القول في تأويل قوله : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهن, وتعاهدوهن والزَمُوهن، وعلى الصلاة الوسطى منهنّ.

وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا أبو زهير, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق في قوله: « حافظوا على الصلوات » ، قال: المحافظة عليها: المحافظة على وقتها, وعدم السهو عنها.

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال، حدثنا أبي, عن أبيه, عن جده, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق في هذه الآية: « حافظوا على الصلوات » ، فالحفاظ عليها: الصلاة لوقتها والسهو عنها: ترك وقتها.

ثم اختلفوا في « الصلاة الوسطى » . فقال بعضهم: هي صلاة العصر.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد جميعا قالا حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن علي قال: « والصلاة الوسطى » صلاة العصر. .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص, عن أبي إسحاق قال، حدثني من سمع ابن عباس وهو يقول: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، قال: العصر.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب بن سلام, عن أبي حيان, عن أبيه, عن علي قال: والصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو حيان, عن أبيه, عن علي مثله.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب عن الأجلح, عن أبي إسحاق, عن الحارث قال: سمعت عليا يقول: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن أبي إسحاق, عن الحارث قال: سألت عليا عن الصلاة الوسطى, فقال: صلاة العصر.

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا أبو زرعة وهب بن راشد قال، أخبرنا حيوة بن شريح قال، أخبرنا أبو صخر: أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصهباء البكري يقول: سألت علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى فقال: هي صلاة العصر, وهي التي فتن بها سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا سليمان التيمي وحدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن الفضل قال حدثنا التيمي عن أبي صالح, عن أبي هريرة أنه قال: « الصلاة الوسطى » صلاة العصر.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن عبد الله بن عثمان بن غنم, عن ابن لبيبة, عن أبي هريرة: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، ألا وهي العصر, ألا وهي العصر.

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبي وشعيب بن الليث, عن الليث, عن يزيد بن الهاد, عن ابن شهاب, عن سالم بن عبد الله, عن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله » ، « فكان ابن عمر يرى لصلاة العصر فضيلة للذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أنها الصلاة الوسطى » .

حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر, عن أبيه قال، زعم أبو صالح, عن أبي هريرة أنه قال: هي صلاة العصر.

حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثني عمي عبد الله بن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث, عن ابن شهاب, عن سالم, عن أبيه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه قال ابن شهاب، وكان ابن عمر يرى أنها الصلاة الوسطى.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عفان بن مسلم قال، حدثنا همام, عن قتادة, عن الحسن, عن أبي سعيد الخدري قال: الصلاة الوسطى: صلاة العصر.

حدثني محمد بن معمر قال، حدثنا ابن عامر قال، حدثنا محمد بن أبي حميد, عن حميدة ابنة أبي يونس مولاة عائشة قالت: أوصت عائشة لنا بمتاعها, فوجدت في مصحف عائشة: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ . »

حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن جريج قال، أخبرنا عبد الملك بن عبد الرحمن: أن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن سألت عائشة عن الصلاة الوسطى, قالت: كنا نقرؤها في الحرف الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ قال أبو جعفر: أنه قال ] صلاة العصر وقوموا لله قانتين » .

حدثني عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن، عن أمه أم حميد ابنة عبد الرحمن: أنها سألت عائشة، فذكر نحوه إلا أنه قال: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر » .

حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي, عن محمد بن عمرو أبي سهل الأنصاري, عن القاسم بن محمد, عن عائشة في قوله: « الصلاة الوسطى » ، قالت: صلاة العصر.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر » .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن داود بن قيس قال، حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفا وقالت: إذا انتهيت إلى آية الصلاة فأعلمني. فأعلمتها, فأملت علي: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر » .

حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه قال: كان الحسن يقول: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر, عن أبيه قال، حدثنا قتادة, عن أبي أيوب, عن عائشة أنها قالت: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى, عن سليمان التيمي, عن قتادة, عن أبي أيوب, عن عائشة مثله.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة, عن المغيرة, عن إبراهيم قال: كان يقال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير قال: صلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم, عن أبي بشر, عن سالم, عن حفصة: أنها أمرت رجلا يكتب لها مصحفا فقالت: إذا بلغت هذا المكان فأعلمني. فلما بلغ « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، قال: اكتب « صلاة العصر » .

حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع, عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أخبرها قالت: اكتب, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر » .

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن عاصم بن بهدلة, عن زر بن حبيش قال: صلاة الوسطى هي العصر.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، كنا نحدث أنها صلاة العصر, قبلها صلاتان من النهار، وبعدها صلاتان من الليل.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك في قوله: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، قال: أمروا بالمحافظة على الصلوات. قال: وخص العصر، « والصلاة الوسطى » ، يعني العصر.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: « والصلاة الوسطى » ، هي العصر.

حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال: « الصلاة الوسطى » صلاة العصر.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: « حافظوا على الصلوات » - يعني المكتوبات- « والصلاة الوسطى » ، يعني صلاة العصر.

حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس, عن أبي إسحاق, عن رزين بن عبيد, عن ابن عباس قال: سمعته يقول: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، قال: صلاة العصر.

حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن ثوير, عن مجاهد قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن رزين بن عبيد قال: سمعت ابن عباس يقول: هي صلاة العصر.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي قال، أنبأنا إسماعيل بن مسلم, عن الحسن, عن سمرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الصلاة الوسطى صلاة العصر » .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت يحيى بن أيوب يحدث، عن يزيد بن أبي حبيب, عن مرة بن مخمر, عن سعيد بن الحكم قال: سمعت أبا أيوب يقول: صلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثنا ابن سفيان قال، حدثنا أبو عاصم, عن مبارك, عن الحسن قال: صلاة الوسطى صلاة العصر.

وعلة من قال هذا القول ما: -

حدثني به محمد بن معمر قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا محمد - يعني ابن طلحة- عن زبيد, عن مرة, عن عبد الله قال: شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى اصفرَّت، أو احمرت- فقال: شغلونا عن الصلاة الوسطى‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا‍‍‍‍‍‍‍‍

حدثني أحمد بن سنان الواسطي قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا محمد بن طلحة, عن زبيد عن مرة, عن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه- إلا أنه قال: « ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى » . ‍‍

حدثنا محمد بن المثنى‍‍ ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث, عن أبي حسان, عن عبيدة السلماني, عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس, ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا أو بطونهم نارا شك شعبة في البطون والبيوت.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن عاصم, عن زر قال: قلت لعبيدة السلماني: سل علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى. فسأله، فقال: كنا نراها الصبح أو الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: « شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا » ‍!

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن شتير بن شكل, عن علي قال: شغلونا يوم الأحزاب عن صلاة العصر, حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا أو أجوافهم نارا

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم, عن يحيى بن الجزار عن علي, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، يوم الأحزاب، على فرضة من فرض الخندق، فقال: « شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس! ملأ الله قبورهم وبيوتهم، نارا أو بطونهم وبيوتهم نارا » .

حدثني أبو السائب وسعيد بن نمير قالا حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن شتير بن شكل, عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا! ثم صلاها بين العشاءين, بين المغرب والعشاء.

حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا علي بن عاصم, عن خالد, عن محمد بن سيرين, عن عبيدة السلماني, عن علي قال، لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر يوم الخندق إلا بعد ما غربت الشمس, فقال: ما لهم! ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا! منعونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس.

حدثنا زكريا بن يحيى الضرير قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن عاصم, عن زر قال: انطلقت أنا وعبيدة السلماني إلى علي, فأمرت عبيدة أن يسأله عن الصلاة الوسطى فقال: يا أمير المؤمنين، ما الصلاة الوسطى؟ فقال: كنا نراها صلاة الصبح, فبينا نحن نقاتل أهل خيبر, فقاتلوا, حتى أرهقونا عن الصلاة, وكان قبيل غروب الشمس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم املأ قلوب هؤلاء القوم الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى وأجوافهم نارا أو املأ قلوبهم نار قال: فعرفنا يومئذ أنها الصلاة الوسطى.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي حسان الأعرج, عن عبيدة السلماني, عن علي بن أبي طالب: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: اللهم املأ قلوبهم وبيوتهم نارا كما شغلونا أو: كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس!

حدثنا سليمان بن عبد الجبار قال، حدثنا ثابت بن محمد قال، حدثنا محمد بن طلحة, عن زبيد, عن مرة, عن ابن مسعود قال: حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى اصفرت الشمس أو: احمرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى! ملأ الله بيوتهم وقلوبهم نارا أو حشا الله قلوبهم وبيوتهم نارا.

حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا سهل بن عامر قال، حدثنا مالك بن مغول قال، سمعت طلحة قال: صليت مع مرة في بيته فسها أو قال: نسي فقام قائما يحدثنا وقد كان يعجبني أن أسمعه من ثقة قال: لما كان يوم الخندق - يعني يوم الأحزاب - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لهم! شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر! ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا.

حدثنا أحمد بن منيع قال، حدثنا عبد الوهاب, عن ابن عطاء, عن التيمي, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثني علي بن مسلم الطوسي قال، حدثنا عباد بن العوام, عن هلال بن خباب, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له, فحبسه المشركون عن صلاة العصر حتى أمسى بها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم املأ بيوتهم وأجوافهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى!

حدثنا موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا إسحاق, عن عبد الواحد الموصلي قال، حدثنا خالد بن عبد الله عن ابن أبي ليلى, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا!

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا خالد, عن ابن أبي ليلى, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس قال: شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا أو أجوافهم نارا.

حدثني المثنى قال، حدثنا سليمان بن أحمد الحرشي الواسطي قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني صدقة بن خالد قال، حدثني خالد بن دهقان, عن جابر بن سيلان, عن كهيل بن حرملة قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس, فقال: أنا أعلم لكم ذلك. فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخل عليه, ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر.

حدثني الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا أبي, وحدثنا ابن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قالا جميعا، حدثنا فضيل بن مرزوق, عن شقيق بن عقبة العبدي, عن البراء بن عازب قال: نـزلت هذه الآية: « حافظوا على الصلوات وصلاة العصر » ، قال: فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن نقرأها. ثم إن الله نسخها فأنـزل: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين » ، قال: فقال رجل كان مع شقيق: فهي صلاة العصر ! قال: قد حدثتك كيف نـزلت, وكيف نسخها الله, والله أعلم.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع, وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا جميعا، حدثنا سعيد بن أبي عروبة, وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر وعبد الله بن إسماعيل, عن سعيد عن أقتادة, عن الحسن, عن سمرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.

