ينالُ الرجل من أهله، إلا أني لم أواقعها ؟ فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه ، حتى نـزلت هذه الآية: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، الآية، فدعاه فقرأها عليه.

حدثني يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية ، وحدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل ، وحدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان جميعًا، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب من امرأةٍ شيئًا لا أدري ما بلغ، غير أنه ما دون الزنا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنـزلت: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله؟ قال: لمن أخذَ بها من أمتي أو : لمن عمل بها.

حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان، فأخذ غصن شجرة يابسة فحتَّه ، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء ، تحاتَّت خطاياه كما يتحاتُّ هذا الورق ! ثم قال: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، إلى آخر الآية.

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو أسامة، وحسين الجعفي ، عن زائدة قال ، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئًا إلا قد أتاه منها ، غير أنْ لم يجامعها؟ فأنـزل الله هذه الآية: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ ثم صلّ . قال معاذ: قلت : يا رسول الله، أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ قال: بل للمؤمنين عامة.

حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلا أصابَ من امرأة ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن ذلك، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو: أنـزلت ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، الآية، فقال معاذ: يا رسول الله، أله خاصة، أم للناس عامة؟ قال: هي للناس عامة.

حدثنا ابن المثني قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.

حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال، حدثني عمرو بن الحارث قال، حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي قال ، حدثنا سليم بن عامر، أنه سمع أبا أمامة يقول: إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، أقم فيَّ حَدّ الله مرةً واثنتين. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال: أين هذا القائل: أقم فيَّ حدَّ الله؟ قال: أنا ذا ! قال: هل أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا؟ قال: نعم! قال: فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمّك، فلا تَعُدْ ! وأنـزل الله حينئذ على رسوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، الآية.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثني جرير، عن عبد الملك، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أنه كان جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال: يا رسول الله، رجلٌ أصاب من امرأة ما لا يحلُّ له، لم يدع شيئًا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لم يجامعها؟ قال: يتوضأ وضوءًا حسنًا ثم يصلي. فأنـزل الله هذه الآية: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، الآية، فقال معاذ: هي له يا رسول الله خاصة، أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة: أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالسٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه لحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلم يجدها. فأقبل الرجل يريد أن يُبَشّر النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر، فوجد المرأة جالسةً على غديرٍ، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها، فصار ذكره مثل الهُدْبة، فقام نادمًا حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: استغفر ربَّك وصلّ أربع ركعات : قال: وتلا عليه: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، الآية.

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن وهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو الأنصاري قال: أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أجود من هذا! فدخلت ، فأهويت إليها فقبَّلتها. فأتيت أبا بكر فسألته، فقال: استر على نفسك وتُبْ واستغفر الله ! فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخلَفْتَ رجلا غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا !! حتى ظننت أنّي من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ! قال: فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً فنـزل جبريل فقال: أين أبو اليسر؟ فجئت، فقرأ عليّ: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، إلى : ( ذكرى للذاكرين ) ، قال إنسان : لهُ يا رسول الله ، خاصةً ، أم للناس عامة؟ قال: للناس عامة.

حدثني المثني قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر قال: لقيت امرأة فالتَزَمْتُها، غير أني لم أنكحها، فأتيت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فقال: اتق الله ، واستر على نفسك، ولا تخبرنّ أحدًا ! فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر رحمة الله عليه ، فسألته فقال: اتق الله واستر على نفسك ولا تخبرن أحدًا ! قال: فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال له: هل جهزت غازيًا في أهله ؟ قلت: لا قال: فهل خلفت غازيًا في أهله؟ قلت: لا فقال لي ، حتى تمنيت أني كنت دخلت في الإسلام تلك الساعة! قال: فلما وليت دعاني، فقرأ عليّ: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، فقال له أصحابه: ألهذا خاصة ، أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثني سعيد، عن قتادة: أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلَةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هلكتُ ! فأنـزل الله: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن سليمان التيمي قال: ضرب رجلٌ على كَفَلِ امرأة، ثم أتى أبا بكر وعمر رحمة الله عليهما . فكلما سأل رجلا منهما عن كفارة ذلك قال: أمغزية هي [ مادا ] ؟ قال: نعم قال: لا أدري! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: أمغزية هي؟ قال: نعم! قال: لا أدري! حتى أنـزل الله: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) .

حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن عطاء، في قول الله: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، أنّ امرأة دخلت على رجل يبيعُ الدقيق، فقبَّلها فأسقِطَ في يده. فأتى عمر فذكر ذلك له، فقال: اتق الله ، ولا تكن امرأةَ غازٍ ! فقال الرجل: هي امرأة غازٍ. فذهب إلى أبى بكر ، فقال مثل ما قال عمر. فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا، فقال له: كذلك، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم، فأنـزل الله: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) ، الصلوات المفروضات ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عطاء بن أبي رباح قال: أقبلت امرأة حتى جاءت إنسانًا يبيع الدقيق لتبتاع منه، فدخل بها البيت، فلما خلا له قَبَّلها. قال: فسُقِط في يديه، فانطلق إلى أبي بكر، فذكر ذلك له، فقال: أبصر ، لا تكونَنّ امرأة رجل غازٍ ! فبينما هم على ذلك، نـزل في ذلك: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل ) قيل لعطاء: المكتوبة هي؟ قال: نعم ، هي المكتوبة فقال ابن جريج، وقال عبد الله بن كثير: هي المكتوبات.

قال ابن جريج: عن يزيد بن رومان: إن رجلا من بني غنم، دخلت عليه امرأةٌ فقبَّلها ، ووضع يده على دُبُرها. فجاء إلى أبى بكر رضى الله عنه ، ثم جاء إلى عمر رضى الله عنه ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنـزلت هذه الآية: ( أقم الصلاة ) ، إلى قوله: ( ذلك ذكرى للذاكرين ) ، فلم يزل الرجل الذي قبَّل المرأة يذكر، فذلك قوله: ( ذكرى للذاكرين ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ( 115 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واصبر ، يا محمد ، على ما تلقى من مشركي قومك من الأذى في الله والمكروه ، رجاءَ جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره ، فيذهب به، بل يوَفّره أحوجَ ما يكون إليه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ( 116 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السورة ، الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي ، وكفرهم برسلي من قبلكم. ( أولو بقية ) ، يقول: ذو بقية من الفهم والعقل، يعتبرون مواعظَ الله ويتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله ، وعليهم في الكفر به ( ينهون عن الفساد في الأرض ) ، يقول: ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم ، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به ، في أرضه ( إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، يقول: لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم الله من عذابه، حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر بالله عذابُه وهم اتباع الأنبياء والرسل.

ونصب « قليلا » لأن قوله: ( إلا قليلا ) استثناء منقطع مما قبله، كما قال: إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا ، [ سورة يونس: 98 ] . وقد بينا ذلك في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: اعتذر فقال: ( فلولا كان من القرون من قبلكم ) ، حتى بلغ: ( إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، فإذا هم الذين نجوا حين نـزل عذاب الله. وقرأ: ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ) ، إلى قوله: ( إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، قال: يستقلَّهم الله من كل قوم.

حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود قال: سألني بلال عن قول الحسن في القدر، قال: فقال: سمعت الحسن يقول: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قال: بعث الله هودًا إلى عاد، فنجى الله هودًا والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون. وبعث الله صالحًا إلى ثمود، فنجى الله صالحًا وهلك المتمتعون. فجعلت أستقريه الأمم، فقال: ما أراه إلا كان حسن القول في القَدر .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، أي : لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض ( إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) .

وقوله: ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، يقول تعالى ذكره: واتبع الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله ما أترفوا فيه.

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، قال: ما أُنْظروا فيه.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، من دنياهم.

وكأنّ هؤلاء وجَّهوا تأويل الكلام: واتبع الذين ظلموا الشيء الذي أنظرهم فيه ربُّهم من نعيم الدنيا ولذاتها، إيثارًا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله.

وقال آخرون: معنى ذلك: واتبع الذين ظلَموا ما تجبَّروا فيه من الملك ، وعتَوْا عن أمر الله.

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، قال: في ملكهم وتجبُّرهم، وتركوا الحق.

حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: وتركِهم الحق.

حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر تعالى ذكره: أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا ، فاستكبروا وكفروا بالله ، واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا عن أمر الله وتجبروا وصدوا عن سبيله .

وذلك أن المترف في كلام العرب: هو المنعم الذي قد غُذِّي باللذات، ومنه قول الراجز:

نُهْــدِي رُءُوسَ المُــتْرَفينَ الصُّـدَّادْ إلــى أمِــير المُــؤْمِنِينَ المُمْتَـادْ

وقوله: ( وكانوا مجرمين ) ، يقول: وكانوا مكتسبي الكفر بالله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ( 117 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما كان ربك ، يا محمد، ليهلك القرى ، التي أهلكها، التي قَصَّ عليك نبأها، ظُلمًا وأهلها مصلحون في أعمالهم، غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربّهم ، ظلمًا، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله وتماديهم في غيِّهم، وتكذيبهم رُسُلهم ، وركوبهم السيئات.

وقد قيل: معنى ذلك : لم يكن ليهلكهم بشركهم بالله. وذلك قوله « بظلم » يعني: بشرك ( وأهلها مصلحون ) ، فيما بينهم لا يتظالمون، ولكنهم يتعاطَون الحقّ بينهم ، وإن كانوا مشركين، إنما يهلكهم إذا تظالموا.