القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 182 )

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية.

فقال بعضهم: تأويلها: فمن حضر مريضًا وهو يوصي عند إشرافه على الموت, فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له، أو أن يعمد جورًا فيها فيأمر بما ليس له الأمر به, فلا حرج على من حَضره فسمع ذلك منه أنْ يصلح بينه وبين وَرَثته، بأن يأمره بالعدل في وصيته, وأن ينهاهم عن مَنعه مما أذن الله له فيه وأباحه له.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: « فمن خَافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه » ، قال: هذا حين يُحْضَر الرجلُ وهو يموت, فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصَّر قالوا: افعل كذا, أعطِ فلانًا كذا.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: « فمن خَافَ من مُوص جَنفا أو إثما » ، قال: هذا حين يُحْضَر الرجلُ وهو في الموت, فإذا أشرف على الجور أمروه بالعدل, وإذا قصر عن حق قالوا : افعل كذا, أعط فلانًا كذا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خافَ - من أولياء ميت، أو وَالِي أمر المسلمين - من مُوص جنفا في وصيته التي أوصى بها الميت, فأصلح بين وَرَثته وبين الموصى لهم بما أوصَى لهم به, فرد الوصية إلى العدل والحقّ، فلا حرج ولا إثم.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى, حدثنا أبو صالح كاتب الليث, حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: « فمن خاف من مُوص جَنفًا » - يعني: إثْمًا- يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها, فليس على الأولياء حرجٌ أن يردوا خطأه إلى الصواب.

حدثنا الحسن بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: « فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا » ، قال: هو الرجل يُوصي فيحيف في وصيته، فيردها الوليّ إلى الحقّ والعدل.

حدثنا بشر بن معاذ, حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: « فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا » ، وكان قتادة يقول: من أوصى بجورٍ أو حيْف في وصيته فردها وَليّ المتوفى أو إمام من أئمة المسلمين، إلى كتاب الله وإلى العدل, فذاك له.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: « فمن خَافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا » ، فمن أوصى بوصية بجور، فردَّه الوصيُّ إلى الحق بعد موته، فلا إثم عليه - قال عبد الرحمن في حديثه: « فاصلح بينهم » ، يقول: رده الوصيّ إلى الحق بعد موته، فلا إثم عليه.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن أبيه, عن إبراهيم: « فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصْلح بينهم » ، قال: رده إلى الحق.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا إسرائيل, عن سعيد بن مسروق, عن إبراهيم قال، سألته عن رجل أوصى بأكثر من الثلث؟ قال: اردُدها. ثم قرأ: « فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا » .

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال، حدثنا أبو جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس: « فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه » ، قال: رده الوصي إلى الحق بعد موته، فلا إثم على الوصي.

وقال بعضهم: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا في عطيته عند حضور أجله بعضَ ورثته دون بعض, فلا إثم على من أصلح بينهم يعني: بين الورثة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء قوله: « فمن خاف من موص جَنفًا أو إثمًا » ، قال: الرجل يحيف أو يأثم عند موته، فيعطي ورثته بعضَهم دون بعض, يقول الله: فلا إثم على المصلح بينهم. فقلت لعطاء: أله أن يُعطي وارثه عند الموت, إنما هي وصية, ولا وصية لوارث؟ قال: ذلك فيما يَقسم بينهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن خاف من مُوص جنفًا أو إثمًا في وصيته لمن لا يرثه، بما يرجع نفعه على من يَرثه، فأصلح بينَ وَرَثته، فلا إثم عليه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني ابن طاوس, عن أبيه أنه كان يَقول: جَنفُه وإثمه، أنْ يوصي الرجل لبني ابنه ليكونَ المالُ لأبيهم, وتوصي المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لابنتها؛ وذو الوارث الكثير والمالُ قليل، فيوصي بثلث ماله كله، فيصلح بينهم الموصَى إليه أو الأمير. قلت: أفي حياته أم بعد موته؟ قال: ما سمعنا أحدًا يقول إلا بعد موته, وإنه ليوعظ عند ذلك.

حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن ابن طاوس, عن أبيه في قوله: « فمن خافَ من موص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم » ، قال: هو الرجل يوصي لولد ابنته.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص لآبائه وأقربائه جَنفًا على بعضهم لبعض، فأصلح بين الآباء والأقرباء، فلا إثم عليه.

ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه » . أما « جنفًا » : فخطأ في وصيته، وأما « إثمًا » : فعمدًا يَعمد في وصيته الظلم. فإن هذا أعظمُ لأجره أن لا يُنفذها, ولكن يصلح بينهم على ما يرى أنه الحق، ينقص بعضًا ويزيد بعضًا. قال: ونـزلت هذه الآية في الوالدين والأقربين.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه » ، قال: « الجنَف » أن يحيف لبعضهم على بعض في الوصية, « والإثم » أن يكون قد أثم في أبويه بعضهم على بعض, « فأصلح بينهم » الموصَى إليه بين الوالدين والأقربين - الابن والبنون هُم « الأقربون » - فلا إثم عليه. فهذا الموصَى الذي أوْصى إليه بذلك، وجعل إليه، فرأى هذا قد أجنفَ لهذا على هذا، فأصلح بينهم فلا إثم عليه, فعجز الموصِي أن يوصي كما أمره الله تعالى، وعجز الموصَى إليه أن يصلح، فانتزع الله تعالى ذكره ذلك منهم، ففرضَ الفرائض.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل الآية أن يكون تأويلها: فمن خاف من مُوصٍ جَنفًا أو إثمًا وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه، أو يتعمد إثمًا في وصيته، بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله, وغير ما أذن الله له به مما جاوز الثلث أو بالثلث كله، وفي المال قلة, وفي الوَرَثة كثرةٌ فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يُوصَى لهم، وبين ورثة الميت، وبين الميت, بأن يأمرَ الميت في ذلك بالمعروف ويعرِّفه ما أباح الله له في ذلك وأذن له فيه من الوصية في ماله, وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ، وذلك هو « الإصلاح » الذي قال الله تعالى ذكره: « فأصلح بينهم فلا إثم عليه » . وكذلك لمن كان في المال فَضْل وكثرةٌ وفي الورثة قِلة, فأراد أن يقتصر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه, فأصلح من حَضرَه بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصى لهم، بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيته لهم, ويبلغ بها ما رَخّص الله فيه من الثلث. فذلك أيضًا هو من الإصلاح بينهم بالمعروف.

وإنما اخترنا هذا القول، لأن الله تعالى ذكره قال: « فمن خَاف من موص جَنفًا أو إثمًا » ، يعني بذلك: فمن خاف من موص أن يَجْنَف أو يَأثم. فخوفُ الجنف والإثم من الموصي، إنما هو كائن قبل وقوع الجنف والإثم, فأما بعد وجوده منه، فلا وجه للخوف منه بأن يَجنف أو يأثم, بل تلك حال مَنْ قد جَنفَ أو أثم, ولوْ كان ذلك معناه لقيل: فمن تبيّن من مُوص جَنفًا أو إثمًا - أو أيقن أو علم- ولم يقل: فمن خَافَ منه جَنفًا.

فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض الناس فقال: فما وجه الإصلاح حينئذ، والإصلاح إنما يكون بين المختلفين في الشيء؟

قيل: إنّ ذلك وإن كان من معاني الإصلاح, فمن الإصلاح الإصلاحُ بين الفريقين، فيما كان مخوفًا حدوثُ الاختلاف بينهم فيه، بما يؤمن معه حُدوث الاختلاف. لأن « الإصلاح » ، إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاحُ ذات البين, فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين - قبلَ وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه.

فإن قال قائل: فكيف قيل: « فأصلح بينهم » , ولم يجر للورثة ولا للمختلفين، أو المخوف اختلافهم، ذكرٌ؟

قيل: بل قد جرى ذكر الذين أمر تعالى ذكره بالوصية لهم, وهم والدا المُوصي وأقربوه، والذين أمروا بالوصية في قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ، ثم قال تعالى ذكره: « فمن خافَ من مُوص » - لمن أمرته بالوصية له- « جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم » - وبين من أمرته بالوصية له- « فلا إثم عليه » . والإصلاح بينه وبينهم، هو إصلاح بينهم وبين ورثة الموصي.

قال أبو جعفر: وقد قرئ قوله: « فمنْ خَافَ منْ مُوص » بالتخفيف في « الصاد » والتسكين في « الواو » - وبتحريك « الواو » وتشديد « الصاد » .

فمن قرأ ذلك بتخفيف « الصاد » وتسكين « الواو » ، فإنما قرأه بلغة من قال: « أوصيتُ فلانًا بكذا » .

ومن قرأ بتحريك « الواو » وتشديد « الصاد » ، قرأه بلغة من يقول: « وصَّيت فلانًا بكذا » . وهما لغتان للعرب مشهورتان: « وصَّيتك، وأوصيتك »

وأما « الجنف » ، فهو الجورُ والعدول عن الحق في كلام العرب, ومنه قول الشاعر:

هُــمُ المَــوْلَى وَإِنْ جَـنَفُوا عَلَيْنَـا وَإِنَّـــا مِـــنْ لِقَــائِهِمُ لَــزُورُ

يقال منه: « جَنف الرجل على صاحبه يَجنَف » - إذا مال عليه وجَار- « جَنفًا » .

فمعنى الكلام من خاف من موص جَنفًا له بموضع الوصية, وميلا عن الصواب فيها, وجورًا عن القصد أو إثمًا بتعمده ذلك على علم منه بخطأ ما يأتي من ذلك، فأصلح بينهم, فلا إثم عليه.

وبمثل الذي قلنا في معنى « الجنف » « والإثم » ، قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه, عن ابن عباس في قوله: « فمن خاف من موص جَنفًا » ، يعني بالجنف: الخطأ.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح, عن عبد الملك, عن عطاء: « فمن خاف من موص جَنفًا » ، قال: ميلا.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك, عن عطاء مثله.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا خالد بن الحارث ويزيد بن هارون قالا حدثنا عبد الملك, عن عطاء مثله.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك قال: الجنفُ الخطأ, والإثم العمد.

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا [ أبو أحمد ] الزبيري قال، حدثنا هشيم, عن جويبر, عن عطاء مثله.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا » ، أما « جَنفًا » فخطأ في وصيته، وأما « إثمًا » : فعمدًا، يعمد في وصيته الظلم.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: « فمن خَافَ من مُوص جنفًا أو إثمًا » ، قال: خطأً أو عمدًا.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر، عن أبي جعفر, عن الربيع: « فمن خَاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا » ، قال: الجنف الخطأ, والإثم العمد.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع بن أنس مثله.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان، عن أبيه, عن إبراهيم: « فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا » ، قال: الجنف: الخطأ, والإثم العمد.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية: « فمن خاف من مُوص جَنفًا » ، قال: خطأ, « أو إثمًا » متعمدًا.

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق, عن ابن عيينة, عن ابن طاوس, عن أبيه: « فمن خَافَ من مُوص جَنفًا » ، قال: ميلا.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « جَنفًا » حَيْفًا, « والإثم » ميله لبعض على بعض. وكلّه يصير إلى واحد، كما يكون « عفوًّا غَفورًا » و « غَفورًا رَحيمًا » .

حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: الجنف الخطأ, والإثم: العمد.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك قال: الجنف الخطأ, والإثم العمد.

وأما قوله: « إنّ الله غَفورٌ رَحيم » ، فإنه يعني: والله غَفورٌ للموصي فيما كان حدَّث به نفسه من الجنف والإثم, إذا تَرَك أن يأثم ويَجنف في وصيته, فتجاوزَ له عما كان حدَّث به نفسه من الجور, إذ لم يُمْضِ ذلك فيُغْفِل أن يؤاخذه به « رحيمٌ » بالمصلح بينَ المُوصي وبين من أراد أن يَحيف عليه لغيره، أو يَأثَم فيه له.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( 183 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « يا أيها الذين آمنوا » ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بهما وأقرُّوا.

ويعني بقوله: « كتب عليكم الصيام » ، فرض عليكم الصيام.

و « الصيام » مصدر، من قول القائل: « صُمت عن كذا وكذا » - يعني: كففت عنه- « أصوم عَنه صوْمًا وصيامًا » . ومعنى « الصيام » ، الكف عما أمر الله بالكف عنه. ومن ذلك قيل: « صَامت الخيل » ، إذا كفت عن السير، ومنه قول نابغة بني ذبيان:

خَـيْلٌ صِيَـامٌ, وخَـيْلٌ غَـيْرُ صَائِمَةٍ تَحْـتَ العَجَـاجِ, وأُخْـرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

ومنه قول الله تعالى ذكره: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [ سورة مريم: 26 ] يعني: صمتًا عن الكلام.

وقوله: « كما كُتب على الذين من قبلكم » ، يعني فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين منْ قبلكم.

قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: « كما كُتبَ على الذين من قبلكم » ، وفي المعنى الذي وَقعَ فيه التشبيه بين فرضِ صَومنا وصوم الذين من قبلنا.

فقال بعضهم: الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا، أنه كمثل الذي كان عليهم، هم النصارى. وقالوا: التشبيه الذي شَبه من أجله أحدَهما بصاحبه، هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضُه.

ذكر من قال ذلك:

حدثت عن يحيى بن زياد, عن محمد بن أبان [ القرشي ] ، عن أبي أمية الطنافسي, عن الشعبي أنه قال: لو صُمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال: من شعبان، ويقال: من رمضان. وذلك أن النصارى فُرض عليهم شهر رَمضان كما فرض علينا فحوَّلوه إلى الفصل. وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يومًا. ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم، فصاموا قبل الثلاثين يومًا وبعدها يومًا. ثم لم يزل الآخر يُستن سنّة القرن الذي قبله حَتى صارت إلى خمسين. فذلك قوله: « كتبَ عليكم الصيام كما كتبَ عَلى الذين من قَبلكم » ،

وقال آخرون: بل التشبيه إنما هو من أجل أنّ صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة. وذلك كان فرضُ الله جَل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم. ووافق قائلو هذا القول القائلي القولَ الأوَّلَ: أن الذين عَنى الله جل ثناؤه بقوله: « كما كُتبَ على الذين من قبلكم » ، النصارى.

ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: « يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » ، أما الذين من قبلنا: فالنصارى, كتب عليهم رمضان, وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم, ولا ينكحوا النساءَ شهر رمضان. فاشتد على النصارى صيامُ رمَضان, وجعل يُقَلَّبُ عليهم في الشتاء والصيف. فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صيامًا في الفصل بين الشتاء والصيف, وقالوا: نـزيد عشرين يومًا نكفّر بها ما صنعنا! فجعلوا صيامهم خمسين. فلم يزل المسلمون على ذلك يَصنعون كما تصنع النصارى, حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب، ما كان، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماعَ إلى طُلوع الفجر.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: « كتب عليكم الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم » ، قال: كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة.

وقال آخرون: الذين عَنى الله جل ثناؤه بقوله: « كما كتب على الذين من قبلكم » ، أهل الكتاب.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » ، أهل الكتاب.

وقال بعضهم: بل ذلك كان على الناس كلهم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: « كتب عليكم الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم » ، قال: كتب شهرُ رمضان على الناس, كما كُتب على الذين من قبلهم. قال: وقد كتب الله على الناس قبل أن ينـزل رمضانُ صَوْمَ ثلاثة أيام من كل شهر.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » ، رمضانُ، كتبه الله على من كان قَبلهم.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى الآية:

يا أيها الذين آمنوا فُرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب, « أيامًا معدودات » , وهي شهر رمضان كله. لأن مَن بعدَ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا باتباع إبراهيم, وذلك أن الله جل ثناؤه كان جَعله للناس إمامًا, وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفيةَ المسلمةَ, فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به مَنْ قبله من الأنبياء.

وأما التشبيه، فإنما وقع على الوقت. وذلك أن مَنْ كان قبلنا إنما كان فرِض عليهم شهر رمضان، مثل الذي فُرض علينا سواء.

وأما تأويل قوله: « لعلكم تَتقون » ، فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه. يقول: فرضت عليكم الصوم والكفّ عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين، لتتقوا ما يُفطركم في وقت صومكم.

وبمثل الذي قُلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل:

ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما قوله: « لعلكم تتقون » ، يقول: فتتقون من الطعامِ والشرابِ والنساءِ مثل ما اتقوا - يعني: مثل الذي اتقى النصارى قبلكم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره، كتب عليكم أيها الذين آمنوا - الصيامُ أيامًا معدودات.

ونصبَ « أيامًا » بمضمر من الفعل, كأنه قيل: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قَبلكم، أن تصوموا أيامًا معدودات, كما يقال: « أعجبني الضربُ، زيدًا » .

وقوله: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من الصيام, كأنه قيل: كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم: أن تصوموا أيامًا معدودات.

ثم اختلف أهل التأويل فيما عَنى الله جل وعز بقوله: « أيامًا معدودات » .

فقال بعضهم: « الأيام المعدودات » ، صومُ ثلاثة أيام من كل شهر. قال: وكان ذلك الذي فُرض على الناس من الصيام قبل أن يُفرض عليهم شهرُ رمضان.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء قال: كان عليهم الصيامُ ثلاثة أيام من كل شهر, ولم يُسمِّ الشهرَ أيامًا معدودات. قال: وكان هذا صيام الناس قبل، ثم فرض الله عز وجل على الناس شهرَ رمصان.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، وكان ثلاثةَ أيام من كل شهر، ثم نسخ ذلك بالذي أنـزل من صيام رمضان. فهذا الصوم الأول، من العتمة.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة. عن عمرو بن مرة, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصامَ يومَ عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر, ثم أنـزل الله جل وعزّ فرضَ شهر رمضان, فأنـزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ حتى بلغ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ .

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة قال: قد كتب الله تعالى ذكره على الناس، قَبل أن ينـزل رمضان، صومَ ثلاثة أيام من كل شهر.

وقال آخرون: بل الأيام الثلاثةُ التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومُها قبل أن يفرض رمضان، كان تَطوعًا صوْمهُنّ, وإنما عنى الله جل وعز بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ، أيامَ شَهر رمضان, لا الأيامَ التي كان يصومهن قبل وُجوب فرض صَوم شهر رمضان.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة, عن عمرو بن مرة، قال، حدثنا أصحابنا: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرَهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعًا لا فريضةً. قال: ثم نـزل صيام رمضان - قال أبو موسى: قوله: « قال عمرو بن مرة: حدثنا أصحابنا » يريد ابن أبي ليلى, كأنّ ابنَ أبي ليلى القائلُ: « حدثنا أصحابنا » .

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة قال، سمعت عمرو بن مرة قال، سمعت ابن أبي ليلى, فذكر نحوه.

قال أبو جعفر: وقد ذكرنا قول من قال: عنى بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، شهرَ رمضان.

وأولى ذلك بالصواب عندي قولُ من قال: عنى الله جل ثناؤه بقوله: ( أيامًا معدودات ) ، أيامَ شهر رمضان. وذلك أنه لم يأت خبرٌ تَقوم به حُجة بأنّ صومًا فُرِض على أهل الإسلام غيرَ صوم شهر رمضان, ثم نسخ بصوم شهر رمضان, وأن الله تعالى قَد بيَّن في سياق الآية، أنّ الصيامَ الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات، بإبانته, عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومَها بقوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ . فمن ادعى أن صومًا كان قد لزم المسلمين فرضُه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه - ثم نسخ ذلك- سئل البرهانَ على ذلك من خبر تقوم به حُجة, إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذرَ.

وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا, فتأويل الآية: كتب عليكم أيها المؤمنون الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أيامًا معدودات هي شهر رمضان. وجائز أيضًا أن يكون معناه: « كتب عليكم الصيام » ، كتب عليكم شهر رمضان.

وأما « المعدودات » : فهي التي تعدّ مبالغها وساعاتُ أوقاتها. ويعني بقوله: « معدودات » ، مُحْصَيَاتٍ.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: « فمن كان منكم مريضًا » ، من كان منكم مريضًا، ممن كلِّف صَومه أو كان صحيحًا غير مريض وكان على سَفر، « فعدة من أيام أخر » ، يقول: فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره، « من أيام أخر » , يعني: من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره.

والرفع في قوله: « فعدةٌ منْ أيام أخر » ، نظير الرفع في قوله: فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ . وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته.

وأما قوله: « وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طَعامُ مسكين » ، فإنّ قراءة كافة المسلمين: « وعلى الذين يُطيقونه » ، وعلى ذلك خطوط مصاحفهم. وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافُها، لنقل جميعهم تصويبَ ذلك قرنًا عن قرن.

وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه: « وعلى الذين يُطوَّقونه » .

ثم اختلف قُرّاء ذلك: « وَعلى الذين يُطيقونه » في معناه.

فقال بعضهم: كان ذلك في أول ما فرض الصوم, وكان من أطاقه من المقيمين صامَه إن شاء, وإن شاء أفطره وَافتدى، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينًا، حتى نُسخ ذلك.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة, عن عمرو بن مرة, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن معاذ بن جبل قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصامَ يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر, ثم إنّ الله جل وعز فرض شهر رَمضان، فأنـزل الله تعالى ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ حتى بلغ « وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين » ، فكان من شاء صامَ, ومن شاء أفطر وأطعمَ مسكينًا. ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم، فأنـزل الله عز وجل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ إلى آخر الآية.

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة, عن عمرو بن مرة, قال حَدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعًا غيرَ فريضة. قال: ثم نـزل صيام رمضان. قال: وكانوا قومًا لم يتعودوا الصيام. قال: وكان يشتد عليهم الصوم. قال: فكان من لم يصم أطعمَ مسكينًا, ثم نـزلت هذه الآية: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، فكانت الرخصة للمريض والمسافر, وأمرنا بالصيام. قال محمد بن المثنى قوله: « قال عمرو: حدثنا أصحابنا » ، يريد ابنَ أبي ليلى. كأن ابن أبي ليلى القائل: « حدثنا أصحابنا » .

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة قال، سمعت عمرو بن مرة قال، سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, عن علقمة في قوله: « وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: كان من شاء صام, ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينًا, فنسخها: شَهْرُ رَمَضَانَ إلى قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم، بنحوه - وزاد فيه، قال: فنسختها هذه الآية, وصارت الآية الأولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم، يتصدق مكانَ كل يوم على مسكين نصفَ صاع.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال، حدثنا الحسين, عن يزيد النحوي, عن عكرمة والحسن البصري قوله: « وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، فكان من شاء منهم أن يصومَ صَام, ومن شاء منهم أن يَفتدي بطعام مسكين افتدى وتَمَّ له صومه. ثم قال: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، ثم استثنى من ذلك فقال: « ومنْ كان مريضًا أوْ عَلى سفر فعدةٌ من أيام أخر » .

حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن إدريس قال: سألت الأعمش عن قوله: « وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، فحدثنا عن إبراهيم، عن علقمة. قال: نسختها: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

حدثنا عمر بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبد الله, عن نافع, عن ابن عمر قال: نَسَخت هذه الآية - يعني: « وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » - التي بَعدها: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة في قوله: « وعلى الذين يطيقونه فدية طعامُ مسكين » ، قال: نسختها: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام قال، حدثنا علي بن مُسهر, عن عاصم, عن الشعبي قال: نـزلت هذه الآية : « وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، كان الرجل يُفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعامًا, ثم نـزلت هذه الآية: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، فلم تنـزل الرّخصةُ إلا للمريض والمسافر.

حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا علي بن مسهر, عن عاصم, عن الشعبي قال: نـزلت هذه الآية للناس عامة: « وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين, ثم نـزلت هذه الآية: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، قال : فلم تنـزل الرخصة إلا للمريض والمسافر.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن ابن أبي ليلى قال: دخلت على عطاء وهو يأكل في شهر رمضان، فقال: إني شيخ كبيرٌ، إن الصومَ نـزل, فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا, حتى نـزلت هذه الآية: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، فوجب الصوم على كل أحد، إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يَفتدي.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، قال ابن شهاب: كتب الله الصيام علينا, فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيامَ من صحيح أو مريض أو مسافر, ولم يكن عليه غير ذلك. فلما أوجب الله على من شهد الشهرَ الصيامَ, فمن كان صحيحًا يُطيقه وضع عنه الفدية, وكان من كان على سفر أو كان مريضًا فعدة من أيام أخر. قال: وبقيت الفديةُ التي كانت تُقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يُطيق الصيام, والذي يعرض له العطشُ أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال، جعل الله في الصوم الأوّل فدية طعام مسكين, فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يُطعم مسكينًا ويفطر، كان ذلك رخصةً له. فأنـزل الله في الصوم الآخِر: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين, فنُسِخت الفدية, وَثبت في الصوم الآخر: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ، وهو الإفطار في السفر, وجعله عدةً من أيام أخَر.

حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، أخبرني عمي عبد الله بن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث قال، بكَيْر بن عبد الله, عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع, عن سلمة بن الأكوع أنه قال: كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام، ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين, حتى أنـزلت: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن عاصم الأحول, عن الشعبي في قوله : « وعلى الذين يُطيقونه فدية طعامُ مسكين » ، قال: كانت للناس كلهم: فلما نـزلت: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، أمِروا بالصوم والقضاء, فقال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .

حدثنا هناد قال، حدثنا علي بن مسهر, عن الأعمش, عن إبراهيم في قوله: « وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: نسختها الآية التي بعدها: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن محمد بن سليمان, عن ابن سيرين, عن عبيدة: « وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: نسختها الآية التي تليها: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ الآية, فُرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة, فإذا صلى الرجل العتمة حَرُم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة. ثم نـزل الصوم الآخِر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله, وهو قوله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ إلى قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ، وأحل الجماع أيضًا فقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ، وكان في الصوم الأول الفدية, فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يُطعم مسكينًا ويفطرَ فعل ذلك, ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفديةَ, وقال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، فنسخ هذا الصومُ الآخِرُ الفديةَ.

وقال آخرون: بل كان قوله: « وَعلى الذينَ يُطيقونه فدية طعامُ مسكين » ، حُكمًا خاصًّا للشيخ الكبير والعجوز الذين يُطيقان الصوم، كان مرخصًا لهما أن يَفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا, ثم نسخ ذلك بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم، فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبلَ النسخ ثابتًا لهما حينئذ بحاله.

ذكر من قال ذلك.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عَزْرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: كان الشيخُ الكبير والعجوزُ الكبيرةُ وهما يطيقان الصوم، رُخص لهما أن يفطرَا إن شاءا ويطعما لكلّ يوم مسكينًا, ثم نَسخَ ذلك بعد ذلك: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، إذا كانا لا يطيقان الصوم, وللحبلى والمرضع إذا خافتا.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سعيد, عن قتادة, عن عروة عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: « وَعلى الذين يُطيقونه » ، قال: الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي, عن قتادة, عن عكرمة قال: كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويُطعما بقوله: « وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » . قال: فكانت لهم الرخصة، ثم نسخت بهذه الآية: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم، وبقيت الحاملُ والمرضعُ أن يفطرَا ويُطعما.

حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال, حدثنا همام بن يحيى قال، سمعت قتادة يقول في قوله: « وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصومَ أن يطعما مكانَ كل يوم مسكينًا ويفطرا, ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ إلى قوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، فنسختها هذه الآية. فكان أهل العلم يُرَوْن ويرجُون الرخصةَ تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصومَ أن يفطرا ويُطعما عن كل يوم مسكينًا, وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها, وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها.

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: « وَعلى الذين يطيقونه فدية طعامُ مسكين » ، فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان, فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك, وعليهما الفدية لكل يَوم يفطرانه طعامُ مسكين, فأنـزل الله بعد ذلك: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، إلى قوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .

وقال آخرون ممن قرأ ذلك: « وَعلى الذين يُطيقونه » ، لم ينسخ ذلك ولا شيء منه, وهو حكم مثبتٌ من لَدُنْ نـزلت هذه الآية إلى قيام الساعة، وقالوا: إنما تأويل ذلك: وعلى الذين يطيقونه - في حال شبابهم وَحداثتهم, وفي حال صحتهم وقوتهم - إذا مَرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم، فدية طعام مسكين لا أنَّ القوم كان رُخِّص لهم في الإفطار - وهم على الصوم قادرون - إذا افتدوا.

ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « وَعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: أما الذين يطيقونه، فالرجل كان يطيقه وقد صام قَبل ذلك، ثم يعرض له الوَجع أو العطش أو المرض الطويل, أو المرأة المرضعُ لا تستطيع أن تصوم، فإن أولئك عليهم مكانَ كل يوم إطعام مسكين, فإن أطعم مسكينًا فهو خيرٌ له, ومن تكلف الصيام فصامه فهو خيرٌ له.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة، عن عَزْرَة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: إذا خَافت الحاملُ على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان, قال: يفطران ويطعمان مكانَ كل يوم مسكينًا، ولا يقضيان صومًا.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة,...، عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أنه رَأى أمَّ ولدٍ له حاملا أو مُرضعًا, فقال: أنت بمنـزلة الذي لا يُطيقه, عليك أن تطعمي مكانَ كل يوم مسكينُا، ولا قَضَاء عليك.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة, عن سعيد, عن نافع, عن علي بن ثابت, عن نافع، عن ابن عمر، مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أن ابن عباس قال، لأم ولد له حبلى أو مرضع: أنت بمنـزلة الذين لا يطيقونه, عليك الفداءُ ولا صومَ عليك. هذا إذا خافت على نفسها.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « وَعلى الذين يطيقونه فدية طعامُ مسكين » ، هو الشيخ الكبير كان يُطيق صومَ شهر رمضان وهو شاب، فكبر وهو لا يستطيع صومَه، فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطرَه، حين يُفطر وحينَ يَتسحَّر.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة, عن منصور، عن مجاهد, عن ابن عباس نحوه - غير أنه لم يقل: حين يُفطر وحين يَتسحر.

حدثنا هناد قال، حدثنا حاتم بن إسماعيل, عن عبد الرحمن بن حرملة, عن سعيد بن المسيب أنه قال في قول الله تعالى ذكره: « فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه, وهي الحامل التي ليس عليها الصيام. فعلى كل واحد منهما طعامُ مسكين: مُدٌّ من حنطة لكلّ يوم حتى يمضيَ رَمضان.

وقرأ ذلك آخرون: « وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ » ، وقالوا: إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم, فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه, فلهما أن يفطرا ويطعما مكانَ كلّ يوم أفطراه مسكينًا. وقالوا: الآية ثابتة الحكم منذ أنـزلت، لم تنسخ, وأنكروا قول من قال: إنها منسوخة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, حدثنا ابن جريج, عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: « يُطوَّقونه » .

حدثنا هناد قال، حدثنا علي بن مسهر, عن عصام, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه كان يقرأ: « وَعلى الذين يُطوقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: فكان يقول: هي للناس اليوم قائمة.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: « وَعلى الذين يُطوَّقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: وكان يقول: هي للناس اليوم قائمة.

حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: « وعلى الذين يُطوَّقونه » ، ويقول: هو الشيخ الكبير يُفطر ويُطعِم عنه.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب, عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: « وعلى الذين يُطوَّقونه » ، - وكذلك كان يقرؤها- : إنها ليست منسوخة، كلِّف الشيخُ الكبير أن يُفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينًا.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير أنه قرأ: « وعلى الذين يُطوَّقونه » .

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن عمران بن حدَير, عن عكرمة قال: « الذين يُطيقونه » يصومونه، ولكن الذين « يُطوَّقونه » ، يعجزون عنه.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، حدثني محمد بن عباد بن جعفر, عن أبي عمرو مولى عائشة، أن عائشة كانت تقرأ: « يُطوَّقونه » .

حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج, عن عطاء أنه كان يقرؤها « يطوَّقونه » . قال ابن جريج: وكان مجاهد يقرؤها كذلك.

حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا خالد, عن عكرمة: « وعلى الذين يُطيقونه » قال، قال ابن عباس: هو الشيخُ الكبير.

حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ قال، أخبرنا شريك, عن سالم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: « وعلى الذين يُطوَّقونه » قال: يَتجشمونه يَتكلفونه.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس, عن مسلم الملائي, عن مجاهد, عن ابن عباس في قوله: « وعلى الذين يُطيقونه فدية طعامُ مسكين » ، قال: الشيخ الكبير الذي لا يُطيق فيفطر ويُطعم كل يوم مسكينًا.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس في قول الله: « وَعلى الذين يُطيقونه » ، قال: يُكلَّفونه, فديةٌ طعامُ مسكين واحد. قال: فهذه آية منسوخةٌ لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يُطيق الصيام, أو مريض يعلم أنه لا يُشفى.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عباس قال: « الذين يطيقونه » ، يتكلَّفونه، فديةٌ طعام مسكين واحد، ولم يُرخَّص هذا إلا للشيخ الذي لا يُطيق الصوم, أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى - هذا عن مجاهد.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه كان يقول: ليست بمنسوخة.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: « وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، يقول: من لم يطق الصوم إلا على جَهد، فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينًا, والحاملُ والمرضعُ والشيخُ الكبيرُ والذي به سُقمٌ دائم.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبيدة, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره: « وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: هو الشيخ الكبير، والمرء الذي كان يصومُ في شبابه فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموتَ, فهو يطعم كل يوم مسكينًا - قال هناد: قال عبيدة: قيل لمنصور: الذي يطعم كل يوم نصف صاعٍ؟ قال: نعم.

