القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ( 45 ) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 46 )

يقول تعالى ذكره: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ) وَحده لا شريك له, ولا تجعلوا معه إلها غيره ( فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ) يقول: فلما أتاهم صالح داعيا لهم إلى الله صار قومه من ثمود فيما دعاهم إليه فريقين يختصمون, ففريق مصدّق صالحا مؤمن به, وفريق مكذّب به كافر بما جاء به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ) قال: مؤمن وكافر, قولهم: صالح مرسل, وقولهم: صالح ليس بمُرسل, ويعني بقوله ( يَخْتَصِمُونَ ) يختلفون.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ) قال: مؤمن, وكافر.

وقوله: ( قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ) يقول تعالى ذكره: قال صالح لقومه: يا قوم لأيّ شيء تستعجلون بعذاب الله قبل الرحمة.

كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن نجيح, عن مجاهد قوله: ( لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ) قال: السيئة: العذاب, قبل الحسنة: قبل الرحمة.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ ) قال بالعذاب قبل الحسنة, قال: العافية.

وقوله: ( لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) يقول: هلا تتوبون إلى الله من كفركم, فيغفر لكم ربكم عظيم جرمكم, يصفح لكم عن عقوبته إياكم على ما قد أتيتم من عظيم الخطيئة.

وقوله: ( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) يقول: ليرحمكم ربكم باستغفاركم إياه من كفركم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ( 47 )

يقول تعالى ذكره: قالت ثمود لرسولها صالح ( اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ) أي: تشاءمنا بك وبمن معك من أتباعنا, وزجرنا الطير بأنا سيصيبنا بك وبهم المكاره والمصائب، فأجابهم صالح فقال لهم ( طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ) أي ما زجرتم من الطير لما يصيبكم من المكاره عند الله علمه, لا يدري أيّ ذلك كائن, أما تظنون من المصائب أو المكاره, أم ما لا ترجونه من العافية والرجاء والمحاب؟.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس قوله: ( قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ) يقول: مصائبكم.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, قوله: ( طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ) علمكم عند الله.

وقوله: ( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) يقول: بل أنتم قوم تختبرون, يختبركم ربكم إذ أرسلني إليكم, أتطيعونه, فتعملون بما أمركم به, فيجزيكم الجزيل من ثوابه؟ أم تعصونه بخلافه, فيحلّ بكم عقابه؟.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ( 48 ) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ( 49 )

يقول تعالى ذكره: وكان في مدينة صالح, وهي حِجر ثمود, تسعة أنفس يفسدون في الأرض ولا يصلحون, وكان إفسادهم في الأرض، كفرهم بالله, ومعصيتهم إياه, وإنما خصّ الله جلّ ثناؤه هؤلاء التسعة الرهط بالخبر عنهم أنهم كانوا يفسدون في الأرض, ولا يصلحون, وإن كان أهل الكفر كلهم في الأرض مفسدين, لأن هؤلاء التسعة هم الذين سعوا فيما بلغنا في عقر الناقة, وتعاونوا عليه, وتحالفوا على قتل صالح من بين قوم ثمود.وقد ذكرنا قصصهم وأخبارهم فيما مضى من كتابنا هذا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( تِسْعَةُ رَهْطٍ ) قال: من قوم صالح.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) هم الذين عقروا الناقة, وقالوا حين عقروها: نبيت صالحا وأهله فنقتلهم, ثم نقول لأولياء صالح: ما شهدنا من هذا شيئا, وما لنا به علم, فدمرهم الله أجمعين.

وقوله: ( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ) يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء التسعة الرهط الذين يُفسدون في أرض حجر ثمود, ولا يصلحون: تقاسموا بالله: تحالفوا بالله أيها القوم, ليحلف بعضكم لبعض: لنبيتنّ صالحا وأهله, فلنقتلنه, ثم لنقولنّ لوليه: ما شهدنا مهلك أهله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ) قال: تحالفوا على إهلاكه, فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعون.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, بنحوه.

ويتوجه قوله ( تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ) إلى وجهين: أحدهما النصب على وجه الخبر, كأنه قيل: قالوا متقاسمين وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « ولا يصلحون تقاسموا بالله » وليس فيها « قالوا » , فذلك من قراءته يدل على وجه النصب في « تقاسموا » على ما وصفت. والوجه الآخر: الجزم, كأنهم قال بعضهم لبعض: اقسموا بالله, فعلى هذا الوجه الثاني تصلح قراءة ( لَنُبَيِّتَنَّهُ ) بالياء والنون, لأن القائل لهم تقاسموا, وإن كان هو الآمر فهو فيمن أقسم, كما يقال في الكلام: انهضوا بنا نمض إلى فلان, وانهضوا نمضي إليه. وعلى الوجه الأوّل الذي هو وجه النصب القراءة فيه بالنون أفصح, لأن معناه: قالوا متقاسمين لنبيتنه, وقد تجوز الياء على هذا الوجه، كما يقال في الكلام: قالوا لنكرمنّ أباك, وليكرمنّ أباك, وبالنون قرأ ذلك قرَّاء المدينة, وعامة قراء البصرة وبعض الكوفيين. وأما الأغلب على قرّاء أهل الكوفة, فقراءته بالياء وضمّ التاء جميعا. وأما بعض المكيين, فقرأه بالياء.