حدثني عصام بن رواد بن الجراح قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سعيد بن بشير, عن قتادة, عن الحسن عن سمرة قال: أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطى هي العصر.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن شعبة, عن سليمان, عن أبي الضحى, عن شتير بن شكل, عن أم حبيبة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، يوم الخندق: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس قال أبو موسى: هكذا قال ابن أبي عدي.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس, عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، وهي العصر

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد السلام, عن سالم مولى أبي نصير قال، حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال: كنت جالسا عند عبد العزيز بن مروان فقال: يا فلان، اذهب إلى فلان فقل له: أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال رجل جالس: أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى, فأخذ إصبعي الصغيرة فقال: هذه الفجر- وقبض التي تليها. وقال: هذه الظهر- ثم قبض الإبهام فقال: هذه المغرب- ثم قبض التي تليها ثم قال: هذه العشاء- ثم قال: أي أصابعك بقيت؟ فقلت: الوسطى: فقال: أي صلاة بقيت؟ قلت: العصر. قال: هي العصر.

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: ذكر لنا أن المشركين شغلوهم يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى غابت الشمس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس! ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا!

حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو, عن أبي سلمة قال، حدثنا صدقة, عن سعيد, عن قتادة, عن أبي حسان, عن عبيدة السلماني, عن علي بن أبي طالب, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب: اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس.

حدثني محمد بن عوف الطائي قال، حدثني محمد بن إسماعيل بن عياش قال، حدثنا أبي قال، حدثني ضمضم بن زرعة, عن شريح بن عبيد, عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصلاة الوسطى صلاة العصر » .

وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى صلاة الظهر.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عفان قال، حدثنا همام قال، حدثنا قتادة, عن سعيد بن المسيب, عن ابن عمر, عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر.

حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا شعبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب, عن ابن عمر, عن زيد, يعني ابن ثابت- مثله.

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى الظهر.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا سليمان بن داود قال، حدثنا شعبة, وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن شعبة قال، أخبرني عمر بن سليمان - من ولد عمر بن الخطاب- قال: سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان, يحدث عن أبيه, عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى هي الظهر.

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة, عن عمر بن سليمان هكذا قال أبو زائدة، عن عبد الرحمن بن أبان, عن أبيه, عن زيد بن ثابت في حديثه، رفعه - : الصلاة الوسطى صلاة الظهر.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا عبد الله بن يزيد قال، حدثنا حيوة بن شريح وابن لهيعة قالا حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد: أن سعيد بن المسيب حدثه أنه كان قاعدا هو وعروة بن الزبير وإبراهيم بن طلحة, فقال سعيد بن المسيب: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: الصلاة الوسطى هي الظهر. فمر علينا عبد الله بن عمر، فقال عروة: أرسلوا إلى ابن عمر فاسألوه. فأرسلوا إليه غلاما فسأله, ثم جاءنا الرسول فقال: يقول: هي صلاة الظهر. فشككنا في قول الغلام, فقمنا جميعا فذهبنا إلى ابن عمر, فسألناه فقال: هي صلاة الظهر.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا العوام بن حوشب قال، حدثني رجل من الأنصار, عن زيد بن ثابت أنه كان يقول: هي الظهر.

حدثني أحمد بن إسحاق, حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن أبي ذئب وحدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان بن عمرو, عن زيد بن ثابت قال، الصلاة الوسطى صلاة الظهر.

حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا عبيد الله, عن نافع, عن زيد بن ثابت أنه قال: الصلاة الوسطى: هي صلاة الظهر.

حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، حدثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان قال، حدثني عبد الله بن دينار, عن عبد الله بن عمر: أنه سئل عن الصلاة الوسطى قال: هي التي على أثر الضحى.

حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا نافع بن يزيد قال، حدثني الوليد بن أبي الوليد: أن سلمة بن أبي مريم حدثه: أن نفرا من قريش أرسلوا إلى عبد الله بن عمر يسألونه عن الصلاة الوسطى فقال له: هي التي على أثر صلاة الضحى. فقالوا له: ارجع واسأله, فما زادنا إلا عياء بها !! فمر بهم عبد الرحمن بن أفلح مولى عبد الله بن عمر, فأرسلوا إليه أيضا فقال: هي التي توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة.

حدثني ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع قال، حدثني زهرة بن معبد قال، حدثني سعيد بن المسيب: أنه كان قاعدا هو وعروة وإبراهيم بن طلحة, فقال له سعيد: سمعت أبا سعيد يقول: إن صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى. فمر علينا ابن عمر، فقال عروة: أرسلوا إليه فاسألوه. فسأله الغلام فقال: هي الظهر. فشككنا في قول الغلام, فقمنا إليه جميعا فسألناه, فقال: هي الظهر.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا أبو عامر, عن عبد الرحمن بن قيس, عن ابن أبي رافع, عن أبيه - وكان مولى لحفصة - قال: استكتبتني حفصة مصحفا وقالت لي: إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أملها عليك كما أقرأنيها. فلما أتيت على هذه الآية: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، أتيتها فقالت: اكتب: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر » . فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت، فقلت: يا أبا المنذر، إن حفصة قالت كذا وكذا!! قال: هو كما قالت, أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في غنمنا ونواضحنا!

وعلة من قال ذلك، ما: -

حدثنا به محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني عمرو بن أبي حكيم قال: سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير, عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة, ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها, قال: فنـزلت: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » . وقال: « إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين » .

حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن أبي ذئب, عن الزبرقان قال: إن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت فأرسلوا إليه رجلين يسألانه عن الصلاة الوسطى. فقال زيد: هي الظهر. فقام رجلان منهم فأتيا أسامة بن زيد فسألاه عن الصلاة الوسطى فقال: هي الظهر. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير, فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان, الناس يكونون في قائلتهم وفي تجارتهم, فقال رسول الله: « لقد هممت أن أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة بيوتهم! قال: فنـزلت هذه الآية: » حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى « . »

وكان آخرون يقرءون ذلك: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر » .

* ذكر من كان يقول ذلك كذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن عبد الله بن يزيد الأزدي, عن سالم بن عبد الله: « أن حفصة أمرت إنسانا فكتب مصحفا فقالت: إذا بلغت هذه الآية: » حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى « فآذني. فلما بلغ آذنها, فقالت: اكتب: » حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر « . »

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله, عن نافع: أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا، فقالت: إذا بلغت هذه الآية: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها. فلما بلغها، أمرته فكتبها: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا الله قانتين » قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه « الواو » .

حدثنا الربيع بن سليمان قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا حماد بن سلمة, عن عبيد الله بن عمر, عن نافع, عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت: لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى آمرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فلما أخبرها قالت: اكتب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر » .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبدة بن سليمان قال، حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثني أبو سلمة, عن عمرو بن رافع مولى عمر قال: كان مكتوبا في مصحف حفصة: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين » .

حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا أبي وشعيب, عن الليث قال، حدثنا خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, عن زيد, عن عمرو بن رافع قال: دعتني حفصة فكتبت لها مصحفا فقالت: إذا بلغت آية الصلاة فأخبرني. فلما كتبت: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، قالت: « وصلاة العصر » ، أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث, عن الليث قال، أخبرني خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, عن زيد: أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة مثل ذلك.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خالد, عن سعيد, عن زيد بن أسلم: أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة, عن عائشة مثل ذلك.

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قالا أخبرنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن عمير بن مريم, عن ابن عباس: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر » .

- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان, عن عطاء قال: كان عبيد بن عمير يقرأ: « وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين » .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا أبو عامر, عن عبد الرحمن بن قيس, عن ابن أبي رافع, عن أبيه - وكان مولى حفصة - قال: استكتبتني حفصة مصحفا وقالت: إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أملها عليك كما أقرئتها. فلما أتيت على هذه الآية: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، أتيتها فقالت: اكتب: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر » ، فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت فقلت: يا أبا المنذر، إن حفصه قالت كذا وكذا. قال: هو كما قالت‍! أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في نواضحنا وغنمنا؟

وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى صلاة المغرب.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد السلام, عن إسحاق بن أبي فروة, عن رجل عن قبيصة بن ذؤيب قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب, ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها، ولا تقصر في السفر, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها؟

قال أبو جعفر: ووجه قبيصة بن ذؤيب قوله: « الوسطى » إلى معنى: التوسط الذي يكون صفة للشيء، يكون عدلا بين الأمرين, كالرجل المعتدل القامة, الذي لا يكون مفرطا طوله ولا قصيرة قامته, ولذلك قال: « ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها » .

وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى التي عناها الله بقوله: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، هي صلاة الغداة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عفان قال، حدثنا همام قال، حدثنا قتادة, عن صالح أبي الخليل, عن جابر بن زيد, عن ابن عباس قال: الصلاة الوسطى صلاة الفجر.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر, عن عوف, عن أبي رجاء قال: صليت مع ابن عباس الغداه في مسجد البصرة, فقنت بنا قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي قال الله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ .

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن عوف, عن أبي رجاء العطاردي قال: صليت خلف ابن عباس، فذكر نحوه.

حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي قال، حدثنا شريك, عن عوف الأعرابي, عن أبي رجاء العطاردي قال: صليت خلف ابن عباس الفجر, فقنت فيها ورفع يديه ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عوف, عن أبي رجاء قال: صلى بنا ابن عباس الفجر, فلما فرغ قال: إن الله قال في كتابه: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، فهذه الصلاة الوسطى .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مروان, يعني ابن معاوية - , عن عوف, عن أبي رجاء العطاردي, عن ابن عباس نحوه.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عوف, عن أبي المنهال, عن أبي العالية, عن ابن عباس: أنه صلى الغداة في مسجد البصرة, فقنت قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي ذكر الله: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين » .

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا المهاجر, عن أبي العالية قال: سألت ابن عباس بالبصرة ها هنا, وإن فخذه لعلى فخذي, فقلت: يا أبا فلان، أرأيتك صلاة الوسطى التي ذكر الله في القرآن, ألا تحدثني أي صلاة هي؟ قال: وذلك حين انصرفوا من صلاة الغداة, فقال: أليس قد صليت المغرب والعشاء الآخرة؟ قال قلت: بلى! قال: ثم صليت هذه؟ قال: ثم تصلي الأولى والعصر؟ قال قلت: بلى! قال: فهي هذه.

حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا الربيع بن أنس, عن أبي العالية قال: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة زمن عمر صلاة الغداة, قال: فقلت لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبي: ما الصلاة الوسطى؟ قال: هذا الصلاة.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا عوف, عن خلاس بن عمرو, عن ابن عباس: أنه صلى الفجر فقنت قبل الركوع, ورفع إصبعيه وقال: هذه الصلاة الوسطى.

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية: أنه صلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة, فلما أن فرغوا قال، قلت لهم: أيتهن الصلاة الوسطى؟ قالوا: التي صليتها قبل.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن عثمة قال، حدثنا سعيد بن بشير, عن قتادة, عن جابر بن عبد الله قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح.

حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: كان عطاء يرى أن الصلاة الوسطى صلاة الغداة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد, عن يزيد النحوي, عن عكرمة في قوله: « والصلاة الوسطى » ، قال: صلاة الغداة.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، قال: الصبح.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن حصين , عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: الصلاة الوسطى صلاة الغداة.

حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى » ، قال: الصلاة الوسطى صلاة الغداة.

وعلة من قال هذه المقالة: أن الله تعالى ذكره قال: « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين » ، بمعنى : وقوموا لله فيها قانتين. قال: فلا صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس فيها قنوت سوى صلاة الصبح, فعلم بذلك أنها هي دون غيرها.

وقال آخرون: هي إحدى الصلوات الخمس, ولا نعرفها بعينها.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني هشام بن سعد قال: كنا عند نافع، ومعنا رجاء بن حيوة, فقال لنا رجاء: سلوا نافعا عن الصلاة الوسطى. فسألناه , فقال: قد سأل عنها عبد الله بن عمر رجل فقال: هي فيهن, فحافظوا عليهن كلهن.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد, عن قيس بن الربيع, عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة قال: سألت الربيع بن خثيم عن الصلاة الوسطى, قال: أرأيت إن علمتها كنت محافظا عليها ومضيعا سائرهن؟ قلت: لا! فقالا فإنك إن حافظت عليهن فقد حافظت عليها.

حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هكذا يعني مختلفين في الصلاة الوسطى وشبك بين أصابعه.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها قبل في تأويله: وهو أنها العصر.

والذي حث الله تعالى ذكره عليه من ذلك, نظير الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث عليه. كما: -

حدثني به أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي قال، حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا أبي, عن محمد بن إسحاق قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب, عن خير بن نعيم الحضرمي, عن عبد الله بن هبيرة النسائي قال: وكان ثقة، عن أبي تميم الجيشاني, عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر, فلما انصرف قال: إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فتوانوا فيها وتركوها, فمن صلاها منكم أضعف أجره ضعفين, ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد والشاهد: النجم.

حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خير بن نعيم, عن ابن هبيرة, عن أبي تميم الجيشاني: أن أبا بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمخمص فقال: إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها وتركوها, فمن حافظ عليها منكم أوتي أجرها مرتين.

وقال صلى الله عليه وسلم: « بكروا بالصلاة في يوم الغيم, فإنه من فاتته العصر حبط عمله » .

حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا وكيع, وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أيوب بن سويد, [ عن الأوزاعي، عن يحيى بن كثير ] عن أبي قلابة, عن أبي المهاجر, عن بريدة, عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: « من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله » .

وقال صلى الله عليه وسلم: « من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يلج النار » .

فحث صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها حثا لم يحث مثله على غيرها من الصلوات، وإن كانت المحافظة على جميعها واجبة, فكان بينا بذلك أن التي خص الله بالحث على المحافظة عليها، بعد ما عم الأمر بها جميع المكتوبات، هي التي اتبعه فيها نبيه صلى الله عليه وسلم, فخصها من الحض عليها بما لم يخصص به غيرها من الصلوات, وحذر أمته من تضييعها ما حل بمن قبلهم من الأمم التي وصف أمرها, ووعدهم من الأجر على المحافظة عليها ضعفي ما وعد على غيرها من سائر الصلوات.

وأحسب أن ذلك كان كذلك, لأن الله تعالى ذكره جعل الليل سكنا، والناس من شغلهم بطلب المعاش والتصرف في أسباب المكاسب هادئون، إلا القليل منهم, وللمحافظة على فرائض الله وإقام الصلوات المكتوبات فارغون. وكذلك ذلك في صلاة الصبح, لأن ذلك وقت قليل من يتصرف فيه للمكاسب والمطالب, ولا مؤونة عليهم في المحافظة عليها. وأما صلاة الظهر، فان وقتها وقت قائلة الناس واستراحتهم من مطالبهم، في أوقات شدة الحر وامتداد ساعات النهار، ووقت توديع النفوس والتفرغ لراحة الأبدان في أوان البرد وأيام الشتاء وأن المعروف من الأوقات لتصرف الناس في مطالبهم ومكاسبهم، والاشتغال بسعيهم لما لا بد منه لهم من طلب أقواتهم- وقتان من النهار.

أحدهما أول النهار بعد طلوع الشمس إلى وقت الهاجرة. وقد خفف الله تعالى ذكره فيه عن عباده عبء تكليفهم في ذلك الوقت, وثقل ما يشغلهم عن سعيهم في مطالبهم ومكاسبهم, وإن كان قد حثهم في كتابه وعلى لسان رسوله في ذلك الوقت على صلاة، ووعدهم عليها الجزيل من ثوابه, من غير أن يفرضها عليهم, وهي صلاة الضحى.

والآخر منهما آخر النهار, وذلك من بعد إبراد الناس إمكان التصرف وطلب المعاش صيفا وشتاء، إلى وقت مغيب الشمس. وفرض عليهم فيه صلاة العصر, ثم حث على المحافظة عليها لئلا يضيعوها لما علم من إيثار عباده أسباب عاجل دنياهم وطلب معايشهم فيها، على أسباب آجل آخرتهم بما حثهم به عليه في كتابه, وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, ووعدهم من جزيل ثوابه على المحافظة عليها ما قد ذكرت بعضه في كتابنا هذا، وسنذكر باقيه في كتابنا الأكبر إن شاء الله من ( كتاب أحكام الشرائع ) .

قال أبو جعفر: وإنما قيل لها « الوسطى » لتوسطها الصلوات المكتوبات الخمس, وذلك أن قبلها صلاتين، وبعدها صلاتين, وهي بين ذلك وسطاهن.

« والوسطى » « الفعلى » من قول القائل: « وسطت القوم أسطهم سطة ووسوطا » ، إذا دخلت وسطهم. ويقال للذكر فيه: « هو أوسطنا » وللأنثى: « هي وسطانا » .

 

القول في تأويل قوله : وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ( 238 )

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قوله « قانتين » .

فقال بعضهم: معنى « القنوت » ، الطاعة. ومعنى ذلك: وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له فيما أمركم به فيها ونهاكم عنه.

ذكر من قال ذلك:

حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا عبد الله بن المبارك, عن ابن عون, عن الشعبي في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: مطيعين.

حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس, عن ابن عون, عن الشعبي مثله.

حدثني ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو المنيب, عن جابر بن زيد: « وقوموا لله قانتين » ، يقول: مطيعين. .

حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس, عن عثمان بن الأسود, عن عطاء: « وقوموا لله قانتين » ، قال: مطيعين.

حدثنا أحمد بن عبدة الحمصي قال، حدثنا أبو عوانة, عن ابن يشر, عن سعيد بن جبير في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: مطيعين.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن الربيع بن أبي راشد, عن سعيد بن جبير أنه سئل عن « القنوت » , فقال: القنوت الطاعة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك قال: القنوت، الذي ذكره الله في القرآن, إنما يعني به الطاعة.

حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك: « وقوموا لله قانتين » ، قال: إن أهل كل دين يقومون لله عاصين, فقوموا أنتم لله طائعين.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال : قوموا لله مطيعين في كل شيء, وأطيعوه في صلاتكم.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول: « وقوموا لله قانتين » ، القنوت الطاعة, يقول: لكل أهل دين صلاة, يقومون في صلاتهم لله عاصين, فقوموا لله مطيعين.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: « قانتين » ، يقول: مطيعين.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: مطيعين.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثني شريك, عن سالم, عن سعيد: « وقوموا لله قانتين » ، يقول: مطيعين.

حدثني عمران بن بكار الكلاعي قال، حدثنا خطاب بن عثمان قال، حدثنا أبو روح عبد الرحمن بن سنان السكوني حمصي لقيته بأرمينية قال، سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: طائعين.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: مطيعين.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: « وقوموا لله قانتين » ، يقول: مطيعين.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية قال: كانوا يأمرون في الصلاة بحوائجهم, حتى أنـزلت: « وقوموا لله قانتين » ، فتركوا الكلام. قال: « قانتين » ، مطيعين.

حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا فضيل, عن عطية في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم حتى نـزلت: « وقوموا لله قانتين » ، فتركوا الكلام في الصلاة.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: كان أهل دين يقومون فيها عاصين, فقوموا أنتم لله مطيعين.

حدثنا الربيع بن سليمان قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا ابن لهيعة قال، حدثنا دراج, عن أبي الهيثم, عن أبي سعيد, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل حرف في القرآن فيه « القنوت » , فإنما هو « الطاعة » .

حدثنا العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: القنوت طاعة الله, يقول الله تعالى ذكره: « وقوموا لله قانتين » ، مطيعين.

حدثنا سعيد بن الربيع قال، حدثنا سفيان قال، قال ابن طاوس: كان أبي يقول: القنوت طاعة الله.

وقال آخرون: « القنوت » في هذه الآية، السكوت. وقالوا: تأويل الآية: وقوموا لله ساكتين عما نهاكم الله أن تتكلموا به في صلاتكم.

ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « وقوموا لله قانتين » ، القنوت، في هذه الآية، السكوت.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط, عن السدى في خبر ذكره, عن مرة, عن ابن مسعود قال: كنا نقوم في الصلاة فنتكلم, ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته, ويخبره, ويردون عليه إذا سلم، حتى أتيت أنا فسلمت فلم يردوا علي السلام, فاشتد ذلك علي، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة والقنوت: السكوت.

حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا الحكم بن ظهير, عن عاصم, عن زر, عن عبد الله قال: كنا نتكلم في الصلاة, فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي, فلما انصرف قال: قد أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة، ونـزلت هذه الآية: « وقوموا لله قانتين » .

حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري قال، أخبرنا محمد بن يزيد, وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، وابن نمير، ووكيع، ويعلى بن عبيد جميعا, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الحارث بن شبل, عن أبي عمرو الشيباني, عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا صاحبه في الحاجة, حتى نـزلت هذه الآية: ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ، فأمرنا بالسكوت.

حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، يجيء خادم الرجل إليه وهو في الصلاة فيكلمه بحاجته, فنهوا عن الكلام.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة عن عنبسة, عن الزبير بن عدي, عن كلثوم بن المصطلق, عن عبد الله بن مسعود قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عودني أن يرد علي السلام في الصلاة, فأتيته ذات يوم فسلمت فلم يرد علي، وقال: إن الله يحدث في أمره ما يشاء, وإنه قد أحدث لكم في الصلاة أن لا يتكلم أحد إلا بذكر الله, وما ينبغي من تسبيح وتمجيد: « وقوموا لله قانتين » .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: إذا قمتم في الصلاة فاسكتوا, لا تكلموا أحدا حتى تفرغوا منها. قال: والقانت المصلي الذي لا يتكلم.

وقال آخرون: « القنوت » في هذه الآية، الركوع في الصلاة والخشوع فيها. وقالوا في تأويل الآية: وقوموا لله في صلاتكم خاشعين, خافضي الأجنحة, غير عابثين ولا لاعبين.

