القول في تأويل قوله تعالى : وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ( 38 )

قال أبو جعفر : يعني بقوله: ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) ، واتبعت دينهم لا دين أهل الشرك ( ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ) ، يقول: ما جاز لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته وطاعته ، بل الذي علينا إفراده بالألُوهة والعبادة ( ذلك من فضل الله علينا ) ، يقول: اتباعي ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب على الإسلام ، وتركي ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ، من فضل الله الذي تفضّلَ به علينا ، فأنعم إذ أكرمنا به ( وعلى الناس ) ، يقول: وذلك أيضًا من فضل الله على الناس ، إذ أرسلنا إليهم دعاةً إلى توحيده وطاعته ( ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) ، يقول: ولكن من يكفر بالله لا يشكر ذلك من فضله عليه ، لأنه لا يعلم من أنعم به عليه ولا يعرف المتفضِّل به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( ذلك من فضل الله علينا ) ، أن جعلنا أنبياء ( وعلى الناس ) ، يقول: أن بعثنا إليهم رسلا.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ) ، ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: يا رُبَّ شاكرٍ نعمةِ غيرِ منعم عليه لا يدري، وربّ حامل فقه غيرِ فقيه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 39 )

قال أبو جعفر : ذكر أن يوسف صلوات الله عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن ، لأن أحدهما كان مشركًا ، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الآلهة والأوثان ، فقال: ( يا صاحبي السجن ) ، يعني: يا من هو في السجن، وجعلهما « صاحبيه » لكونهما فيه ، كما قال الله تعالى لسكان الجنة: فَـ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وكذلك قال لأهل النار ، وسماهم « أصحابها » لكونهم فيها .

وقوله: ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، يقول: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر، خيرٌ أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه ، الذي قهر كل شي فذلـله وسخره، فأطاعه طوعًا وكرهًا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون ) إلى قوله: لا يَعْلَمُونَ ، لما عرف نبيُّ الله يوسف أن أحدهما مقتولٌ، دعاهما إلى حظّهما من ربهما، وإلى نصيبهما من آخرتهما.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( يا صاحبي السجن ) يوسفُ يقوله.

... قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام ، فقال: ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، أي: خيرٌ أن تعبدوا إلهًا واحدًا ، أو آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئا؟

 

القول في تأويل قوله تعالى : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 40 )

قال أبو جعفر : يعنى بقوله: ( ما تعبدون من دونه ) ، ما تعبدون من دون الله .

وقال: ( ما تعبدون ) وقد ابتدأ الخطاب بخطاب اثنين فقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ لأنه قصد المخاطب به، ومن هو على الشرك بالله مقيمٌ من أهل مصر ، فقال للمخاطَب بذلك: ما تعبد أنتَ ومن هو على مثل ما أنت عليه من عبادة الأوثان ( إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) ، وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربابًا ، شركًا منهم، وتشبيهًا لها في أسمائها التي سمَّوها بها بالله ، تعالى عن أن يكون له مثل أو شبيه ( ما أنـزل الله بها من سلطان ) ، يقول: سموها بأسماء لم يأذن لهم بتسميتها ، ولا وضع لهم على أن تلك الأسماء أسماؤها، دلالةً ولا حجةً ، ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء .

وقوله: ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) ، يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتم وجميعُ خلقه، إلا الله الذي له الألوهة والعبادة خالصةً دون كل ما سواه من الأشياء ، كما:-

حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ، في قوله: ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا أياه ) ، قال: أسَّسَ الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له.

وقوله: ( ذلك الدين القيم ) ، يقول: هذا الذي دعوتكما إليه من البراءة من عبادة ما سوى الله من الأوثان، وأن تخلصا العبادة لله الواحد القهار ، هو الدِّين القويم الذي لا اعوجاج فيه ، والحقُّ الذي لا شك فيه ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، يقول: ولكن أهل الشرك بالله يجهلون ذلك ، فلا يعلمون حقيقته .

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ( 41 )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قِيل يوسف للذين دخلا معه السجن: ( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا ) ، هو الذي رأى أنه يعصر خمرًا ، فيسقي ربَّه يعني سيده، وهو ملكهم « خمرا » ، يقول: يكون صاحب شرابه .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( فيسقي ربه خمرًا ) ، قال: سيده.

