تفسير سورة الرعد

( أول تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد )

( بسم الله الرحمن الرحيم )

( ربِّ يسِّر )

 

القول في تأويل قوله تعالى : المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ( 1 )

قال أبو جعفر: قد بينا القول في تأويل قوله الر

و ( المر ) ، ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن، فيما مضى، بما فيه الكفاية من إعادتها غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصًّا به كل سورة افتتح أولها بشيء منها.

فما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه، التفريقُ بين معنى ما ابتدئ به أولها، مع زيادة الميم التي فيها على سائر السور ذوات الر ومعنى ما ابتدئ به أخواتها مع نقصان ذلك منها عنها.

ذكر الرواية بذلك عنه:

حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن، عن هشيم, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( المر ) قال: أنا الله أرى .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن عطاء بن السائب, عن أبي الضحى, عن ابن عباس: قوله: ( المر ) قال: أنا الله أرى .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان, عن مجاهد: ( المر ) : فواتح يفتتح بها كلامه .

وقوله: ( تلك آيات الكتاب ) يقول تعالى ذكره: تلك التي قصصت عليك خبرَها، آيات الكتاب الذي أنـزلته قبل هذا الكتاب الذي أنـزلته إليك إلى من أنـزلته إليه من رسلي قبلك .

وقيل: عنى بذلك: التوراة والإنجيل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( المر تلك آيات الكتاب ) الكتُب التي كانت قبل القرآن .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان, عن مجاهد: ( تلك آيات الكتاب ) قال: التوراة والإنجيل .

وقوله: ( والذي أنـزل إليك من ربك الحق ) [ القرآن ] ، فاعمل بما فيه واعتصم به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان, عن مجاهد: ( والذي أنـزل إليك من ربك الحق ) قال: القرآن .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( والذي أنـزل إليك من ربك الحق ) : أي: هذا القرآن .

وفي قوله: ( والذي أنـزل إليك ) وجهان من الإعراب:

أحدهما: الرفع، على أنه كلام مبتدأ, فيكون مرفوعا بـ « الحق » و « الحق به » . وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما .

والآخر: الخفض على العطف به على ( الكتاب ) , فيكون معنى الكلام حينئذ: تلك آياتُ التوراة والإنجيل والقرآن. ثم يبتدئ ( الحق ) بمعنى: ذلك الحق فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغنى بدلالة الظاهر عليه منه .

ولو قيل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنـزل إليك من ربك الحق وإنما أدخلت الواو في « والذي » , وهو نعت للكتاب, كما أدخلها الشاعر في قوله:

إلَــى المَلِـكِ القَـرْمِ وَابْـنِ الهُمَـامِ وَلَيْــثَ الكَتِيبَــةِ فِــي المُزْدَحَـمْ

فعطف بـ « الواو » , وذلك كله من صفة واحد, كان مذهبًا من التأويل.

ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك فالصواب من القراءة في ( الحق ) الخفض، على أنه نعت لـ ( الذي ) .

وقوله: ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنـزل إليك من ربك, ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ( 2 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله، يا محمد، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها, فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا .

و « العَمَد » جمع « عمود » , وهي السَّواري, وما يعمد به البناء, كما قال النابغة:

وَخَـيِّسِ الجِـنَّ إنِّـي قَـدْ أذِنْـتُ لَهُمْ يَبْنُــون تَدْمُــرَ بِالصُّفَّـاحِ وَالعَمَـدِ

وجمع « العمود: » « عَمَد, » كما جمع الأديم: « أدَم » , ولو جمع بالضم فقيل: « عُمُد » جاز, كما يجمع « الرسول » « رسل » , و « الشَّكور » « شكر » .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) .

فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير, عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها ( بغير عمَدٍ ترونها ) : أي لا ترونها .

حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, عن ابن عباس, مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد في قوله: ( بغير عمد ترونها ) ، قال: بعمد لا ترونها .

حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد, في قول الله: ( بغير عمد ترونها ) قال: هي لا ترونها .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( بغير عمد ) يقول: عمد [ لا ترونها ] .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الحسن وقتادة قوله: ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قوله: ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.

ومن تأوَّل ذلك كذلك, قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله, كقول الشاعر

وَلا أرَاهَـــا تَـــزَالُ ظَالِمَـــةً تُحْــدِثُ لِــي نَكْبَــةً وتَنْكَؤُهَــا

يريد: أراها لا تزال ظالمة, فقدم الجحد عن موضعه من « تزال » , وكما قال الآخر:

إذَا أَعْجَـبَتْكَ الدَّهْـرَ حَـالٌ مِنَ امْرِئٍ فَدَعْــهُ وَوَاكِــلْ حَالَــهُ وَاللَّيَاليَـا

يَجِـئْنَ عَـلَى مَـا كَـانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ وَإنْ كَـانَ فِيمـا لا يَـرَى النَّـاسُ آلِيَا

يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو .

وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن إياس بن معاوية, في قوله: ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( بغير عمد ترونها ) قال: رفعها بغير عمد .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها, كما قال ربنا جل ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك, ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه .

وأما قوله: ( ثم استوى على العرش ) فإنه يعني: علا عليه .

وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله: ( وسخر الشمس والقمر ) يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء, فسخرهما فيها لمصالح خلقه, وذلَّلَهما لمنافعهم, ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب, ويفصلوا به بين الليل والنهار .

وقوله: ( كل يجري لأجل مسمَّى ) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء ( لأجل مسمى ) : أي: لوقت معلوم, وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس, ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.

وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نـزل بلسانه القرآن معناه, وأن ( كلّ ) لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به .

وبنحو الذي قلنا في قوله: ( لأجل مسمى ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى ) قال: الدنيا .

وقوله: ( يدبِّر الأمر ) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها, ويدبِّر ذلك كله وحده, بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( يدبر الأمر ) يقضيه وحده .

......... قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه .

وقوله: ( يفصل الآيات ) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه, فيبينها لكم احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) يقول: لتوقنوا بلقاء الله, والمعاد إليه, فتصدقوا بوعده ووعيده، وتنـزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان, وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنـزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده, ونستيقن بلقائه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( 3 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي مَدَّ الأرض, فبسطها طولا وعرضًا .

وقوله: ( وجعل فيها رواسي ) يقول جل ثناؤه: وجعل في الأرض جبالا ثابتة.

و « الرواسي: » جمع « راسية » ، وهي الثابتة, يقال منه: « أرسيت الوتد في الأرض » : إذا أثبته, كما قال الشاعر:

بــهِ خَــالِدَاتٌ مَـا يَـرِمْنَ وهَـامِدٌ وَأشْــعَثُ أرْسَــتْهُ الوَلِيـدَةُ بِـالفِهْرِ

يعني: أثبتته .

وقوله: ( وأنهارًا ) يقول: وجعل في الأرض أنهارًا من ماء .

وقوله: ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) فـ ( من ) في قوله ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) من صلة ( جعل ) الثاني لا الأول .

ومعنى الكلام: وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات . وعنى بـ ( زوجين اثنين ) : من كل ذكر اثنان, ومن كل أنثى اثنان, فذلك أربعة، من الذكور اثنان، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم .

وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين: ( زوجين ) , والواحد من الذكور « زوجًا » لأنثاه, وكذلك الأنثى الواحدة « زوجًا » و « زوجة » لذكرها, بما أغمى عن إعادته في هذا الموضع .

ويزيد ذلك إيضاحًا قول الله عز وجل: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [ سورة النجم: 45 ] فسمى الاثنين الذكر والأنثى ( زوجين ) .

وإنما عنى بقوله: ( زوجين اثنين ) ، نوعين وضربين .

وقوله: ( يغشي الليل النهار ) ، يقول: يجلِّل الليلُ النهارَ فيلبسه ظلمته, والنهارُ الليلَ بضيائه، كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( يغشي الليل النهار ) أي: يلبس الليل النهار .