ذكر من قال ذلك:

حدثني سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد: « وقوموا لله قانتين » ، قال: فمن القنوت طول الركوع, وغض البصر, وخفض الجناح, والخشوع من رهبة الله. كان العلماء إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يلتفت, أو أن يقلب الحصى, أو يعبث بشيء, أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسيا.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد نحوه إلا أنه قال: فمن القنوت الركود والخشوع.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ليث, عن مجاهد: « وقوموا لله قانتين » ، قال: من القنوت الخشوع, وخفض الجناح من رهبة الله. وكان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدهم إلى الصلاة، لم يلتفت، ولم يقلب الحصى، ولم يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسيا حتى ينصرف.

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن ليث, عن مجاهد في قوله « وقوموا لله قانتين » ، قال: إن من القنوت الركود, ثم ذكر نحوه.

حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قال: القنوت الركود- يعني القيام في الصلاة والانتصاب له.

وقال آخرون: بل « القنوت » ، في هذا الموضع، الدعاء. قالوا: تأويل الآية: وقوموا لله راغبين في صلاتكم.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر جميعا, عن عوف, عن أبي رجاء, قال: صليت مع ابن عباس الغداة في مسجد البصرة, فقنت بنا قبل الركوع، وقال: هذه الصلاة الوسطى التي قال الله: « وقوموا لله قانتين » .

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: « وقوموا لله قانتين » ، قول من قال: تأويله: « مطيعين » .

وذلك أن أصل « القنوت » ، الطاعة, وقد تكون الطاعة لله في الصلاة بالسكوت عما نهى الله [ عنه ] من الكلام فيها. ولذلك وجه من وجه تأويل « القنوت » في هذا الموضع، إلى السكوت في الصلاة أحد المعاني التي فرضها الله على عباده فيها إلا عن قراءة قرآن أو ذكر له بما هو أهله. ومما يدل على أنهم قالوا ذلك كما وصفنا, قول النخعي ومجاهد الذي: -

حدثنا به أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم، ومجاهد قالا كانوا يتكلمون في الصلاة, يأمر أحدهم أخاه بالحاجة، فنـزلت « وقوموا لله قانتين » ، قال: فقطعوا الكلام. و « القنوت » : السكوت, و « القنوت » الطاعة.

فجعل إبراهيم ومجاهد « القنوت » سكوتا في طاعة الله، على ما قلنا في ذلك من التأويل.

وقد تكون الطاعة لله فيها بالخشوع، وخفض الجناح, وإطالة القيام, وبالدعاء, لأن كل [ ذلك ] غير خارج من أحد معنيين: من أن يكون مما أمر به المصلي, أو مما ندب إليه, والعبد بكل ذلك لله مطيع, وهو لربه فيه قانت. و « القنوت » : أصله الطاعة لله, ثم يستعمل في كل ما أطاع الله به العبد.

فتأويل الآية إذا: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى, وقوموا لله فيها مطيعين، بترك بعضكم فيها كلام بعض وغير ذلك من معاني الكلام, سوى قراءة القرآن فيها, أو ذكر الله بالذي هو أهله، أو دعائه فيها, غير عاصين لله فيها بتضييع حدودها, والتفريط في الواجب لله عليكم فيها وفي غيرها من فرائض الله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له لما قد بيناه من معناه فإن خفتم من عدو لكم، أيها الناس, تخشونهم على أنفسكم في حال التقائكم معهم أن تصلوا قياما على أرجلكم بالأرض قانتين لله فصلوا « رجالا » ، مشاة على أرجلكم, وأنتم في حربكم وقتالكم وجهاد عدوكم « أو ركبانا » ، على ظهور دوابكم, فإن ذلك يجزيكم حينئذ من القيام منكم، قانتين.

ولما قلنا من أن معنى ذلك كذلك, جاز نصب « الرجال » بالمعنى المحذوف. وذلك أن العرب تفعل ذلك في الجزاء خاصة، لأن ثانيه شبيه بالمعطوف على أوله. ويبين ذلك أنهم يقولون: « إن خيرا فخيرا, وإن شرا فشرا » , بمعنى: إن تفعل خيرا تصب خيرا, وإن تفعل شرا تصب شرا, فيعطفون الجواب على الأول لانجزام الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، بمعنى: إن خفتم أن تصلوا قياما بالأرض، فصلوا رجالا.

« والرجال » جمع « راجل » و « رجل » ، وأما أهل الحجاز فإنهم يقولون لواحد « الرجال » « رجل » , مسموع منهم: « مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا » ، وقد سمع من بعض أحياء العرب في واحدهم « رجلان » , كما قال بعض بني عقيل:

عــلى إذا أبصــرت ليـلى بخـلوة أن ازدار بيـت اللـه رجـلان حافيـا

فمن قال « رجلان » للذكر, قال للأنثى « رجلى » , وجاز في جمع المذكر والمؤنث فيه أن يقال: « أتى القوم رجالى ورجالى » مثل « كسالى وكسالى » .

وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: « فإن خفتم فرجالا » مشددة. وعن بعضهم أنه كان يقرأ: « فرجالا » ، وكلتا القراءتين غير جائزة القراءة بها عندنا، لخلافها القراءة الموروثة المستفيضة في أمصار المسلمين.

وأما « الركبان » , فجمع « راكب » , يقال: « هو راكب، وهم ركبان وركب وركبة وركاب وأركب وأركوب » , يقال: « جاءنا أركوب من الناس وأراكيب » .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم قال: سألته عن قوله: « فرجالا أو ركبانا » ، قال: عند المطاردة، يصلى حيث كان وجهه, راكبا أو راجلا ويجعل السجود أخفض من الركوع, ويصلي ركعتين يومئ إيماء.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان, عن مغيرة عن إبراهيم في قوله: « فرجالا أو ركبانا » قال: صلاة الضراب ركعتين، يومئ إيماء.

حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد, عن سفيان, عن مغيرة , عن إبراهيم قوله: « فرجالا أو ركبانا » ، قال: يصلي ركعتين حيث كان وجهه، يومئ إيماء.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن سالم, عن سعيد بن جبير. « فرجالا أو ركبانا » ، قال: إذا طردت الخيل فأومئ إيماء.

حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن مالك, عن سعيد قال: يومئ إيماء.

حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم, عن يونس, عن الحسن: « فرجالا أو ركبانا » ، قال: إذا كان عند القتال صلى راكبا أو ماشيا حيث كان وجهه، يومئ إيماء.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في القتال على الخيل, فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا, أو كما قدر على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه إلا أنه قال: أو راكبا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أيضا: أو راكبا, أو ما قدر أن يومئ برأسه وسائر الحديث مثله.

حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك في قوله: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، قال: إذا التقوا عند القتال وطلبوا أو طلبوا أو طلبهم سبع, فصلاتهم تكبيرتان إيماء، أي جهة كانت.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك في قوله: « رجالا أو ركبانا » ، قال: ذلك عند القتال، يصلي حيث كان وجهه، راكبا أو راجلا إذا كان يطلب أو يطلبه سبع, فليصل ركعة، يومئ إيماء, فإن لم يستطع فليكبر تكبيرتين.

حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي, عن الفضل بن دلهم, عن الحسن: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، قال: ركعة وأنت تمشي, وأنت يوضع بك بعيرك ويركض بك فرسك، على أي جهة كان.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، أما « رجالا » فعلى أرجلكم، إذا قاتلتم, يصلي الرجل يومئ برأسه أينما توجه, والراكب على دابته يومئ برأسه أينما توجه.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، الآية، أحل الله لك إذا كنت خائفا عند القتال، أن تصلي وأنت راكب، وأنت تسعى, تومئ برأسك من حيث كان وجهك، إن قدرت على ركعتين, وإلا فواحدة.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن طاوس , عن أبيه: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، قال: ذاك عند المسايفة.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن الزهري في قوله: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، قال: إذا طلب الأعداء فقد حلَّ لهم أن يصلوا قِبَل أي جهة كانوا، رجالا أو ركبانا، يومئون إيماء ركعتين وقال قتادة: تجزي ركعة.

حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، قال: كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتين، راكبا كان أو راجلا.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة,عن إبراهيم في قوله: « فإن خفتم فرجالا أو راكبانا » ، قال : يصلي الرجل في القتال المكتوبة على دابته وعلى راحلته حيث كان جهه, يومئ إيماء عند كل ركوع وسجود, ولكن السجود أخفض من الركوع. فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا، هذا في المطاردة.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي قال: كان قتادة يقول: إن استطاع ركعتين وإلا فواحدة، يومئ إيماء, إن شاء راكبا أو راجلا قال الله تعالى ذكره: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي, عن قتادة, عن الحسن قال، في الخائف الذي يطلبه العدو, قال: إن استطاع أن يصلي ركعتين , وإلا صلى ركعة.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن يونس, عن الحسن قال: ركعة.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة, فقالوا: ركعة .

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة، عن صلاة المسايفة, فقالوا: يومئ إيماء حيث كان وجهه.

حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر, عن حماد والحكم وقتادة: أنهم سئلوا عن الصلاة عند المسايفة, فقالوا: ركعة حيث وجهك.

حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن فضيل, عن أشعث بن سوار قال: سألت ابن سيرين عن صلاة المنهزم فقال: كيف استطاع.

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن سعيد بن يزيد, عن أبي نضرة, عن جابر بن غراب قال: كنا نقاتل القوم وعلينا هرم بن حيان, فحضرت الصلاة فقالوا: الصلاة، الصلاة ! فقال هرم: يسجد الرجل حيث كان وجهه سجدة. قال: ونحن مستقبلو المشرق.

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن الجريري, عن أبي نضرة قال: كان هرم بن حيان على جيش، فحضروا العدو فقال: يسجد كل رجل منكم تحت جنته حيث كان وجهه سجدة, أو ما استيسر فقلت لأبي نضرة : ما « ما استيسر » ؟ قال: يومئ.

حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا أبو مسلمة, عن أبي نضرة قال، حدثني جابر بن غراب قال: كنا مع هرم بن حيان نقاتل العدو مستقبلي المشرق, فحضرت الصلاة فقالوا: الصلاة! فقال : يسجد الرجل تحت جنته سجدة.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن عبد الملك بن أبي سليمان, عن عطاء في قوله: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، قال: تصلي حيث توجهت راكبا وماشيا, وحيث توجهت بك دابتك, تومئ إيماء للمكتوبة.

حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا هبة بن الوليد قال، حدثنا المسعودي قال، حدثني يزيد الفقير, عن جابر بن عبد الله قال: صلاة الخوف ركعة.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا موسى بن محمد الأنصاري، عن عبد الملك, عن عطاء في هذه الآية قال: إذا كان خائفا صلى على أي حال كان. .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال مالك- وسألته عن قول الله: « فرجالا أو ركبانا » - قال: راكبا وماشيا, ولو كانت إنما عنى بها الناس, لم يأت إلا « رجالا » وانقطعت الآية. إنما هي « رجال » : مشاة، وقرأ: يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [ سورة الحج: 27 ] قال: يأتون مشاة وركبانا.

قال أبو جعفر: الخوف الذي للمصلي أن يصلي من أجله المكتوبة ماشيا راجلا وراكبا جائلا الخوف على المهجة عند السلة والمسايفة في قتال من أمر بقتاله، من عدو للمسلمين, أو محارب, أو طلب سبع, أو جمل صائل، أو سيل سائل فخاف الغرق فيه.

