القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: والذين يتوفون منكم، من الرجال، أيها الناس, فيموتون، ويذرون أزواجا، يتربص أزواجهن بأنفسهن.

فإن قال قائل: فأين الخبر عن « الذين يتوفون » ؟

قيل: متروك، لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم, وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهن, فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات، إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة, إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام. وهو نظير قول القائل في الكلام: « بعض جبتك متخرقة » ، في ترك الخبر عما ابتدئ به الكلام، إلى الخبر عن بعض أسبابه. وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص، لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن، صرف الكلام عن خبر من ابتدئ بذكره، إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه, كما قال الشاعر:

لعـلي إن مـالت بـي الـرٌيح ميلـة عــلى ابـن أبـي ذبـان أن يتندمـا

فقال « لعلي » , ثم قال: « أن يتندما » , لأن معنى الكلام: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم، إن مالت بي الريح ميلة عليه فرجع بالخبر إلى الذي أراد به, وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره. ومنه قول الشاعر:

ألــم تعلمــوا أن ابـن قيس وقتلـه بغـــير دم, دار المذلــة حــلت

فألغى « ابن قيس » وقد ابتدأ بذكره، وأخبر عن قتله أنه ذل.

وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر « الذين يتوفون » متروك, وأن معنى الكلام: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم. وزعم أنه لم يذكر « موتهم » ، كما يحذف بعض الكلام- وأن « يتربصن » رفع، إذ وقع موقع « ينبغي » , و « ينبغي » رفع. وقد دللنا على فساد قول من قال في رفع « يتربصن » بوقوعه موقع « ينبغي » فيما مضى, فأغنى عن إعادته.

وقال آخر منهم: إنما لم يذكر « الذين » بشيء, لأنه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء: « من يلقك منا تصب خيرا » الذي يلقاك منا تصيب خيرا. قال: ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء.

قال أبو جعفر: وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا.

قال أبوجعفر: وأما قوله: « يتربصن بأنفسهن » ، فإنه يعني به: يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج، والطيب، والزينة، والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن- أربعة أشهر وعشرا، إلا أن يكن حوامل, فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن. فإذا وضعن حملهن، انقضت عددهن حينئذ.

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:

فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه:

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا » ، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب في قول الله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا » ، قال ابن شهاب: جعل الله هذه العدة للمتوفى عنها زوجها, فإن كانت حاملا فيحلها من عدتها أن تضع حملها, وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشرة فما استأخر, لا يحلها إلا أن تضع حملها.

قال أبو جعفر: وإنما قلنا: عنى ب « التربص » ما وصفنا، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بما: -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وأبو أسامة, عن شعبة وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة ، عن حميد بن نافع قال: سمعت زينب ابنة أم سلمة تحدث قال أبو كريب: قال أبو أسامة: عن أم سلمة أن امرأة توفى عنها زوجها واشتكت عينها, فأتت النبي صلي الله عليه وسلم تستفتيه في الكحل, فقال: لقد كانت إحداكن تكون في الجاهلية في شر أحلاسها، فتمكث في بيتها حولا إذا توفي عنها زوجها, فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة! أفلا أربعة أشهر وعشرا « ! »

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد قال، سمعت نافعا, عن صفية ابنة أبي عبيد: أنها سمعت حفصة ابنة عمر زوج النبي صلي الله عليه وسلم تحدث، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث، إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا « قال يحيى: والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران، ولا تكتحل، ولا تزين. »

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا يحيى, عن نافع, عن صفية ابنة أبي عبيد, عن حفصة ابنة عمر: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول، أخبرني حميد بن نافع: أن زينب ابنة أم سلمة أخبرته، عن أم سلمة - أو أم حبيبة- زوج النبي صلي الله عليه وسلم: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم, فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها, وأنها قد خافت على عينها فزعم حميد عن زينب: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول, وإنما هي أربعة أشهر وعشر. .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا يحيى بن سعيد , عن حميد بن نافع: أنه سمع زينب ابنة أم سلمة، تحدث عن أم حبيبة أو أم سلمة أنها ذكرت: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم قد توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، وهي تريد أن تكحل عينها, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة بعد الحول, وإنما هي أربعة أشهر وعشر قال ابن بشار، قال يزيد, قال يحيى: فسألت حميدا عن رميها بالبعرة، قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها، عمدت إلى شر بيتها فقعدت فيه حولا فإذا مرت بها سنة ألقت بعرة وراءها.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا شعبة, عن يحيى, عن حميد بن نافع بهذا الإسناد مثله

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا ابن عيينة, عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد, عن حميد بن نافع, عن زينب ابنة أم سلمة, عن أم سلمة: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها, أفتكتحل؟ فقال، قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول, وإنما هي الآن أربعة أشهر وعشر! قال، قلت: وما « ترمي بالبعرة على رأس الحول » ؟ قال: كان نساء الجاهلية إذا مات زوج إحداهن، لبست أطمار ثيابها، وجلست في أخس بيوتها, فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار وقالت: قد حللت!

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا زهير بن معاوية قال، حدثنا يحيى بن سعيد, عن حميد بن نافع، عن زينب ابنة أم سلمة, عن أمها أم سلمة وأم حبيبة زوجي النبي صلي الله عليه وسلم: أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها, وقد خفت على عينها, وهي تريد الكحل؟ قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول! وإنما هي أربعة أشهر وعشر! قال حميد: فقلت لزينب: وما رأس الحول؟ قالت زينب: كانت المرأة في الجاهلية إذا هلك زوجها، عمدت إلى أشر بيت لها فجلست فيه، حتى إذا مرت بها سنة خرجت, ثم رمت ببعرة وراءها.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك, عن معمر, عن الزهري, عن عروة عن عائشة: أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها، أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها, ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا معصفرا, ولا تكتحل بالإثمد, ولا بكحل فيه طيب وإن وجعت عينها, ولكن تكتحل بالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد مما ليس فيه طيب, ولا تلبس حليا، وتلبس البياض ولا تلبس السواد.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن موسى بن عقبة, عن نافع, عن ابن عمر في المتوفى عنها زوجها: لا تكتحل, ولا تطيب, ولا تبيت عن بيتها, ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب تجلبب به.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا ابن جريج, عن عطاء قال: بلغني عن ابن عباس قال: تنهى المتوفى عنها زوجها أن تزين وتطيب.

حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر قال: إن المتوفى عنها زوجها لا تلبس ثوبا مصبوغا, ولا تمس طيبا, ولا تكتحل, ولا تمتشط وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد.

وقال آخرون: إنما أمرت المتوفى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الأزواج خاصة, فأما عن الطيب والزينة والمبيت عن المنـزل، فلم تنه عن ذلك, ولم تؤمر بالتربص بنفسها عنه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس, عن الحسن: أنه كان يرخص في التزين والتصنع, ولا يرى الإحداد شيئا.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا » ، لم يقل تعتد في بيتها, تعتد حيث شاءت.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسماعيل قال، حدثنا ابن جريج, عن عطاء قال، قال ابن عباس: إنما قال الله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا » ، ولم يقل تعتد في بيتها, فلتعتد حيث شاءت.

واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره، إنما أمر المتوفى عنها بالتربص عن النكاح، وجعلوا حكم الآية على الخصوص وبما: -

حدثني به محمد بن إبراهيم السلمي قال، حدثنا أبو عاصم, وحدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا أبو عامر قالا جميعا، حدثنا محمد بن طلحة, عن الحكم بن عتيبة, عن عبد الله بن شداد بن الهاد, عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: تسلبي ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم وابن الصلت, عن محمد بن طلحة, عن الحكم بن عتيبة, عن عبد الله بن شداد, عن أسماء عن النبي صلي الله عليه وسلم بمثله.

قالوا: فقد بين هذا الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم: أن لا إحداد على المتوفى عنها زوحها, وأن القول في تأويل قوله: « يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا » ، إنما هو يتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غيره.

قال أبو جعفر: وأما الذين أوجبوا الإحداد على المتوفى عنها زوجها, وترك النقلة عن منـزلها الذي كانت تسكنه يوم توفي عنها زوجها, فإنهم اعتلوا بظاهر التنـزيل، وقالوا: أمر الله المتوفى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا, فلم يأمرها بالتربص بشيء مسمى في التنـزيل بعينه, بل عم بذلك معاني التربص. قالوا: فالواجب عليها أن تربص بنفسها عن كل شيء, إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسليم لها. قالوا: فالتربص عن الطيب والزينة والنقلة، مما هو داخل في عموم الآية، كما التربص عن الأزواج داخل فيها. قالوا: وقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الخبر بالذي قلنا في الزينة والطيب، أما في النقلة فإن: -

أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن محمد, عن فليح بن سليمان, عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته، عن الفريعة ابنة مالك، أخت أبي سعيد الخدري، قالت: قتل زوجي وأنا في دار, فاستأذنت رسول الله صلي الله عليه وسلم في النقلة, فأذن لي. ثم ناداني بعد أن توليت, فرجعت إليه, فقال: يا فريعة، حتى يبلغ الكتاب أجله.

قالوا: فبين رسول الله صلي الله عليه وسلم صحة ما قلنا في معنى تربص المتوفى عنها زوجها، [ وبطل ] ما خالفه. قالوا: وأما ما روي عن ابن عباس: فإنه لا معنى له، بخروجه عن ظاهر التنـزيل والثابت من الخبر عن الرسول صلي الله عليه وسلم.

قالوا: وأما الخبر الذي روي عن أسماء ابنة عميس، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من أمره إياها بالتسلب ثلاثا, ثم أن تصنع ما بدا لها - فإنه غير دال على أن لا حداد على المرأة، بل إنما دل على أمر النبي صلي الله عليه وسلم إياها بالتسلب ثلاثا, ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه، مما لم يكن زينة ولا مطيبا، لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب، وذلك كالذي أذن صلي الله عليه وسلم للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن, فإن ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلب. وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صبغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه, فإن لها لبسه, لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس.

قال أبوجعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: « يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا » ، ولم يقل: وعشرة؟ وإذ كان التنـزيل كذلك: أفبالليالي تعتد المتوفى عنها العشر، أم بالأيام؟

قيل: بل تعتد بالأيام بلياليها.

فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك، فكيف قيل: « وعشرا » ؟ ولم يقل: وعشرة؟ والعشر بغير « الهاء » من عدد الليالي دون الأيام؟ فإن أجاز ذلك المعنى فيه ما قلت، فهل تجيز: « عندي عشر » ، وأنت تريد عشرة من رجال ونساء؟

قلت: ذلك جائز في عدد الليالي والأيام, وغير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال النساء. وذلك أن العرب في الأيام والليالي خاصة، إذا أبهمت العدد، غلبت فيه الليالي, حتى إنهم فيما روي لنا عنهم ليقولون: « صمنا عشرا من شهر رمضان » ، لتغليبهم الليالي على الأيام. وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك بالليالي دون الأيام. فإذا أظهروا مع العدد مفسره،

أسقطوا من عدد المؤنث « الهاء » , وأثبتوها في عدد المذكر, كما قال تعالى ذكره: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [ سورة الحاقة: 7 ] ، فأسقط « الهاء » من « سبع » وأثبتها في « الثمانية » .

وأما بنو آدم, فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء، ثم أبهمت عددها: أن تخرجه على عدد الذكران دون الإناث. وذلك أن الذكران من بني آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم, وليس كذلك سائر الأشياء غيرهم. وذلك أن الذكور من غيرهم ربما وسم بسمة الأنثى, كما قيل للذكر والأنثى « شاة » , وقيل للذكور والإناث من البقر: « بقر » , وليس كذلك في بني آدم.