وقوله: ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ، يقول تعالى ذكره: إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء, لَدلالات وحججًا وعظات, لقوم يتفكرون فيها، فيستدلون ويعتبرون بها, فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبَّرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها, إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى وأن القدرة التي أبدع بها ذلك، هي القدرة التي لا يتعذَّر عليه إحياء من هلك من خلقه، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعَه بها .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 4 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره ( وفي الأرض قطع متجاورات ) ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات، يقرب بعضها من بعض بالجوار, وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض, فمنها قِطْعة سَبَخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: السَّبَخة والعَذِيَة, والمالح والطيب .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: سِبَاخٌ وعَذَويّة .

حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا إسحاق بن سليمان, عن أبي سنان, عن ابن عباس في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: العَذِيَة والسَّبخة .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني: الأرض السبخة, والأرض العذية, يكونان جميعًا متجاورات, يُفضِّل بعضها على بعض في الأكُل .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ( قطع متجاورات ) العذية والسبخة، متجاورات جميعًا, تنبت هذه, وهذه إلى جنبها لا تُنْبِت .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( قطع متجاورات ) طيِّبها: عذبُها, وخبيثها: السَّباخ .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قُرًى قَرُبت متجاورات بعضها من بعض .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: قُرًى متجاورات .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا هشيم, عن أبي إسحاق الكوفي, عن الضحاك, في قوله: ( قطع متجاورات ) قال: الأرض السبخة، تليها الأرض العَذِية .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني الأرض السَّبِخة والأرض العَذِيَة, متجاورات بعضها عند بعض .

حدثنا الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: الأرض تنبت حُلوًا, والأرض تنبت حامضًا, وهي متجاورة تسقى بماءٍ واحد.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: يكون هذا حلوًا وهذا حامضًا, وهو يسقى بماء واحد, وهن متجاورات .

حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة, عن ابن شوذب في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: عَذِيَة ومالحة .

وقوله: ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صِنْوان وغير صنوان يسقى بماء واحدٍ ونفضّل بعضها على بعض في الأكُل ) يقول تعالى ذكره: وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها, بالملوحة والعذوبة, والخبث والطيب, مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض, بساتين من أعناب وزرع ونخيلٍ أيضًا, متقاربةٌ في الخلقة مختلفة في الطعوم والألوان, مع اجتماع جميعها على شرب واحد. فمن طيّبٍ طعمُه منها حسنٍ منظره طيبةٍ رائحته, ومن حامضٍ طعمه ولا رائحة له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, في قوله: ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال: مجتمع وغير مجتمع « تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل » ، قال: الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود, وبعضها أكثر حملا من بعض, وبعضه حلو, وبعضه حامض, وبعضه أفضل من بعض .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وجنات ) قال: وما معها .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد

قال المثنى, وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ( وزرع ونخيل ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة: ( وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ ) بالخفض عطفًا بذلك على « الأعناب » , بمعنى: وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ, وجناتٌ من أعناب ومن زرع ونخيل .

وقرأ ذلك بعض قرأة أهل البصرة: ( وَزَرْعٌ ونَخِيلٌ ) بالرفع عطفًا بذلك على « الجنات » , بمعنى: وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ من أعناب, وفيها أيضًا زرعٌ ونخيلٌ .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا المعنى, وقرأ بكل واحدةٍ منهما قرأة مشهورون, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وذلك أن « الزرع والنخيل » إذا كانا في البساتين فهما في الأرض, وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة, فسواءٌ وُصِفَا بأنهما في بستانٍ أو في أرضٍ .

وأما قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) .

فإن « الصنوان: » جمع « صنو » , وهي النخلات يجمعهن أصل واحد, لا يفرَّق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالإعراب في النون, وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورةً بكل حال, وفي جميعه متصرِّفة في وجوه الإعراب, ونظيره « القِنْوان » : واحدها « قِنْوٌ » .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء: ( صنوان ) قال: المجتمع ( وغير صنوان ) : المتفرِّق .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يحيى بن واضح قال: حدثنا الحسين, عن أبي إسحاق, عن البراء قال: ( صنوان ) : هي النخلة التي إلى جنبها نخلاتٌ إلى أصلها, ( وغير صنوان ) : النخلة وحدَها .