وكل ما الأغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الأمن، فإنه إذا كان ذلك كذلك, فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه، يومئ إيماء لعموم كتاب الله: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الأنواع, بعد أن يكون الخوف، صفته ما ذكرت.

وإنما قلنا إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك، هو الذي الأغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها, وذلك حال شدة الخوف، لأن: -

محمد بن حميد وسفيان بن وكيع حدثاني قالا حدثنا جرير, عن عبد الله بن نافع, عن أبيه, عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف : يقوم الأمير وطائفة من الناس معه فيسجدون سجدة واحدة, ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو. ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم, ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا, ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة. ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه, وإن كان خوف أشد من ذلك « فرجالا أو ركبانا » .

حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا ابن جريح, عن موسى بن عقبة, عن نافع , عن ابن عمر قال: إذا اختلطوا - يعني في القتال - فإنما هو الذكر, وأشارة بالرأس. قال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « وإن كانوا أكثر من ذلك، فيصلون قياما وركبانا » .

ففصل النبي بين حكم صلاة الخوف في غير حال المسايفة والمطاردة، وبين حكم صلاة الخوف في حال شدة الخوف والمسايفة, على ما روينا عن ابن عمر. فكان معلوما بذلك أن قوله تعالى ذكره: « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » ، إنما عنى به الخوف الذي وصفنا صفته.

وبنحو الذي روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن ابن عمر أنه كان يقول:

حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر أنه قال: في صلاة الخوف: يصلى بطائفة من القوم ركعة، وطائفة تحرس. ثم ينطلق هؤلاء الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم. ثم يحيي أولئك فيصلي بهم ركعة, ثم يسلم, وتقوم كل طائفة فتصلي ركعة. قال: فإن كان خوف أشد من ذلك « فرجالا أو ركبانا » .

وأما عدد الركعات في تلك الحال من الصلاة, فإني أحب أن لا يقصر من عددها في حال الأمن. وإن قصر عن ذلك فصلى ركعة، رأيتها مجزئة, لأن: -

بشر بن معاذ حدثني قال، حدثنا أبو عوانة, عن بكر بن الأخنس, عن مجاهد, عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا, وفي السفر ركعتين, وفي الخوف ركعة.

 

القول في تأويل قوله : فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ( 239 )

قال أبو جعفر: وتأويل ذلك : « فإذا أمنتم » ، أيها المؤمنون، من عدوكم أن يقدر على قتلكم في حال اشتغالكم بصلاتكم التي فرضها عليكم- ومن غيره ممن كنتم تخافونه على أنفسكم في حال صلاتكم- فاطمأننتم, « فاذكروا الله » في صلاتكم وفي غيرها بالشكر له والحمد والثناء عليه, على ما أنعم به عليكم من التوفيق لإصابة الحق الذي ضل عنه أعداؤكم من أهل الكفر بالله, كما ذكركم بتعليمه إياكم من أحكامه, وحلاله وحرامه, وأخبار من قبلكم من الأمم السالفة, والأنباء الحادثة بعدكم- في عاجل الدنيا وآجل الآخرة, التي جهلها غيركم وبصركم، من ذلك وغيره, إنعاما منه عليكم بذلك, فعلمكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون.

وكان مجاهد يقول في قوله: « فإذا أمنتم » ، ما: -

حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: « فإذا أمنتم » ، قال: خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة.

وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « فإذا أمنتم فاذكروا الله » ، قال: فإذا أمنتم فصلوا الصلاة كما افترض الله عليكم- إذا جاء الخوف كانت لهم رخصة.

وقوله ها هنا: « فاذكروا الله » ، قال: الصلاة، « كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون » .

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد، قول غيره أولى بالصواب منه, لإجماع الجميع على أن الخوف متى زال، فواجب على المصلي المكتوبة- وإن كان في سفر- أداؤها بركوعها وسجودها وحدودها, وقائما بالأرض غير ماش ولا راكب, كالذي يجب عليه من ذلك إذا كان مقيما في مصره وبلده, إلا ما أبيح له من القصر فيها في سفره. ولم يجر في هذه الآية للسفر ذكر, فيتوجه قوله: « فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون » ، إليه. وإنما جرى ذكر الصلاة في حال الأمن، وحال شده الخوف, فعرف الله سبحانه وتعالى عباده صفة الواجب عليهم من الصلاة فيهما. ثم قال: « فإذا أمنتم » فزال الخوف، فأقيموا صلاتكم وذكري فيها وفي غيرها، مثل الذي أوجبته عليكم قبل حدوث حال الخوف.

وبعد، فإن كان جرى للسفر ذكر, ثم أراد الله تعالى ذكره تعريف خلقه صفة الواجب عليهم من الصلاة بعد مقامهم، لقال: فإذا أقمتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ولم يقل: « فإذا أمنتم » .

وفي قوله تعالى ذكره: « فإذا أمنتم » ، الدلالة الواضحة على صحة قول من وجه تأويل ذلك إلى الذي قلنا فيه, وخلاف قول مجاهد.

 

القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: « والذين يتوفون منكم » ، أيها الرجال ويذرون أزواجا يعني زوجات كن له نساء في حياته, بنكاح لا ملك يمين. ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخبر بذكره, نظير الذي مضى من ذلك في قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [ سورة البقرة: 234 ] إلى الخبر عن ذكر أزواجهم. وقد ذكرنا وجه ذلك, ودللنا على صحة القول فيه في نظيره الذي قد تقدم قبله, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.

ثم قال تعالى ذكره: « وصية لأزواجهم » ، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك: فقرأ بعضهم: « وصية لأزواجهم » ، بنصب « الوصية » ، بمعنى: فليوصوا وصية لأزواجهم, أو: عليهم [ أن يوصوا ] وصية لأزواجهم.

و قرأ آخرون: ( وَصِيِّةٌ لأزْوَاجِهِمْ ) برفع « الوصية » .

ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع « الوصية » .

فقال بعضهم: رفعت بمعنى: كتبت عليهم الوصية. واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله.

فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، كتبت عليهم وصية لأزواجهم- ثم ترك ذكر « كتبت » , ورفعت « الوصية » بذلك المعنى، وإن كان متروكا ذكره.

وقال آخرون منهم: بل « الوصية » مرفوعة بقوله: « لأزواجهم » فتأول: لأزواجهم وصية.

والقول الأول أولى بالصواب في ذلك, وهو أن تكون « الوصية » إذا رفعت مرفوعة بمعنى: كتبت عليكم وصية لأزواجكم. لأن العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت, فإذا أظهرت بدأت به قبلها, فتقول: « جاءني رجل اليوم » , وإذا قالوا: « رجل جاءني اليوم » لم يكادوا أن يقولونه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه ب « هذا » , أو غائب قد علم المخبر عنه خبره, أو بحذف « هذا » وإضماره وإن حذفوه، لمعرفة السامع بمعنى المتكلم, كما قال الله تعالى ذكره: سُورَةٌ أَنْـزَلْنَاهَا [ سورة النور: 1 ] و بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ سورة التوبة: 1 ] ، فكذلك ذلك في قوله: « وصية لأزواجهم » .

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا، لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا كان حقا لها قبل نـزول قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [ سورة البقرة: 234 ] ، وقبل نـزول آية الميراث ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك, أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن، أو لم يوصوا لهن به.

فإن قال قائل: وما الدلالة على ذلك؟

قيل: لما قال الله تعالى ذكره: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم » ، وكان الموصي لا شك، إنما يوصي في حياته بما يأمر بإنفاذه بعد وفاته, وكان محالا أن يوصي بعد وفاته, كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكن الحول بعد وفاته ، علمنا أنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه لها, إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته.

ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال: « فليوص وصية » , لكان التنـزيل: والذين تحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا، وصية لأزواجهم, كما قال: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [ سورة البقرة: 180 ]

وبعدُ, فلو كان ذلك واجبًا لهن بوصية من أزواجهن المتوفّين, لم يكن ذلك حقًّا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم, ولكان قد كان لورثتهم إخراجهن قبل الحول، وقد قال الله تعالى ذكره: « غير إخراج » . ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئُه: « وصيةً لأزواجهم » ، بمعنى: أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهنّ. وإنما تأويل ذلك: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا، كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون- أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا كما قال تعالى ذكره في « سورة النساء غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [ سورة النساء: 12 ] ، ثم ترك ذكر: » كتب الله « ، اكتفاء بدلالة الكلام عليه, ورفعت » الوصية « بالمعنى الذي قلنا قبل. »

فإن قال قائل: فهل يجوز نصب « الوصية » [ على الحال، بمعتى موصين ] لهن وصية؟

قيل: لا لأن ذلك إنما كان يكون جائزا لو تقدم « الوصية » من الكلام ما يصلح أن تكون الوصية خارجة منه, فأما ولم يتقدمه ما يحسن أن تكون منصوبة بخروجها منه, فغير جائز نصبها بذلك المعنى.

* ذكر بعض من قال: إن سكنى حول كامل كان حقا لأزواج المتوفين بعد موتهم على ما قلنا أوصى بذلك أزواجهن لهن أو لم يوصوا لهن به, وأن ذلك نسخ بما ذكرنا من الأربعة الأشهر والعشر والميراث.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن منهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال: سألت قتادة عن قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » ، فقال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها، ما لم تخرج. ثم نسخ ذلك بعد في « سورة النساء » , فجعل لها فريضة معلومة: الثمن إن كان له ولد, والربع إن لم يكن له ولد, وعدتها أربعة أشهر وعشرا, فقال تعالى ذكره: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [ سورة البقرة: 234 ] ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » الآية، قال: كان هذا من قبل أن تنـزل آية الميراث, فكانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا إن شاءت, فنسخ ذلك في « سورة النساء » , فجعل لها فريضة معلومة: جعل لها الثمن إن كان له ولد, وإن لم يكن له ولد فلها الربع، وجعل عدتها أربعة أشهر وعشر, فقال: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا .

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » ، فكان الرجل إذا مات وترك امرأته, اعتدت سنة في بيته, ينفق عليها من ماله، ثم أنـزل الله تعالى ذكره بعد: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها. إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها. وقال في ميراثها: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ [ سورة النساء: 12 ] ، فبين الله ميراث المرأة, وترك الوصية والنفقة.

حدثنا عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال، سمعت عبيد الله بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: « وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » ، كان الرجل إذا توفي أنفق على امرأته في عامه إلى الحول, ولا تزوج حتى تستكمل الحول. وهذا منسوخ: نسخ النفقة عليها الربع والثمن من الميراث, ونسخ الحول أربعة أشهر وعشر.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » ، قال: الرجل إذا توفي أنفق على امرأته إلى الحول, ولا تزوج حتى يمضي الحول, فأنـزل الله تعالى ذكره: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فنسخ الأجل الحول, ونسخ النفقة الميراث الربع والثمن.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » ، قال: كان ميراث المرأة من زوجها من ربعه: أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول, يقول: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ الآية، ثم نسخها ما فرض الله من الميراث قال، وقال مجاهد: « وصية لأزواجهم » سكنى الحول, ثم نسخ هذه الآية الميراث.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان لأزواج الموتى حين كانت الوصية، نفقة سنة. فنسخ الله ذلك الذي كتب للزوجة من نفقة السنة بالميراث, فجعل لها الربع أو الثمن وفي قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، قال: هذه الناسخة.