فإن قال: فما معنى زيادة هذه العشرة الأيام على الأشهر؟

قيل: قد قيل في ذلك، فيما: -

حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا » ، قال: قلت: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنه ينفخ فيه الروح في العشر.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو عاصم, عن سعيد, عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الروح.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإذا بلغن الأجل الذي أبيح لهن فيه ما كان حظر عليهن في عددهن من وفاة أزواجهن- وذلك بعد انقضاء عددهن , ومضي الأشهر الأربعة والأيام العشرة « فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف » ، يقول: فلا حرج عليكم أيها الأولياء - أولياء المرأة- فيما فعل المتوفى عنهن حينئذ في أنفسهن، من تطيب وتزين ونقله من المسكن الذي كن يعتددن فيه، ونكاح من يجوز لهن نكاحه « بالمعروف » ، يعني بذلك: على ما أذن الله لهن فيه وأباحه لهن. .

وقد قيل: إنما عنى بذلك النكاح خاصة. وقيل إن معنى قوله: « بالمعروف » إنما هو النكاح الحلال.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف » ، قال: الحلال الطيب.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد: « فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف » ، قال: المعروف النكاح الحلال الطيب.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال ابن جريج, قال مجاهد: قوله: « فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف » ، قال: هو النكاح الحلال الطيب.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: هو النكاح.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب: « فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف » ، قال: في نكاح من هويته، إذا كان معروفا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 234 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: « والله بما تعملون » ، أيها الأولياء، في أمر من أنتم وليه من نسائكم، من عضلهن وإنكاحهن ممن أردن نكاحه بالمعروف, ولغير ذلك من أموركم وأمورهم, « خبير » ، يعني ذو خبرة وعلم, لا يخفى عليه منه شيء.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولا جناح عليكم، أيها الرجال، فيما عرضتم به من خطبة النساء، للنساء المعتدات من وفاة أزواجهن في عددهن, ولم تصرحوا بعقد نكاح.

والتعريض الذي أبيح في ذلك, هو ما: -

حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد، عن ابن عباس قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: التعريض أن يقول: « إني أريد التزويج » , و « إني لأحب امرأة من أمرها وأمرها » , يعرض لها بالقول بالمعروف.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس: « لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: « إني أريد أن أتزوج » .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد: عن ابن عباس قال: التعريض ما لم ينصب للخطبة، قال مجاهد: قال رجل لامرأة في جنازة زوجها: لا تسبقيني بنفسك! قالت: قد سبقت!

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس قال: في هذه الآية: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: التعريض، ما لم ينصب للخطبة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس: « فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: التعريض أن يقول للمرأة في عدتها: « إني لا أريد أن أتزوج غيرك إن شاء الله » , و « لوددت أني وجدت امرأة صالحة » , ولا ينصب لها ما دامت في عدتها.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، يقول: يعرض لها في عدتها, يقول لها: « إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك, ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك » ، ونحو هذا من الكلام، فلا حرج.

حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: هو أن يقول لها في عدتها: « إني أريد التزويج, ووددت أن الله رزقني امرأة » ، ونحو هذا, ولا ينصب للخطبة.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ابن عون , عن محمد, عن عبيدة في هذه الآية, قال: يذكرها إلى وليها، يقول: « لا تسبقني بها » .

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ليث, عن مجاهد في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: يقول: « إنك لجميلة, وإنك لنافقة, وإنك إلى خير » .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان , عن ليث, عن مجاهد أنه كره أن يقول: « لا تسبقيني بنفسك » .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قل: هو قول الرجل للمرأة: « إنك لجميلة، وإنك لنافقة، وإنك إلى خير » .

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: يعرض للمرأة في عدتها فيقول: والله إنك لجميلة, وإن النساء لمن حاجتي, وإنك إلى خير إن شاء الله « . »

حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا شعبة, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير قال: هو قول الرجل: « إني أريد أن أتزوج, وإني إن تزوجت أحسنت إلى امرأتي » , هذا التعريض.

حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا شعبة, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: يقول: « لأعطينك, لأحسنن إليك, لأفعلن بك كذا وكذا. »

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد قال، أخبرني عبد الرحمن بن القاسم في قوله: « فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: قول الرجل للمرأة في عدتها يعرض بالخطبة: « والله إني فيك لراغب, وإني عليك لحريص » , ونحو هذا.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم بن محمد يقول: « فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، هو قول الرجل للمرأة: « إنك لجميلة, وإنك لنافقة, وإنك إلى خير » .

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: كيف يقول الخاطب؟ قال: يعرض تعريضا، ولا يبوح بشيء. يقول: « إن لي حاجة، وأبشري, وأنت بحمد الله نافقة » , ولا يبوح بشيء. قال عطاء: وتقول هي: « قد أسمع ما تقول » ، ولا تعده شيئا, ولا تقول: « لعل ذاك » .

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن يحيى بن سعيد قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم يقول في المرأة يتوفى عنها زوجها, والرجل يريد خطبتها ويريد كلامها، ما الذي يجمل به من القول؟ قال يقول: « إني فيك لراغب, وإني عليك لحريص, وإني بك لمعجب » , وأشباه هذا من القول.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيم في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: لا بأس بالهدية في تعريض النكاح.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة قال: كان إبراهيم لا يرى بأسا أن يهدي لها في العدة، إذا كانت من شأنه.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن عامر في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال يقول: « إنك لنافقة, وإنك لمعجبة, وإنك لجميلة » وإن قضى الله شيئا كان « . »

حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: كان إبراهيم النخعي يقول: « إنك لمعجبة, وإني فيك لراغب » .

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، وأخبرني - يعني شبيبا- عن سعيد, عن شعبة, عن منصور, عن الشعبي أنه قال في هذه الآية: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: لا تأخذ ميثاقها ألا تنكح غيرك.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: كان أبي يقول: كل شيء كان، دون أن يعزما عقدة النكاح, فهو كما قال الله تعالى ذكره: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران وحدثني علي قال حدثنا زيد جميعا, عن سفيان قوله: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، والتعريض فيما سمعنا أن يقول الرجل وهي في عدتها: « إنك لجميلة, إنك إلى خير, إنك لنافقة, إنك لتعجبيني » , ونحو هذا, فهذا التعريض.

حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن عبد الرحمن بن سليمان, عن خالته سكينة ابنة حنظلة بن عبد الله بن حنظلة قالت: دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي, فقال: يا ابنة حنظلة، أنا من علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحق جدي علي، وقدمي في الإسلام. فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، أتخطبني في عدتي, وأنت يؤخذ عنك! فقال: أو قد فعلت! إنما أخبرك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي! قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة، وكانت عند ابن عمها أبي سلمة, فتوفي عنها, فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر لها منـزلته من الله وهو متحامل على يده، حتى أثر الحصير في يده من شده تحامله على يده, فما كانت تلك خطبة.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » ، قال: لا جناح على من عرض لهن بالخطبة قبل أن يحللن، إذا كنوا في أنفسهن من ذلك.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أييه أنه كان يقول في قول الله تعالى ذكره: « ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء » : أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدة من وفاة زوجها: « إنك علي لكريمة, وإني فيك لراغب, وإن الله سائق إليك خيرا ورزقا » , ونحو هذا من الكلام.

قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في معنى « الخطبة » .

فقال بعضهم: « الخطبة » الذكر, و « الخطبة » : التشهد.

وكأن قائل هذا القول، تأول الكلام: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من ذكر النساء عندهن. وقد زعم صاحب هذا القول أنه قال: لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا , لأنه لما قال: « ولا جناح عليكم » , كأنه قال: اذكروهن, ولكن لا تواعدوهن سرا.

وقال آخرون منهم: « خطبه، خطبة وخطبا » . قال: وقول الله تعالى ذكره: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ [ سورة طه: 95 ] ، يقال إنه من هذا. قال: وأما « الخطبة » فهو المخطوب [ به ] ، من قولهم: « خطب على المنبر واختطب » .

قال أبو جعفر: « والخطبة » عندي هي « الفعلة » من قول القائل: « خطبت فلانة » ك « الجلسة » ، من قوله: « جلس » أو « القعدة » من قوله « قعد » .

ومعنى قولهم: « خطب فلان فلانة » ، سألها خطبه إليها في نفسها, وذلك حاجته, من قولهم: « ما خطبك » ؟ بمعنى: ما حاجتك، وما أمرك؟

وأما « التعريض » ، فهو ما كان من لحن الكلام الذي يفهم به السامع الفهم ما يفهم بصريحه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « أو أكننتم في أنفسكم » ، أو أخفيتم في أنفسكم, فأسررتموه، من خطبتهن، وعزم نكاحهن وهن في عددهن, فلا جناح عليكم أيضا في ذلك، إذا لم تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله.

يقال منه: « أكن فلان هذا الأمر في نفسه, فهو يكنه إكنانا » ، و « كنه » ، إذا ستره، « يكنه كنا وكنونا » , و « جلس في الكن » ولم يسمع « كننته في نفسي » ، وإنما يقال: « كننته في البيت أو في الأرض » ، إذا خبأته فيه, ومنه قوله تعالى ذكره: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [ سورة الصافات: 49 ] ، أي مخبوء, ومنه قول الشاعر:

ثــلاث مــن ثــلاث قداميــات مــن اللائـي تكـن مـن الصقيـع

و « تكن » بالتاء، وهو أجود، و « يكن » . ويقال: « أكنته ثيابه من البرد » « وأكنه البيت من الريح » .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « أو أكننتم في أنفسكم » ، قال: الإكنان: ذكر خطبتها في نفسه، لا يبديه لها. هذا كله حل معروف.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين, حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد مثله.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: « أو أكننتم في أنفسكم » ، قال: أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء، ولا يتكلم بشيء.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم بن محمد يقول, فذكر نحوه.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « أو أكننتم في أنفسكم » ، قال: جعلت في نفسك نكاحها وأضمرت ذلك.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران وحدثني علي قال، حدثنا زيد جميعا, عن سفيان: « أو أكننتم في أنفسكم » ، أن يسر في نفسه أن يتزوجها.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا هوذة قال، حدثنا عوف, عن الحسن في قوله: « أو أكننتم في أنفسكم » ، قال: أسررتم.

قال أبو جعفر: وفي إباحة الله تعالى ذكره ما أباح من التعريض بنكاح المعتدة لها في حال عدتها وحظره التصريح، ما أبان عن افتراق حكم التعريض في كل معاني الكلام وحكم التصريح، منه. وإذا كان ذلك كذلك، تبين أن التعريض بالقذف غير التصريح به, وأن الحد بالتعريض بالقذف لو كان واجبا وجوبه بالتصريح به، لوجب من الجناح بالتعريض بالخطبة في العدة، نظير الذي يجب بعزم عقدة النكاح فيها. وفي تفريق الله تعالى ذكره بين حكميها في ذلك، الدلالة الواضحة على افتراق أحكام ذلك في القذف.

 

القول في تأويل قوله : عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: علم الله أنكم ستذكرون المعتدات في عددهن بالخطبة في أنفسكم وبألسنتكم، كما: -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن يزيد بن إبراهيم, عن الحسن: « علم الله أنكم ستذكرونهن » ، قال: الخطبة.

حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد في قوله: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ، قال: ذكرك إياها في نفسك. قال: فهو قول الله: « علم الله أنكم ستذكرونهن » .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة, عن يزيد بن إبراهيم, عن الحسن في قوله: « علم الله أنكم ستذكرونهن » ، قال: هي الخطبة.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى « السر » الذي نهى الله تعالى عباده عن مواعدة المعتدات به.