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء بن عازب: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : النخلتان أصلهما واحد, ( وغير صنوان ) النخلة والنخلتان المتفرّقتان .

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية قال: النخلة تكون لها النخلات ( وغير صنوان ) النخل المتفرّق .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن, ويحيى بن عباد وعفان, واللفظ لفظ أبي قطن قال،حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن البراء, في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : النخلة إلى جنبها النخلات ( وغير صنوان ) : المتفرق .

حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن البراء في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » ، النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهن واحد ( وغير صنوان ) ، المتفرّق .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان وشريك, عن أبي إسحاق, عن البراء في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: النخلتان يكون أصلهما واحد ( وغير صنوان ) : المتفرّق .

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( صنوان ) يقول: مجتمع .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) يعني بالصنوان: النخلة يخرج من أصلها النخلات, فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه, فيكون أصله واحدا ورءوسه متفرقة .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) النخيل في أصل واحد وغير صنوان: النخيل المتفرّق .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال: مجتمع, وغير مجتمع .

حدثني المثنى قال: حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق, عن البراء قال: « الصنوان » : ما كان أصله واحدًا وهو متفرق ( وغير صنوان ) : الذي نبت وحدَه .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( صنوان ) النخلتان وأكثر في أصل واحد ( وغير صنوان ) وحدَها .

حدثنا المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( صنوان ) : النخلتان أو أكثر في أصل واحد, ( وغير صنوان ) واحدة .

...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك: ( صنوان وغير صنوان ) قال: الصنوان: المجتمع أصله واحد, وغير صنوان: المتفرق أصله .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم , عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : المجتمع الذي أصله واحد ( وغير صنوان ) : المتفرّق .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) أما « الصنوان » : فالنخلتان والثلاث أصولُهن واحدة وفروعهن شتى, ( وغير صنوان ) ، النخلة الواحدة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( صنوان وغير صنوان ) قال: صنوان: النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهنّ واحدٌ .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : النخلتان أو الثلاث يكنَّ في أصل واحد, فذلك يعدُّه الناس صنوانًا .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال: حدثني رجل: أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول, فأسرع إليه العباس, فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, ألم تر عباسًا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه, فذكرتُ مكانه منك فكففت: فقال: يرحمك الله، إنّ عمّ الرجل صِنْوُ أبيه .

حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: ( صنوان ) : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد ; قال: فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قولٌ, فأسرع إليه العباس, فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ألم تر عباسًا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه. فذكرتُ مكانه منك فكففت عند ذلك, فقال: يرحمك الله إن عم الرجل صِنْو أبيه .

............... قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة, عن داود بن شابور, عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي, وإنّ عمّ الرجل صنو أبيه .

حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء, وابن أبي مليكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: يا عمر أما علمت أن عم الرجل صِنْوُ أبيه؟.

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد: ( صنوان قال: في أصل واحد ثلاث نخلات, كمثل ثلاثةٍ بني أم وأب يتفاضلون في العمل, كما يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد قال ابن جريج: قال مجاهد: كمثل صالح بنى آدم وخبيثهم، أبوهم واحد .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله, عن مجاهد, نحوه .

حدثني القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن أبي بكر بن عبد الله, عن الحسن قال: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم.

كانت الأرض في يد الرحمن طينةً واحدة, فسطحها وبَطَحها, فصارت الأرض قطعًا متجاورة, فينـزل عليها الماء من السماء, فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها. وتخرج نباتها وتحيي مواتها, وتخرج هذه سبَخَها وملحها وخَبَثَها, وكلتاهما تسقى بماء واحد.