* ذكر من قال: كان ذلك يكون لهن بوصية من أزواجهن لهن به:

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا » الآية، قال: كانت هذه من قبل الفرائض, فكان الرجل يوصي لامرأته ولمن شاء. ثم نسخ ذلك بعد, فألحق الله تعالى بأهل المواريث ميراثهم, وجعل للمرأة إن كان له ولد الثمن, وإن لم يكن له ولد فلها الربع. وكان ينفق على المرأة حولا من مال زوجها, ثم تحول من بيته. فنسخته العدة أربعة أشهر وعشرا, ونسخ الربع أو الثمن الوصية لهن, فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم » ، إلى فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ، يوم نـزلت هذه الآية، كان الرجل إذا مات أوصى لامرأته بنفقتها وسكناها سنة, وكانت عدتها

أربعة أشهر وعشرا, فإن هي خرجت حين تنقضي أربعة أشهر وعشرا، انقطعت عنها النفقة, فذلك قوله: فَإِنْ خَرَجْنَ ، وهذا قبل أن تنـزل آية الفرائض, فنسخه الربع والثمن, فأخذت نصيبها, ولم يكن لها سكنى ولا نفقة.

حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت أبي قال، يزعم قتادة أنه كان يوصى للمرأة بنفقتها إلى رأس الحول.

* ذكر من قال: « نسخ ذلك ما كان لهن من المتاع إلى الحول، من غير تبيينه على أي وجه كان ذلك لهن » :

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن حبيب, عن إبراهيم في قوله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول » ، قال: هي منسوخة.

حدثنا الحسن بن الزبرقان قال، حدثنا أسامة, عن سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت إبراهيم يقول, فذكر نحوه.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح, عن حصين, عن يزيد النحوي, عن عكرمة والحسن البصري قالا « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » ، نسخ ذلك بآية الميراث وما فرض لهن فيها من الربع والثمن, ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس, عن ابن سيرين, عن ابن عباس: أنه قام يخطب الناس ها هنا, فقرأ لهم سورة البقرة, فبين لهم فيها، فأتى على هذه الآية : إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [ سورة البقرة: 180 ] ، قال: فنسخت هذه. ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا » إلى قوله: ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) ، فقال: وهذه .

وقال آخرون: هذه الآية ثابتة الحكم، لم ينسخ منها شيء.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [ سورة البقرة: 234 ] ، قال: كانت هذه للمعتدة، تعتد عند أهل زوجها، واجبا ذلك عليها, فأنـزل الله: « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » ، إلى قوله: مِنْ مَعْرُوفٍ . قال: جعل الله لهم تمام السنة، سبعة أشهر وعشرين ليلة، وصية: إن شاءت سكنت في وصيتها, وإن شاءت خرجت, وهو قول الله تعالى ذكره: ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) ، قال: والعدة كما هي واجبة.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح, عن عطاء, عن ابن عباس أنه قال: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، تعتد حيث شاءت, وهو قول الله: ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) . قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها, وإن شاءت خرجت، لقول الله تعالى ذكره: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ قال عطاء: جاء الميراث بنسخ السكنى، تعتد حيث شاءت ولا سكنى لها.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره كان جعل لأزواج من مات من الرجال بعد موتهم، سكنى حول في منـزله, ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة، ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه, وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن، لم تكن ورثة الميت من خروجهن في حرج. ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث, وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة, وردهن إلى أربعة أشهر وعشر، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا حجاج قال، أخبرنا حيوة بن شريح, عن ابن عجلان, عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة, وأخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة, عن فريعة أخت أبي سعيد الخدري: أن زوجها خرج في طلب عبد له, فلحقه بمكان قريب فقاتله، وأعانه عليه أعبد معه فقتلوه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجها خرج في طلب عبد له, فلقيه علوج فقتلوه, وإني في مكان ليس فيه أحد غيري, وإن أجمع لأمري أن أنتقل إلى أهلي! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل امكثي مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله.

وأما قوله: « متاعا » ، فإن معناه: جعل ذلك لهن متاعا, أي الوصية التي كتبها الله لهن.

وإنما نصب « المتاع » , لأن في قوله: « وصية لأزواجهم » ، معنى متعهن الله, فقيل: « متاعا » ، مصدرا من معناه لا من لفظه.

وقوله: ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) ، فإن معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول، لا إخراجا من مسكن زوجها يعني: لا إخراج فيه منه حتى ينقضي الحول. فنصب « غير » على النعت ل « لمتاع » ، كقول القائل: « هذا قيام غير قعود » , بمعنى: هذا قيام لا قعود معه, أو: لا قعود فيه.

وقد زعم بعضهم أنه منصوب بمعنى: لا تخرجوهن إخراجا، وذلك خطأ من القول. لأن ذلك إذا نصب على هذا التأويل، كان نصبه من كلام آخر غير الأول, وإنما هو منصوب بما نصب « المتاع » على النعت له.

 

القول في تأويل قوله : فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 240 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن المتاع الذي جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم، ونهى ورثته عن إخراجهن, إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن, وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن، بغير إخراج من ورثة الميت.

ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن. لأن المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل، لم يكن فرضا عليهن, وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات. فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف, وذلك ترك الحداد. يقول: فلا حرج عليكم في التزين إن تزينّ وتطيبن وتزوجن, لأن ذلك لهن.

وإنما قلنا: « لا حرج عليهنّ في خروجهن » , وإن كان إنما قال تعالى ذكره: « فلا جناح عليكم » ، لأن ذلك لو كان عليهن فيه جناح, لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن والخروج، مع قدرتهم على منعهنّ من ذلك. ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد, وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف, وذلك في أنفسهن.

وقد مضت الرواية عن أهل التأويل بما قلناه في ذلك قبل.

وأما قوله: ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، فإنه يعني تعالى ذكره: « والله عزيز » ، في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء, فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل: من المتعة والصداق والوصية، وإخراجهن قبل انقضاء الحول، وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج، وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات « حكيم » ، فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله: ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته.

القول في تأويل قوله جل ذكره وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ( 241 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولمن طلق من النساء على مطلقها من الأزواج، « متاع » . يعني بذلك: ما تستمتع به من ثياب وكسوة أو نفقة أو خادم، وغير ذلك مما يستمتع به. وقد بينا فيما مضى قبل معنى ذلك, واختلاف أهل العلم فيه، والصواب من القول من ذلك عندنا، بما فيه الكفاية من إعادته.

وقد اختلف أهل العلم في المعنية بهذه الآية من المطلقات.

فقال بعضهم: عني بها الثيِّبات اللواتي قد جومعن. قالوا: وإنما قلنا ذلك، لأن [ الحقوق اللازمة للمطلقات ] غير المدخول بهن في المتعة، قد بينها الله تعالى ذكره في الآيات قبلها, فعلمنا بذلك أن في هذه الآية بيان أمر المدخول بهن في ذلك.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى بن ميمون, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء في قوله: « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » ، قال: المرأة الثيب يمتعها زوجها إذا جامعها بالمعروف.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله وزاد فيه: ذكره شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء.

وقال آخرون: بل في هذه الآية دلالة على أن لكل مطلقة متعة، وإنما أنـزلها الله تعالى ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم، لما فيها من زيادة المعنى الذي فيها على ما سواها من آي المتعة, إذ كان ما سواها من آي المتعة إنما فيه بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت, وفي هذه بيان حكم جميع المطلقات في المتعة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب, عن سعيد بن جبير في هذه الآية: « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » ، قال: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين.

حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يونس، عن الزهري- في الأمة يطلقها زوجها وهي حبلى- قال: تعتد في بيتها. وقال: لم أسمع في متعة المملوكة شيئا أذكره, وقد قال الله تعالى ذكره: « متاع بالمعروف حقا على المتقين » ، ولها المتعة حتى تضع.

حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا ابن جريج, عن عطاء قال: قلت له: أللأمة من الحر متعة؟ قال: لا. قلت: فالحرة عند العبد؟ قال: لا وقال عمرو بن دينار: نعم, « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » .

وقال آخرون: إنما نـزلت هذه الآية, لأن الله تعالى ذكره لما أنـزل قوله : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [ سورة البقرة: 236 ] ، قال رجل من المسلمين: فإنا لا نفعل إن لم نرد أن نحسن. فأنـزل الله: « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » ، فوجب ذلك عليهم.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، فقال رجل: فإن أحسنت فعلت, وإن لم أرد ذلك لم أفعل! فأنـزل الله: « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله سعيد بن جبير, من أن الله تعالى ذكره أنـزلها دليلا لعباده على أن لكل مطلقة متعة. لأن الله تعالى ذكره ذكر في سائر آي القرآن التي فيها ذكر متعة النساء، خصوصا من النساء, فبين في الآية التي قال فيها: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [ سورة البقرة: 236 ] ، وفي قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [ سورة الأحزاب: 49 ] ، ما لهن من المتعة إذا طلقن قبل المسيس, وبقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [ سورة الأحزاب: 28 ] ، حكم المدخول بهن، وبقي حكم الصبايا إذا طلقن بعد الابتناء بهن, وحكم الكوافر والإماء. فعم الله تعالى ذكره بقوله: « وللمطلقات متاع بالمعروف » ذكر جميعهن, وأخبر بأن لهن المتاع, كما خص المطلقات الموصوفات بصفاتهن في سائر آي القرآن، ولذلك كرر ذكر جميعهن في هذه الآية.

وأما قوله: ( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، فإنا قد بينا معنى قوله: « حقا » , ووجه نصبه, والاختلاف من أهل العربية في قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [ سورة البقرة: 236 ] ، ففي ذلك مستغنى عن إعادته في هذا الموضع.

فأما « المتقون » : فهم الذين اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده, فقاموا بها على ما كلفهم القيام بها خشية منهم له, ووجلا منهم من عقابه.

وقد تقدم بيان تأويل ذلك نصا بالرواية.

 

القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 242 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، كما بينت لكم ما يلزمكم لأزواجكم ويلزم أزواجكم لكم، أيها المؤمنون, وعرفتكم أحكامي والحق الواجب لبعضكم على بعض في هذه الآيات, فكذلك أبين لكم سائر الأحكام في آياتي التي أنـزلتها على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب, لتعقلوا- أيها المؤمنون بي وبرسولي- حدودي, فتفهموا اللازم لكم من فرائضي, وتعرفوا بذلك ما فيه صلاح دينكم ودنياكم، وعاجلكم وآجلكم, فتعلموا به ليصلح ذات بينكم، وتنالوا به الجزيل من ثوابي في معادكم.