فقال بعضهم: هو الزنا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا همام, عن صالح الدهان, عن جابر بن زيد: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، قال: الزنا.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, عن أبي مجلز قوله: « ولكن لا تواعدوهن سرا » قال: الزنا.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا سليمان التيمي, عن أبي مجلز مثله.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز مثله.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان, عن أبي مجلز: « ولكن لا تواعدوهن سرا » قال: الزنا قيل لسفيان التيمي: ذكره؟ قال: نعم.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر, عن أبيه, عن رجل, عن الحسن في المواعدة مثل قولة أبي مجلز.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا يزيد بن إبراهيم, عن الحسن قال: الزنا.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا أشعث وعمران, عن الحسن مثله.

حدثنا ابن بشار قال حدثنا، عبد الرحمن ويحيى قالا حدثنا سفيان, عن السدي قال: سمعت إبراهيم يقول: « لا تواعدوهن سرا » قال: الزنا.

حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان, عن السدي, عن إبراهيم مثله.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: « لا تواعدوهن سرا » قال: الزنا.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة, عن يزيد بن إبراهيم, عن الحسن: « ولكن لا تواعدوهن سرا » قال: الزنا.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن قتادة, عن الحسن في قوله: « ولكن لا تواعدوهن سرا » قال: الفاحشة.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك وحدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جويبر عن الضحاك: « لا تواعدوهن سرا » ، قال: السر: الزنا.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: « لا تواعدوهن سرا » ، قال: فذلك السر: الريبة. كان الرجل يدخل من أجل الريبة وهو يعرض بالنكاح, فنهى الله عن ذلك إلا من قال معروفا.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا منصور, عن الحسن وجويبر, عن الضحاك وسليمان التيمي, عن أبي مجلز أنهم قالوا: الزنا.

حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، للفحش والخضع من القول.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة, عن الحسن: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، قال: هو الفاحشة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك لا تأخذوا ميثاقهن وعهودهن في عددهن أن لا ينكحن غيركم.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: « لا تواعدوهن سرا » ، يقول: لا تقل لها: « إني عاشق, وعاهديني أن لا تتزوجي غيري » , ونحو هذا.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير في قوله: « لا تواعدوهن سرا » ، قال: لا يقاضها على كذا وكذا أن لا تتزوج غيره.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل, عن جابر، عن عامر. ومجاهد وعكرمة قالوا: لا يأخذ ميثاقها في عدتها، أن لا تتزوج غيره.

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن منصور قال: ذكر في عن الشعبي أنه قال في هذه الآية: « لا تواعدوهن سرا » ، قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن الشعبي: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، قال: لا يأخذ ميثاقها في أن لا تتزوج غيره.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي قال: سمعته يقول في قوله: « لا تواعدوهن سرا » ، قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك, ولا يوجب العقدة حتى تنقضي العدة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن الشعبي: « لا تواعدوهن سرا » ، قال: لا يأخذ عليها ميثاقا أن لا تتزوج غيره.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « ولكن لا تواعدهن سرا » ، يقول: « أمسكي علي نفسك, فأنا أتزوج » ويأخذ عليها عهدا « لا تنكحي غيري » .

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، قال: هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تتزوج غيره, فنهى الله عن ذلك وقدم فيه، وأحل الخطبة والقول بالمعروف, ونهى عن الفاحشة والخضع من القول.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران, وحدثني علي قال، حدثنا زيد جميعا, عن سفيان: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، قال: إن تواعدها سرا على كذا وكذا، « على أن لا تنكحي غيري » .

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: « لا تواعدوهن سرا » ، قال: موعدة السر أن يأخذ عليها عهدا وميثاقا أن تحبس نفسها عليه, ولا تنكح غيره.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يقول لها الرجل: « لا تسبقيني بنفسك » .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن أبن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، قال: قول الرجل للمرأة: « لا تفوتيني بنفسك, فإني ناكحك » ، هذا لا يحل.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن أبن أبي نجيح, عن مجاهد قال: هو قول الرجل للمرأة: « لا تفوتيني » .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، قال: المواعدة أن يقول: « لا تفوتيني بنفسك » .

حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، أن يقول: « لا تفوتيني بنفسك » .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تنكحوهن في عدتهن سرا.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « ولكن لا تواعدوهن سرا » يقول: لا تنكحوهن سرا, ثم تمسكها، حتى إذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « ولكن تواعدوهن سرا » ، قال: كان أبي يقول: لا تواعدوهن سرا, ثم تمسكها, وقد ملكت عقدة نكاحها, فإذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك, تأويل من قال: « السر » ، في هذا الموضع، الزنا. وذلك أن العرب تسمي الجماع وغشيان الرجل المرأة « سرا » , لأن ذلك مما يكون بين الرجال والنساء في خفاء غير ظاهر مطلع عليه, فيسمى لخفائه « سرا » ، من ذلك قوله رؤبة بن العجاج:

فعـف عـن أسـرارها بعـد العسـق ولــم يضعهـا بيـن فـرك وعشـق

يعني بذلك: عف عن غشيانها بعد طول ملازمته ذلك، ومنه قول الحطيئة:

ويحــرم ســر جــارتهم عليهـم ويــأكل جــارهم أنـف القصـاع

وكذلك يقال لكل ما أخفاه المرء في نفسه: « سرا » . ويقال: « هو في سر قومه » , يعني: في خيارهم وشرفهم.

فلما كان « السر » إنما يوجه في كلامها إلى أحد هذه الأوجه الثلاثة, وكان معلوما أن أحدهن غير معني به قوله: « ولكن لا تواعدوهن سرا » ، وهو السر الذي هو معنى الخيار والشرف فلم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو « السر » الذي بمعنى ما أخفته نفس المواعد بين المتواعدين، « والسر » الذي بمعنى الغشيان والجماع.

فلما لم يبق غيرهما, وكانت الدلالة واضحة على أن أحدهما غير معني به، صح أن الآخر هو المعني به.

فإن قال [ قائل ] : فما الدلالة على أن مواعدة القول سرا، غير معني به على ما قال من قال إن معنى ذلك: أخذ الرجل ميثاق المرأة أن لا تنكح غيره, أو على ما قال من قال: قول الرجل لها: « لا تسبقيني بنفسك » ؟

قيل: لأن « السر » إذا كان بالمعنى الذي تأوله قائلو ذلك, فلن يخلو ذلك « السر » من أن يكون هو مواعدة الرجل المرأة ومسألته إياها أن لا تنكح غيره أو يكون هو النكاح الذي سألها أن تجيبه إليه، بعد انقضاء عدتها، وبعد عقده له، دون الناس غيره. فإن كان « السر » الذي نهى الله الرجل أن يواعد المعتدات، هو أخذ العهد عليهن أن لا ينكحن غيره, فقد بطل أن يكون « السر » معناه: ما أخفى من الأمور في النفوس, أو نطق به فلم يطلع عليه, وصارت العلانية من الأمر سرا. وذلك خلاف المعقول في لغة من نـزل القرآن بلسانه.

إلا أن يقول قائل هذه المقالة: إنما نهى الله الرجال عن مواعدتهن ذلك سرا بينهم وبينهن, لا أن نفس الكلام بذلك - وإن كان قد أعلن- سر.

فيقال له إن قال ذلك: فقد يجب أن تكون جائزة مواعدتهن النكاح والخطبة صريحا علانية, إذ كان المنهي عنه من المواعدة، إنما هو ما كان منها سرا.

فإن قال: إن ذلك كذلك، خرج من قول جميع الأمة. على أن ذلك ليس من قيل أحد ممن تأول الآية أن « السر » ها هنا بمعنى المعاهدة أن لا تنكح غير المعاهد.

وإن قال: ذلك غير جائز.

قيل له: فقد بطل أن يكون معنى ذلك: إسرار الرجل إلى المرأة بالمواعدة. لأن معنى ذلك، لو كان كذلك، لم يحرم عليه مواعدتها مجاهرة وعلانية. وفي كون ذلك عليه محرما سرا وعلانية، ما أبان أن معنى « السر » في هذا الموضع، غير معنى إسرار الرجل إلى المرأة بالمعاهدة أن لا تنكح غيره إذا انقضت عدتها أو يكون، إذا بطل هذا الوجه، معنى ذلك: الخطبة والنكاح الذي وعدت المرأة الرجل أن لا تعدوه إلى غيره. فذلك إذا كان, فإنما يكون بولي وشهود علانية غير سر. وكيف يجوز أن يسمى سرا، وهو علانية لا يجوز إسراره؟

وفي بطول هذه الأوجه أن يكون تأويلا لقوله: « ولكن لا تواعدوهن سرا » بما عليه دللنا من الأدلة، وضوح صحة تأويل ذلك أنه بمعنى الغشيان والجماع.

وإذ كان ذلك صحيحا, فتأويل الآية: ولا جناح عليكم، أيها الناس، فيما عرضتم به للمعتدات من وفاة أزوجهن، من خطبة النساء، وذلك حاجتكم إليهن, فلم تصرحوا لهن بالنكاح والحاجة إليهن، إذا أكننتم في أنفسكم, فأسررتم حاجتكم إليهن وخطبتكم إياهن في أنفسكم، ما دمن في عددهن؛ علم الله أنكم ستذكرون خطبتهن وهن في عددهن، فأباح لكم التعريض بذلك لهن, وأسقط الحرج عما أضمرته نفوسكم - حكم منه ولكن حرم عليكم أن تواعدوهن جماعا في عددهن, بأن يقول أحدكم لإحداهن في عدتها: « قد تزوجتك في نفسي, وإنما أنتظر انقضاء عدتك » , فيسألها بذلك القول إمكانه من نفسها الجماع والمباضعة, فحرم الله تعالى ذكره ذلك.

 

القول في تأويل قوله : إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا

قال أبو جعفر: ثم قال تعالى ذكره: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، فاستثنى القول المعروف مما نهى عنه, من مواعدة الرجل المرأة السر, وهو من غير جنسه، ولكنه من الاستثناء الذي قد ذكرت قبل: أن يأتي بمعنى خلاف الذي قبله في الصفة خاصة, وتكون « إلا » فيه بمعنى « لكن » ، فقوله: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » منه- ومعناه: ولكن قولوا قولا معروفا. فأباح الله تعالى ذكره أن يقول لها المعروف من القول في عدتها، وذلك هو ما أذن له بقوله: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ، كما: -

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، قال: يقول: إني فيك لراغب, وإني لأرجو أن نجتمع.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، قال: هو قوله: « إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك » .

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، قال: يعني التعريض.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، قال: يعني التعريض.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ إلى حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، قال: هو الرجل يدخل على المرأة وهي في عدتها فيقول: « والله إنكم لأكفاء كرام, وإنكم لرغبة، وإنك لتعجبيني, وإن يقدر شيء يكن » . فهذا القول المعروف.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران, وحدثني علي قال، حدثنا زيد- قالا جميعا، قال سفيان: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، قال يقول: « إني فيك لراغب, وإني أرجو إن شاء الله أن نجتمع » .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، قال يقول: « إن لك عندي كذا, ولك عندي كذا, وأنا معطيك كذا وكذا » . قال: هذا كله وما كان قبل أن يعقد عقدة النكاح, فهذا كله نسخه قوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ .

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك: « إلا أن تقولوا قولا معروفا » ، قال: المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها, فيأتيها الرجل فيقول: « احبسي علي نفسك, فإن لي بك رغبة, فتقول: » وأنا مثل ذلك « ، فتتوق نفسه لها. فذلك القول المعروف. »

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « ولا تعزموا عقدة النكاح » ، ولا تصححوا عقدة النكاح في عدة المرأة المعتدة, فتوجبوها بينكم وبينهن, وتعقدوها قبل انقضاء العدة « حتى يبلغ الكتاب أجله » ، يعني: يبلغن أجل الكتاب الذي بينه الله تعالى ذكره بقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فجعل بلوغ الأجل للكتاب، والمعنى للمتناكحين، أن لا ينكح الرجل المرأة المعتدة، فيعزم عقدة النكاح عليها حتى تنقضي عدتها, فيبلغ الأجل الذي أجله الله في كتابه لانقضائها، كما: -

حدثنا محمد بن بشار وعمرو بن علي قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, وحدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق, عن الثوري, عن ليث, عن مجاهد: « حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: حتى تنقضي العدة.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: « حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: حتى تنقضي أربعة أشهر وعشر.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: « حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: حتى تنقضي العدة.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع مثله.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: « حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: تنقضي العدة.

حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: « ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: حتى تنقضي العدة.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك قوله: « حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: لا يتزوجها حتى يخلو أجلها.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق, عن الشعبي في قوله: « ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: مخافة أن تتزوج المرأة قبل انقضاء العدة.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله » ، حتى تنقضي العدة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران وحدثني علي قال، حدثنا زيد جميعا, عن سفيان قوله: « حتى يبلغ الكتاب أجله » ، قال: حتى تنقضي العدة.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( 235 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واعلموا، أيها الناس، أن الله يعلم ما في أنفسكم من هواهن ونكاحهن وغير ذلك من أموركم، فاحذروه. يقول: فاحذروا الله واتقوه في أنفسكم أن تأتوا شيئا مما نهاكم عنه، من عزم عقدة نكاحهن، أو مواعدتهن السر في عددهن, وغير ذلك مما نهاكم عنه في شأنهن في حال ما هن معتدات, وفي غير ذلك « واعلموا أن الله غفور » ، يعني أنه ذو ستر لذنوب عباده وتغطية عليها، فيما تكنه نفوس الرجال من خطبة المعتدات، وذكرهم إياهن في حال عددهن, وفي غير ذلك من خطاياهم وقوله: « حليم » ، يعني أنه ذو أناة لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم.

 

القول في تأويل قوله : لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « لا جناح عليكم » ، لا حرج عليكم إن طلقتم النساء.

يقول: لا حرج عليكم في طلاقكم نساءكم وأزواجكم، « ما لم تماسوهن » ، يعني بذلك: ما لم تجامعوهن.

« والمماسة » ، في هذا الموضع، كناية عن اسم الجماع، كما: -

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قالا جميعا، حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: المس الجماع, ولكن الله يكني ما يشاء بما شاء.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قال: المس: النكاح.

قال أبو جعفر: وقد اختلف القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والبصرة: « ما لم تمسوهن » ، بفتح « التاء » من « تمسوهن » , بغير « ألف » ، من قولك: مسسته أمسه مسا ومسيسا ومسيسى « مقصور مشدد غير مجرى. وكأنهم اختاروا قراءة ذلك، إلحاقا منهم له بالقراءة المجتمع عليها في قوله: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [ سورة آل عمران: 47، سورة مريم: 20 ] . »

وقرأ ذلك آخرون: « ما لم تماسوهن » ، بضم « التاء والألف » بعد « الميم » ، إلحاقا منهم ذلك بالقراءة المجمع عليها في قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [ سورة المجادلة: 3 ] ، وجعلوا ذلك بمعنى فعل كل واحد من الرجل والمرأة بصاحبه من قولك: « ماسست الشيء أماسه مماسة ومساسا. »

قال أبو جعفر: والذي نرى في ذلك، أنهما قراءتان صحيحتا المعنى، متفقتا التأويل, وإن كان في إحداهما زيادة معنى، غير موجبة اختلافا في الحكم والمفهوم.

وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا قيل له: « مسست زوجتي » ، أن الممسوسة قد لاقى من بدنها بدن الماس، ما لاقاه مثله من بدن الماس. فكل واحد منهما وإن أفرد الخبر عنه بأنه الذي ماس صاحبه معقول بذلك الخبر نفسه أن صاحبه المسوس قد ماسه. فلا وجه للحكم لإحدى القراءتين مع اتفاق معانيهما, وكثرة القرأة بكل واحدة منهما بأنها أولى بالصواب من الأخرى, بل الواجب أن يكون القارئ، بأيتهما قرأ، مصيب الحق في قراءته.

قال أبو جعفر: وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: « لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن » ، المطلقات قبل الإفضاء إليهن في نكاح قد سمي لهن فيه الصداق. وإنما قلنا أن ذلك كذلك, لأن كل منكوحة فإنما هي إحدى اثنتين: إما مسمى لها الصداق, أو غير مسمى لها ذلك. فعلمنا بالذي يتلو ذلك من قوله تعالى ذكره، أن المعنية بقوله: « لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن » ، إنما هي المسمى لها. لأن المعنية بذلك، لو كانت غير المفروض لها الصداق، لما كان لقوله: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، معنى معقول. إذ كان لا معنى لقول قائل: « لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة في نكاح لم تماسوهن فيه، أو ما لم تفرضوا لهن فريضة » . فإذا كان لا معنى لذلك, فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك: لا جناح عليكم إن طلقتم المفروض لهن من نسائكم الصداق قبل أن تماسوهن, وغير المفروض لهن قبل الفرض.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « أو تفرضوا لهن » ، أو توجبوا لهن. وبقوله: « فريضة » ، صداقا واجبا. كما: -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: « أو تفرضوا لهن فريضة » ، قال: الفريضة: الصداق.

وأصل « الفرض » : الواجب, كما قال الشاعر:

كــانت فريضــة مـا أتيـت كمـا كــان الزنــاء فريضــة الرجـم

يعني: كما كان الرجم الواجب من حد الزنا. ولذلك قيل: « فرض السلطان لفلان ألفين » , يعني بذلك: أوجب له ذلك، ورزقه من الديوان.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: « ومتعوهن » ، وأعطوهن ما يتمتعن به من أموالكم، على أقداركم ومنازلكم من الغنى والإقتار.

ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ ما أمر الله به الرجال من ذلك.

فقال بعضهم: أعلاه الخادم, ودون ذلك الورق, ودونه الكسوة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن إسماعيل, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم, ودون ذلك الورق, ودون ذلك الكسوة.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أمية, عن عكرمة, عن ابن عباس بنحوه.

حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن داود, عن الشعبي قوله: « ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » ، قلت له: ما أوسط متعة المطلقة؟ قال: خمارها ودرعها وجلبابها وملحفتها.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: « ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين » ، فهذا الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن ينكحها, فأمر الله سبحانه أن يمتعها على قدر عسره ويسره. فإن كان موسرا متعها بخادم أو شبه ذلك, وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن داود, عن الشعبي في قوله: « ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » ، قال: قلت للشعبي: ما وسط ذلك؟ قال: كسوتها في بيتها، ودرعها وخمارها وملحفتها وجلبابها.

قال الشعبي: فكان شريح يمتع بخمسمئة.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود, عن عامر: أن شريحا كان يمتع بخمسمئة، قلت لعامر: ما وسط ذلك؟ قال: ثيابها في بيتها، درع وخمار وملحفة وجلباب.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن داود, عن عمار الشعبي أنه قال: وسط من المتعة ثياب المرأة في بيتها، درع وخمار وملحفة وجلباب.

حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا داود, عن الشعبي: أن شريحا متع بخمسمئة. وقال الشعبي: وسط من المتعة، درع وخمار وجلباب وملحفة.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس في قوله: « لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ » ، قال: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا, ثم يطلقها قبل أن يدخل بها, فلها متاع بالمعروف ولا صداق لها. قال: أدنى ذلك ثلاثة أثواب، درع وخمار، وجلباب وإزار.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ حتى بلغ: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، فهذا في الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا, ثم يطلقها قبل أن يدخل بها, فلها متاع بالمعروف, ولا فريضة لها. وكان يقال: إذا كان واجدا فلا بد من مئزر وجلباب ودرع وخمار.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة, عن صالح بن صالح، قال: سئل عامر: بكم يمتع الرجل امرأته؟ قال: على قدر ماله.

حدثني علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا شعبة, عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت حميد بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أمه قالت: كأني أنظر إلى جارية سوداء، حممها عبد الرحمن أم أبي سلمة حين طلقها.

قيل لشعبة: ما « حممها » ؟ قال. متعها.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن سعد بن إبراهيم, عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أمه، بنحوه, عن عبد الرحمن بن عوف.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن أيوب, عن ابن سيرين قال، كان يمتع بالخادم، أو بالنفقة أو الكسوة. قال: ومتع الحسن بن علي - أحسبه قال: بعشرة آلاف.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن أيوب, عن سعد بن إبراهيم: أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته فمتعها بالخادم.

حدثت عن عبد الله بن يزيد المقري, عن سعيد بن أبي أيوب قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب: أنه كان يقول في متعة المطلقة: أعلاه الخادم، وأدناه الكسوة والنفقة. ويرى أن ذلك على ما قال الله تعالى ذكره: « على الموسع قدره وعلى المقتر قدره »

وقال آخرون: مبلغ ذلك - إذا اختلف الزوج والمرأة فيه - قدر نصف صداق مثل تلك المرأة المنكوحة بغير صداق مسمى في عقده. وذلك قول أبي حنيفة وأصحابه.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قال ابن عباس ومن قال بقوله: من أن الواجب من ذلك للمرأة المطلقة على الرجل على قدر عسره ويسره, كما قال الله تعالى ذكره: « على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » ، لا على قدر المرأة. ولو كان ذلك واجبا للمرأة على قدر صداق مثلها إلى قدر نصفه، لم يكن لقيله تعالى ذكره: « على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » ، معنى مفهوم ولكان الكلام: ومتعوهن على قدرهن وقدر نصف صداق أمثالهن.

وفي إعلام الله تعالى ذكره عباده أن ذلك على قدر الرجل في عسره ويسره, لا على قدرها وقدر نصف صداق مثلها، ما يبين عن صحة ما قلنا، وفساد ما خالفه. وذلك أن المرأة قد يكون صداق مثلها المال العظيم, والرجل في حال طلاقه إياها مقتر لا يملك شيئا, فإن قضي عليه بقدر نصف صداق مثلها، ألزم ما يعجز عنه بعض من قد وسع عليه, فكيف المقدور عليه؟ وإذا فعل ذلك به, كان الحاكم بذلك عليه قد تعدى حكم قول الله تعالى ذكره: « على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » - ولكن ذلك على قدر عسر الرجل ويسره, لا يجاوز بذلك خادم أو قيمتها, إن كان الزوج موسعا. وإن كان مقترا، فأطاق أدنى ما يكون كسوه لها, وذلك ثلاثة أثواب ونحو ذلك, قضي عليه بذلك. وإن كان عاجزا عن ذلك، فعلى قدر طاقته. وذلك على قدر اجتهاد الإمام العادل عند الخصومة إليه فيه.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله. « ومتعوهن » ، هل هو على الوجوب, أو على الندب؟

فقال بعضهم: هو على الوجوب، يقضى بالمتعة في مال المطلق, كما يقضى عليه بسائر الديون الواجبة عليه لغيره. وقالوا: ذلك واجب عليه لكل مطلقة، كائنة من كانت من نسائه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: كان الحسن وأبو العالية يقولان: لكل مطلقة متاع, دخل بها أو لم يدخل بها، وإن كان قد فرض لها.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس: أن الحسن كان يقول: لكل مطلقة متاع, وللتي طلقها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب, عن سعيد عن جبير في هذه الآية: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ سورة البقرة: 241 ] ، قال: كل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب قال، سمعت سعيد بن جبير يقول: لكل مطلقة متاع.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: كان أبو العالية يقول: لكل مطلقة متعة. وكان الحسن يقول: لكل مطلقة متعة.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة قال، سئل الحسن, عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها: هل لها متاع؟ قال الحسن: نعم والله! فقيل للسائل وهو أبو بكر الهذلي أو ما تقرأ هذه الآية: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ؟ قال: نعم والله!

وقال آخرون: المتعة للمطلقة على زوجها المطلقها واجبة, ولكنها واجبة لكل مطلقة سوى المطلقة المفروض لها الصداق. فأما المطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل الدخول بها, فإنها لا متعة لها, وإنما لها نصف الصداق المسمى.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله, عن نافع: أن ابن عمر كان يقول: لكل مطلقة متعة, إلا التي طلقها ولم يدخل بها، وقد فرض لها, فلها نصف الصداق، ولا متعة لها.

حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا عبد الله بن نمير, عن عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر بنحوه.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب- في الذي يطلق امرأته وقد فرض لها- أنه قال في المتاع: قد كان لها المتاع في الآية التي في « الأحزاب » ، فلما نـزلت الآية التي في « البقرة » , جعل لها النصف من صداقها إذا سمى, ولا متاع لها, وإذا لم يسم فلها المتاع.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد نحوه.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: كان سعيد بن المسيب يقول: إذا لم يدخل بها جعل لها في « سورة الأحزاب » المتاع, ثم أنـزلت الآية التي في « سورة البقرة » : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، إذا كان لم يدخل بها، وكان قد سمى لها صداقا, فجعل لها النصف ولا متاع لها.

حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب قال: نسخت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ [ سورة الأحزاب: 49 ] الآية التي في « البقرة » .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن حميد, عن مجاهد قال: لكل مطلقة متعة, إلا التي فارقها وقد فرض لها من قبل أن يدخل بها.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد- في التي يفارقها زوجها قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها, قال: ليس لها متعة.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب, عن نافع قال: إذا تزوج الرجل المرأة وقد فرض لها، ثم طلقها قبل أن يدخل بها, فلها نصف الصداق، ولا متاع لها. وإذا لم يفرض لها، فإنما لها المتاع.

حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، سئل ابن أبي نجيح وأنا أسمع: عن الرجل يتزاوج ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها, هل لها متاع؟ قال: كان عطاء يقول: لا متاع لها.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر- في التي فرض لها ولم يدخل بها, قال: إن طلقت، فلها نصف الصداق ولا متعة لها.

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن الحكم, عن إبراهيم: أن شريحا كان يقول - في الرجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها، وقد سمى لها صداقا- قال: لها في النصف متاع.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن, عن شعبة, عن الحكم, عن إبراهيم, عن شريح قال: لها في النصف متاع.

وقال آخرون: المتعة حق لكل مطلقة, غير أن منها ما يقضى به على المطلق, ومنها ما لا يقضى به عليه, ويلزمه فيما بينه وبين الله إعطاؤه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرازق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري قال: متعتان، إحداهما يقضى بها السلطان, والأخرى حق على المتقين: من طلق قبل أن يفرض ويدخل، فإنه يؤخذ بالمتعة، فإنه لا صداق عليه. ومن طلق بعد ما يدخل أو يفرض، فالمتعة حق.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث, عن يونس, عن ابن شهاب، قال الله: « لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ » ، فإذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها, ثم طلقها من قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها, فليس عليه إلا متاع بالمعروف، يفرض لها السلطان بقدر, وليس عليها عدة. وقال الله تعالى ذكره: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ، فإذا طلق الرجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسسها, فلها نصف صداقها, ولا عدة عليها.

حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال، أخبرنا زهير, عن معمر, عن الزهري أنه قال: متعتان يقضى بإحداهما السلطان، ولا يقضى بالأخرى: فالمتعة التي يقضي بها السلطان حقا على المحسنين, والمتعة التي لا يقضي بها السلطان حقا على المتقين.

وقال آخرون: لا يقضي الحاكم ولا السلطان بشيء من ذلك على المطلق, وإنما ذلك من الله تعالى ذكره ندب وإرشاد إلى أن تمتع المطلقة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن الحكم: أن رجلا طلق امرأته, فخاصمته إلى شريح, فقرأ الآية: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ سورة البقرة: 241 ] ، قال: إن كنت من المتقين، فعليك المتعة. ولم يقض لها. قال شعبة: وجدته مكتوبا عندي عن أبي الضحى.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن محمد قال: كان شريح يقول في متاع المطلقة، لا تأب أن تكون من المحسنين, لا تأب أن تكون من المتقين.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق أن شريحا قال للذي قد دخل بها: إن كنت من المتقين فمتع.

قال أبو جعفر: وكأن قائلي هذا القول ذهبوا في تركهم إيجاب المتعة فرضا للمطلقات، إلى أن قول الله تعالى ذكره: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، وقوله: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، دلالة على أنها لو كانت واجبة وجوب الحقوق اللازمة الأموال بكل حال، لم يخصص المتقون والمحسنون بأنها حق عليهم دون غيرهم, بل كان يكون ذلك معموما به كل أحد من الناس.

وأما موجبوها على كل أحد سوى المطلقة المفروض لها الصداق, فإنهم اعتلوا بأن الله تعالى ذكره لما قال: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، كان ذلك دليلا على أن لكل مطلقة متاعا سوى من استثناه الله تعالى ذكره في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فلما قال: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ، كان في ذلك دليل عندهم على أن حقها النصف مما فرض لها, لأن المتعة جعلها الله في الآية التي قبلها عندهم، لغير المفروض لها. فكان معلوما عندهم بخصوص الله بالمتعة غير المفروض لها، أن حكمها غير حكم التي لم يفرض لها إذا طلقها قبل المسيس، فيما لها على الزوج من الحقوق.

قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي، قول من قال: « لكل مطلقة متعة » ، لأن الله تعالى ذكره قال: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لكل مطلقة، ولم يخصص منهن بعضا دون بعض. فليس لأحد إحالة ظاهر تنـزيل عام، إلى باطن خاص، إلا بحجة يجب التسليم لها.

فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد خص المطلقة قبل المسيس، إذا كان مفروضا لها، بقوله: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ، إذ لم يجعل لها غير النصف من الفريضة؟

قيل: إن الله تعالى ذكره إذا دل على وجوب شيء في بعض تنـزيله, ففي دلالته على وجوبه في الموضع الذي دل عليه، الكفاية عن تكريره, حتى يدل على بطول فرضه. وقد دل بقوله، وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، على وجوب المتعة لكل مطلقة, فلا حاجة بالعباد إلى تكرير ذلك في كل آية وسورة. وليس في دلالته على أن للمطلقة قبل المسيس المفروض لها الصداق نصف ما فرض لها، دلالة على بطول المتعة عنه. لأنه غير مستحيل في الكلام لو قيل: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ والمتعة. فلما لم يكن ذلك محالا في الكلام، كان معلوما أن نصف الفريضة إذا وجب لها، لم يكن في وجوبه لها نفي عن حقها من المتعة, ولما لم يكن اجتماعهما للمطلقة محالا. وكان الله تعالى ذكره قد دل على وجوب ذلك لها, وإن كانت الدلالة على وجوب أحدهما في آية غير الآية التي فيها الدلالة على وجوب الأخرى ثبت وصح وجوبهما لها.

هذا، إذا لم يكن على أن للمطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل المسيس، دلالة غير قول الله تعالى ذكره: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، فكيف وفي قول الله تعالى ذكره: « لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ » ، الدلالة الواضحة على أن المفروض لها إذا طلقت قبل المسيس، لها من المتعة مثل الذي لغير المفروض لها منها؟ وذلك أن الله تعالى ذكره لما قال: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً كان معلوما بذلك أنه قد دل به على حكم طلاق صنفين من طلاق النساء: أحدهما المفروض له, والآخر غير المفروض له. وذلك أنه لما قال: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، علم أن الصنف الآخر هو المفروض له، وأنها المطلقة المفروض لها قبل المسيس. لأنه قال: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ثم قال تعالى ذكره: « ومتعوهن » ، فأوجب المتعة للصنفين منهن جميعا، المفروض لهن, وغير المفروض لهن. فمن ادعى أن ذلك لأحد الصنفين, سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير, ثم عكس عليه القول في ذلك. فلن يقول في شيء منه قولا إلا ألزم في الآخر مثله.

قال أبو جعفر: وأرى أن المتعة للمرأة حق واجب، إذا طلقت، على زوجها المطلقها، على ما بينا آنفا - يؤخذ بها الزوج كما يؤخذ بصداقها, لا يبرئه منها إلا أداؤه إليها أو إلى من يقوم مقامها في قبضها منه, أو ببراءة تكون منها له. وأرى أن سبيلها سبيل صداقها وسائر ديونها قبله، يحبس بها إن طلقها فيها، إذا لم يكن له شيء ظاهر يباع عليه، إذا امتنع من إعطائها ذلك.

وإنما قلنا ذلك, لأن الله تعالى ذكره قال: « ومتعوهن ، » فأمر الرجال أن يمتعوهن, وأمره فرض، إلا أن يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والإرشاد، لما قد بينا في كتابنا المسمى ( بلطيف البيان عن أصول الأحكام ) , لقوله: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ . ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك, فلن يبرأ الزوج مما لها عليه إلا بما وصفنا قبل، من أداء أو إبراء على ما قد بينا.

فإن ظن ذو غباء أن الله تعالى ذكره إذ قال: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ و حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، أنها غير واجبة، لأنها لو كانت واجبة لكانت على المحسن وغير المحسن, والمتقي وغير المتقي فإن الله تعالى ذكره قد أمر جميع خلقه بأن يكونوا من المحسنين ومن المتقين, وما وجب من حق على أهل الإحسان والتقى, فهو على غيرهم أوجب, ولهم ألزم.

وبعد, فإن في إجماع الحجة على أن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس واجبة بقوله: « ومتعوهن » ، وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس بقول الله تعالى ذكره فيما أوجب لهما من ذلك الدليل الواضح أن ذلك حق واجب لكل مطلقة بقوله: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وإن كان قال: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ .

ومن أنكر ما قلنا في ذلك, سئل عن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس. فإن أنكر وجوب ذلك خرج من قول جميع الحجة، ونوظر مناظرتنا المنكرين في عشرين دينارا زكاة, والدافعين زكاة العروض إذا كانت للتجارة, وما أشبه ذلك. فإن أوجب ذلك لها, سئل الفرق بين وجوب ذلك لها, والوجوب لكل مطلقة, وقد شرط فيما جعل لها من ذلك بأنه حق على المحسنين, كما شرط فيما جعل للآخر بأنه حق على المتقين. فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.

قال أبو جعفر: واجمع الجميع على أن المطلقة غير المفروض لها قبل المسيس, لا شيء لها على زوجها المطلقها غير المتعة.

* ذكر بعض من قال ذلك من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم:

حدثنا أبو كريب ويونس بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عباس قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يفرض لها وقبل أن يدخل بها, فليس لها إلا المتاع.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن يونس قال، قال الحسن: إن طلق الرجل امرأته ولم يدخل بها ولم يفرض لها, فليس لها إلا المتاع.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب, عن نافع قال: إذا تزوج الرجل المرأة ثم طلقها ولم يفرض لها, فإنما لها المتاع.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث, عن يونس, عن ابن شهاب قال: إذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها, ثم طلقها قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها, فليس لها عليه إلا المتاع بالمعروف.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً قال: ليس لها صداق إلا متاع بالمعروف.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه- إلا أنه قال: ولا متاع إلا بالمعروف.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ إلى: « ومتعوهن » قال: هذا الرجل توهب له فيطلقها قبل أن يدخل بها, فإنما عليه المتعة.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال في هذه الآية: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا, ثم يطلقها قبل أن يدخل بها, فلها متاع بالمعروف, ولا فريضة لها.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع مثله.

حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، [ حدثنا عبيد بن سليمان قال ] ، سمعت الضحاك يقول في قوله: مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، هذا رجل وهبت له امرأته، فطلقها من قبل أن يمسها, فلها المتعة ولا فريضة لها, وليست عليها عدة.

قال أبو جعفر: وأما « الموسع » , فهو الذي قد صار من عيشه إلى سعة وغنى, يقال منه: « أوسع فلان فهو يوسع إيساعا وهو موسع » .

وأما « المقتر » ، فهو المقل من المال, يقال: « قد أقتر فهو يقتر إقتارا, وهو مقتر » .

