القول
في تأويل قوله تعالى : يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ( 87 )
قال أبو
جعفر: يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف ، قال لبنيه: ( يا بني اذهبوا ) إلى الموضع الذي جئتم منه
وخلفتم أخويكم به (
فتحسَّسوا من يوسف ) ،
يقول: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره .
وأصل « التحسُّس » ، « التفعل » من « الحِسِّ » .
( وأخيه ) يعني بنيامين ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، يقول: ولا تقنطوا من أن
يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما ( إنه لا ييأس من روح الله ) يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته
ويقطع رجاءه منه ( إلا
القوم الكافرون ) ،
يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه .
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من
يوسف وأخيه ) ، بمصر
( ولا
تيأسوا من روح الله ) ، قال:
من فرج الله أن يردَّ يوسف.
حدثنا
بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، أي من رحمة الله.
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة نحوه .
حدثنا
ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، ثم إن يعقوب قال لبنيه ، وهو على
حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن: ( يا بني اذهبوا ) إلى البلاد التي منها جئتم ( فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا
تيأسوا من روح الله ) : أي
من فرجه ( إنه
لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )
حدثت عن الحسين
بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول
في قوله: ( ولا
تيأسوا من روح الله ) ،
يقول: من رحمة الله.
حدثني
يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال: من فرج الله ، يفرِّج عنكم
الغمّ الذي أنتم فيه
القول
في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ
قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا
بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ
اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ( 88 )
قال أبو
جعفر: وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف ، وذلك: فخرجوا راجعين إلى
مصر حتى صاروا إليها ، فدَخلوا على يوسف ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) ، أي الشدة من الجدب والقحط ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) . كما:-
حدثنا
ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها ( ببضاعة مزجاة ) : أي قليلة ، لا تبلغ ما
كانوا يتبايعون به ، إلا أن يتجاوز لهم فيها ، وقد رأوا ما نـزل بأبيهم ، وتتابعَ
البلاء عليه في ولده وبصره ، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: ( يا أيها العزيز ) ، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن
أخيهم ( مسنا
وأهلنا الضر ) .
وعنى
بقوله: ( وجئنا
ببضاعة مُزْجاة ) بدراهم
أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها .
وأصل « الإزجاء » : السوق بالدفع ، كما قال
النابغة الذبياني:
وَهَبّـتِ
الـرِّيحُ مِـنْ تِلْقَـاءِ ذِي أُرُلٍ تُزْجِـي مَـعَ اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا
صِرَمَا
يعني
تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
الــوَاهِبُ
المِئــةَ الهِجَـانَ وعَبْدَهَـا عُــوذًا تُزَجِّــي خَلْفَهــا أطْفَالَهـا
وقول
حاتم:
لِبَيْـكِ
عَـلَى مِلْحَـانَ ضَيْـفٌ مُـدَفَّعٌ وَأَرْمَلَـةٌ تُزْجِـى مَـعَ اللَّيـلِ
أَرْمَـلا
يعني
أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل: ( ببضاعة مزجاة ) ، لأنها غير نافقة ، وإنما
تُجَوَّز تجويزًا على وَضعٍ من آخذيها.
وقد
اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك ، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة .
*ذكر
أقوال أهل التأويل في ذلك:
حدثنا
أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك
، عن عكرمة ، عن ابن عباس: (
ببضاعة مزجاة ) قال:
رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها.
حدثنا
الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن
عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ، قال:
الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع منها.
حدثنا
ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن
ابن عباس: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ، قال:
خَلَقٍ الغِرَارة والحبلُ والشيء.
حدثنا
الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي
سليمان ، عن ابن أبي مليكة قال، سمعت ابن عباس ، وسئل عن قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: رِثَّةُ المتاع،
الحبلُ والغرارةُ والشيء.
حدثني
المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان
بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا
محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن
عباس ، قوله: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ، قال:
«
البضاعة » ،
الدراهم ، و «
المزجاة » : غير
طائل.
حدثني
المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن ابن أبي زياد ، عمن حدثه ،
عن ابن عباس قال، كاسدة غير طائل.
حدثنا
أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير،
وعكرمة،: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ، قال
سعيد: ناقصة وقال عكرمة: دراهم فُسُول.