وأما الآخر ، وهو الذي رأى أن على رأسه خبزًا تأكل الطير منه « فيصلب فتأكل الطير من رأسه » ، فذكر أنه لما عبَر ما أخبراه به أنهما رأياه في منامهما ، قالا له: ما رأينا شيئًا ! فقال لهما: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) يقول: فُرغ من الأمر الذي فيه استفتيتما ، ووجب حُكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل العلم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن عمارة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال: قال اللذان دخلا السجن على يوسف: ما رأينا شيئًا ! فقال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيم ، عن عبد الله: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ، قال: لما قالا ما قالا أخبرهما ، فقالا ما رأينا شيئا ! فقال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عمارة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله، في الفتيين اللذين أتيا يوسف والرؤيا، إنما كانا تحالما ليجرّباه، فلما أوَّل رؤياهما قالا إنما كنا نلعب ! قال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن عمارة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا ، إنما كانا تحالما ليجرّبا علمه، فقال أحدهما: إني أراني أعصر عنبًا! وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه؟ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ! قال: ( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ) . فلما عبَّر ، قالا ما رأينا شيئًا! قال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ، على ما عبَّر يوسف.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: قال: لمجلث: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك. وقال لنبو: أما أنت فتردُّ على عملك ، فيرضى عنك صاحبك، ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) أو كما قال.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ،قال ابن جريج........... فيه تستفتيان.

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ، عند قولهما: ما رأينا رؤيا إنما كنا نلعب ! قال: قد وقعت الرؤيا على ما أوَّلتُ.

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله: ( الذي فيه تستفتيان ) ، فذكر مثله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ( 42 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا: ( اذكرني عند ربك ) يقول: اذكرني عند سيدك ، وأخبره بمظلمتي، وأني محبوس بغير جُرْم ، كما:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ،قال يعني لنبو ( اذكرني عند ربك ) : أي اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء، قال: أفعل.

حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله: ( اذكرني عند ربك ) قال للذي نجا من صاحبي السجن ، يوسف يقول: اذكرني عند الملك.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أسباط: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، قال: عند ملك الأرض.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( اذكرني عند ربك ) ، يعني بذلك الملك.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، الذي نجا من صاحبي السجن ، يقول يوسف: اذكرني للملك.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمي: أنه لما انتهى به إلى باب السجن، قال له صاحبٌ له: حاجتَك أوصني بحاجتك ! قال: حاجتي أن تذكرني عند ربك سوى الربِّ ، قال يوسف.

وكان قتادة يوجِّه معنى « الظن » في هذا الموضع، إلى « الظنِّ » ، الذي هو خلاف اليقين .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، وإنما عبارة الرؤيا بالظن ، فيحقُّ الله ما يشاءُ ويُبْطِل ما يشاء.

قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله قتادة، من أن عبارة الرؤيا ظن ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء . فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائنٌ ثم لا يكون ، أو أنه غير كائن ثم يكون، مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن، لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها، لم يُؤمَن مثل ذلك في كل أخبارها. وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها، سقطت حُجَّتها على من أرسلت إليه . فإذا كان ذلك كذلك، كان غير جائزٍ عليها أن تخبر بخبرٍ إلا وهو حق وصدق . فمعلومٌ، إذ كان الأمر على ما وصفت، أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن ، فيقول لأحدهما: أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ، ثم يؤكد ذلك بقوله: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ، عند قولهما: ( لم تر شيئا ) ، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه، أنه كائن لا محالة لا شك فيه. وليقينه بكون ذلك، قال للناجي منهما: ( اذكرني عند ربك ) . فبيِّنٌ إذًا بذلك فسادُ القول الذي قاله قتادة في معنى قوله: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما ) .

وقوله: ( فأنساه الشيطان ذكر ربه ) وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن غفلة عَرَضت ليوسف من قبل الشيطان، نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه ، ولكنه زلَّ بها فأطال من أجلها في السجن حبسَه، وأوجع لها عقوبته، كما:-

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن بسطام بن مسلم ، عن مالك بن دينار قال: لما قال يوسف للساقي: ( اذكرني عند ربك ) ، قال: قيل: يا يوسف، اتخذت من دوني وكيلا؟ لأطيلن حبسك! فبكى يوسف وقال: يا ربّ، أنسى قلبي كثرة البلوى ، فقلت كلمة ، فويل لإخوتي.