فلو كان الماء مالحا, قيل: إنما استسبخت هذه من قبل الماء! كذلك الناس خلقوا من آدم, فتنـزل عليهم من السماء تذكرة, فترقّ قلوب فتخشع وتخضع, وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو .

قال الحسن: والله من جالس القرآن أحدٌ إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله: وَنُنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا [ سورة الإسراء:82 ] .

وقوله : ( تسقى بماء واحد ) اختلفت القرأء في قوله ( تسقى ) .

فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة: ( تُسْقَى ) بالتاء, بمعنى: تسقى الجناتُ والزرع والنخيل . وقد كان بعضهم يقول: إنما قيل: ( تسقى ) ، بالتاء لتأنيث « الأعناب » .

وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين: ( يُسْقَى ) بالياء .

وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك, وإنما ذلك خبرٌ عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد.

فقال بعض نحويي البصرة: إذا قرئ ذلك بالتاء, فذلك على « الأعناب » كما ذكّر الأنعام في قوله: مِمَّا فِي بُطُونِهِ [ سورة النحل: 66 ] وأنث بعدُ فقال: وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ، [ سورة المؤمنون:22/ سورة غافر:80 ] .

فمن قال: ( يسقى ) بالياء جعل « الأعناب » مما تذكّر وتؤنث, مثل « الأنعام » .

وقال بعض نحويي الكوفة: من قال و ( تسقى ) ذهب إلى تأنيث « الزرع والجنات والنخيل » , ومن ذكَّر ذهب إلى أن ذلك كله يُسْقَى بماء واحد, وأكلُه مختلفٌ حامض وحلو, ففي هذا آية .

قال أبو جعفر: وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها, قراءة من قرأ ذلك بالتاء: ( تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) على أن معناه: تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد، لمجيء ( تسقى ) بعد ما قد جرى ذكرها, وهي جِمَاعٌ من غير بني آدم, وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد: أي جميع ذلك يسقى بماءٍ واحدٍ عذب دون المالح .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( تسقى بماء واحد ) ماء السماء، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ .

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: ( تسقى بماء واحد ) قال: ماء السماء .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو قال: أخبرنا هشيم, عن أبي إسحاق الكوفي, عن الضحاك: ( تسقى بماء واحد ) قال: ماء المطر . ‌

حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, قرأه ابن جريج, عن مجاهد: ( تسقى بماء واحد ) قال: ماء السماء, كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ .

20119...... قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه .

حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة, عن ابن شوذب: ( تسقى بماء واحد ) قال: بماء السماء .

وقوله: ( ونفضّل بعضها على بعض في الأكل ) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين: ( وَنُفَضِّلُ ) ، بالنون بمعنى: ونفضّل نحن بعضها على بعض في الأكل .

وقرأته عامة قرأة الكوفيين: ( وَيُفَضِّلُ ) بالياء, ردا على قوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ( ويفضل بعضها على بعض ) .

قال أبو جعفر: وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. غير أن « الياء » أعجبهما إليّ في القراءة؛ لأنه في سياق كلام ابتداؤه اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ فقراءته بالياء، إذ كان كذلك أولى .

ومعنى الكلام: إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان, تسقى بماء واحد عذب لا ملح, ويخالف الله بين طعوم ذلك, فيفضّل بعضها على بعض في الطعم, فهذا حلو وهذا حامضٌ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الفارسيّ والدَّقَل، والحلو والحامض .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود, وبعضها أكثر حملا من بعض, وبعضه حلو وبعضه حامض, وبعضه أفضل من بعض .

حدثني المثنى قال: حدثنا عارم أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: بَرْنيّ وكذا وكذا, وهذا بعضه أفضل من بعض .

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, في قوله: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: هذا حامض, وهذا حلو, وهذا مُزٌّ .

حدثني محمود بن خداش قال: حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الدَّقَل والفارسيّ والحلو والحامض.

حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال: حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي قال: حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي, عن زيد بن أبي أنيسة, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, في قوله: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الدَّقل والفارسيّ والحلو والحامض.