حدثنا
ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ،
مثله .
حدثنا
أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل ، عن أبي
حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ، قال
أحدهما: ناقصة . وقال الآخر: رديَّةٌ.
... وبه
قال، حدثنا أبي عن سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال، كان
سَمْنًا وصُوفًا.
حدثنا
الحسن قال، حدثنا علي بن عاصم ، عن يزيد بن أبي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن
الحارث وأنا عنده عن قوله: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ، قال:
قليلةٌ ، متاعُ الأعراب: الصوفُ والسَّمن.
حدثنا
إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري ، قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي ،
قال:حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن مروان بن عمرو العذري ، عن أبي إسماعيل ،
عن أبي صالح ، في قوله: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ، قال
الصنوبر والحبة الخضراء.
حدثنا
ابن حميد ، قال:حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن يزيد بن الوليد ، عن إبراهيم ، في
قوله: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ،
قال:قليلة ، ألا تسمع إلى قوله: «
فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا » ، وهم
يقرءون كذلك.
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال:حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال:
ما أراها إلا القليلة ، لأنها في مصحف عبد الله: « وَأَوْقِرْ رِكَابَنا » ، يعني قوله: « مزجاة » .
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا جرير ، عن القعقاع بن يزيد ، عن إبراهيم قال، قليلة ، ألم
تسمع إلى قوله: «
وَأَوْقِرْ رِكَابنَا » ؟
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي بكر الهذلي ، عن سعيد بن جبير والحسن:
بضاعة مزجاة قال سعيد:الرديّة وقال الحسن:القليلة.
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا ابن إدريس ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال، متاع
الأعراب سمنٌ وصوف.
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية قال، دراهم ليست بطائل.
حدثني
محمد بن عمرو ، قال، حدثنا أبو عاصم ، قال:حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد: ( مزجاة
) ،
قال:قليلة.
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال:حدثنا شبابة ، قال:حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:
( مزجاة
)
قال:قليلة.
حدثني
المثنى ، قال:حدثنا أبو حذيفة ، قال:حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ،
مثله .
... قال،
حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال، حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن
الحارث: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة )
قال:شيء من صوف ، وشيء من سمن.
... قال،
حدثنا عمرو بن عون ، قال، أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن قال: قليلة.
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عمن حدثه ، عن مجاهد: ( مزجاة ) قال:قليلة.
حدثنا
القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
...
قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن عكرمة قال:
ناقصة وقال سعيد بن جبير: فُسُولٌ.
...
قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال:رديّة.
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة لا تنفق .
حدثني
المثنى ، قال:حدثنا عمرو بن عون ، قالأخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال:
كاسدة.
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا عبدة ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة غير طائل.
حدثت عن
الحسين بن الفرج ، قال:سمعت أبا معاذ يقول:حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في
قوله: (
ببضاعة مزجاة ) ،
يقول:كاسدة غير نافقة.
حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال:حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ،
عن سعيد بن جبير: ( وجئنا
ببضاعة مزجاة ) ،
قالالناقصة وقال عكرمة: فيها تجوُّزٌ.
... قال،
حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: الدراهم الرديّة التي لا
تجوز إلا بنقصان.
... قال،
حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: الدراهم الرُّذَال، التي لا تجوز إلا
بنقصان.
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: دراهم فيها جَوازٌ.
حدثنا
بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) :، أي: يسيرة.
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا
يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال: « المزجاة » ، القليلة.
حدثنا
ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) :، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك ، إلا أن تتجاوز
لنا فيها.
وقوله: ( فأوف لنا الكيل ) ..... بها وأعطنا بها ما كنت تعطينا
قبل بالثمن الجيّد والدراهم الجائزة الوافية التي لا تردّ، كما:-
حدثنا
ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( فأوف لنا الكيل ) : ، أي أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ ، فإن بضاعتنا مزجاة.
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( فأوف لنا الكيل ) قال:كما كنت تعطينا بالدراهم
الجياد.
وقوله: ( وتصدق علينا ) يقول تعالى ذكره: قالوا:
وتفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة ، فلا تنقصنا من سعر طَعامك لرديِّ
بضاعتنا ( إن
الله يجزي المتصدقين ) ، يقول:
إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم .
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( وتصدق علينا ) ، قال:تفضل بما بين الجياد
والرديّة.
حدثنا
القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير: ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر من أجل
رديّ دراهمنا.
واختلفوا
في الصدقة ، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو
كانت حرامًا؟
فقال
بعضهم:لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء عليهم السلام .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير قال،
ما سأل نبيٌّ قطٌّ الصَّدقَة ، ولكنهم قالوا: ( جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر.
وروي عن
ابن عيينة ما:-
حدثني به
الحارث ، قال:حدثنا القاسم قال: يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل:هل حرمت الصدقة
على أحدٍ من الأنبياء قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قوله: ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا
إن الله يجزي المتصدقين ) .
قال
الحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلالٌ
، وهم أنبياء ، فإن الصدقة إنما حُرِّمت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليهم .
وقال
آخرون:إنما عنى بقوله: ( وتصدق
علينا ) وتصدق
علينا بردّ أخينا إلينا .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( وتصدق علينا ) قال:رُدَّ إلينا أخانا.
قال أبو
جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج ، وإن كان قولا له وجه، فليس بالقول
المختار في تأويل قوله: (
وتصدَّق علينا ) لأن « الصدقة » في متعارف [ العرب ] ، إنما هي إعطاء الرجل ذا
حاجةٍ بعض أملاكه ابتغاءَ ثواب الله عليه، وإن كان كلّ معروف صدقةً ، فتوجيه تأويل
كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نـزل القرآن بلسانه أولى وأحرى .
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .
حدثني
الحارث ، قال، حدثنا القاسم ، قال، حدثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن الأسود ،
قال:سمعت مجاهدًا ، وسئل: هل يُكْرَهُ أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدّق عليّ؟
فقال:نعم ، إنما الصَّدقة لمن يبغي الثوابَ.
القول
في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا
فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ( 89 )
قال أبو
جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما قال له إخوته: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ
مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا
الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ،
أدركته الرقّة وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه، كما:-
حدثنا
ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا
الكلام غلبته نفسه ، فارفضَّ دمعه باكيًا ، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم ، فقال: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف
وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟ ولم
يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه ، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه ، إذ صنعوا
بيوسف ما صنعوا.
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: فَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ، الآية
، قال:فرحمهم عند ذلك ، فقال لهم: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟
قال أبو
جعفر: فتأويل الكلام:هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه ، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما
صنعتم إذ أنتم جاهلون؟ يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف ، وما إليه صائر
أمره وأمركم.
القول
في تأويل قوله تعالى : قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ
يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ
مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ( 90 )
قال أبو جعفر:
يقول تعالى ذكره:قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: ( إنك لأنت يوسف ) ؟ ، فقال:نعم أنا يوسف ( وهذا أخي قد مَنَّ الله
علينا ) بأن
جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا ( إنه
من يتق ويصبر ) ،
يقولإنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ( ويصبر ) ، يقول: ويكفّ نفسه ، فيحبسها
عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نـزلتْ به من الله ( فإن الله لا يضيع أجر
المحسنين ) ،
يقول:فإن الله لا يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه .
وقد
اختلف القرأة في قراءة قوله: ( أإنك
لأنت يوسف ) .
فقرأ ذلك
عامة قرأة الأمصار: (
أَإِنّكَ ) ، على
الاستفهام .
وذكر أن
ذلك في قراءة أبيّ بن كعب: «
أَوَأَنْتَ يُوسُفُ. »
وروي عن
ابن محيصن أنه قرأ: «
إِنَّكَ لأَنْتَ يُوُسُفُ » ، على
الخبر ، لا على الاستفهام .
قال أبو
جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءةُ من قرأه بالاستفهام ، لإجماع
الحجّة من القرأة عليه .
حدثنا
ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، لما قال لهم ذلك يعني قوله: هَلْ
عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ كشف
الغِطاء فعرفوه ، فقالوا: ( أإنك
لأنت يوسف ) ،
الآية.
حدثنا
القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني من سمع عبد الله بن إدريس يذكر ، عن ليث
، عن مجاهد ، قوله: ( إنه
من يتق ويصبر ) ،
يقول:من يتق معصية الله، ويصبر على السِّجن.