حدثنا الحسن قال ،أخبرنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنه يعني يوسف قال الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال ، حدثنا يونس ، عن الحسن قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: « رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في السجن طولَ ما لبث يعني قوله: ( اذكرني عند ربك ) ، قال: ثم يبكي الحسن فيقول: نحن إذا نـزل بنا أمرٌ فزعنا إلى الناس . »

حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا كلمة يوسُف، ما لبث في السجن طولَ ما لبث .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يقل يوسف يعني الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يستعن يوسف على ربّه، ما لبث في السجن طول ما لبث. .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لولا أنّ يوسف استشفع على ربه، ما لبث في السجن طول ما لبث ، ولكن إنما عوقب باستشفاعه على ربّه .

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال: قال له: ( اذكرني عند ربك ) ، قال: فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا، وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكرَ ربه ، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده، فلبث في السجن بضع سنين ) بقوله: ( اذكرني عند ربك ) .

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه غير أنه قال: فلبث في السجن بضع سنين، عقوبةً لقوله: ( اذكرني عند ربك ) .

... قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو، سواء .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثل حديث المثنى ، عن أبي حذيفة .

وكان محمد بن إسحاق يقول: إنما أنسى الشيطانُ الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما خرج يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما رُدّ على ما كان عليه ، ورضي عنه صاحبه ، فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره ، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين . يقول جل ثناؤه: فلبث يوسف في السجن، لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل: « اذكرني عند سيدك » ، بضع سنين ، عقوبةً له من الله بذلك.

واختلف أهل التأويل في قدر « البضع » الذي لبث يوسف في السجن.

فقال بعضهم: هو سبع سنين .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد أبو عثمة قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال: لبث يوسف في السجن سبعَ سنين.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( فلبث في السجن بضع سنين ) ، قال: سبع سنين.

حدثنا الحسن قال ،أخبرنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا عمران أبو الهذيل الصنعاني قال: سمعت وهبًا يقول: أصاب أيُّوب البلاء سبع سنين، وترك في السجن يوسف سبع سنين ، وعذب بختنصر، فحُوِّل في السباع سبع سنين.

حدثني المثنى قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال: زعموا أنها يعني « البضع » سبع سنين ، كما لبث يوسف.

وقال آخرون: « البضع » ، ما بين الثلاث إلى التسع .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا سليمان قال ، حدثنا أبو هلال قال: سمعت قتادة يقول: « البضع » ، ما بين الثلاث إلى التسع.

حدثنا وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد: ( بضع سنين ) ، قال: ما بين الثلاث إلى التسع.

وقال آخرون: بل هو ما دون العشر .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ،قال ابن جريج ، قال ابن عباس: ( بضع سنين ) ، دون العشرة.

وزعم الفراء أن « البضع » لا يذكر إلا مع « عشر » ، ومع « العشرين » إلى التسعين ، وهو « نَيِّفٌ » ما بين الثلاثة إلى التسعة . وقال: كذلك رأيت العرب تفعل. ولا يقولون: « بضع ومئة » ولا « بضع وألف » ، وإذا كانت للذكران قيل: « بضع » .

قال أبو جعفر :-

والصواب في « البضع » من الثلاث إلى التسع، إلى العشر ، ولا يكون دون الثلاث. وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة ، وما زاد على المئة فلا يكون فيه « بضع » .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ( 43 )

قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله: وقال ملك مصر: إني أرى في المنام سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبعٌ من البقر عجاف . وقال: « إني أرى » ، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره ، لتعارف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم: « أرى أني أفعل كذا وكذا » ، أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه، وإن لم يذكر النوم . وأخرج الخبر جلّ ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم .

( وسبع سنبلات خضر ) ، يقول: وأرى سبع سُنْبلات خضر في منامي ( وأخر ) يقول: وسبعًا أخر من السنبل ( يابسات يا أيها الملأ ) ، يقول: يا أيها الأشراف من رجالي وأصحابي ( أفتوني في رؤياي ) ، فاعبروها، ( إن كنتم للرؤيا ) عَبَرَةً .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي قال ،إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته ، فرأى سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فجمع السحرة والكهنة والحُزَاة والقافة ، فقصَّها عليهم ، فقالوا : أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: ثم إن الملك الريان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى فهالته ، وعرف أنها رؤيا واقعة ، ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته: ( إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ) إلى قوله: بِعَالِمِينَ .