 

القول في تأويل قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: « ألم تر » ، ألم تعلم، يا محمد؟ وهو من « رؤية القلب » لا « رؤية العين » ، لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر، و « رؤية القلب » : ما رآه، وعلمه به. فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : « وهم ألوف » .

فقال بعضهم: في العدد، بمعنى جماع « ألف » .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت » ، كانوا أربعة آلاف، خرجوا فرارا من الطاعون, قالوا: « نأتي أرضا ليس فيها موت » ! حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا, قال لهم الله : « موتوا » . فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم, فأحياهم، فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت » ، قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم الله, فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه, فأحياهم.

حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان, فشكوا ما أصابهم وقالوا: « يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه » ! فأوحى الله إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء, وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا, وأي راحة لهم في الموت؟ أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا, فإن فيها أربعة آلاف قال وهب: وهم الذين قال الله: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت » فقم فيهم فنادهم، وكانت عظامهم قد تفرقت, فرقتها الطير والسباع. فناداهم حزقيل فقال: « يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي » ! فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا. ثم نادى ثانية حزقيل فقال: « أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم » ، فاكتست اللحم, وبعد اللحم جلدا, فكانت أجسادا. ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: « أيتها الأرواح، إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك » ! فقاموا بإذن الله, وكبروا تكبيرة واحدة.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف » ، يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله, ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى فقال أحدهم لصاحبه، أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه: أهو هو؟ فقالا إنا نجده في كتابنا: « قرنا من حديد، يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيى الموتى بإذن الله » . فقال عمر: ما نجد في كتاب الله « حزقيل » ولا « أحيى الموتى بإذن الله » ، إلا عيسى. فقالا أما تجد في كتاب الله وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ، [ سورة النساء: 164 ] ، فقال عمر: بلى! قالا وأما إحياء الموتى فسنحدثك: إن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء, فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله, فبنوا عليهم حائطا, حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال شاء الله, فبعثهم الله له, فأنـزل الله في ذلك: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف » ، الآية.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الحجاج بن أرطأة قال: كانوا أربعة آلاف.

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف » ، إلى قوله: ( ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) ، قال: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، وقع بها الطاعون, فهرب عامة أهلها فنـزلوا ناحية منها, فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون, فلم يمت منهم كبير. فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين, فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا, لو صنعنا كما صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم! فوقع في قابل فهربوا, وهم بضعة وثلاثون ألفا, حتى نـزلوا ذلك المكان, وهو واد أفيح, فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا ! فماتوا, حتى إذا هلكوا وبليت أجسادهم, مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقه وأصابعه, فأوحى الله إليه: يا حزقيل, أتريد أن أريك فيهم كيف أحييهم؟ قال: وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم فقال: نعم! فقيل له: ناد! فنادى: « يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تجتمعي! » ، فجعلت تطير العظام بعضها إلى بعض، حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن ناد: « يا أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي لحما » ، فاكتست لحما ودما، وثيابها التي ماتت فيها وهي عليها. ثم قيل له: ناد ! فنادى: « يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي » , فقاموا.

حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, قال: فزعم منصور بن المعتمر, عن مجاهد: أنهم قالوا حين أحيوا: « سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت » ، فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى, سحنة الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن، حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد الرحمن بن عوسجة, عن عطاء الخراساني: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف » ، قال: كانوا ثلاثة آلاف أو أكثر.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف، حظر عليهم حظائر, وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح, وهم ألوف فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله ثم أحياهم, فأمرهم بالجهاد, فذلك قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق, عن وهب بن منبه أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع, خلف فيهم - يعني في بني إسرائيل - حزقيل بن بوزي وهو ابن العجوز، وإنما سمي « ابن العجوز » أنها سألت الله الولد وقد كبرت وعقمت, فوهبه الله لها, فلذلك قيل له « ابن العجوز » وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون » . .

حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال: بلغني أنه كان من حديثهم أنهم خرجوا فرارا من بعض الأوباء من الطاعون، أو من سقم كان يصيب الناس حذرا من الموت, وهم ألوف، حتى إذا نـزلوا بصعيد من البلاد قال لهم الله: « موتوا » ، فماتوا جميعا. فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرة دون السباع, ثم تركوهم فيها, وذلك أنهم كثروا عن أن يغيبوا. فمرت بهم الأزمان والدهور, حتى صاروا عظاما نخرة، فمر بهم حزقيل بن بوزى, فوقف عليهم, فتعجب لأمرهم ودخلته رحمة لهم، فقيل له: أتحب أن يحييهم الله؟ فقال: نعم! فقيل له: نادهم فقل: « أيتها العظام الرميم التي قد رمت وبليت, ليرجع كل عظم إلى صاحبه » . فناداهم بذلك, فنظر إلى العظام تواثب يأخذ بعضها بعضا. ثم قيل له: قل: « أيها اللحم والعصب والجلد، اكس العظام بإذن ربك » ، قال: فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثم اللحم والجلد والأشعار, حتى استووا خلقا ليست فيهم الأرواح. ثم دعا لهم بالحياة, فتغشاه من السماء شيء كربه حتى غشي عليه منه، ثم أفاق والقوم جلوس يقولون: « سبحان الله, سبحان الله » قد أحياهم الله.

وقال آخرون: معنى قوله « وهم ألوف » وهم مؤتلفون.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قول الله: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم » ، قال: قرية كانت نـزل بها الطاعون, فخرجت طائفة منهم وأقامت طائفة، فألح الطاعون بالطائفة التي أقامت, والتي خرجت لم يصبهم شيء. ثم ارتفع, ثم نـزل العام القابل, فخرجت طائفة أكثر من التي خرجت أولا فاستحر الطاعون بالطائفة التي أقامت. فلما كان العام الثالث، نـزل فخرجوا بأجمعهم وتركوا ديارهم, فقال الله تعالى ذكره: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف » ، ليست الفرقة أخرجتهم، كما يخرج للحرب والقتال، قلوبهم مؤتلفة, إنما خرجوا فرارا. فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة, قال لهم الله: « موتوا » ، في المكان الذي ذهبوا إليه يبتغون فيه الحياة. فماتوا، ثم أحياهم الله، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ . قال: ومر بها رجل وهي عظام تلوح، فوقف ينظر فقال: « أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ » ، فأماته الله مائة عام.

* ذكر الأخبار عمن قال: كان خروج هؤلاء القوم من ديارهم فرارا من الطاعون.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن الأشعث, عن الحسن في قوله: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت » ، قال. خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم قبل آجالهم, ثم أحياهم إلى آجالهم.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن في قوله: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت » ، قال: فروا من الطاعون, فقال لهم الله: ( مُوتُوا ) ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى , عن ابن أبي نجيح, عن عمرو بن دينار في قول الله تعالى ذكره: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت » ، قال: وقع الطاعون في قريتهم, فخرج أناس وبقي أناس، فهلك الذين بقوا في القرية، وبقي الآخرون. ثم وقع الطاعون في قريتهم الثانية, فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي. فنجى الله الذين خرجوا, وهلك الذين بقوا. فلما كانت الثالثة خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم [ وقد أنكروا قريتهم، ومن تركوا ] . وكثروا بها, حتى يقول بعضهم لبعض: من أنتم؟

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: وقع الطاعون في قريتهم ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف » الآية، مقتهم الله على فرارهم من الموت, فأماتهم الله عقوبة، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها, ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن حصين, عن هلال بن يساف في قوله تعالى: « ألم تر إلى الذين خرجوا » الآية، قال: هؤلاء القوم من بني إسرائيل، كان إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم. قال: فاستحر الموت على المقيمين منهم, ونجا من خرج منهم. فقال الذين خرجوا: لو أقمنا كما أقام هؤلاء، لهلكنا كما هلكوا ! وقال المقيمون: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء، لنجونا كما نجوا ! فظعنوا جميعا في عام واحد, أغنياؤهم وأشرافهم وفقراؤهم وسفلتهم. فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق. قال: فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد, فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك! قال: أو أحب إليك أن أفعل؟ قال نعم! قال: فقل: كذا وكذا، فتكلم به, فنظر إلى العظام , وإن العظم ليخرج من عند العظم الذي ليس منه إلى العظم الذي هو منه. ثم تكلم بما أمر, فإذا العظام تكسى لحما. ثم أمر بأمر فتكلم به, فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون. ثم قيل لهم: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن حماد بن عثمان, عن الحسن: أنه قال في الذين أماتهم الله ثم أحياهم قال: هم قوم فروا من الطاعون, فأماتهم الله عقوبة ومقتا, ثم أحياهم لآجالهم.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل قوله: « وهم ألوف » بالصواب, قول من قال: « عنى بالألوف كثرة العدد » دون قول من قال: « عنى به الائتلاف » ، بمعنى ائتلاف قلوبهم, وأنهم خرجوا من ديارهم من غير افتراق كان منهم ولا تباغض, ولكن فرارا: إما من الجهاد, وإما من الطاعون لإجماع الحجة على أن ذلك تأويل الآية, ولا يعارض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين.

وأولى الأقوال- في مبلغ عدد القوم الذين وصف الله خروجهم من ديارهم- بالصواب, قول من حد عددهم بزيادة عن عشرة آلاف، دون من حده بأربعة آلاف، وثلاثة آلاف، وثمانية آلاف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم كانوا ألوفا, وما دون العشرة آلاف لا يقال لهم: « ألوف » . وإنما يقال « هم آلاف » ، إذا كانوا ثلاثة آلاف فصاعدا إلى العشرة آلاف. وغير جائز أن يقال: هم خمسة ألوف، أو عشرة ألوف.

وإنما جمع قليله على « أفعال » ، ولم يجمع على « أفعل » مثل سائر الجمع القليل الذي يكون ثاني مفرده ساكنا للألف التي في أوله. وشأن العرب في كل حرف كان أوله، ياء أو واوا أو ألفا، اختيار جمع قليله على أفعال, كما جمعوا « الوقت » « أوقاتا » و « اليوم » « أياما » , و « اليسر » و « أيسارا » ، للواو والياء اللتين في أول ذلك. وقد يجمع ذلك أحيانا على « أفعل » , إلا أن الفصيح من كلامهم ما ذكرنا, ومنه قول الشاعر:

كــانوا ثلاثــة آلــف وكتيبــة ألفيــن أعجــم مـن بنـي الفـدام

وأما قوله: « حذر الموت » ، فإنه يعني: أنهم خرجوا من حذر الموت، فرارا منه. كما: -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: « حذر الموت » ، فرارا من عدوهم, حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه. فأمرهم فرجعوا، وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وهم الذين قالوا لنبيهم: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ سورة البقرة: 246 ]

قال أبو جعفر: وإنما حث الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية، على المواظبة على الجهاد في سبيله، والصبر على قتال أعداء دينه. وشجعهم بإعلامه إياهم وتذكيره لهم، أن الإماتة والإحياء بيديه وإليه، دون خلقه وأن الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الأعداء، إلى التحصن في الحصون، والاختباء في المنازل والدور، غير منج أحدا من قضائه إذا حل بساحته, ولا دافع عنه أسباب منيته إذا نـزل بعقوته, كما لم ينفع الهاربين من الطاعون الذين وصف الله تعالى ذكره صفتهم في قوله: « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت » فرارهم من أوطانهم, وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الذي أملوا بالمصير إليه السلامة, وبالموئل النجاة من المنية, حتى أتاهم أمر الله, فتركهم جميعا خمودا صرعى، وفي الأرض هلكى, ونجا مما حل بهم الذين باشروا كرب الوباء، وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء.

