القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 64 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه .

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ( فالله خير حافظا ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا ) ، بمعنى: والله خيركم حفظًا .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ) بالألف على توجيه « الحافظ » إلى أنه تفسير للخير , كما يقال: « هو خير رجلا » , والمعنى: فالله خيركم حافظًا , ثم حذفت « الكاف والميم » .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا , ومن وصفه بأنه خيرهم حافظًا، فقد وصفه بأنه خيرهم حفظًا

( وهو أرحم الراحمين ) ، يقول: والله أرحم راحمٍ بخلقه , يرحم ضعفي على كبر سنِّي , ووحدتي بفقد ولدي , فلا يضيعه , ولكنه يحفظه حتى يردَّه عليَّ لرحمته .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ( 65 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف ( وجدوا بضاعتهم ) , وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه رُدّت إليهم، ( قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا ! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم في ردِّ بضاعتهم إليهم .

وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت « ما » استفهامًا في موضع نصب بقوله: ( نبغي ) .

وإلى هذا التأويل كان يوجِّهه قتادة .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( ما نبغي ) يقول: ما نبغي وراء هذا , إن بضاعتنا ردت إلينا , وقد أوفى لنا الكيل.

وقوله: ( ونمير أهلنا ) ، يقول: ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم.

يقال منه: « مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا » , ومنه قول الشاعر:

بَعَثْتُــكَ مَــائِرًا فَمَكَــثْتَ حَـوْلا مَتَــى يَــأْتِي غِيَـاثُكَ مَـنْ تُغِيـثُ

( ونحفظ أخانا ) ، الذي ترسله معنا ( ونـزداد كيل بعير ) ، يقول: ونـزداد على أحمالنا [ من ] الطعام حمل بعير يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا ( ذلك كيل يسير ) ، يقول: هذا حمل يسير . كما:-

حدثني الحارث , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا حجاج , عن ابن جريج: ( ونـزداد كيل بعير ) قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير , فقالوا: أرسل معنا أخانا نـزداد حمل بعير وقال ابن جريج: قال مجاهد: ( كيل بعير ) حمل حمار . قال: وهي لغة قال القاسم: يعني مجاهد: أن « الحمار » يقال له في بعض اللغات: « بعير » .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( ونـزداد كيل بعير ) ، يقول: حمل بعير.

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( ونـزداد كيل بعير ) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا ( ذلك كيل يسير ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ( 66 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر ( حتى تؤتون موثقًا من الله ) ، يقول: حتى تعطون موثقًا من الله بمعنى « الميثاق » , وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد ( لتأتنني به ) يقول لتأتنني بأخيكم ( إلا أن يحاط بكم ) ، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( فلما آتوه موثقهم ) ، قال: عهدهم.

حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: ( إلا أن يحاط بكم ) : ، إلا أن تهلكوا جميعًا.

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد

قال، وحدثنا إسحاق , قال: أخبرنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا معمر , عن قتادة: ( إلا أن يحاط بكم ) ، قال: إلا أن تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قوله: ( إلا أن يحاط بكم ) : ، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا , فيكون ذلك عذرًا لكم عندي.

وقوله: ( فلما آتوه موثقهم ) ، يقول: فلما أعطوه عهودهم « قال » ، يعقوب: ( الله على ما نقول ) ، أنا وأنتم ( وكيل ) ، يقول: هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ( 67 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد , وادخلوا من أبواب متفرقة.

وذكر أنه قال ذلك لهم , لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة , فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ، وهم ولد رجل واحد , فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها . كما:-

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا يزيد الواسطي , عن جويبر , عن الضحاك: ( لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، قال: خاف عليهم العينَ .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد ) خشي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ على بنيه، كانوا ذوي صُورة وجَمال.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس.

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: ( وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، قال: رهب يعقوب عليه السلام عليهم العينَ.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان , قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لا تدخلوا من باب واحد ) ، خشي يعقوب على ولده العينَ.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب , عن أبي معشر , عن محمد بن كعب: ( لا تدخلوا من باب واحد ) ، قال: خشي عليهم العين.

... قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم على بنيه العين , فقال: ( يا بني لا تدخلوا من باب واحد ) . فيقال: هؤلاء لرجل واحدٍ! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما أجمعوا الخروجَ يعني ولد يعقوب قال يعقوب: ( يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، خشي عليهم أعين الناس، لهيأتهم , وأنهم لرجل واحدٍ.

وقوله: ( وما أغني عنكم من الله من شيء ) ، يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير , لأن قضاءه نافذ في خلقه ( إن الحكم إلا لله ) ، يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء , فإنه يحكم في خلقه بما يشاء , فينفذ فيهم حكمه , ويقضي فيهم، ولا يُرَدّ قضاؤه ( عليه توكلت ) ، يقول: على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم عليّ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون , لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة ( وعليه فليتوكل المتوكلون ) ، يقول: وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 68 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب ( من حيث أمرهم أبوهم، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة ( ما كان يغني ) ، دخولهم إياها كذلك ( عنهم ) من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه , ( من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم , فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه . كما:-

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، خيفة العين على بنيه.

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

... قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، قال: خشية العين عليهم.

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قوله: ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، قال: ما تخوَّف على بنيه من أعين الناس لهيأتهم وعِدّتهم.

وقوله: ( وإنه لذو علم لما علمناه ) ، يقولُ تعالى ذكره: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه .

وقيل: معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم .

واختلف عن قتادة في ذلك:

فحدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وإنه لذو علم لما علمناه ) : أي: مما علمناه.

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير , عن سفيان , عن ابن أبي عروبة عن قتادة: ( وإنه لذو علم لما علمناه ) ، قال: إنه لعامل بما عَلم.

... قال: المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان: ( إنه لذو علم ) ، مما علمناه. وقال: من لا يعمل لا يكون عالمًا.

( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرًا من الناس غير يعقوب , لا يعلمون ما يعلمه , لأنَّا حَرَمناه ذلك فلم يعلمه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 69 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف ( آوى إليه أخاه ) ، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه.

وكان إيواؤه إياه، كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ) ، قال: عرف أخاه , فأنـزلهم منـزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي . فبات معه , فجعل يوسف يشمُّ ريحه , ويضمه إليه حتى أصبح , وجعل روبيل يقول: ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما دخلوا يعني ولد يعقوب على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به , قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم , وستجدون ذلك عندي أو كما قال . ثم قال: إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [ صاحب ] ضيافته. فقال: أنـزل كل رجلين على حدة , ثم أكرمهما، وأحسن ضيافتهما. ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمه إليّ , فيكون منـزله معي . فأنـزلهم رجلين رجلين في منازل شتَّى , وأنـزل أخاه معه , فآواه إليه. فلما خلا به قال إني أنا أخوك، أنا يوسف، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى , فإن الله قد أحسن إلينا , ولا تعلمهم شيئًا مما أعلمتك . يقول الله: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ) ، ضمه إليه، وأنـزله , وهو بنيامين.

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول وسئل عن قول يوسف: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) : كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع , وقد كان أخبره [ أنه ] أخوه، وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة , ولكنه قال: ( أنا أخوك ) مكانَ أخيك الهالك ( فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) ، يقول: لا يحزنك مكانهُ.

وقوله: ( فلا تبتئس ) ، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن.

وهو: « فلا تفتعل » من « البؤس » , يقال منه: « ابتأس يبتئس ابتئاسًا » .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: ( فلا تبتئس ) ، يقول: فلا تحزن ولا تيأس.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: ( فلا تبتئس ) ، يقول: لا يحزنك مكانه.

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) ، يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون.

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك , وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك .