القول في تأويل قوله تعالى : لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ( 40 )

فلعلنا نتبع السحرة، ومعنى لعل هنا كي، يقول: كي نتبع السحرة، إن كانوا هم الغالبين موسى، وإنما قلت ذلك معناها: لأن قوم فرعون كانوا على دين فرعون، فغير معقول أن يقول من كان على دين: أنظر إلى حجة من هو على خلافي لعلي أتبع ديني، وإنما يقال: أنظر إليها كي أزداد بصيرة بديني، فأقيم عليه. وكذلك قال قوم فرعون. فإياها عنوا بقيلهم: ( لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ) .

وقيل: إن اجتماعهم للميقات الذي اتعد للاجتماع فيه فرعون وموسى كان بالإسكندرية.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ قال: كانوا بالإسكندرية, قال: ويقال: بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة يومئذ, قال: وهربوا وأسلموا فرعون وهمت به, فقال: فخذها يا موسى, قال: فكان فرعون مما يلي الناس منه أنه كان لا يضع على الأرض شيئا, قال: فأحدث يومئذ تحته, قال: وكان إرساله الحية في القبة الحمراء.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ( 41 ) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( 42 ) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ( 43 ) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ( 44 )

يقول تعالى ذكره: ( فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ ) فرعون لوعد لموسى وموعد فرعون ( قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا ) سحرنا قبلك ( إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ) مُوسَى ، ( قال ) فرعون لهم ( نَعَمْ ) لكم الأجر على ذلك ( وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) منا. فقالوا عند ذلك لموسى: إما أن تلقي, وإما أن نكون نحن الملقين, وترك ذكر قيلهم ذلك لدلالة خبر الله عنهم أنهم قال لهم موسى: ألقوا ما أنتم ملقون, على أن ذلك معناه ف ( قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ) من حبالكم وعصيكم. ( فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ) من أيديهم ( وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ ) يقول: أقسموا بقوّة فرعون وشدّة سلطانه, ومنعة مملكته ( إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ) موسى.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ( 45 ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( 46 ) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( 47 ) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ( 48 ) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ( 49 )

يقول تعالى ذكره: ( فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ ) حين ألقت السحرة حبالهم وعصيهم. ( فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ) يقول: فإذا عصا موسى تزدرد ما يأتون به من الفرية والسحر الذي لا حقيقة له, وإنما هو مخاييل وخدعة. ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ) يقول: فلما تبين السحرة أن الذي جاءهم به موسى حق لا سحر, وأنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السموات والأرض من غير أصل, خرّوا لوجوههم سجدا لله, مذعنين له بالطاعة, مقرّين لموسى بالذي أتاهم به من عند الله أنه هو الحقّ, وأن ما كانوا يعملونه من السحر باطل, قائلين: ( آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) الذي دعانا موسى إلى عبادته دون فرعون وملئه. ( رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه: قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا: آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به. ( إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ) يقول: إن موسى لرئيسكم في السحر, وهو الذي علَّمكموه, ولذلك آمنتم به. ( فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) عند عقابي إياكم وبال ما فعلتم, وخطأ ما صنعتم من الإيمان به.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ( 50 )

يقول لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل, وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى, ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى, ونحو ذلك من قطع اليد من جانب, ثم الرجل من الجانب الآخر, وذلك هو القطع من خلاف وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مُسْتَبْقٍ منهم أحدا. ( قَالُوا لا ضَيْرَ ) يقول تعالى ذكره: قالت السحرة: لا ضير علينا; وهو مصدر من قول القائل: قد ضار فلانٌ فلانا فهو يضير ضيرا, ومعناه: لا ضرر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( لا ضَيْرَ ) قال: يقول: لا يضرنا الذي تقول, وإن صنعته بنا وصلبتنا. ( إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ) يقول: إنا إلى ربنا راجعون, وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا, وثباتنا على توحيده, والبراءة من الكفر به.

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ( 51 ) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ( 52 )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة: إنا نطمع: إنا نرجو أن يصفع لنا ربنا عن خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به, فلا يعاقبنا بها.