 

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ( 243 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله لذو فضل ومن. على خلقه، بتبصيره إياهم سبيل الهدى، وتحذيره لهم طرق الردى, وغير ذلك من نعمه التي ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم، وأنفسهم وأموالهم- كما أحيى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بعد إماتته إياهم، وجعلهم لخلقه مثلا وعظة يتعظون بهم، عبرة يعتبرون بهم، وليعلموا أن الأمور كلها بيده, فيستسلموا لقضائه, ويصرفوا الرغبة كلها والرهبة إليه.

ثم أخبر تعالى ذكره أن أكثر من ينعم عليه من عباده بنعمه الجليلة، ويمن عليه بمننه الجسيمة, يكفر به ويصرف الرغبة والرهبة إلى غيره, ويتخذ إلها من دونه, كفرانا منه لنعمه التي توجب أصغرها عليه من الشكر ما يفدحه، ومن الحمد ما يثقله, فقال تعالى ذكره: « ولكن أكثر الناس لا يشكرون » ، يقول: لا يشكرون نعمتي التي أنعمتها عليهم، وفضلي الذي تفضلت به عليهم, بعبادتهم غيري، وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا, ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا.

 

القول في تأويل قوله : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 244 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: « وقاتلوا » ، أيها المؤمنون « في سبيل الله » ، يعني: في دينه الذي هداكم له, لا في طاعة الشيطان أعداء دينكم, الصادين عن سبيل ربكم, ولا تحتموا عن قتالهم عند لقائهم, ولا تجبنوا عن حربهم، فإن بيدي حياتكم وموتكم. ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت وخوف المنية على نفسه بقتالهم, فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم والفرار منهم, فتذلوا, ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه, كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت, الذين قصصت عليكم قصتهم, فلم ينجهم فرارهم منه من نـزوله بهم حين جاءهم أمري، وحل بهم قضائي, ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه، إذ دافعت عنهم مناياهم , وصرفتها عن حوبائهم, فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني, فإن من حيي منكم فأنا أحييه, ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله.

ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم « سميع » لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا « عليم » بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم، وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي.

يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي, وغير ذلك من أمري ونهيي, إذ كفر هؤلاء نعمي. واعلموا أن الله سميع لقولهم، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، محيط بذلك كله, حتى أجازي كلا بعمله, إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.

قال أبو جعفر: ولا وجه لقول من زعم أن قوله: « وقاتلوا في سبيل الله » ، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله: « وقاتلوا في سبيل الله » ، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة:

إما أن يكون عطفا على قوله: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله.

أو يكون عطفا على قوله: ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ، وذلك أيضا مما لا معنى له. لأن قوله: « وقاتلوا في سبيل الله » ، أمر من الله بالقتال, وقوله: ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟

أو يكون معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله, ثم أسقط « القول » , كما قال تعالى ذكره: إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [ سورة السجدة: 12 ] ، بمعنى يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر. فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه, فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها.

 

القول في تأويل قوله : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله, فيعين مضعفا، أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله, ويعطي منهم مقترا؟ وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه.

وإنما سماه الله تعالى ذكره « قرضا » , لأن معنى « القرض » إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له، ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله، إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة, سماه « قرضا » , إذ كان معنى « القرض » في لغة العرب ما وصفنا.

وإنما جعله تعالى ذكره « حسنا » , لأن المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه، احتسابا منه. فهو لله طاعة، وللشياطين معصية. وليس ذلك لحاجة بالله إلى أحد من خلقه, ولكن ذلك كقول العرب: « عندي لك قرض صدق، وقرض سوء » ، للأمر يأتي فيه للرجل مسرته أو مساءته, كما قال الشاعر:

كـل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا أو ســيئا, ومدينــا بــالذي دانـا

فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيئه. وهذه الآية نظيرة الآية التي قال الله فيها تعالى ذكره: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [ سورة البقرة: 261 ] .

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا » ، قال : هذا في سبيل الله « فيضاعفه له أضعافا كثيرة » ، قال: بالواحد سبعمئة ضعف.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم قال: لما نـزلت: « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة » ، جاء ابن الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله, ألا أرى ربنا يستقرضنا؟ مما أعطانا لأنفسنا! وإن لي أرضين: إحداهما بالعالية, والأخرى بالسافلة, وإني قد جعلت خيرهما صدقة! قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « كم من عذق مذلل لابن الدحداح في الجنة » ! .

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهذه الآية قال: « أنا أقرض الله » ، فعمد إلى خير حائط له فتصدق به. قال، وقال قتادة: يستقرضكم ربكم كما تسمعون، وهو الولي الحميد ويستقرض عباده.

حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي النيسابوري قال، حدثنا خلف بن خليفة, عن حميد الأعرج, عن عبد الله بن الحارث, عن عبد الله بن مسعود قال: لما نـزلت: « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا » ، قال أبو الدحداح: يا رسول الله, أو إن الله يريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح! قال: يدك! قال: .

فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، حائطا فيه ستمئة نخلة. ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها, فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك ! قال: اخرجي! قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمئة نخلة.

وأما قوله: « فيضاعفه له أضعافا كثيرة » ، فإنه عدة من الله تعالى ذكره مقرضه ومنفق ماله في سبيل الله من إضعاف الجزاء له على قرضه ونفقته، ما لا حد له ولا نهاية، كما: -

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة » ، قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو.

وقد: -

وقد حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن ابن عيينة, عن صاحب له يذكر عن بعض العلماء قال: إن الله أعطاكم الدنيا قرضا، وسألكموها قرضا, فإن أعطيتموها طيبة بها أنفسكم، ضاعف لكم ما بين الحسنة إلى العشر إلى السبعمئة، إلى أكثر من ذلك. وإن أخذها منكم وأنتم كارهون، فصبرتم وأحسنتم، كانت لكم الصلاة والرحمة، وأوجب لكم الهدى.

قال أبو جعفر: وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: ( فيضاعفه ) بالألف ورفعه، بمعنى: الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له نسق « يضاعف » على قوله: « يقرض » .

وقرأه آخرون بذلك المعنى: ( فيضعفه ) , غير أنهم قرءوا بتشديد « العين » وإسقاط « الألف » .

وقرأه آخرون: ( فيضاعفه له ) بإثبات « الألف » في « يضاعف » ونصبه، بمعنى الاستفهام. فكأنهم تأولوا الكلام: من المقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له؟ فجعلوا قوله: « فيضاعفه » جوابا للاستفهام, وجعلوا: « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا » اسما. لأن « الذي » وصلته، بمنـزلة « عمرو » و « زيد » . فكأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى قول القائل: « من أخوك فتكرمه » ، لأن الأفصح في جواب الاستفهام بالفاء إذا لم يكن قبله ما يعطف به عليه من فعل مستقبل نصبه.

قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: ( فيضاعفه له ) بإثبات « الألف » . ورفع « يضاعف » . لأن في قوله: « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا » معنى الجزاء . والجزاء إذا دخل في جوابه « الفاء » ، لم يكن جوابه ب « الفاء » لا رفعا. فلذلك كان الرفع في « يضاعفه » أولى بالصواب عندنا من النصب. وإنما اخترنا « الألف » في « يضاعف » من حذفها وتشديد « العين » , لأن ذلك أفصح اللغتين وأكثرهما على ألسنة العرب.

 

القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أنه الذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها، دون غيره ممن ادعى أهل الشرك به أنهم آلهة، واتخذوه ربا دونه يعبدونه. وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي: -

حدثنا به محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا حجاج وحدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي قال، حدثنا حجاج وأبو ربيعة قالا حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت وحميد وقتادة, عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقالوا: يا رسول الله، غلا السعر فأسعر لنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله الباسط القابض الرازق, وإني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطلبني بمظلمة في نفس ومال » . .

قال أبو جعفر: يعني بذلك صلى الله عليه وسلم: أن الغلاء والرخص والسعة والضيق بيد الله دون غيره. فكذلك قوله تعالى ذكره:، « والله يقبض ويبسط » ، يعني بقوله: « يقبض » ، يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه ويعني بقوله: و « يبسط » يوسع ببسطة الرزق على من يشاء منهم.

وإنما أراد تعالى ذكره بقيله ذلك، حث عباده المؤمنين- الذين قد بسط عليهم من فضله, فوسع عليهم من رزقه- على تقوية ذوي الإقتار منهم بماله, ومعونته بالإنفاق عليه وحمولته على النهوض لقتال عدوه من المشركين في سبيله, فقال تعالى ذكره: من يقدم لنفسه ذخرا عندي بإعطائه ضعفاء المؤمنين وأهل الحاجة منهم ما يستعين به على القتال في سبيلي, فأضاعف له من ثوابي أضعافا كثيرة مما أعطاه وقواه به؟ فإني - أيها الموسع- الذي قبضت الرزق عمن ندبتك إلى معونته وإعطائه, لأبتليه بالصبر على ما ابتليته به والذي بسطت عليك لأمتحنك بعملك فيما بسطت عليك, فأنظر كيف طاعتك إياي فيه, فأجازي كل واحد منكما على قدر طاعتكما لي فيما ابتليتكما فيه وامتحنتكما به، من غنى وفاقة، وسعة وضيق, عند رجوعكما إلي في آخرتكما، ومصيركما إلي في معادكما.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من بلغنا قوله من أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا الآية، قال: علم أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة , وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غنى, فندب هؤلاء فقال: « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط » ؟ قال: بسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده, وقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له, فقوه مما في يدك، يكن لك في ذلك حظ.

 

القول في تأويل قوله : وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 245 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وإلى الله معادكم، أيها الناس, فاتقوا الله في أنفسكم أن تضيعوا فرائضه وتتعدوا حدوده, وأن يعمل من بسط عليه منكم من رزقه بغير ما أذن له بالعمل فيه ربه, وأن يحمل المقتر منكم- إذ قبض عن رزقه- إقتاره على معصيته, والتقدم على ما نهاه، فيستوجب بذلك عند مصيره إلى خالقه، ما لا قبل له به من أليم عقابه.

وكان قتادة يتأول قوله: « وإليه ترجعون » ، وإلى التراب ترجعون.

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: « وإليه ترجعون » ، من التراب خلقهم, وإلى التراب يعودنه.