حدثنا هناد قال، حدثنا مروان بن معاوية, عن عثمان بن الأسود قال: سألتُ مجاهدًا عن امرأة لي وافقَ تاسعها شهرَ رَمضان, ووافق حرًّا شديدًا, فأمرني أن تُفطر وتُطعم. قال: وقال مجاهد: وتلك الرخصة أيضًا في المسافر والمريض, فإن الله يقول: « وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » .

حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية, عن عاصم, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: الحاملُ والمرضعُ والشيخُ الكبير الذي لا يستطيع الصوم، يفطرون في رمضان, ويطعمون عن كل يوم مسكينًا، ثم قرأ: « وعلى الذينَ يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » .

حدثنا علي بن سَعيد الكندي قال، حدثنا حفص، عن حجاج, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن علي في قوله: « وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعام مسكين » ، قال: الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوَم، يُفطر ويطعم مكانَ كل يوم مسكينًا.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عباس قال: « وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه, الشيخُ والشيخة.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حَماد, عن الحجاج, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن علي قال: هو الشيخُ والشيخة.

حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد, عن عمران بن حُدير, عن عكرمة أنه كان يقرؤها: « وَعلى الذين يُطيقونه » فأفطروا.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن عاصم، عمن حدثه عن ابن عباس قال: هي مثبتةٌ للكبير والمرضع والحامل، وعلى الذين يُطيقونَ الصيام.

حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال, حدثنا ابن المبارك, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما قوله: « وعلى الذين يطيقونه » ؟ قال: بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين. قلت: الكبيرُ الذي لا يستطيعُ الصوم, أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد؟ قال: بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء, فأما مَن استطاع بجهد فليصمه، ولا عذر له في تركه.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن أبي يزيد: « وَعلى الذين يُطيقونه » الآية, كأنه يعني الشيخَ الكبير - قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس، عن أبيه أنه كان يقول: نـزلت في الكبير الذي لا يَستطيع صيامَ رمضان، فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين. قلت له: كم طعامه؟ قال: لا أدري, غير أنه قال: طعام يوم.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن الحسن بن يحيى, عن الضحاك في قوله: « فديةٌ طعامُ مسكين » ، قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصومَ، يفطر ويطعم كل يوم مسكينًا.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: « وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين » ، منسوخٌ بقول الله تعالى ذكره: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

لأن « الهاء » التي في قوله: « وَعلى الذين يُطيقونه » ، من ذكر « الصيام » ومعناه: وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعامُ مسكين. فإذْ كان ذلك كذلك, وكان الجميعُ من أهل الإسلام مجمعينَ على أن من كان مُطيقًا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوْمَ شهر رمضان، فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين - كان معلومًا أنّ الآية منسوخةٌ.

هذا، مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفًا عن مُعاذ بن جبل، وابن عمر، وسلمة بن الأكوع: من أنهم كانوا - بعد نـزول هذه الآية على عَهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسُقوط الفدية عنهم, وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم؛ وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نـزلت: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، فألزموا فرضَ صومه, وبطل الخيار والفديةُ.

فإن قال قائل: وكيف تدَّعي إجماعًا من أهل الإسلام على أنّ من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت، فغير جائز له إلا صومُه وقد علمت قول من قال: الحامل والمرضعُ إذا خافتا على أولادهما، لهما الإفطار, وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما, مع الخبر الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:

حدثنا به هناد بن السري قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أنس قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يَتغدَّى، فقال: « تعالَ أحدِّثك, إن الله وَضع عن المسافر والحامل والمرضع الصومَ وشَطرَ الصلاة » ؟

قيل: إنّا لم ندَّع إجماعًا في الحامل والمرضع, وإنما ادعينا في الرجال الذين وصفنا صفتهم. فأما الحامل والمرضع، فإنما علمنا أنهنّ غير معنيات بقوله: ( وعلى الذين يطيقونه ) وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به، لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال، لقيل: وعلى اللواتي يُطقنه فدية طعامُ مسكين، لأن ذلك كلام العرب، إذا أفرد الكلامُ بالخبر عنهنّ دُون الرجال. فلما قيل: « وعلى الذين يُطيقونه » ، كان معلومًا أنّ المعنيَّ به الرجالُ دون النساء, أو الرجالُ والنساء. فلما صحّ بإجماع الجميع - على أنّ من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صومُ شهر رمضان، فغيرُ مرخص له في الإفطار والافتداء, فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية, وعُلم أن النساء لم يُردن بها لما وصفنا: من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلامُ بالخبر عنهن: « وعلى اللواتي يطقنه » , والتنـزيل بغير ذلك.

وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن كان صحيحًا, فإنما معناه: أنه وضَع عن الحامل والمرضع الصومَ ما دامتا عاجزتين عنه، حتى تُطيقا فتقضيا, كما وُضع عن المسافر في سفره، حتى يقيم فيقضيه - لا أنهما أُمِرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء, ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم » ، دلالةٌ على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله: « وعلى الذين يُطيقونه فدية طعامُ مسكين » ، لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء, وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حُكمه وبين حكم الحامل والمرضع. وذلك قولٌ، إن قاله قائلٌ، خلافٌ لظاهر كتاب الله، ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام.

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أنّ معنى قوله: « وعلى الذين يطيقونه » ، وعلى الذين يطيقون الطعام. وذلك لتأويل أهل العلم مخالفٌ.

وأما قراءة من قرأ ذلك: « وعلى الذين يُطوَّقونه » فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلافٌ, وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وِرَاثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلا ظاهرًا قاطعًا للعذر. لأن ما جاءت به الحجة من الدين، هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله. ولا يُعترض على ما قد ثَبت وقامت به حُجة أنه من عند الله، بالآراء والظنون والأقوال الشاذة.

وأما معنى « الفدية » فإنه: الجزاء، من قولك: « فديت هذا بهذا » ، أي جزيته به, وأعطيته بدلا منه.

ومعنى الكلام: وعلى الذين يُطيقون الصيام جزاءُ طعام مسكين، لكلّ يوم أفطرَه من أيام صيامه الذي كتب عليه.

وأما قوله: « فدية طعامُ مسكين » ، فإنّ القرأة مختلفةٌ في قراءته. فبعضٌ يقرأ بإضافة « الفدية » إلى « الطعام » , وخفض « الطعام » - وذلك قراءة عُظْم قراء أهل المدينة - بمعنى: وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعامَ مسكين. فلما جعل مكان « أن يفديه » « الفدية » أضيف إلى « الطعام » , كما يقال « لزمني غَرامةُ درهم لك » ، بمعنى: لزمني أن أغرَم لك درهمًا.

وآخرون يقرأونه بتنوين « الفدية » ، ورفع « الطعام » ، بمعنى الإبانة في « الطعام » عن معنى « الفدية » الواجبة على من أفطر في صومه الواجب, كما يقال: « لزمني غرامةٌ، درهمٌ لك » , فتبين « بالدرهم » عن معنى « الغرامة » ما هي؟ وما حدُّها؟ وذلك قراءةُ عُظْم قُراء أهل العراق.

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بين الصواب قراءة من قرأ « فديةُ طعام » بإضافة « الفدية » إلى « الطعام » , لأن « الفدية » اسم للفعل, وهي غير « الطعام » المفديّ به الصوم.

وذلك أن « الفِدْية » مصدر من قول القائل: « فَديت صَوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية » , كما يقال: « جلست جِلْسة, ومَشيتُ مِشْية » . « والفدية » فعل، و « الطعام » غيرها. فإذْ كان ذلك كذلك, فبيِّنٌ أن أصَحّ القراءتين إضافة « الفدية » إلى « الطعام » ، وواضحٌ خطأ قول من قال: إن ترك إضافة « الفدية » إلى الطعام، أصح في المعنى، من أجل أن « الطعام » عنده هو « الفدية » . فيقال لقائل ذلك: قد علمنا أن « الفدية » مقتضية مفديًّا، ومفديًّا به، وفدية. فإن كان « الطعام » هو « الفدية » « والصوم » هو المفديّ به, فأين اسم فعل المفتدي الذي هو « فدية » إنّ هذا القول خطأ بين غير مشكل.

وأما « الطعام » فإنه مضاف إلى « المسكين » . والقرأة في قراءة ذلك مختلفون.

فقرأه بعضهم بتوحيد « المسكين » ، بمعنى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين واحد لكل يوم أفطره، كما:-

حدثني محمد بن يزيد الرفاعي قال، حدثنا حسين الجعفي, عن أبي عمرو أنه قرأ: « فديةٌ » - رفع منون- « طعام » - رفع بغير تنوين- « مسكين » ، وقال: عن كل يوم مسكين. وعلى ذلك عُظْم قراء أهل العراق.

وقرأه آخرون بجمع « المساكين » ، « فدية طعام مَساكين » بمعنى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر، إذا أفطر الشهر كله، كما:-

حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي, عن يعقوب, عن بشار, عن عمرو, عن الحسن: « طعام مساكين » ، عن الشهر كله.

قال أبو جعفر: وأعجبُ القراءتين إليّ في ذلك قراءة من قرأ: « طعام مسكين » على الواحد، بمعنى: وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين. لأن في إبانة حُكم المفطر يومًا واحدًا، وصُولا إلى معرفة حُكم المفطر جميع الشهر - وليس في إبانة حكم المفطر جميعَ الشهر، وصولٌ إلى إبانة حكم المفطر يومًا واحدًا، وأيامًا هي أقل من أيام جميع الشهر - , وأن كل « واحد » يُترجم عن « الجميع » ، وأن « الجميع » لا يترجم به عن « الواحد » . فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد.

واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا.

فقال بعضهم: كان الواجبُ من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح.

وقال بعضهم: كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم، مدًّا من قمح ومن سائر أقواتهم.

وقال بعضهم: كان ذلك نصف صاع من قمح، أو صاعًا من تمر أو زبيب.

وقال بعضهم: ما كان المفطر يتقوَّته يومَه الذي أفطرَه.

وقال بعضهم: كان ذلك سحورًا وَعشاءً، يكون للمسكين إفطارًا.

وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل، فكرهنا إعادة ذكرها.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم بما:-

حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وعطاء, عن ابن عباس: « فمن تطوع خيرًا » ، فزاد طعامَ مسكين آخر، « فهو خيرٌ له وأن تصومُوا خيرٌ لكم » .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عباس مثله.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد في قوله: « فمن تطوع خيرًا » ، قال: من أطعم المسكين صاعًا.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه: « فمن تطَوع خيرًا فهو خيرٌ له » ، قال: إطعامُ مَساكين عن كل يوم، فهو خير له.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن حنظلة, عن طاوس: « فمن تطوع خيرًا » ، قال: طعامُ مسكين.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن حنظلة, عن طاوس نحوه.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن ليث، عن طاوس: « فمن تطوع خيرًا » ، قال: طعام مسكين.

حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد, عن ليث عن طاوس مثله.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عمرو بن هارون قال، حدثنا ابن جريج, عن عطاء أنه قرأ: « فمن تطوع » - بالتاء خفيفة [ الطاء ] - « خيرًا » , قال: زاد على مسكين.

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « فمن تَطوع خيرًا فهو خيرٌ له » ، فإن أطعم مسكينين فهو خير له.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني ابن طاوس، عن أبيه: « فمن تطوع خيرًا فهو خير له » ، قال: من أطعم مسكينًا آخر.

وقال آخرون: معنى ذلك، فمن تطوع خيرًا فصامَ مع الفدية.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، أخبرني يونس, عن ابن شهاب: « فمن تطوع خيرًا فهو خيرٌ له » ، يريد أن من صامَ مع الفدية فهو خير له.

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوع خيرًا فزاد المسكين على قَدر طعامه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال، مجاهد: « فمن تطوع خيرًا » ، فزاد طعامًا، « فهو خير له » .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره عمم بقوله: « فمن تطوع خيرًا » ، فلم يخصص بعض معاني الخير دون بعض. فإنّ جَمْع الصَوْم مع الفدية من تطوُّع الخير، وزيادةُ مسكين على جزاء الفدية من تطوُّع الخير. وجائز أن يكون تعالى ذكره عنى بقوله: « فمن تطوع خيرًا » ، أيَّ هذه المعاني تطوّع به المفتدي من صومه، فهو خير له. لأن كل ذلك من تطوع الخير، ونوافل الفضل.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 184 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « وأنْ تَصوموا » ، ما كتب عليكم من شهر رمضان، « فهو خير لكم » من أن تفطروه وتفتدوا، كما:-

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « وأنْ تَصوموا خيرٌ لكم » ، ومن تكلف الصيامَ فصامه فهو خيرٌ له.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس, عن ابن شهاب: « وأن تَصُوموا خيرٌ لكم » ، أي: إن الصيامَ خير لكم من الفدية.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « وأن تصومُوا خيرٌ لكم » ....

وأما قوله: « إن كنتم تعلمون » ، فإنه يعني: إن كنتم تعلمون خيرَ الأمرين لكم أيها الذين آمنوا، من الإفطار والفدية، أو الصوم على ما أمركم الله به.

 

القول في تأويل قوله تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ

قال أبو جعفر: « والشهر » ، فيما قيل، أصله من « الشهرة » . يقال منه: « قد شَهر فلانٌ سَيْفه » - إذا أخرجه من غمده فاعترض به من أراد ضربه- « يشهرُه شهرًا » . وكذلك « شَهر الشهر » ، إذا طلع هلاله, « وأشهرْنا نحن » ، إذا دخلنا في الشهر.

وأما « رمضان » ، فإن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمى بذلك لشدة الحرِّ الذي كان يكون فيه، حتى تَرْمَض فيه الفِصَال، كما يقال للشهر الذي يُحجّ فيه « ذو الحجة » , والذي يُرتبع فيه « ربيع الأول، وربيع الآخر » .

وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال: « رمضان » ، ويقول: لعله اسمٌ من أسماء الله.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان, عن مجاهد: أنه كره أن يقال: « رمضان » , ويقول: لعله اسم من أسماء الله لكن نقول كما قال الله: « شهر رمضان » .

وقد بينت فيما مضى أن « شهر » مرفوع على قوله: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ , هن شهر رمضان. وجائز أن يكون رفعه بمعنى: ذلك شهر رمضان, وبمعنى: كتب عليكم شهرُ رمضان.

وقد قرأه بعض القراء « شهرَ رَمضان » نصبًا, بمعنى: كتب عليكم الصيام أن تصوموا شهرَ رمضان. وقرأه بعضهم نصبًا بمعنى: أن تصوموا شهرَ رمضان خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون وقد يجوز أيضًا نصبه على وجه الأمر بصومه، كأنه قيل: شهرَ رمضان فصومُوه. وجائز نصبه على الوقت، كأنه قيل: كتب عليكم الصيام في شهر رمضان.

وأما قوله: « الذي أنـزل فيه القرآن » ، فإنه ذكر أنه نـزل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، في ليلة القدر من شهر رمضان. ثم أنـزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنـزاله إليه، كما:-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش, عن الأعمش, عن حسان بن أبي الأشرَس عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: أنـزل القرآن جملةً من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان, فجُعل في بيت العزَّة - قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر, وقال ذلك السدي.

حدثني عيسى بن عثمان قال، حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جبير قال: نـزل القرآن جملة واحدةً في ليلة القدر في شهر رمضان, فجعل في سماء الدنيا.

حدثنا أحمد بن منصور قال، حدثنا عبد الله بن رجاء قال، حدثنا عمران القطان, عن قتادة, عن أبي المليح، عن واثلة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نـزلت صُحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان, وأنـزلت التوراةُ لست مَضَين من رمضان, وأنـزل الإنجيل لثلاثَ عَشرة خلت, وأنـزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان » .

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « شهرُ رَمضان الذي أنـزل فيه القرآن » . أما « أنـزل فيه القرآن » , فإن ابن عباس قال: شهر رمضان, والليلةُ المباركة ليلةُ القدر, فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة, وهي في رمضان, نـزل القرآن جملةً واحدة من الزُّبُر إلى البيت المعمور, وهو « مواقع النجوم » في السماء الدنيا حيث وقع القرآن, ثم نـزل على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي وفي الحروب رَسَلا رَسَلا.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: أنـزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر, فكان الله إذا أراد أن يُوحِيَ منه شيئًا أوحاه, فهو قوله: إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [ سورة القدر: 1 ] .

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن داود, عن عكرمة, عن ابن عباس، فذكر نحوه - وزاد فيه: فكان من أوله وآخره عشرون سنة.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: أنـزل القرآنُ كله جملةً واحدةً في ليلة القدر في رمضان، إلى السماء الدنيا, فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شَيئًا أنـزله منه، حتى جمعه.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين, عن حكيم بن جبير, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: أنـزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء جملة واحدة, ثم فرَّق في السنين بعدُ. قال: وتلا ابن عباس هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [ سورة الواقعة:75 ] ، قال: نـزل مفرَّقًا.

حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن داود, عن الشعبي قال: بلغنا أن القرآن نـزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, قرأه ابن جريج في قوله: « شهرُ رَمضان الذي أنـزل فيه القرآن » ، قال: قال ابن عباس: أنـزل القرآن جملةً واحدة على جبريل في ليلة القدر, فكان لا ينـزل منه إلا بأمر. قال ابن جريج: كان ينـزل من القرآن في ليلة القدر كلُّ شيء ينـزل من القرآن في تلك السنة. فنـزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا، فلا ينـزل جبريلُ من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه. ومثل ذلك إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ و إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [ سورة الدخان: 3 ] .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن السدي, عن محمد بن أبي المجالد, عن مقسم, عن ابن عباس، قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله: « شهرُ رَمضان الذي أنـزل فيه القرآن » ، وقوله: إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ وقوله إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وقد أنـزل الله في شوّال وذي القعدة وغيره! قال: إنما أنـزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدةً, ثم أنـزل على مَواقع النجوم رَسَلا في الشهور والأيام.

وأما قوله: « هُدى للناس » ، فإنه يعني رَشادًا للناس إلى سبيل الحقّ وقَصْد المنهج.

وأما قوله: « وَبيِّنات » ، فإنه يعني: وواضحات « من الهدى » - يعني: من البيان الدالّ على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.

وقوله: « والفرقان » يعني: والفصل بين الحق والباطل، كما:-

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدى: أما « وبينات من الهدى والفرقان » ، فبينات من الحلال والحرام.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى « شهود الشهر » .

فقال بعضهم: هو مُقام المقيم في داره. قالوا: فمن دخل عليه شهرُ رمضان وهو مقيم في داره، فعليه صوم الشهر كله, غابَ بعدُ فسافر، أو أقام فلم يبرح.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني قالا حدثنا ابن المبارك, عن الحسن بن يحيى, عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: « فمن شَهد منكم الشهر فليصمه » ، قال: هو إهلاله بالدار. يريد: إذا هلَّ وهو مُقيم.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين, عمن حدثه, عن ابن عباس أنه قال. في قوله: « فمن شهد منكم الشهر فليصمه » ، فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم، أقام أو سافر. وإن شهده وهو في سَفر, فإن شاء صامَ وإن شَاء أفطر.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن محمد, عن عبيدة - في الرجل يُدركه رمضان ثم يُسافر - قال: إذا شهدتَ أوله فصُمْ آخره, ألا تراه يقول: « فمن شَهدَ منكم الشهر فليصمه » ؟

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن هشام القردوسي، عن محمد بن سيرين قال، سألت عَبيدة: عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم؟ قال: من صام أول الشهر فليصم آخره, ألا تراه يقول: « فَمنْ شهد منكم الشهرَ فليصمه » .

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما « منْ شَهد منكم الشهر فليصمه » , فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصُمه, وإن خَرج فيه فليصُمه، فإنه دَخل عليه وهو في أهله.

حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا قتادة, عن محمد بن سيرين, عن عبيدة السلماني, عن علي - فيما يحسب حماد- قال: من أدرك رَمضان وهو مقيم لم يَخرج، فقد لزمه الصوم, لأن الله يقول: « فمن شَهد منكم الشهر فليصمه » .

حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبد الرحمن, عن إسماعيل بن مسلم, عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله: « فمن شَهد منكم الشهر فليصمه » ، قال: من كان مقيمًا فليصُمه, ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن ابن عون, عن ابن سيرين, عن عبيدة, قال: من شهد أول رمضان فليصم آخرَه.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة, عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن عليًّا كان يقول: إذا أدركه رمضان وهو مقيمٌ ثم سافر، فعليه الصوم.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم, عن عُبيدة الضبي, عن إبراهيم قال: كان يقول: إذا أدركك رمضانُ فلا تسافر فيه, فإن صمت فيه يومًا أو اثنين ثم سافرت، فلا تفطر، صُمه.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة, عن أبي البختري. قال: كنا عند عُبيدة فقرأ هذه الآية: « فَمن شَهد منكم الشهر فليصمه » ، قال: من صام شيئًا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج. قال: وكان ابن عباس يقول: إن شاء صَام وإن شَاء أفطر.

حدثنا محمد بن بشار قال, حدثنا عبد الوهاب - و حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية- قالا جميعًا، حدثنا أيوب, عن أبي يزيد, عن أم ذرة، قالت: أتيت عائشه في رمضان, قالت: من أين جئتِ؟ قلت: من عند أخي حنين. قالت: ما شأنه؟ قالت: ودَّعته يُريد يرتحل. قالت: فأقرئيه السلام ومُريه فليُقم, فلو أدركني رمضانُ وأنا ببعض الطريق لأقمت له.

حدثنا هناد قال, حدثنا إسحاق بن عيسى, عن أفلح, عن عبد الرحمن, قال: جاء إبراهيم بن طلحة إلى عائشة يُسلّم عليها, قالت: وأين تريد؟ قال: أردتُ العمرة. قالت: فجلستَ حتى إذا دخل عليك الشهر خرجتَ فيه! قال: قد خرج ثَقَلي! قالت: اجلس، حتى إذا أفطرت فاخرج - يعني شهرَ رمضان.

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن شهد منكم الشهر فليصُمْ ما شهد منه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا شريك, عن أبي إسحاق: أن أبا مَيسرة خرج في رمضان، حتى إذا بلغ القنطرة دعا ماءً فشرب.

حدثنا هناد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة قال: خرج أبو ميسرة في رمضان مسافرًا, فمرّ بالفرات وهو صائم, فأخذ منه كفًّا فشربه وأفطر.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن مرثد: أن أبا مَيسرة سافرَ في رمضان، فأفطر عند باب الجسر - هكذا قال هناد، عن مرثد, وإنما هو أبو مَرثد.

حدثني محمد بن عمارة الأسديّ قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق, عن مرثد: أنه خرج مع أبي ميسرة في رمضان, فلما انتهى إلى الجسر أفطر.

حدثنا هناد وأبو هشام قالا حدثنا وكيع, عن المسعودي, عن الحسن بن سعد, عن أبيه قال: كنت مع عليّ في ضيعة له على ثلاث من المدينة, فخرجنا نريد المدينة في شهر رمضان، وعليٌّ راكبٌ وأنا ماشٍ, قال: فصام - قال هناد: وأفطرت- قال أبو هشام: وأمرني فأفطرتُ.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن عبد الرحمن بن عتبة, عن الحسن بن سعد, عن أبيه قال: كنت مع عليّ بن أبي طالب وهو جَاءٍ من أرض له، فصام, وأمرني فأفطرت، فدخل المدينة ليلا وكان راكبًا وأنا ماشٍ.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع - وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي- قالا جميعًا، حدثنا سفيان, عن عيسى بن أبي عزة, عن الشعبي: أنه سافر في شهر رمضان فأفطر عند باب الجسر.

حدثني ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، قال لي سفيان: أحبُّ إليّ أن تُتمه.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة قال: سألت الحكمَ وحمادًا، وأردت أن أسافر في رمضان فقالا لي: اخرج. وقال حماد، قال إبراهيم: أما إذا كان العَشر، فأحبُّ إليَّ أن يقيم.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد, عن قتادة, عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا من أدركه الصومُ وهو مقيم رمضان ثم سافر, قالا إن شَاءَ أفطر.

وقال آخرون: « فَمن شهد منكم الشهر فليصمه » ، يعني: فمن شهده عاقلا بالغًا مكلفًا فليصمه.

وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه, كانوا يقولون: من دخل عليه شهرُ رمضان وهو صحيحٌ عاقلٌ بالغٌ فعليه صومه, فإن جُنّ بعد دُخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا، ثم أفاقَ بعد انقضائه، لزمه قضاءُ ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبًا على عقله, لأنه كان ممن شهده وهو ممن عليه فُرض.

قالوا: وكذلك لو دخل عليه شهرُ رمضان وهو مجنونٌ، إلا أنه ممن لو كان صحيحَ العقل كان عليه صَوْمه, فلن ينقضي الشهر حتى صَح وَبرأ، أو أفاق قبل انقضاء الشهر بيوم أو أكثر من ذلك، فإنّ عليه قضاءُ صوْم الشهر كله، سوى اليوم الذي صامه بَعد إفاقته, لأنه ممن قد شَهد الشهر.

قالوا: ولو دَخل عليه شهرُ رمضان وهو مجنون، فلم يفق حتى انقضى الشهرُ كله، ثم أفاق، لم يلزمه قضاء شيء منه, لأنه لم يكن ممن شَهده مكلَّفًا صَوْمَه.

قال أبو جعفر: وهذا تأويل لا معنى له, لأنّ الجنون إن كانَ يُسقط عمن كان به فَرْضَ الصومِ، من أجل فقد صاحبه عَقله جميع الشهر، فقد يجب أن يكونَ ذلك سبيلَ كل من فقد عقله جميع شهر الصوم. وقد أجمع الجميعُ على أن من فقد عقله جميع شَهر الصوم بإغماء أو بِرْسام، ثم أفاق بعد انقضاء الشهر، أن عليه قضاءُ الشهر كله. ولم يخالف ذلك أحدٌ يجوزُ الاعتراضُ به على الأمة. وإذ كان إجماعًا، فالواجب أن يكون سبيلُ كل من كان زائلَ العقل جميع شهر الصوم، سبيلَ المغمى عليه. وإذ كان ذلك كذلك، كان معلومًا أن تأويل الآية غير الذي تأوَّلها قائلو هذه المقالة: من أنه شُهود الشهر أو بعضه مكلفًا صومَه. وإذا بطل ذلك، فتأويل المتأوِّل الذي زعم أن معناه: فمن شهد أوله مقيما حاضرًا فعليه صَوْم جميعه، أبطلُ وأفسدُ، لتظاهر الأخبار عن رَسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عَام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صَام بعضه، وأفطرَ وأمر أصحابه بالإفطار.

حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس قال: « سافرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة إلى مكة, حتى إذا أتى عُسْفان نـزل به, فدعا بإناء فوضعه على يَده ليراه الناسُ, ثم شربه. »

حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, عن طاوس, عن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه

حدثنا هناد, حدثنا عبيدة, عن منصور, عن مجاهد, عن طاوس, عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.

حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن ابن عباس قال: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان, فصامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصامَ الناسُ معه, حتى إذا أتى الكُدَيْد - ما بين عُسْفان وأَمَج- أفطر.

حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا عبدة, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله, عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشرٍ - أو لعشرين- مضت من رَمضان عام الفتح, فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سالم بن نوح قال، حدثنا عمر بن عامر, عن قتادة, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد الخدريّ قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرَةَ مضتْ من رمضان, فمنا الصائم ومنا المفطر, فلم يَعِب المفطرُ على الصائم, ولا الصائم على المفطر.

فإذ كانا فاسدين هذان التأويلان، بما عليه دَللنا من فسادهما - فَبيِّنٌ أن الصحيح من التأويل هو الثالث، وهو قول من قال: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، جميعَ ما شهد منه مقيمًا, ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ومَنْ كان مريضًا أو عَلى سفر في الشهر فأفطر، فعليه صيامُ عدة الأيام التي أفطرها، من أيام أخرَ غير أيام شهر رمضان.

ثم اختلف أهل العلم في المرَض الذي أباح الله معه الإفطار، وأوجب معه عده من أيام أخر.

فقال بعضهم: هو المرض الذي لا يُطيق صاحبه معه القيام لصَلاته.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا معاذ بن شعبة البصري قال، حدثنا شريك, عن مغيره, عن إبراهيم وإسماعيل بن مسلم, عن الحسن أنه قال: إذا لم يستطع المريضُ أن يُصَلِّي قائمًا أفطر.

حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم, عن مغيرة - أو عبيدة- عن إبراهيم، في المريض إذا لم يستطع الصلاةَ قائمًا فليفطر. يعني: في رمضان.

حدثنا هناد قال، حدثنا حفص بن غياث, عن إسماعيل قال: سألت الحسن: متى يُفطر الصائم؟ قال: إذا جَهده الصوم. قال: إذا لم يستطع أن يُصلي الفرائض كما أمِر.

وقال بعضهم: وهو كل مرض كان الأغلبُ من أمر صاحبه بالصوم الزيادةُ في علته زيادة غير مُحتملة. وذلك هو قول محمد بن إدريس الشافعي, حدثنا بذلك عنه الربيع.

وقال آخرون: وهو [ كلّ ] مرض يسمى مرَضًا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا الحسن بن خالد الربعي قال، حدثنا طريف بن شهاب العُطاردي: أنه دخل على محمد بن سيرين في رَمضان وهو يأكل، فلم يسأله. فلما فرغ قال: إنه وَجعتْ إصبعي هذه.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن « المرض » الذي أذن الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان، من كان الصومُ جاهدَه جَهدًا غير محتمل, فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر. وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمرَ, فإن لم يكن مأذونًا له في الإفطار فقد كلِّف عُسرًا، ومُنع يُسرًا. وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ . وأما من كان الصوم غيرَ جَاهدِه, فهو بمعنى الصحيح الذي يُطيق الصوم, فعليه أداءُ فرضه.

وأما قوله: « فعدة من أيام أخر » ، فإنّ معناها: أيامًا معدودة سوى هذه الأيام.

وأما « الأخَر » ، فإنها جمع « أخرى » كجمعهم « الكبرى » على « الكُبَر » و « القُربى » على « القُرَب » .

فإن قال قائل: أوَليست « الأخر » من صفة الأيام؟

قيل: بلى.

فإن قال: أوَليس واحدُ « الأيام » « يوم » وهو مذكر؟

قيل: بلى.

فإن قال: فكيف يكون واحدُ « الأخر » « أخرى » ، وهي صفة ل « اليوم » ، ولم يكن « آخر » ؟

قيل: إن واحد « الأيام » وإن كان إذا نُعت بواحد « الأخر » فهو « آخر » , فإن « الأيام » في الجمع تصير إلى التأنيث، فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث, كما يقال: « مضت الأيامُ جُمعَ » , ولا يقال: أجمعون, ولا أيام آخرون.

فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالى قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، ومعنى ذلك عندك: فعليه عدةٌ من أيام أخر، كما قد وصفت فيما مضى. فإن كان ذلك تأويله, فما قولك فيمن كان مريضًا أو عَلى سَفر فَصَام الشهر، وهو ممن له الإفطار, أُيجزيه ذلك من صيام عدة من أيام أخر, أو غيرُ مُجزيه ذلك، وفَرْضُ صوم عدة من أيام أخر ثابتٌ عليه بهيئته، وإن صام الشهر كله؟ وهل لمن كان مريضًا أو على سَفر صيامُ شهر رمضان, أم ذلك محظور عليه, وغير جائز له صومه, والواجب عليه الإفطار فيه، حتى يقيم هذا ويبرأ هذا؟

قيل: قد اختلف أهل العلم في كل ذلك, ونحن ذاكرُو اختلافهم في ذلك, ومخبرون بأولاه بالصواب إن شاء الله.

فقال بعضهم: الإفطارُ في المرض عَزْمة من الله واجبةٌ, وليسَ بترخيص.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي - وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية- جميعًا, عن سعيد, عن قتادة, عن جابر بن زيد, عن ابن عباس قال: الإفطارُ في السفر عَزْمة.

حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، أخبرنا شعبة, عن يعلى, عن يوسف بن الحكم قال: سألتُ ابن عمر - أو: سئل- عن الصوم في السفر فقال: أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك، ألم تغضب؟ فإنها صَدقة من الله تصدق بها عليكم.

حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا المحاربي عن عبد الملك بن حميد قال، قال أبو جعفر: كان أبي لا يَصُوم في السفر، ويَنهى عنه.

وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد, عن الضحاك: أنه كره الصومَ في السفر.