القول
في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ
اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ( 91 )
قال أبو
جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم
والحلم والفضل ( وإن
كنا لخاطئين ) ،
يقول:وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك
من صنيعنا الذي صنعنا بك ، إلا خاطئين يعنون: مخطئين.
يقال
منه: « خَطِئَ
فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً ، وأخطأ يُخْطِئُ إِخْطاءً » ، ومن ذلك قول أمية بن الأسكر:
وَإنَّ
مُهَـــــاجِرَيْنِ تَكَنَّفَـــــاهُ لَعَمْــرُ اللــهِ قَــدْ خَطِئـا وحَابَـا
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لما قال لهم يوسف: أَنَا
يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي اعتذروا إليه وقالوا: ( تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ) فيما كنا صنعنا بك.
حدثنا بشر
، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( تالله لقد آثرك الله علينا ) وذلك بعد ما عرَّفهم أنفسهم ،
يقول:جعلك الله رجلا حليمًا.
القول
في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 92
)
قال أبو
جعفر: يقول تعالى ذكره:قال يوسف لإخوته: ( لا تثريب )
يقول:لا تعيير عليكم ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة ، ولكن لكم
عندي الصفح والعفو .
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( لا تثريب عليكم ) ، لم يثرِّب عليهم أعمالهم.
حدثني
المثنى قال، حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، قوله: ( لا تثريب عليكم اليوم ) ، قال:قال سفيان:لا تعيير
عليكم.
حدثنا
ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( قال لا تثريب عليكم اليوم ) :، أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.
وحدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال، اعتذروا إلى يوسف فقال: ( لا تثريب عليكم اليوم، ) يقول:لا أذكر لكم ذنبكم.
وقوله: ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين
) ، وهذا
دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم
، يقول:عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم ، فستره عليكم ( وهو أرحم الراحمين ) ، يقول:والله أرحم الراحمين
لمن تاب من ذنبه، وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته . كما:-
حدثنا
ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( يغفر الله وهو أرحم الراحمين ) حين اعترفوا بذنبهم.
القول
في تأويل قوله تعالى : اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا
فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ
أَجْمَعِينَ ( 93 )
قال أبو
جعفر:ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه إخوته ، سألهم عن أبيهم ،
فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: ( اذهبوا بقميصي هذا ) .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: قال لهم يوسف:ما فعل أبي
بعدي؟ قالوا:لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال: ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوا
على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين ) .
وقوله: ( يأت بصيرًا ) يقول:يَعُدْ بصيرًا ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) ، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم
.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ
قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ ( 94 )
قال أبو
جعفر: يقول تعالى ذكره:ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب ،
قال أبوهم يعقوب: ( إني
لأجد ريح يوسف ) . ذُكر
أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير ، فأذن لها
، فأتته بها .
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يونس ، قالأخبرنا ابن وهب ، قال:حدثني أبو شريح ، عن أبي أيوب الهوزني حَدّثه قال،
استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير
، ففعل. قال يعقوب: ( إني
لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن
ابن عباس ، في قوله: ( ولما
فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) ، قال:هاجت ريح ، فجاءت بريح
يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) .
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن
ابن عباس: ( ولما
فصلت العير )
قال:هاجت ريح ، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال.
حدثني أبو
السائب ، قال:حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن ابن أبي الهذيل قال، سمعت ابن عباس
يقول: وجد يعقوب ريح يوسف ، وهو منه على مسيرة ثمان ليال.
حدثنا
ابن وكيع والحسن بن محمد ، قالا حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي
الهذيل قال، كنت إلى جنب ابن عباس ، فسئل:من كم وجد يعقوب ريح القميص؟ قال:من
مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال.
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا جرير ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال: قال لي
أصحابي:إنك تأتي ابن عباس ، فسله لنا. قال: فقلت:ما أسأله عن شيء ، ولكن أجلس خلف
السرير، فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي ، فسمعته يقول: وجد يعقوب ريح
قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ، قال ابن أبي الهذيل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من
الكوفة.
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال:حدثنا علي بن عاصم ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي
الهذيل ، قال:سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال .
قال:فقلت في نفسي:هذا كمكان البصرة من الكوفة
حدثنا
أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي
سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:وجد ريح قميص يوسف من
مسيرة ثمان ليال . قال:قلت له:ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة . واللفظ لحديث أبي
كريب.
حدثنا
الحسين بن محمد ، قال، حدثنا عاصم وعلي ، قالا أخبرنا شعبة قال، أخبرني أبو سنان ،
قال، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس في هذه الآية: ( إني لأجد ريح يوسف ) ، قال:وجد ريحه من مسيرة ما
بين البصرة إلى الكوفة.
حدثني
المثنى ، قال:حدثنا آدم العسقلاني ، قال، حدثنا شعبة ، قال:حدثنا أبو سنان ،
قال:سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس ، مثله .
... قال:
حدثنا أبو نعيم ، قال:حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ،
قال: كنا عند ابن عباس فقال: ( إني
لأجد ريح يوسف ) قال:
وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان ليال.
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قالأخبرنا عبد الرزاق ، قالأخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد
الله بن أبي الهذيل ، قال:سمعت ابن عباس يقول: ( ولما فصلت العير ) قال:لما خرجت العير، هاجت ريح فجاءت يعقوبَ بريح قميص يوسف
، فقال: ( إني
لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون )
قال:فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال.
حدثنا
بشر ، قال:حدثنا يزيد ، قال:حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن: ذكر لنا أنه كان
بينهما يومئذ ثمانون فرسخًا ، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان ، وقد أتى لذلك
زمان طويل.
حدثنا
القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال: بلغنا أنه كان بينهم
يومئذ ثمانون فرسخًا ، وقال: ( إني
لأجد ريح يوسف ) وكان
قد فارقه قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة.
حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد
الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:وجد ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام.
...
قال:حدثنا أبو أحمد ، قال:حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي
الهذيل ، عن ابن عباس ، قوله: ( ولما
فصلت العير )
قال:فلما خرجت العير هبت ريح ، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:ووجد ريح قميصه من مسيرة
ثمانية أيام.
حدثنا
ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما فصلت العير من مصر استروَح
يعقوب ريح يوسف ، فقال لمن عنده من ولده: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون ) .
وأما
قوله: ( لولا
أن تفندون ) ، فإنه
يعني: لولا أن تعنّفوني ، وتعجّزوني ، وتلوموني ، وتكذبوني.
ومنه قول
الشاعر:
يَـا
صَـاحِبَيَّ دَعَـا لَـوْمِي وَتَفْنِيـدِي فَلَيْسَ مَـا فَـاتَ مِـنْ أَمْـرِي
بمَرْدُودِ
ويقال: « أفند فلانًا الدهر » ، وذلك إذا أفسده، ومنه قول
ابن مقبل:
دَعِ
الدَّهْــرَ يَفْعَــلْ مَـا أَرَادَ فإنَّـهُ إِذا كُــلِّفَ الإفْنَــاد
بالنِّـاسِ أَفْنَـدا
واختلف
أهل التأويل في معناه.
فقال
بعضهم: معناه:لولا أن تسفهوني.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن
عباس: ( لولا
أن تفندون )
قال:تسفّهون.
حدثنا
أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن
أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، مثله .
... وبه
قال، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) قال:تسفّهون.
حدثني
المثنى وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله ، قال: حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس ، قوله: ( لولا
أن تفندون )
يقول:تجهِّلون.
حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد
الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تسفهون.
حدثنا
أحمد ، قال، حدثنا أبو أحمد وحدثني المثنى ، قال، حدثنا أبو نعيم قالا
جميعًا:حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تسفهون.
حدثني
المثنى ، قال، حدثنا الحماني ، قال:حدثنا شريك ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ،
عن ابن عباس ، وسالم عن سعيد: ( لولا
أن تفندون ) ، قال
أحدهما: تسفهون وقال الآخر: تكذبون.
حدثني
يعقوب ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تكذبون ، لولا
أن تسفّهون.
حدثنا
ابن وكيع ، قال، حدثنا يزيد بن هارون ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال، تسفهون.
حدثنا
بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تسفهون.
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تسفهون.