وقوله: ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) يقول تعالى ذكره: إن في مخالفة الله عز وجل بين هذا القطع [ من ] الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينَّا، لدليلا واضحًا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك, أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه, هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان, فوفّق هذا وخذل هذا, وهدى ذا وأضل ذا, ولو شاء لسوَّى بين جميعهم, كما لو شاء سوَّى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شربًا واحدًا, وتسقى سقيًا [ واحدًا ] ، وهي متفاضلة في الأكل .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 5 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( وإن تعجب ) يا محمد، من هؤلاء المشركين المتَّخذين ما لا يضرُّ ولا ينفع آلهةً يعبدونها من دوني فعجب قولهم ( أئذا كنا ترابا ) وبَلِينا فعُدِمنا ( أئنا لفي خلق جديد ) إنا لمجدَّدٌ إنشاؤنا وإعادتنا خلقًا جديدًا كما كنا قبل وفاتنا!! تكذيبًا منهم بقدرة الله, وجحودًا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات، كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وإن تعجب فعجب ) إن عجبت يا محمد، ( فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( وإن تعجب فعجب قولهم ) قال: إن تعجب من تكذيبهم, وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال, فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة, إن تعجب من هذه فتعجَّب من قولهم: ( أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد ) ، أو لا يرون أنا خلقناهم من نطفة؟ فالخلق من نطفة أشدُّ أم الخلق من ترابٍ وعظام؟ .

واختَلَف في وَجْه تكرير الاستفهام في قوله: ( أئنا لفي خلق جديد ) ، بعد الاستفهام الأول في قوله: ( أئذا كنا ترابا ) ، أهلُ العربية.

فقال بعض نحويي البصرة: الأوّل ظرف, والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام، كما تقول: أيوم الجمعة زيدٌ منطلق؟ قال: ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله: ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) ، جعله ظرفًا لشيء مذكور قبله, كأنهم قيل لهم: « تبعثون » , فقالوا: ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) ؟ ثم جعل هذا استفهامًا آخر . قال: وهذا بعيدٌ . قال: وإن شئت لم تجعل في قولك: ( أئذا ) استفهامًا, وجعلت الاستفهام في اللفظ على ( أئنا ) ، كأنك قلت: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه. فهذا موضعُ ما ابتدأت فيه بـ ( أئذا ) ، وليس بكثير في الكلام لو قلت: « اليوم إنّ عبد الله منطلق » ، لم يحسن, وهو جائز, وقد قالت العرب: « ما علمت إنَّه لصالح » , تريد: إنه لصالح ما علمت .

وقال غيره: ( أئذا ) جزاء وليست بوقت, وما بعدها جواب لها، إذا لم يكن في الثاني استفهام، والمعنى له, لأنه هو المطلوب, وقال: ألا ترى أنك تقول: « أإن تقم يقوم زيد، ويقم؟ » ، من جزم فلأنه وقع موقع جواب الجزاء, ومن رفع فلأن الاستفهام له، واستشهد بقول الشاعر:

حَـلَفْتُ لَـهُ إنْ تُـدْلِجِ الليـلَ لا يَـزَلْ أَمَــامَكَ بَيْـتٌ مِـنْ بُيُـوتِيَ سَـائِرُ

فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء, والوجه الرفع . قال: فهكذا هذه الآية . قال: ومن أدخل الاستفهام ثانية, فلأنه المعتمد عليه, وترك الجزء الأوّل .

وقوله: ( أولئك الذين كفروا بربهم ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنكروا البعث وجَحدُوا الثواب والعقاب، وقالوا: ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) هم الذين جحدوا قدرة ربِّهم وكذبوا رسوله, وهم الذين في أعناقهم الأغلال يوم القيامة في نار جهنم، فأولئك ( أصحاب النار ) ، يقول: هم سكان النار يوم القيامة ( هم فيها خالدون ) يقول: هم فيها ماكثون أبدًا, لا يموتون فيها, ولا يخرجون منها .