كما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا ) قال: السحر والكفر الذي كانوا فيه. ( أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: لأن كنا أوّل من آمن بموسى وصدقه بما جاء به من توحيد الله وتكذيب فرعون في ادعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رأوها.

وقوله: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ) يقول: وأوحينا إلى موسى إذ تمادى فرعون في غيه وأبى إلا الثبات على طغيانه بعد ما أريناه آياتنا, أن أسر بعبادي: يقول: أن سر ببني إسرائيل ليلا من أرض مصر. ( إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ) إن فرعون وجنده متبعوك وقومك من بني إسرائيل, ليحولوا بينكم وبين الخروج من أرضهم, أرض مصر.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( 53 ) إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ( 54 ) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ( 55 ) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ( 56 )

يقول تعالى ذكره: فأرسل فرعون في المدائن يحشر له جنده وقومه ويقول لهم ( إِنَّ هَؤُلاءِ ) يعني بهؤلاء: بني إسرائيل ( لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) يعني بالشرذمة: الطائفة والعصبة الباقية من عصب جبيرة, وشرذمة كل شيء: بقيته القليلة; ومنه قول الراجز:

جَــاءَ الشِّــتَاءُ وقَمِيصِـي أخْـلاقْ شَــرَاذِمٌ يَضْحَــكُ مِنْــهُ التَّـوَّاقْ

وقيل: قليلون, لأن كل جماعة منهم كان يلزمها معنى القلة; فلما جمع جمع جماعاتهم قيل: قليلون, كما قال الكُمَيت:

فَــرَدَّ قَــوَاصِيَ الأحْيَــاء مِنْهُـمْ فَقَــدْ صَــارُوا كَحَــيّ وَاحدينـا

وذكر أن الجماعة التي سماها فرعون شرذمة قليلين, كانوا ستّ مئة ألف وسبعين ألفا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي عبيدة: ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) , قال: كانوا ستّ مئة وسبعين ألفا.

قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أبي عُبيدة, عن عبد الله, قال: الشرذمة: ستّ مئة ألف وسبعون ألفا.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد, قال: اجتمع يعقوب وولده إلى يوسف, وهم اثنان وسبعون, وخرجوا مع موسى وهم ستّ مئة ألف, فقال فرعون ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) , وخرج فرعون على فرس أدهم حصان على لون فرسه في عسكره ثمان مئة ألف.

حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, عن سعيد الجريري, عن أبي السليل, عن قيس بن عباد, قال: وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بني إسرائيل, قال: فحدثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ستّ مئة ألف, قال: وكان مقدمة فرعون سبعة مئة ألف, كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة, وفي يده حربة, وهو خلفهم في الدهم. فلما انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر, قالت بنو إسرائيل. يا موسى أين ما وعدتنا, هذا البحر بين أيدينا, وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا, فقال موسى للبحر: انفلق أبا خالد, قال: لا لن أنفلق لك يا موسى, أنا أقدم منك خلقا; قال: فنودي أن اضرب بعصاك البحر, فضربه, فانفلق البحر, وكانوا اثني عشر سبطا. قال الجريري. فأحسبه قال: إنه كان لكل سبط طريق, قال: فلما انتهى أول جنود فرعون إلى البحر, هابت الخيل اللهب; قال: ومثل لحصان منها فرس وديق, فوجد ريحها فاشتدّ, فاتبعه الخيل; قال: فلما تتام آخر جنود فرعون في البحر, وخرج آخر بني إسرائيل, أمر البحر فانصفق عليهم, فقالت بنو إسرائيل: ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا, فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام, قال: فرمى به على الساحل, كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل.

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) يعني بني إسرائيل.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) قال: هم يومئذ ستّ مئة ألف, ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ قال: أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل, كل أربعة أبيات في بيت, ثم اذبحوا أولاد الضأن, فاضربوا بدمائها على الأبواب, فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتا على بابه دم, وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم, ثم اخبزوا خبزا فطيرا, فإنه أسرع لكم, ثم أسر بعبادي حتى تنتهي للبحر, فيأتيك أمري, ففعل; فلما أصبحوا قال فرعون: هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا, فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مسوّر, مع كل ملك ألف رجل, وخرج فرعون في الكرش العظمى, وقال ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) قال: قطعة, وكانوا ستّ مئة ألف, مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلى أربعين.

قال: ثني حجاج, عن أبي بكر بن حوشب, عن ابن عباس, قال: كان مع فرعون يومئذ ألف جبار, كلهم عليه تاج, وكلهم أمير على خيل.

قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: كانوا ثلاثين ملكا ساقة خلف فرعون يحسبون أنهم معهم وجبرائيل أمامهم, يرد أوائل الخيل على أواخرها, فأتبعهم حتى انتهى إلى البحر, وقوله: ( وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ) يقول: وإن هؤلاء الشرذمة لنا لغائظون, فذكر أن غيظهم إياهم كان قتل الملائكة من قتلت من أبكارهم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ) يقول: بقتلهم أبكارنا من أنفسنا وأموالنا. وقد يحتمل أن يكون معناه: وإنهم لنا لغائظون بذهابهم منهم بالعواريّ التي كانوا استعاروها منهم من الحليّ, ويحتمل أن يكون ذلك بفراقهم إياهم, وخروجهم من أرضهم بكره لهم لذلك.

وقوله ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) بمعنى: أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوّة وسلاح. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة: « وأنا لجميع حذرون » بغير ألف. وكان الفرّاء يقول: كأن الحاذر الذي يحذرك الآن, وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه إلا حذرا; ومن الحذر قول ابن أحمر:

هَــلْ أُنسَــأَنْ يَوْمـا إلـى غَـيْرِهِ إنِّـــي حَــوَالِيٌّ وآنّــي حَــذِر

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ, فمصيب الصواب فيه.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, قال: سمعت الأسود بن زيد يقرأ: ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) قال: مقوون مؤدون.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا عيسى بن عبيد, عن أيوب, عن أبي العرجاء, عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرأ: ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) يقول: مؤدون.

حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ في قوله: ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) يقول: حذرنا, قال: جمعنا أمرنا.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) قال: مؤدون معدون في السلاح والكراع.

ثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج أبو معشر, عن محمد بن قيس قال: كان مع فرعون ست مئة ألف حصان أدهم سوى ألوان الخيل.

حدثنا عمرو بن عليّ, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا سليمان بن معاذ الضبي, عن عاصم بن بهدلة, عن أبي رزين, عن ابن عباس أنه قرأها: ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) قال: مؤدون مقوون.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 57 ) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( 58 ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ( 59 ) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ( 60 )

يقول تعالى ذكره: فأخرجنا فرعون وقومه من بساتين وعيون ماء, وكنوز ذهب وفضة, ومقام كريم. قيل: إن ذلك المقام الكريم: المنابر. وقوله ( كذلك ) يقول: هكذا أخرجناهم من ذلك كما وصفت لكم في هذه الآية والتي قبلها. ( وأورثناها ) يقول: وأورثنا تلك الجنات التي أخرجناهم منها والعيون والكنوز والمقام الكريم عنهم بهلاكهم بني إسرائيل.وقوله: ( فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ) فأتبع فرعون وأصحابه بني إسرائيل, مشرقين حين أشرقت الشمس, وقيل حين أصبحوا.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثني أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ) قال: خرج موسى ليلا فكسف القمر وأظلمت الأرض, وقال أصحابه: إن يوسف أخبرنا أنا سننجَى من فرعون, وأخذ علينا العهد لنخرجنّ بعظامه معنا, فخرج موسى ليلته يسأل عن قبره, فوجد عجوزا بيتها على قبره, فأخرجته له بحكمها, وكان حكمها أو كلمة تشبه هذا, أن قالت: احملني فأخرجني معك, فجعل عظام يوسف في كسائه, ثم حمل العجوز على كسائه, فجعله على رقبته, وخيل فرعون هي ملء أعنتها حضرا في أعينهم, ولا تبرح, حبست عن موسى وأصحابه حتى تواروا.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ) قال: فرعون وأصحابه, وخيل فرعون في ملء أعنتها في رأي عيونهم, ولا تبرح, حبست عن موسى وأصحابه حتى تواروا.