واختلف القرأة في قراءة « القدر » .

فقرأه بعضهم: « على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » . بتحريك « الدال » إلى الفتح من « القدر » , توجيها منهم ذلك إلى الاسم من « التقدير » , الذي هو من قول القائل: « قدر فلان هذا الأمر » .

وقرأ آخرون بتسكين « الدال » منه, توجيها منهم ذلك إلى المصدر من ذلك, كما قال الشاعر.

ومـا صـب رجـلي في حديد مجاشع مـع القـدر, إلا حاجـة لـي أريدهـا

والقول في ذلك عندي أنهما جميعا قراءتان قد جاءت بهما الأمة, ولا تحيل القراءة بإحداهما معنى في الأخرى, بل هما متفقتا المعنى. فبأي- القراءتين قرأ القارئ ذلك, فهو للصواب مصيب.

وإنما يجوز اختيار بعض القراءات على بعض لبينونة المختارة على غيرها بزيادة معنى أوجبت لها الصحة دون غيرها. وأما إذا كانت المعاني في جميعها متفقة, فلا وجه للحكم لبعضها بأنه أولى أن يكون مقروءا به من غيره.

قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: لا حرج عليكم، أيها الناس، لأن طلقتم النساء وقد فرضتم لهن ما لم تماسوهن، وإن طلقتموهن ما لم تماسوهن قبل أن تفرضوا لهن, ومتعوهن جميعا على ذي السعة والغنى منكم من متاعهن حينئذ بقدر غناه وسعته, وعلى ذي الإقتار والفاقة منكم منه بقدر طاقته وإقتاره.

 

القول في تأويل قوله تعالى : مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ( 236 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ومتعوهن متاعا. وقد يجوز أن يكون « متاعا » منصوبا قطعا من « القدر » . لأن « المتاع » نكرة, و « القدر » معرفة.

ويعني بقوله: « بالمعروف » ، بما أمركم الله به من إعطائكم إياهن ذلك، بغير ظلم, ولا مدافعة منكم لهن به.

ويعني بقوله: « حقا على المحسنين » ، متاعا بالمعروف الحق على المحسنين. فلما دل إدخال « الألف واللام » على « الحق » , وهو من نعت « المعروف » , و « المعروف » معرفة, و « الحق » نكرة، نصب على القطع منه، كما يقال: « أتاني الرجل راكبا » .

وجائز أن يكون نصب على المصدر من جملة الكلام الذي قبله, كقول القائل: « عبد الله عالم حقا » , ف « الحق » منصوب من نية كلام المخبر، كأنه قال: أخبركم بذلك حقا.

والتأويل الأول هو وجه الكلام, لأن معنى الكلام: فمتعوهن متاعا بمعروف حق على كل من كان منكم محسنا.

وقد زعم بعضهم أن ذلك منصوب بمعنى: أحق ذلك حقا. والذي قاله من ذلك، بخلاف ما دل عليه ظاهر التلاوة. لأن الله تعالى ذكره جعل المتاع للمطلقات حقا لهن على أزواجهن , فزعم قائل هذا القول أن معنى ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه يحق أن ذلك على المحسنين. فتأويل الكلام إذا- إذ كان الأمر كذلك- : ومتعوهن على الموسع قدره, وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف الواجب على المحسنين.

ويعني بقوله: « المحسنين » ، الذين يحسنون إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله فيما ألزمهم به, وأدائهم ما كلفهم من فرائضه.

قال أبو جعفر: فإن قال قائل: إنك قد ذكرت أن « الجناح » هو الحرج، وقد قال الله تعالى ذكره: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، فهل علينا من جناح لو طلقناهن بعد المسيس, فيوضع عنا بطلاقنا إياهن قبل المسيس؟ قيل: قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات » .

حدثنا بذلك ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى, عن سعيد, عن قتادة, عن شهر بن حوشب, عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما بال أقوام يلعبون بحدود الله, يقولون: قد طلقتك، قد راجعتك، قد طلقتك » .

حدثنا بذلك ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي بردة, عن أبيه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فجائز أن يكون « الجناح » الذي وضع عن الناس في طلاقهم نساءهم قبل المسيس, هو الذي كان يلحقهم منه بعد ذوقهم إياهن, كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان بعضهم يقول: معنى قوله في هذا الموضع: لا جُنَاحَ ، لا سبيل عليكم للنساء- إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن, ولم تكونوا فرضتم لهن فريضة - في إتباعكم بصداق ولا نفقة. وذلك مذهب، لولا ما قد وصفت من أن المعني بالطلاق قبل المسيس في هذه الآية صنفان من النساء: أحدهما المفروض لها, والآخر غير المفروض لها. فإذ كان ذلك كذلك, فلا وجه لأن يقال: لا سبيل لهن عليكم في صداق، إذا كان الأمر على ما وصفنا.

وقد يحتمل ذلك أيضا وجها آخر: وهو أن يكون معناه: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تماسوهن, في أي وقت شئتم طلاقهن. لأنه لا سنة في طلاقهن, فللرجل أن يطلقهن إذا لم يكن مسهن حائضا وطاهرا في كل وقت أحب. وليس ذلك كذلك في المدخول بها التي قد مست، لأنه ليس لزوجها طلاقها إن كانت من أهل الأقراء- إلا للعدة طاهرا في طهر لم يجامع فيه. فيكون « الجناح » الذي أسقط عن مطلق التي لم يمسها في حال حيضها، هو « الجناح » الذي كان به مأخوذا المطلق بعد الدخول بها في حال حيضها، أو في طهر قد جامعها فيه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ

قال أبو جعفر: وهذا الحكم من الله تعالى ذكره، إبانة عن قوله: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً . وتأويل ذلك: لا جناح عليكم أيها الناس إن طلقتم النساء ما لم تماسوهن وقد فرضتم لهن فريضة, فلهن عليكم نصف ما كنتم فرضتم لهن من قبل طلاكم إياهن, يعني بذلك: فلهن عليكم نصف ما أصدقتموهن.

وإنما قلنا: إن تأويل ذلك كذلك، لما قد قدمنا البيان عنه من أن قوله: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، بيان من الله تعالى ذكره لعباده حكم غير المفروض لهن إذا طلقهن قبل المسيس. فكان معلوما بذلك أن حكم اللواتي عطف عليهن ب « أو » ، غير حكم المعطوف بهن بها.

وإنما كرر تعالى ذكره قوله: « وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة » ، وقد مضى ذكرهن في قوله: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ليزول الشك عن سامعيه واللبس عليهم، من أن يظنوا أن التي حكمها الحكم الذي وصفه في هذه الآية، هي غير التي ابتدأ بذكرها وذكر حكمها في الآية التي قبلها.

وأما قوله: « إِلا أَنْ يَعْفُونَ » ، فإنه يعني: إلا أن يعفو اللواتي وجب لهن عليكم نصف تلك الفريضة، فيتركنه لكم, ويصفحن لكم عنه تفضلا منهن بذلك عليكم, إن كن ممن يجوز حكمه في ماله وهن بوالغ رشيدات, فيجوز عفوهن حينئذ ما عفون عنكم من ذلك, فيسقط عنكم ما كن عفون لكم عنه منه. وذلك النصف الذي كان وجب لهن من الفريضة بعد الطلاق وقيل العفو إن عفت عنه- أو ما عفت عنه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قالة أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: « وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ » ؛ فهذا الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا, ثم يطلقها من قبل أن يمسها, فلها نصف صداقها, ليس لها أكثر من ذلك.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ » ، قال: إن طلق الرجل امرأته وقد فرض لها، فنصف ما فرض, إلا أن يعفون.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم » ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، إذا كان لم يدخل بها وقد كان سمى لها صداقا, فجعل لها النصف ولا متاع لها.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: « وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم » ، قال: هو الرجل يتزوج المرأة وقد فرض لها صداقا ثم طلقها قبل أن يدخل بها, فلها نصف ما فرض لها, ولها المتاع, ولا عدة عليها.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا الليث، عن يونس, عن ابن شهاب: « وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم » ، قال: إذا طلق الرجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسها, فلها نصف صداقها ولا عدة عليها.

* ذكر من قال في قوله: « إلا أن يعفون » القول الذي ذكرناه من التأويل:

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك, قال، أخبرنا يحيى بن بشر: أنه سمع عكرمة يقول: إذا طلقها قبل أن يمسها وقد فرض لها, فنصف الفريضة لها عليه, إلا أن تعفو عنه فتتركه.

حدثنا عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: « إلا أن يعفون » ، قال: المرأة تترك الذي لها.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: « إلا أن يعفون » ، هي المرأة الثيب أو البكر يزوجها غير أبيها, فجعل الله العفو إليهن: إن شئن عفون فتركن, وإن شئن أخذن نصف الصداق.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « إلا أن يعفون » ، تترك المرأة شطر صداقها, وهو الذي لها كله.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: « إلا إذ يعفون » ، قال: المرأة تدع لزوحها النصف.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني عبد الله بن عون, عن محمد بن سيرين, عن شريح: « إلا أن يعفون » ، قال: إن شاءت المرأة عفت فتركت الصداق.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عبد الله بن عون, عن محمد بن سيرين, عن شريح مثله.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله, عن نافع قوله: « إلا أن يعفون » ، هي المرأة يطلقها زوجها قبل أن يدخل بها, فتعفو عن النصف لزوجها.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « إلا أن يعفون » ، أما أن « يعفون » ، فالثيب أن تدع من صداقها، أو تدعه كله.

حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث, عن يونس, عن ابن شهاب: « إلا أن يعفون » ، قال: العفو إليهن، إذا كانت المرأة ثيبا فهي أولى بذلك, ولا يملك ذلك عليها ولي، لأنها قد ملكت أمرها. فإن أرادت أن تعفو فتضع له نصفها الذي عليه من حقها، جاز ذلك. وإن أرادت أخذه، فهي أملك بذلك.

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا معمر قال، وحدثني ابن شهاب: « إلا أن يعفون » ، قال: النساء.

حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي صالح: « إلا أن يعفون » ، قال: الثيب تدع صداقها.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو أسامة حماد بن زيد بن أسامة قال، حدثنا إسماعيل, عن الشعبي, عن شريح: « إلا أن يعفون » ، قال قال: تعفو المرأة عن الذي لها كله.

قال أبو جعفر: ما سمعت أحدا يقول: « حماد بن زيد بن أسامة » ، إلا أبا هشام.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبدة, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب قال: إن شاءت عفت عن صداقها يعني في قوله: « إلا أن يعفون » .

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن أبي حصين, عن شريح قال: تعفو المرأة وتدع نصف الصداق.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن ابن جريج قال، قال الزهري: « إلا أن يعفون » ، الثيبات.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ابن جريج قال، قال مجاهد: « إلا أن يعفون » ، قال: تترك المرأة شطرها.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « إلا أن يعفون » ، يعني النساء.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: « إلا أن يعفون » ، إن كانت ثيبا عفت.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري قوله: « إلا أن يعفون » ، يعني المرأة.

حدثني علي بن سهل قال، حدثنا زيد وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران جميعا, عن سفيان: « إلا أن يعفون » ، قال: المرأة إذا لم يدخل بها: أن تترك له المهر, فلا تأخذ منه شيئا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله تعالى ذكره بقوله: « الذي بيده عقدة النكاح » .

فقال بعضهم: هو ولي البكر. وقالوا: ومعنى الآية: أو يترك، الذي يلي على المرأة عقد نكاحها من أوليائها، للزوج النصف الذي وجب للمطلقة عليه قبل مسيسه فيصفح له عنه، إن كانت الجارية ممن لا يجوز لها أمر في مالها.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ابن جريج, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: أذن الله في العفو وأمر به, فإن عفت فكما عفت, وإن ضنت وعفا وليها جاز وإن أبت.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، وهو أبو الجارية البكر, جعل الله سبحانه العفو إليه, ليس لها معه أمر إذا طلقت، ما كانت في حجره.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الولي.

حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, قال، قال علقمة: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة أنه قال: هو الولي.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معمر, عن حجاج, عن النخعي, عن علقمة قال: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله, عن بيان النحوي، عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة وأصحاب عبد الله قالوا: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة أنه قال: هو الولي.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معمر, عن حجاج, أن الأسود بن زيد, قال: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو خالد, عن شعبة, عن أبي بشر قال: قال طاوس ومجاهد: هو الولي ثم رجعا فقالا هو الزوج.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر قال، قال مجاهد وطاوس: هو الولي ثم رجعا فقالا هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن فضيل, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة قال: هو الولي.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبي قال: زوج رجل أخته, فطلقها زوجها قبل أن يدخل بها, فعفا أخوها عن المهر, فأجازه شريح ثم قال: أنا أعفو عن نساء بني مرة. فقال عامر: لا والله، ما قضى قضاء قط أحق منه: أن يجيز عفو الأخ في قوله: « إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، فقال فيها شريح بعد: هو الزوج، إن عفا عن الصداق كله فسلمه إليها كله, أو عفت هي عن النصف الذي سمى لها, وإن تشاحا كلاهما أخذت نصف صداقها, قال: « وأن تعفوا هو أقرب للتقوى » .

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا جرير بن حازم, عن عيسى بن عاصم الأسدي: أن عليا سأل شريحا عن الذي بيده عقدة النكاح، فقال: هو الولي.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، قال مغيرة، أخبرنا عن الشعبي, عن شريح أنه كان يقول: الذي بيده عقدة النكاح هو الولي - ثم ترك ذلك فقال: هو الزوج.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا سيار, عن الشعبي: أن رجلا تزوج امرأة فوجدها دميمة فطلقها قبل أن يدخل بها, فعفا وليها عن نصف الصداق، قال: فخاصمته إلى شريح فقال لها شريح: قد عفا وليك. قال: ثم إنه رجع بعد ذلك, فجعل الذي بيده عقدة النكاح: الزوج.

حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن - في الذي بيده عقدة النكاح - قال: الولي.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم, عن منصور أو غيره, عن الحسن, قال: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن إدريس, عن هشام, عن الحسن قال: هو الولي.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء قال: سئل الحسن عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع, عن يزيد بن إبراهيم, عن الحسن, قال: هو الذي أنكحها.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم قال: الذي بيده عقدة النكاح, هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع وابن مهدي, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم قال: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن مهدي, عن أبي عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيم والشعبي قالا هو الولي.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن جريج, عن عطاء قال: هو الولي.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي صالح: « أو يعفو الذي بيد عقدة النكاح » ، قال: ولي العذراء.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ابن جريج قال: قال لي الزهري: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، ولي البكر.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، هو الولي.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرنا ابن طاوس, عن أبيه وعن رجل, عن عكرمة قال معمر: وقاله الحسن أيضا قالوا: الذي بيده عقدة النكاح، الولي.

حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري قال: الذي بيده عقدة النكاح، الأب.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن منصور, عن إبراهيم عن علقمة قال: هو الولي.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن سالم, عن مجاهد قال: هو الولي.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « الذي بيده عقدة النكاح » ، هو ولي البكر.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد - في الذي بيده عقدة النكاح- : الوالد ذكره ابن زيد عن أبيه.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب, عن مالك, عن زيد وربيعة: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الأب في ابنته البكر, والسيد في أمته.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال مالك: وذلك إذا طلقت قبل الدخول بها, فله أن يعفو عن نصف الصداق الذي وجب لها عليه، ما لم يقع طلاق....

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث, عن يونس, عن ابن شهاب قال: الذي بيدة عقدة النكاح، هي البكر التي يعفو وليها, فيجوز ذلك, ولا يجوز عفوها هي.

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يحيى بن بشر، أنه سمع عكرمة يقول: إِلا أَنْ يَعْفُونَ ، أن تعفو المرأة عن نصف الفريضة لها عليه فتتركه. فإن هي شحت إلا أن تأخذه، فلها ولوليها الذي أنكحها الرجل عم، أو أخ، أو أب أن يعفو عن النصف, فإنه إن شاء فعل وإن كرهت المرأة.

حدثنا سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة قال: أذن الله في العفو وأمر به, فإن امرأة عفت جاز عفوها, وإن شحت وضنت عفا وليها وجاز عفوه. .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم قال: الذي بيده عقدة النكاح، الولي.

وقال آخرون: بل الذي بيده عقدة النكاح، الزوج. قالوا: ومعنى ذلك: أو يعفو الذي بيده نكاح المرأة فيعطيها الصداق كاملا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو شحمة قال، حدثنا حبيب, عن الليث, عن قتادة, عن خلاس بن عمرو, عن علي قال: الذي بيده عقدة النكاح، الزوج.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا جرير بن حازم, عن عيسى بن عاصم الأسدي: أن عليا سأل شريحا عن الذي بيده عقدة النكاح فقال: هو الولي. فقال علي: لا ولكنه الزوج.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم قال: سمعت شريحا قال: قال: قال لي علي: من الذي بيده عقدة النكاح؟ قلت: ولي المرأة. قال: لا بل هو الزوج.

حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا حماد بن سلمة, عن عمار بن أبي عمار, عن ابن عباس قال: هو الزوج.

حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال: قلت لحماد بن سلمة: من الذي بيده عقده النكاح؟ فذكر عن علي بن زيد, عن عمار بن أبي عمار, عن ابن عباس قال: الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل, عن خصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس قال: هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن فضيل, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن ابن عباس وشريح قالا هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن مهدي, عن عبد الله بن جعفر, عن واصل بن أبي سعيد, عن محمد بن جبير بن مطعم: أن أباه تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها, فأرسل بالصداق وقال: أنا أحق بالعفو.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن صالح بن كيسان: أن جبير بن مطعم تزوج امرأه, فطلقها قبل أن يبني بها، وأكمل لها الصداق, وتأوّل: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح »

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن إدريس, عن محمد بن عمرو, عن نافع, عن جبير: أنه طلق امرأته قبل أن يدخل بها, فأتم لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني عبد الله بن عون, عن محمد بن سيرين, عن شريح: « أو يعفو الذي بيدة عقدة النكاح » ، قال: إن شاء الزوج أعطاها الصداق كاملا.

حدثنا حميد قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عبد الله بن عون, عن محمد بن سيرين بنحوه.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن شريح قال: الذي بيده عقدة النكاح، الزوج.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود, عن عامر: أن شريحا قال: الذي بيده عقدة النكاح، الزوج. فرد ذلك عليه.

حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن شريح قال: الذي بيده عقدة النكاح، هو الزوج. قال، وقال إبراهيم: وما يدري شريحا!

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معمر قال، حدثنا حجاج, عن شريح قال: هو الزوج.

حدثنا أبو كريب قال، أخبرنا الأعمش, عن إبراهيم, عن شريح قال: هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو أسامة حماد بن زيد بن أسامة قال، حدثنا إسماعيل, عن الشعبي, عن شريح: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، وهو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن أبي حصين, عن شريح قال: « الذي بيده عقدة النكاح » ، قال: الزوج يتم لها الصداق.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل, عن الشعبي, وعن الحجاج, عن الحكم, عن شريح, وعن الأعمش, عن إبراهيم, عن شريح قال: هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا إسماعيل, عن الشعبي, عن شريح قال: هو الزوج، إن شاء أتم لها الصداق, وإن شاءت عفت عن الذي لها.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن محمد قال: قال شريح: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ابن أيون, عن ابن سيرين, عن شريح: « أن يعفو الذي بيدة عقدة النكاح » ، قال: إن شاء الزوج عفا فكمل الصداق.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن منصور, عن إبراهيم, عن شريح قال: هو الزوج.

حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي, عن عبد الأعلى, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب قال: « الذي بيده عقدة النكاح » ، قال: هو الزوج.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبدة, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، قال: هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن مهدى, عن حماد بن سلمة, عن قيس بن سعد, عن مجاهد قال: هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد قال: الزوج.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، زوجها: أن يتم لها الصداق كاملا.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب وعن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وعن أيوب, وعن ابن سيرين, عن شريح قالوا: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ابن جريج قال، قال مجاهد: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج « أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، إتمام الزوج الصداق كله.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن ابن جريج, عن عبد الله بن أبي مليكة قال، قال سعيد بن جبير: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير قال: « الذي بيده عقدة النكاح » ، هو الزوج. قال: وقال مجاهد وطاوس: هو الولي. قال قلت لسعيد: فإن مجاهدا وطاوسا يقولان: هو الولي؟ قال سعيد: « فما تأمرني إذا؟ » قال: أرأيت لو أن الولي عفا وأبت المرأة، أكان يجوز ذلك؟ فرجعت إليهما فحدثتهما, فرجعا عن قولهما وتابعا سعيدا.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا حميد, عن الحسن بن صالح, عن سالم الأفطس, عن سعيد قال: هو الزوج.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو خالد الأحمر, عن شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد قال: هو الزوج وقال طاوس ومجاهد: هو الولي- فكلمتهما في ذلك حتى تابعا سعيدا.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد بنحوه.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو الحسين, يعني زيد بن الحباب, عن أفلح بن سعيد قال، سمعت محمد بن كعب القرظي قال: هو الزوج، أعطى ما عنده عفوا.

حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو داود الطيالسي, عن زهير, عن أبي إسحاق, عن الشعبي قال: هو الزوج.

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبد الله, عن نافع قال: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج- « إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، قال: أما قوله: إِلا أَنْ يَعْفُونَ ، فهي المرأة التي يطلقها زوجها قبل أن يدخل بها. فإما أن تعفو عن النصف لزوجها, وأما أن يعفو الزوج فيكمل لها صداقها.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن المسعودي, عن القاسم قال: كان شريح يجاثيهم على الركب ويقول: هو الزوج.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة, عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج, يعفو أو تعفو « . »

حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان, قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، قال: الزوج، وهذا في المرأة يطلقها زوجها ولم يدخل بها وقد فرض لها, فلها نصف المهر, فإن شاءت تركت الذي لها وهو النصف, وإن شاءت قبضته.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران, وحدثني علي قال، حدثنا زيد جميعا, عن سفيان: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج.

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك قال: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج.

حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة, عن سعيد بن عبد العزيز قال: سمعت تفسير هذه الآية: « إلا أن يعفون » ، النساء, فلا يأخذن شيئا « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج, فيترك ذلك فلا يطلب شيئا.

ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور قال، قال شريح في قوله: « إلا أن يعفون » ، قال: يعفو النساء « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: المعني بقوله: « الذي بيده عقدة النكاح » ، الزوج. وذلك لإجماع الجميع على أن ولي جارية بكر أو ثيب, صبية صغيرة كانت أو مدركة كبيرة, لو أبرأ زوجها من مهرها قبل طلاقه إياها, أو وهبه له أو عفا له عنه- أن إبراءه ذلك وعفوه له عنه باطل, وأن صداقها عليه ثابت ثبوته قبل إبرائه إياه منه. فكان سبيل ما أبرأه من ذلك بعد طلاقه إياها، سبيل ما أبرأه منه قبل طلاقه إياها.

وأخرى: أن الجميع مجمعون على أن ولي امرأة محجور عليها أو غير محجور عليها, لو وهب لزوجها المطلقها بعد بينونتها منه درهما من مالها، على غير وجه العفو منه عما وجب لها من صداقها قبله، أن هبته ما وهب من ذلك مردودة باطلة. وهم مع ذلك مجمعون على أن صداقها مال من مالها, فحكمه حكم سائر أموالها.