وأعجب القراءات في ذلك إليّ النون, لأن ذلك أفصح الكلام على الوجهين اللذين بيَّنت من النصب والجزم, وإن كان كل ذلك صحيحا غير فاسد لما وصفت, وأكرهها إليّ القراءة بها الياء, لقلة قارئ ذلك كذلك. وقوله: ( لَنُبَيِّتَنَّهُ ) قال: ليبيتنّ صالحا ثم يفتكوا به.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلمّ فلنقتل صالحا, فإن كان صادقا - يعني فيما وعدهم من العذاب بعد الثلاث- عجلناه قبله, وإن كان كاذبا نكون قد ألحقناه بناقته، فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله, فدمغتهم الملائكة بالحجارة; فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منـزل صالح, فوجدوهم مشدوخين قد رضخوا بالحجارة. وقوله: ( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) نقول لوليه: وإنا لصادقون, أنا ما شهدنا مهلك أهله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 50 ) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ( 51 )

يقول تعالى ذكره: وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلا ليقتلوه وأهله, وصالح لا يشعر بذلك ( وَمَكَرْنَا مَكْرًا ) يقول: فأخذناهم بعقوبتنا إياهم, وتعجيلنا العذاب لهم ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) بمكرنا.

وقد بيَّنا فيما مضى معنى: مكر الله، بمن مكر به, وما وجه ذلك, وأنه أخذه من أخذه منهم على غرّة, أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به, ومعصيته إياه, ثم إحلاله العقوبة به على غرّة وغفلة,

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن شمر بن عطية, عن رجل, عن عليّ, قال: المكر غدر, والغدر كفر.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا ) قال: احتالوا لأمرهم, واحتال الله لهم, مكروا بصالح مكرا, ومكرنا بهم مكرا ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) بمكرنا وشعرنا بمكرهم, قالوا: زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه وأهله قبل ذلك, وكان له مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه, فخرجوا إلى كهف وقالوا: إذا جاء يصلي قتلناه, ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله, ففرغنا منهم, وقرأ قول الله تبارك وتعالى: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم, فخشوا أن تشدخهم, فبادروا الغار, فطبقت الصخرة عليهم فم ذلك الغار, فلا يدري قومهم أين هم؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم، فعذّب الله تبارك وتعالى هؤلاء هاهنا, وهؤلاء هنا, وأنجى الله صالحا ومن معه.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة: ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا ) قال: فسلط الله عليهم صخرة فقتلتهم.

وقوله: ( فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: فانظر يا محمد بعين قلبك إلى عاقبة غدر ثمود بنبيهم صالح, كيف كانت؟ وما الذي أورثها اعتداؤهم وطغيانهم وتكذيبهم؟ فإن ذلك سنتنا فيمن كذب رسلنا, وطغى علينا من سائر الخلق, فحذر قومك من قريش, أن ينالهم بتكذيبهم إياك, ما نال ثمود بتكذيبهم صالحا من المثلات.

وقوله: ( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) يقول: إنا دمرنا التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض من قوم صالح وقومهم من ثمود أجمعين, فلم نبق منهم أحدا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله « إنا » فقرأ بكسرها عامة قرّاء الحجاز والبصرة على الابتداء, وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: ( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ) بفتح الألف. وإذا فُتحت كان في ( أَنَّا ) وجهان من الإعراب: أحدهما الرفع على ردّها على العاقبة على الاتباع لها, والآخر النصب على الرد على موضع كيف؛ لأنها في موضع نصب إن شئت, وإن شئت على تكرير كان عليها على وجه, فانظر كيف كان عاقبة مكرهم كان عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 52 ) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ( 53 )

يعني تعالى ذكره بقوله: ( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ) فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم, ليس فيها منهم أحد, قد أهلكهم الله فأبادهم ( بِمَا ظَلَمُوا ) يقول تعالى ذكره: بظلمهم أنفسهم بشركهم بالله, وتكذيبهم رسولهم ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك يا محمد من القصة, لعظة لمن يعلم فعلنا بهم ما فعلنا, من قومك الذين يكذّبونك فيما جئتهم به من عند ربك وعبرة. ( وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ) يقول: وأنجينا من نقمتنا وعذابنا الذي أحللناه بثمود رسولنا صالحا والمؤمنين به. ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) يقول: وكانوا يتقون بإيمانهم, وبتصديقهم صالحا الذي حل بقومهم من ثمود ما حلّ بهم من عذاب الله, فكذلك ننجيك يا محمد وأتباعك, عند إحلالنا عقوبتنا بمشركي قومك من بين أظهرهم.

وذكر أن صالحا لما أحلّ الله بقومه ما أحلّ, خرج هو والمؤمنون به إلى الشام, فنـزل رملة فلسطين.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ( 54 ) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ( 55 )

يقول تعالى ذكره: وأرسلنا لوطا إلى قومه, إذ قال لهم: يا قوم ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) أنها فاحشة؛ لعلمكم بأنه لم يسبقكم إلى ما تفعلون من ذلك أحد. وقوله: ( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ) منكم بذلك من دون فروج النساء التي أباحها الله لكم بالنكاح. وقوله: ( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) يقول: ما ذلك منكم إلا أنكم قوم سفهاء جهلة بعظيم حقّ الله عليكم, فخالفتم لذلك أمره, وعصيتم رسوله.