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن
عبد الله بن أبي الهذيل ، قال: سمعت ابن عباس يقول: ( لولا أن تفندون ) ، يقول:تسفهّون.
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال:حدثنا شبابة ، قال:حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
، قوله: ( لولا
أن تفندون ) ،
قال:ذهبَ عقله!
حدثني
محمد بن عمرو ، قال، حدثنا أبو عاصم ، قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد: (
تفندون ) ،
قال:قد ذهبَ عقله!
حدثني
المثنى ، قال، حدثنا أبو حذيفة ، قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
وحدثني
المثنى قال، حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد: ( لولا
أن تفندون ) ، قال:
قد ذهب عقله!
حدثنا
القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) قال:لولا أن تقولوا:ذهب عقلك!
حدثنا
ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تضعِّفوني.
حدثني
يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( لولا أن تفندون ) ، قالالذي ليس له عقل ذلك « المفنّد » ، يقول: لا يعقل.
وقال
آخرون:معناه:لولا أن تكذبون .
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن وكيع ، قال:حدثنا سويد بن عمرو الكلبي ، عن شريك ، عن سالم عن سعيد: ( لولا أن تفندون ) قال:تكذبون.
...
قال:حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لولا أن تهرِّمون وتكذبون.
... قال:
حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال:بلغني عن مجاهد قال: تكذبون.
...
قال:حدثنا عبدة، وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: لولا أن تكذبون.
حدثت عن
الحسين ، قال، سمعت أبا معاذ ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول
في قوله: ( لولا
أن تفندون )
تكذبون.
حدثني
المثنى قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله: ( لولا أن تفندون ) قال: تسفهون أو تكذبون.
حدثني
محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عمي ، قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله: ( لولا
أن تفندون ) ، يقول:تكذبون
.
وقال
آخرون: معناه تهرِّمون.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد: ( لولا
أن تفندون ) ، قال:
لولا أن تهرِّمون.
حدثنا ابن
وكيع ، قال، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال: تهرِّمون.
حدثني
يعقوب ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا أبو الأشهب ، عن الحسن: ( لولا أن تفندون ) ، قال:تهرِّمون.
حدثني
المثنى ، قال، حدثنا عمرو بن عون ، قال، أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب وغيره ، عن
الحسن ، مثله .
قال أبو
جعفر: وقد بينا أن أصل «
التفنيد »
:الإفساد . وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد
تدخل في التفنيد ، لأن أصل ذلك كله الفساد والفساد في الجسم:الهرمُ وذهاب العقل
والضعف وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل ، ولذلك قال جرير بن عطية:
يـا
عَـاذِليَّ دَعَـا المَـلامَ وأَقْصِـرَا طَــالَ الهَــوَى وأَطَلْتُمـا
التَّفْنيـدا
يعني:
الملامة فقد تبيّن، إذ كان الأمر على ما وصفنا، أنّ الأقوال التي قالها من ذكرنا
قولَه في قوله: ( لولا
أن تفندون ) على
اختلاف عباراتهم عن تأويله ، متقاربةُ المعاني ، محتملٌ جميعَها ظاهرُ التنـزيل ،
إذ لم يكن في الآية دليلٌ على أنه معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض .
القول
في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ
لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ( 95 )
قال أبو
جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ
يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ : تالله، أيها الرجل ، إنك من حبّ يوسف وذكره
لفي خطئك وزللك القديم لا تنساه ، ولا تتسلى عنه .
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( إنك لفي ضلالك القديم ) ، يقول: خطائك القديم.
حدثنا
بشر ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك
القديم ) أي :من
حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظة، لم يكن ينبغي لهم أن
يقولوها لوالدهم، ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا
ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك
القديم ) ، قال:
في شأن يوسف.
حدثنا
أحمد قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، قال سفيان: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:من حبك ليوسف.
حدثنا
ابن وكيع. قال، حدثنا عمرو ، عن سفيان ، نحوه .
حدثنا
القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك
القديم ) ،
قال:في حبك القديم.
حدثنا
ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، أي إنك لمن ذكر يوسف في
الباطل الذي أنت عليه.
حدثني
يونس قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد في قوله: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:يعنون:حزنه القديم على
يوسف « وفي
ضلالك القديم » : لفي
خطائك القديم.