وأخرى: أن الجميع مجمعون على أن بني أعمام المرأة البكر وبني إخوتها من أبيها وأمها من أوليائها, وأن بعضهم لو عفا عن مالها [ لزوجها، قبل دخوله بها ] أو بعد دخوله بها - : إن عفوه ذلك عما عفا له عنه منه باطل, وإن حق المرأة ثابت عليه بحاله. فكذلك سبيل عفو كل ولي لها كائنا من كان من الأولياء, والدا كان أو جدا أو خالا لأن الله تعالى ذكره لم يخصص بعض الذين بأيديهم عقد النكاح دون بعض في جواز عفوه, إذا كانوا ممن يجوز حكمه في نفسه وماله.

ويقال لمن أبى ما قلنا ممن زعم أن « الذي بيده عقدة النكاح » ، ولي المرأة: هل يخلو القول في ذلك من أحد أمرين، إذ كان الذي بيده عقدة النكاح هو الولي عندك: إما أن يكون ذلك كل ولي جاز له تزويج وليته, أو يكون ذلك بعضهم دون بعض؟ فلن يجد إلى الخروج من أحد هذين القسمين سبيلا.

فإن قال: إن ذلك كذلك.

قيل له: فأي ذلك عني به؟

فإن قال: لكل ولي جاز له تزويج وليته.

قيل له: أفجائز للمعتق أمة تزويج مولاته بإذنها بعد عتقه إياها؟

فإن قال نعم!

قيل له: أفجائز عفوه إن عفا عن صداقها لزوجها بعد طلاقه إياها قبل المسيس؟

فإن قال: نعم خرج من قول الجميع. وإن قال: لا! قيل له: ولم؟ وما الذي حظر ذلك عليه وهو وليها الذي بيده عقدة نكاحها؟

ثم يعكس القول عليه في ذلك, ويسأل الفرق بينه وبين عفو سائر الأولياء غيره.

وإن قال: لبعض دون بعض.

سئل البرهان على خصوص ذلك, وقد عمه الله تعالى ذكره فلم يخصص بعضا دون بعض.

ويقال له: من المعني به، إن كان المراد بذلك بعض الأولياء دون بعض؟

فإن أومأ في ذلك إلى بعض منهم, سئل البرهان عليه, وعكس القول فيه، وعورض في قوله ذلك بخلاف دعواه. ثم لن يقول في ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.

فإن ظن ظان أن المرأة إذا فارقها زوجها فقد بطل أن يكون بيده عقدة نكاحها, والله تعالى ذكره إنما أجاز عفو الذي بيده عقدة نكاح المطلقة، فكان معلوما بذلك أن الزوج غير معني به، وأن المعني به هو الذي بيده عقدة نكاح المطلقة بعد بينونتها من زوجها. وفي بطول ذلك أن يكون حينئذ بيد الزوج, صحة القول أنه بيد الولي الذي إليه عقد النكاح إليها. وإذا كان ذلك كذلك، صح القول بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي فقد غفل وظن خطأ.

وذلك أن معنى ذلك: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحه, وإنما أدخلت « الألف واللام » في « النكاح » بدلا من الإضافة إلى « الهاء » التي كان « النكاح » - لو لم يكونا فيه مضافا إليها, كما قال الله تعالى ذكره: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [ سورة النازعات: 41 ] ، بمعنى: فإن الجنة مأواه, وكما قال نابغة بني ذبيان:

لهـم شـيمة لـم يعطهـا اللـه غيرهم مـن النـاس, فـالأحلام غير عوازب

بمعنى: فأحلامهم غير عوازب. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.

فتأويل الكلام: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج الذي بيده عقدة نكاح نفسه في كل حال قبل الطلاق وبعده لأن معناه: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن، فيكون تأويل الكلام ما ظنه القائلون أنه الولي ولي المرأة. لأن ولي المرأة لا يملك عقدة نكاح المرأة بغير إذنها، إلا في حال طفولتها, وتلك حال لا يملك العقد عليها إلا بعض أوليائها، في قول أكثر من رأى أن الذي بيده عقدة النكاح الولي. ولم يخصص الله تعالى ذكره بقوله: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » بعضا منهم, فيجوز توجيه التأويل إلى ما تأولوه, لو كان لما قالوا في ذلك وجه.

وبعد, فإن الله تعالى ذكره إنما كنى بقوله: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ عن ذكر النساء اللاتي قد جرى ذكرهن في الآية قبلها, وذلك قوله: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، والصبايا لا يسمين « نساء » ، وإنما يسمين صبيا أو جواري, وإنما « النساء » في كلام العرب أجمع، اسم المرأة, ولا تقول العرب للطفلة والصبية والصغيرة « امرأة » , كما لا تقول للصبي الصغير « رجل » .

وإذ كان ذلك كذلك, وكان قوله: « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » ، عند الزاعمين أنه الولي إنما هو: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح عما وجب لوليته التي تستحق أن يولي عليها مالها إما الصغر وإما السفه، والله تعالى ذكره إنما اقتص في الآيتين قصص النساء المطلقات لعموم الذكر دون خصوصه, وجعل لهن العفو بقوله: إِلا أَنْ يَعْفُونَ كان معلوما بقوله: إِلا أَنْ يَعْفُونَ ، أن المعنيات منهن بالآيتين اللتين ذكرهن فيهما جميعهن دون بعض, إذ كان معلوما أن عفو من تولى عليه ماله منهن باطل.

وإذ كان ذلك كذلك, فبين أن التأويل في قوله: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن, يوجب أن يكون لأولياء الثيبات الرشد البوالغ، من العفو عما وهب لهن من الصداق بالطلاق قبل المسيس، مثل الذي لأولياء الأطفال الصغار المولى عليهن أموالهن السفه. وفي إنكار القائلين: « إن الذي بيده عقدة النكاح الولي » , عفو أولياء الثيبات الرشد البوالغ على ما وصفنا, وتفريقهم بين أحكامهم وأحكام أولياء الأخر- ما أبان عن فساد تأويلهم الذي تأولوه في ذلك.

ويسأل القائلون بقولهم في ذلك، الفرق بين ذلك من أصل أو نظير, فلن يقولوا في شيء من ذلك قولا إلا ألزموا في خلافه مثله.

 

القول في تأويل قوله : وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن خوطب بقوله: « وأن تعفوا أقرب للتقوى » .

فقال بعضهم: خوطب بذلك الرجال والنساء.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت أبن جريج يحدث، عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس: « وأن تعفوا أقرب للتقوى » ، قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو.

حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة, عن سعيد بن عبد العزيز قال: سمعت تفسير هذه الآية: « وأن تعفوا أقرب للتقوى » ، قال: يعفون جميعا.

فتأويل الآية على هذا القول: وأن يعفوا، أيها الناس، بعضكم عما وجب له قبل صاحبه من الصداق قبل الافتراق عند الطلاق, أقرب له إلى تقوى الله.

وقال آخرون: بل الذي خوطبوا بذلك أزواج المطلقات.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبي: « وأن تعفوا أقرب للتقوى » ، : وأن يعفو هو أقرب للتقوى.

فتأويل ذلك على هذا القول: وأن تعفوا أيها المفارقون أزواجهم, فتتركوا لهن ما وجب لكم الرجوع به عليهن من الصداق الذي سقتموه إليهن, أو تتموا لهن- بإعطائكم إياهن الصداق الذي كنتم سميتم لهن في عقدة النكاح إن لم تكونوا سقتموه إليهن- أقرب لكم إلى تقوى الله.

قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين بتأويل الآية عندي في ذلك. ما قاله ابن عباس, وهو أن معنى ذلك: وأن يعفو بعضكم لبعض أيها الأزواج والزوجات، بعد فراق بعضكم بعضا عما وجب لبعضكم قبل بعض, فيتركه له إن كان قد بقي له قبله. وإن لم يكن بقي له, فبأن يوفيه بتمامه أقرب لكم إلى تقوى الله.

فإن قال قائل: وما في الصفح عن ذلك من القرب من تقوى الله, فيقال للصافح العافي عما وجب له قبل صاحبه: فعلك ما فعلت أقرب لك إلى تقوى الله؟ قيل له: الذي في ذلك من قربه من تقوى الله، مسارعته في عفوه ذلك إلى ما ندبه الله إليه, ودعاه وحضه عليه. فكان فعله ذلك- إذا فعله ابتغاء مرضاة الله, وإيثار ما ندبه إليه على هوى نفسه- معلوما به, إذ كان مؤثرا فعل ما ندبه إليه مما لم يفرضه عليه على هوى نفسه, أنه لما فرضه عليه وأوجبه أشد إيثارا, ولما نهاه أشد تجنبا. وذلك هو قربه من التقوى.

 

القول في تأويل قوله : وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا، أيها الناس، الأخذ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه، ولكن ليتفضل الرجل المطلق زوجته قبل مسيسها, فيكمل لها تمام صداقها إن كان لم يعطها جميعه. وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرض لها, فليتفضل عليها بالعفو عما يجب له ويجوز له الرجوع به عليها, وذلك نصفه. فإن شح الرجل بذلك وأبى إلا الرجوع بنصفه عليها, فالتتفضل المرأة المطلقة عليه برد جميعه عليه، إن كانت قد قبضته منه. وإن لم تكن قبضته، فتعفو [ عن ] جميعه. فإن هما لم يفعلا ذلك وشحا وتركا ما ندبهما الله إليه - من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل - فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النكاح وله نصفه.

وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا ابن أبي ذئب, عن سعيد بن جبير بن مطعم, عن أبيه جبير: أنه دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه ابنة له فتزوجها, فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق. قال: قيل له: فلم تزوجتها؟ قال: عرضها علي فكرهت ردها! قيل: فلم تبعث بالصداق؟ قال: فأين الفضل؟

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « ولا تنسوا الفضل بينكم » . قال: إتمام الزوج الصداق, أو ترك المرأة الشطر.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، قال: إتمام الصداق, أو ترك المرأة شطره.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.

حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، في هذا وفي غيره.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، قال: يقول ليتعاطفا.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير » ، يرغبكم الله في المعروف, ويحثكم على الفضل.

حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك في قوله: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، قال: المرأة يطلقها زوجها وقد فرض لها ولم يدخل بها, فلها نصف الصداق. فأمر الله أن يترك لها نصيبها, وإن شاء أن يتم المهر كاملا. وهو الذي ذكر الله: « ولا تنسوا الفضل بينكم » .

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدى: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، حض كل واحد على الصلة- يعني الزوج والمرأة، على الصلة.

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخيرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يحيى بن بشر: أنه سمع عكرمة يقول في قول الله: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، وذلك الفضل هو النصف من الصداق, وأن تعفو عنه المرأة للزوج أو يعفو عنه وليها.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، قال: يعفى عن نصف الصداق أو بعضه.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران وحدثني علي قال، حدثنا زيد جميعا, عن سفيان: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، قال: حث بعضهم على بعض في هذا وفي غيره, حتى في عفو المرأة عن الصداق، والزوج بالإتمام.

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، قال: المعروف.

حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو, عن سعيد قال، سمعت تفسير هذه الآية: « ولا تنسوا الفضل بينكم » ، قال: لا تنسوا الإحسان.

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 237 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: « إن الله بما تعملون » ، أيها الناس، مما ندبكم إليه وحضكم عليه، من عفو بعضكم لبعض عما وجب له قبله من حق بسبب النكاح الذي كان بينكم وبين أزواجكم, وتفضل بعضكم على بعض في ذلك، وفي غيره مما تأتون وتذرون من أموركم في أنفسكم وغيركم مما حثكم الله عليه وأمركم به أو نهاكم عنه « بصير » ، يعني بذلك: ذو بصر، لا يخفى عليه منه شيء من ذلك, بل هو يحصيه عليكم ويحفظه, حتى يجازي ذا الإحسان منكم على إحسانه, وذا الإساءة منكم على إساءته.