وقال أهل هذه المقالة: من صام في السفر فعليه القضاءُ إذا قام.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا نصر بن علي الجهضميّ قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم, عن أبيه, عن رجل: أن عمرَ أمرَ الذي صام في السفر أن يُعيد. .

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن أبي عدي, عن سعيد بن عمرو بن دينار, عن رجل من بني تميم، عن أبيه قال: أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيدَ صَوْمه.

حدثني ابن حميد الحمصي قال، حدثنا علي بن معبد, عن عبيد الله بن عمرو, عن عبد الكريم, عن عطاء, عن المحرَّر بن أبي هريرة قال: كنت مع أبي في سفر في رمضان, فكنت أصوم ويُفطر. فقال لي أبي: أما إنك إذا أقمتَ قَضيت.

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا سليمان بن داود قال، حدثنا شعبة, عن عاصم مولى قريبة, قال: سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يَقضي.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة, عن عاصم مولى قريبة: أن رجلا صامَ في السفر، فأمرَهُ عروة أن يَقضي.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن صبيح قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم, عن أبيه كلثوم: أنّ قومًا قدموا على عُمرَ بن الخطاب وقد صاموا رمضانَ في سفر, فقال لهم: والله لكأنكم كنتم تصُومون! فقالوا: والله يا أمير المؤمنين لقد صمنا! قال: فأطقتموه! قالوا: نعم. قال: فاقضوه، فاقضوه.

وعلة مَنْ قال هذه المقالة: أن الله تعالى ذكره فرَضَ بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ صومَ شهر رمضان على من شهده مُقيمًا غير مسافر, وجعل على من كان مريضًا أو مسافرًا صومَ عدة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله: « ومَنْ كان مريضًا أو على سَفر فعدة من أيام أخر » . قالوا: فكما غيرُ جائز للمقيم إفطارُ أيام شهر رمضان وَصَوم عدة أيام أخر مكانها - لأن الذي فرضَه الله عليه بشهوده الشهرَ صومُ الشهر دون غيره- فكذلك غير جائز لمن لم يشهده من المسافرين مقيمًا، صوْمُه. لأن الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر. واعتلوا أيضًا من الخبر بما:-

حدثنا به محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثنا عبد الله بن موسى, عن أسامة بن زيد, عن الزهري, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن عبد الرحمن بن عوف قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصائم في السفر كالمفطر في الحضر. »

حدثني محمد بن عبيد الله بن سعيد قال، حدثنا يزيد بن عياض, عن الزهري, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصائمُ في السفر كالمفطر في الحضر » .

وقال آخرون: إباحة الإفطار في السفر رخصة من الله تعالى ذكره، رخصها لعباده, والفرضُ الصوم. فمن صام فرضَه أدَّى, ومن أفطر فبرُخصة الله له أفطر. قالوا: وإن صام في سفر فلا قَضاءَ عليه إذا أقام.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب قال، حدثنا عروة وسالم: أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أميرٌ على المدينة، فتذاكروا الصومَ في السفر، قال سالم: كان ابن عمر لا يصُوم في السفر. وقال عروة. وكانت عائشة تصوم. فقال سالم: إنما أخذت عن ابن عمر. وقال عروة: إنما أخذتُ عن عائشة. حتى ارتفعت أصواتهما. فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم عفوًا! إذا كان يُسرًا فصوموا، وإذا كان عُسرًا فأفطروا.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، قال، حدثني رجل قال: ذكر الصوم في السفر عند عمر بن عبد العزيز، ثم ذكر نحو حديث ابن بشار.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق - وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن إسحاق - عن الزهري، عن سالم بن عبد الله قال: خرج عمر بن الخطاب في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان، فقال: إن الشهر قد تشعشع - قال أبو كريب في حديثه: أو: تَسعسع، ولم يشك يعقوب - فلو صمنا! فصام وصام الناس مَعه. ثم أقبل مرَّة قافلا حتى إذا كان بالروحاء أهلّ هلالُ شهر رمضان، فقال: إن الله قد قَضَى السفر، فلو صمنا ولم نَثْلم شهرنا! قال: فصام وصام الناس معه. .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير، قال، حدثني أبي - وحدثنا محمد بن بشار قال، أخبرنا عبيد الله قال، أخبرنا بشير بن سلمان - عن خيثمةَ قال: سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر، قال: قد أمرتُ غلامي أن يَصوم فأبى. قلت: فأين هذه الآية: « ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر » ؟ قال: نـزلت ونحن يومئذ نرتحلُ جياعًا وننـزل على غير شِبَع، وإنا اليوم نرتحل شِباعًا وننـزل على شِبَع .

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن بشير بن سلمان، عن خيثمة، عن أنس نحوه.

حدثنا هناد وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أنس: أنه سئل عن الصوم في السفر فقال: من أفطر فبرُخصة الله، ومن صام فالصومُ أفضل.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة، عن أشعث بن عبد الملك، عن محمد بن عثمان بن أبي العاص قال: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو الفيض، قال: كان علي علينا أميرًا بالشام، فنهانا عن الصوم في السفر، فسألت أبا قِرْصافة - رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني ليث، قال عبد الصمد: سمعتُ رجلا من قومه يَقول: إنه واثلة بن الأسقع - قال: لو صمتَ في السفر ما قضيت. .

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن بسطام بن مسلم، عن عطاء قال: إن صمتم أجزأ عنكم، وإن أفطرتم فرُخصة.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن كهمس قال: سألت سالم بن عبد الله عن الصوم في السفر، فقال: إن صمتم أجزأ عنكم، وإن أفطرتم فرخصة.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: من صام فحقٌّ أدَّاه، ومن أفطر فرُخصة أخذ بها.

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، قال: الفطر في السفر رُخصة، والصومُ أفضل.

حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء، قال: هو تَعليم، وليس بعَزم - يعني قول الله: « ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر » ، إن شاء صام وإن شاء لم يصم.

حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الحسن: في الرجل يسافر في رمضان، قال: إن شاء صام وإن شاء أفطر.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان بن حبيب قال، حدثنا العوّام بن حوشب قال: قلت لمجاهد: الصوم في السفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر. قال: قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: إنما هي رُخصة، وأن تصوم رمضان أحب إليّ.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد، أنهم قالوا: الصومُ في السفر، إن شاء صَام وإن شاء أفطر، والصوم أحب إليهم.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، قال لي مجاهد في الصوم في السفر - يعني صوم رمضان- : والله ما منهما إلا حلال، الصومُ والإفطار، وما أراد الله بالإفطار إلا التيسير لعباده.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن الأشعث بن سليم قال: صحبت أبا الأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة، وكانوا يصومون رمضان وغيرَه في السفر.

حدثنا علي بن حسن الأزدي قال، حدثنا معافى بن عمران، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير: الفطرُ في السفر رُخصة، والصوم أفضل.

حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال، حدثنا يعقوب قال، حدثنا صالح بن محمد بن صالح، عن أبيه قال: قلت للقاسم بن محمد: إنا نسافر في الشتاء في رمضان، فإن صمتُ فيه كان أهوَنَ عليَّ من أن أقضيه في الحر! فقال: قال الله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ما كان أيسرَ عليك فافعلْ .

قال أبو جعفر: وهذا القول عندنا أولى بالصواب، لإجماع الجميع على أن مريضًا لو صام شهرَ رمضان - وهو ممن له الإفطار لمرضه- أنّ صومه ذلك مجزئ عنه، ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر، فكان معلومًا بذلك أن حكم المسافر حكمه في أنْ لا قضاءَ عليه إن صامه في سفره. لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمرَ به من قضاء عدة من أيام أخر، مثلُ الذي جعل من ذلك للمريض وأمرَ به من القضاء. ثم في دلالة الآية كفايةٌ مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها. وذلك قول الله تعالى ذكره: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ، ولا عُسرَ أعظم من أن يُلزم من صامه في سفره عدةً من أيام أخر، وقد تكلف أداءَ فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأدَّاه.

فإن ظن ذو غَباوة أنّ الذي صامه لم يكن فرضَهُ الواجبَ، فإن في قول الله تعالى ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، ما ينبئ أن المكتوبَ صومُه من الشهور على كل مُؤمن، هو شهرُ رمضان مسافرًا كان أو مقيمًا، لعموم الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ شَهْرُ رَمَضَانَ وأن قوله: « ومَنْ كان مريضًا أو عَلى سفر فعدةٌ من أيام أخر » معناه: ومن كان مريضًا أو على سفر فأفطرَ برُخصة الله، فعليه صوم عدة أيام أخر مكانَ الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله - إذْ سئل عن الصوم في السفر: « إن شئتَ فصم، وإن شئت فأفطر » - الكفايةُ الكافيةُ عن الاستدلال على صحة ما قُلنا في ذلك بغيره.

حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم ووكيع وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن حَمزة سألَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر - وكانَ يسرُد الصوم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتَ فصُمْ وإن شئت فأفطر. .

حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهبّاري قالا حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه. .

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال: أخبرنا حيوة بن شريح قال: أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أبي مراوح، عن حمزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا رسول الله، إني أسرد الصوم، فأصومُ في السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي رُخْصة من الله لعباده، فمن فعلها فحسنٌ جميل، ومن تركها فلا جُناح عليه. فكان حمزة يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر. وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر، حتى إنْ كان ليمرضُ فلا يُفطر. وكان أبو مُرَاوح يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر. .

ففي هذا، مع نظائره من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب الدلالة الدالة على صحة ما قلنا: من أن الإفطارَ رخصةٌ لا عزم، والبيانُ الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله: « وَمن كانَ مريضًا أو عَلى سَفر فعدةٌ من أيام أخر » .

قال أبو جعفر: فإن قال قائل: إن الأخبار بما قلت وإن كانت متظاهرةً، فقد تظاهرت أيضًا بقوله: « ليس من البر الصيامُ في السفر » ؟

قيل: إن ذلك إذا كان الصيامُ في مثل الحال التي جَاء الأثرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ في ذلك لمن قال له.

حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجُلا في سفره قد ظُلِّل عليه، وعليه جماعة، فقال: « من هذا؟ قالوا: صائم. قال: ليس من البر الصوم في السفر » .

قال أبو جعفر: أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط، وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن، شعبة. .

2892م- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظُلِّل عليه، فقالوا: هذا رجل صائم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر أن تَصوموا في السفر. .

فمن بلغ منه الصوم ما بَلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك، فليس من البر صومه. لأن الله تعالى ذكره قد حرّم على كل أحد تعريضَ نفسه لما فيه هلاكها، وله إلى نجاتها سبيل. وإنما يُطلب البر بما نَدب الله إليه وَحضَّ عليه من الأعمال، لا بما نهى عنه.

وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: « الصائم في السفر كالمفطر في الحضر » فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظُلِّل عليه، إن كان قبل ذلك. وغيرُ جائز عليه أن يُضَاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قيلُ ذلك، لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واهية الأسانيد، لا يجوز الاحتجاجُ بها في الدين.

فإن قال قائل: وكيف عطف على « المريض » ، وهو اسم بقوله: « أوْ على سفر » و « على » صفة لا اسم. .

قيل: جاز أن ينسق ب « على » على « المريض » ، لأنها في معنى الفعل. وتأويل ذلك: أو مسافرًا، كما قال تعالى ذكره: دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا [ يونس: 12 ] ، فعطف ب « القاعد، والقائم « على » اللام » التي في « لجنبه » ، لأن معناها الفعل، كأنه قال: دعانا مضطجعًا أو قاعدًا أو قائمًا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: يريد الله بكم، أيها المؤمنون - بترخيصه لكم في حال مرضكم وسَفركم في الإفطار، وقضاء عدة أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد بُرئكم من مرضكم- التخفيفَ عليكم، والتسهيل عليكم، لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال « ولا يُريد بكم العسر » ، يقول: ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم، فيكلفكم صوم الشهر في هذه الأحوال، مع علمه شدة ذلك عليكم، وثقل حمله عليكم لو حمّلكم صومه، كما:-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: « يُريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر » ، قال: اليسر: الإفطار في السفر، والعسر الصيام في السفر.

حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر، فقال: يُسرٌ وعُسرٌ. فخذ بيسر الله.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر. قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: « يريد الله بكم اليسر » - قال: هو الإفطار في السفر، وَجعل عدةً من أيام أخر- « ولا يريد بكم العسر » .

حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: « يريد الله بكمُ اليسر ولا يُريد بكم العسر » ، فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري عن طاوس، عن ابن عباس قال: لا تَعِبْ على من صام ولا على من أفطر - يعنِي في السفر في رمضان- « يريد الله بكم اليسر ولا يُريد بكم العسر » .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضيل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمانَ، قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله: « يريد الله بكمُ اليسر » - الإفطار في السفر- « ولا يريد بكم العسر » ، الصيام في السفر.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « ولتكملوا العدة » ، عدةَ ما أفطرتم، من أيام أخر، أوجبت عليكم قضاءَ عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم، أو إقامتكم من سفركم، كما:

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: « ولتكملوا العدة » ، قال: عدة ما أفطر المريض والمسافر.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « ولتكملوا العدة » ، قال: إكمالُ العدة: أنَ يصومَ ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض [ إلى ] أنْ يُتمه، فإذا أتمه فقد أكمل العدة. .

فإن قال قائل: ما الذي عليه بهذه « الواو » التي في قوله: « ولتكملوا العدة » عَطَفَتْ؟ .

قيل: اختلف أهل العربية في ذلك.

فقال بعضهم: هي عاطفة على ما قبلها، كأنه قيل: ويُريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله.

وقال بعض نحويي الكوفة: وهذه « اللام » التي في قوله: « ولتكملوا » لام « كي » لو ألقيتْ كان صوابًا. قال: والعرب تُدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها، ولا تكون شرطًا للفعل الذي قبلها وفيها « الواو » ، ألا ترى أنك تقول: « جئتك لتحسن إلي » ، ولا تقول: « جئتك ولتحسن إليّ » ، فإذا قلته فأنت تريد: ولتحسن جئتك. قال: وهذا في القرآن كثيرٌ، منه قوله: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [ سورة الأنعام: 113 ] ، وقوله: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [ سورة الأنعام: 75 ] ، ولو لم تكن فيه « الواو » كان شرطًا على قولك: أريْناهُ ملكوت السماوات والأرض ليكون. فإذا كانت « الواو » فيها فلها فعل « مضمر » بعدها، و « ليكون من الموقنين » ، أريناه. .

قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب في العربية. لأن قوله: « ولتكملوا العدة » ، ليس قبله « لام » بمعنى « اللام » التي في قوله: « ولتكملوا العدة » فتعطف بقوله: « ولتكملوا العدة » عليها - وإن دخول « الواو » معها، يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها، إذ كانت « الواو » لو حذفت كانت شرطًا لما قبلها من الفعل.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ولتعظِّموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به، من الهداية التي خذل عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهر رمضان مثلَ الذي كتب عليكم فيه، فضلُّوا عنه بإضلال الله إياهم، وخصَّكم بكرامته فهداكم له، ووفقكم لأداء ما كتبَ الله عليكم من صومه، وتشكروه على ذلك بالعبادة لهُ.

والذكر الذي حضهم الله على تعظيمه به، « التكبير » يوم الفطر، فيما تأوله جماعة من أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن داود بن قيس، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: « ولتكبروا الله على ما هداكم » ، قال: إذا رأى الهلال، فالتكبيرُ من حين يَرى الهلال حتى ينصرف الإمام، في الطريق والمسجد، إلا أنه إذا حضر الإمامُ كفّ فلا يكبرِّ إلا بتكبيره.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول: « ولتكبِّروا الله على ما هداكم » ، قال: بلغنا أنه التكبير يوم الفطر.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان ابن عباس يقول: حقٌّ على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبرِّوا الله حتى يفرغوا من عيدهم، لأن الله تعالى ذكره يقول: « ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم » . قال ابن زيد: يَنبغي لهم إذا غَدوا إلى المصلَّى كبروا، فإذا جلسوا كبروا، فإذا جاء الإمام صَمتوا، فإذا كبر الإمام كبروا، ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره، حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد. قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والجماعةُ عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلَّى.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 185 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق، وتيسير ما لو شاء عسر عليكم.

و « لعل » في هذا الموضع بمعنى « كي » ولذلك عطف به على قوله: « ولتكملوا العدة ولتكبروا الله عَلى ما هَداكم ولَعلكم تَشكرون » .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ( 186 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: بذلك وإذا سَألك يا محمد عبادي عَني: أين أنا؟ فإني قريبٌ منهم أسمع دُعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم.

وقد اختلف فيما أنـزلت فيه هذه الآية.

فقال بعضهم: نـزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أقريبٌ ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنـزل الله: « وإذا سألك عبادي عَني فأني قريبٌ أجيبُ » الآية.

حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبدة السجستاني، عن الصُّلب بن حكيم، عن أبيه، عن جده. .

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن الحسن قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أين ربُّنا؟ فأنـزل الله تعالى ذكره: « وإذا سألك عبادي عَني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان » الآية .

وقال آخرون: بل نـزلت جوابًا لمسألة قومٍ سَألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ ساعة يدعون الله فيها؟

ذكر من قال ذلك:

حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لما نـزلت: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ سورة غافر: 60 ] قالوا: في أي ساعة؟ قال: فنـزلت: « وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب » إلى قوله: « لعلهم يَرُشدون » .

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: « أجيب دَعوَة الداع إذا دعان » ، قالوا: لو علمنا أيَّ ساعة نَدْعو! فنـزلت: « وإذا سَأَلكَ عِبَادي عَنّي فإني قريب » الآية.

حدثني القاسم. قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه: لما نـزلت: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال الناس: لو نعلم أي ساعة ندعو! فنـزلت: « وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب أجيب دَعوة الداع إذا دَعان فليستجيبوا لي وَليؤمنوا بي لعلهم يَرشدون » .

حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: « وإذا سَألك عبادي عَني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دَعان » ، قال: ليس من عَبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله، وإن لم يكن له رزقًا في الدنيا ذَخره له إلى يوم القيامة، ودفع عنه به مكروهًا.

حدثني المثنى قال، حدثنا الليث بن سعد عن ابن صالح، عمن حدثه: أنه بلغه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أعطى أحدٌ الدعاءَ ومُنع الإجابة، لأن الله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .

ومعنى متأوِّلي هذا التأويل: وإذا سألك عبادي عني: أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت، أجيب دعوة الداع إذا دعان.

وقال آخرون: بل نـزلت جوابًا لقول قوم قالوا - إذْ قالَ الله لهم: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ - : إلى أين ندعوه!

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال مجاهد: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قالوا: إلى أين؟ فنـزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [ سورة البقرة: 115 ] .

وقال آخرون: بل نـزلت جوابًا لقوم قالوا: كيف ندعو؟

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما أنـزل الله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال رجال: كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنـزل الله: « وإذا سَألك عبادي عَنّي فإنّي قريبٌ » إلى قوله: « يرشدون » .

وأما قوله: « فليستجيبوا لي » ، فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة. يقال منه: « استجبت له، واستجبته » ، بمعنى أجبته، كما قال كعب بن سعد الغنويّ:

وَدَاعٍ دَعَـا يَـامَنْ يُجِـيبُ إلَـى النَّدَى فَلَــمْ يَسْــتَجِبْهُ عِنْـدَ ذَاكَ مُجِـيب

يريد: فلم يجبه.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعةٌ غيره.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: « فليستجيبوا لي » ، قال: فليطيعوا لي، قال: « الاستجابة » ، الطاعة.

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال: سألت عبد الله بن المبارك عن قوله: « فليستجيبوا لي » ، قال: طاعة الله.

وقال بعضهم: معنى « فليستجيبوا لي » : فليدعوني

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني، قال « فليستجيبوا لي » ، فليدعوني.

وأما قوله: « وليؤمنوا بي » فإنه يعني: وَليصدِّقوا. أي: وليؤمنوا بي، إذا همُ استجابوا لي بالطاعة، أني لهم من وَرَاء طاعتهم لي في الثواب عليها، وإجزالي الكرامةَ لهم عليها.

وأما الذي تأوَّل قوله: « فليستجيبوا لي » ، أنه بمعنى: فليدعوني، فإنه كان يتأوّل قوله: « وليؤمنوا بي » ، وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني: « وليؤمنوا بي » ، يقول: أني أستجيب لهم.

وأما قوله: « لعلهم يَرشُدُون » فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة، وليؤمنوا بي فيصدِّقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم، وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا، كما:-

حدثني به المثني قال، حدثنا إسحاق، قال حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع في قوله: « لعلهم يَرشدون » ، يقول: لعلهم يهتدون.

فإن قال لنا قائل: وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره؟ فأنت ترى كثيرًا من البشر يدعون الله فلا يجابُ لهم دُعاء، وقد قال: « أجيبُ دَعوة الداع إذا دَعان » ؟

قيل: إن لذلك وجهين من المعنى:

أحدهما: أن يكون معنيًّا « بالدعوة » ، العملُ بما نَدب الله إليه وأمر به. فيكون تأويل الكلام. وإذا سألك عبادي عَني فإنى قريبٌ ممن أطاعني وعَمل بما أمرته به، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني. فيكون معنى « الدعاء » : مسألة العبد ربَّه وما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته، ومعنى « الإجابة » من الله التي ضمنها له، الوفاءُ له بما وعد العاملين له بما أمرهم به، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: « إنّ الدعاء هو العبادة » .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جويبر، عن الأعمش، عن ذر، عن يُسَيْع الحضرمي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الدعاءَ هُوَ العبادة. ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ سورة غافر: 60 ] .

فأخبر صَلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته، بالعمل له والطاعة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ذُكِر أن الحسن كان يقول:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني منصور بن هارون، عن عبد الله بن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن الحسن أنه قال فيها: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال: اعملوا وأبشروا، فإنه حقٌّ على الله أنَ يستجيب للذين آمنوا وعَملوا الصالحات ويزيدُهم من فضله.

والوجه الآخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الداع إذا دَعان إن شئت. فيكون ذلك، وإن كان عامًّا مخرُجه في التلاوة، خاصًّا معناهُ.