القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 29 )

يقول تعالى ذكره: ( ألَمْ تَرَ ) يا محمد بعينك ( أنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ) يقول: يزيد من نقصان ساعات الليل في ساعات النهار ( وَيُولجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) يقول: يزيد ما نقص من ساعات النهار في ساعات اللَّيل.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ) نقصان الليل في زيادة النهار ( وَيُولجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) نقصان النهار في زيادة الليل.

وقوله: ( وَسَخَّر الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أجَل مُسَمًّى ) يقول تعالى ذكره : وسخر الشمس والقمر لمصالح خلقه ومنافعهم، ( كلٌّ يجري ) يقول: كلّ ذلك يجري بأمره إلى وقت معلوم، وأجل محدود إذا بلغه كوّرت الشمس والقمر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول: لذلك كله وقت وحد معلوم، لا يجاوزه ولا يعدوه.

وقوله: ( وَأنَّ اللهَ بمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) يقول: وإن الله بأعمالكم أيها الناس من خير أو شرّ ذو خبرة وعلم، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم على جميع ذلك، وخرج هذا الكلام خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنيّ به المشركون، وذلك أنه تعالى ذكره: نبه بقوله: ( أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) على موضع حجته من جهل عظمته، وأشرك في عبادته معه غيره، يدلّ على ذلك قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( 30 )

يقول تعالى ذكره : هذا الذي أخبرتك يا محمد أن الله فعله من إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل، وغير ذلك من عظيم قُدرته، إنما فعله بأنه الله حقا، دون ما يدعوه هؤلاء المشركون به، وأنه لا يقدر على فعل ذلك سواه، ولا تصلح الألوهة إلا لمن فعل ذلك بقُدرته.

وقوله. ( وأنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الباطِلُ ) يقول تعالى ذكره: وبأن الذي يعبد هؤلاء المشركون من دون الله الباطل الذي يضمحلّ، فيبيد ويفنى ( وأنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ ) يقول تعالى ذكره: وبأن الله هو العليُّ، يقول: ذو العلوّ على كلّ شيء، وكلّ ما دونه فله متذلل منقاد، الكبير الذي كل شيء دونه، فله متصاغر.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( 31 )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أن السفن تجري في البحر نعمة من الله على خلقه ( لِيُرِيكُمْ مِنْ آياتِهِ ) يقول: ليريكم من عبره وحججه عليكم ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) يقول: إن في جري الفلك في البحر دلالة على أن الله الذي أجراها هو الحقّ، وأنّ ما يدعون من دونه الباطل ( لكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) يقول: لكلّ من صبر نفسه عن محارم الله، وشكره على نعمه فلم يكفره.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: كان مطرف يقول: إنّ من أحبّ عباد الله إليه: الصبَّار الشَّكور.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله، ألم تر إلى قوله: ( إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) ، ( إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُوقِنينَ ) ، ( إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُؤْمِنينَ ) .

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن الشعبيّ ( إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) قال: الصبر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله.

إن قال قائل: وكيف خصّ هذه الدلالة بأنها دلالة للصبَّار الشَّكور دون سائر الخلق؟ قيل: لأنّ الصبر والشكر من أفعال ذوي الحجى والعقول، فأخبر أن في ذلك لآيات لكلّ ذي عقل؛ لأن الآيات جعلها الله عبرا لذوي العقول والتمييز.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ( 32 )

يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الآلهة والأوثان في البحر - إذا ركبوا في الفُلك- موج كالظُلل، وهي جمع ظُلَّة، شبَّه بها الموج في شدة سواد كثرة الماء، قال نابغة بني جعدة في صفة بحر:

يُماشِـــيهِنَّ أخْــضَرُ ذُو ظــلال عَـــلى حافاتِــهِ فِلَــق الدّنــانِ

وشبه الموج وهو واحد بالظلل، وهي جماع، لأن الموج يأتي شيء منه بعد شيء، ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل. وقوله: ( دَعَوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ) يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل، فخافوا الغرق، فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له الطاعة، لا يشركون به هنالك شيئا، ولا يدعون معه أحدا سواه، ولا يستغيثون بغيره. قوله: ( فَلَمَّا نجَّاهُمْ إلى البَرّ ) مما كانوا يخافونه في البحر من الغرق والهلاك إلى البرّ. ( فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ) يقول: فمنهم مقتصد في قوله وإقراره بربه، وهو مع ذلك مضمر الكفر به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ) قال: المقتصد في القول وهو كافر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ) قال: المقتصد الذي على صلاح من الأمر.

وقوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) يقول تعالى ذكره: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كلّ غدّار بعهده، والختر عند العرب: أقبح الغدر، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:

وَإنَّــكَ لَــوْ رأيْــتَ أبـا عُمَـيْرٍ مَــلأتَ يَـدَيْكَ مِـنْ غَـدْرٍ وَخَـتْرٍ

وقوله: ( كَفُور ) يعني: جحودا للنعم، غير شاكر ما أسدى إليه من نعمة.

وبنحو الذي قلنا في معنى الختار قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد ( كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: كلّ غَدّار.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ( كُلُّ خَتَّارٍ ) قال: غدّار.

حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا ثنا ابن علية، عن أبي رجاء عن الحسن في قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: غدّار.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) الختار: الغدار، كلّ غدار بذمته كفور بربه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: كلّ جحاد كفور.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: الختار: الغدّار، كما تقول: غدرني.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر، قال: سمعت قَتادة قال: الذي يغدر بعهده.

قال: ثنا المحاربي، عن جُوَيبر، عن الضحاك، قال: الغدّار.

قال: ثنا أبي: عن الأعمش، عن سمر بن عطية الكاهلي، عن عليّ رضي الله عنه قال: المكر غدر، والغدر كفر.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 33 )

يقول تعالى ذكره: أيها المشركون من قريش، اتقوا الله، وخافوا أن يحلّ بكم سخطه في يوم لا يغني والد عن ولده، ولا مولود هو مغن عن والده شيئا؛ لأن الأمر يصير هنالك بيد من لا يغالب، ولا تنفع عنده الشفاعة والوسائل، إلا وسيلة من صالح الأعمال التي أسلفها في الدنيا. وقوله: ( إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقّ ) يقول: اعلموا أن مجيء هذا اليوم حقّ، وذلك أن الله قد وعد عباده ولا خلف لوعده ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ) يقول: فلا تخدعنكم زينة الحياة الدنيا ولذّاتها، فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله ذلك اليوم. وقوله: ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغَرُورُ ) يقول: ولا يخدعنَّكم بالله خادع. والغَرور بفتح الغين: هو ما غرّ الإنسان من شيء كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا، أو دنيا، وأما الغُرور بضم الغين: فهو مصدر من قول القائل: غررته غرورا.

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( ولا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ ) قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( الغَرُور ) قال: الشيطان.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( وَلا يَغُرنَّكُمْ باللهِ الغَرُور ) ذاكم الشيطان.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد المروزي، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( الغَرُورُ ) قال: الشيطان.

وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جُبَير قوله: ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ ) قال: إن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة.

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( 34 )

يقول تعالى ذكره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا هو آتيكم؛ علم إتيانه إياكم عند ربكم، لا يعلم أحد متى هو جائيكم، لا يأتيكم إلا بغتة، فاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قبل لكم به. وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة. والمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه، فقال: ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره ( وينـزلُ الغيْثَ ) من السماء، لا يقدر على ذلك أحد غيره، ( وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ ) أرحام الإناث ( وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدًا ) يقول: وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد، ( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ ) يقول: وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها ( إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) يقول: إن الذي يعلم ذلك كله هو الله دون كلّ أحد سواه، إنه ذو علم بكلّ شيء، لا يخفى عليه شيء، خبير بما هو كائن، وما قد كان.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) قال: جاء رجل - قال أبو جعفر: أحسبه أنا، قال: - إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حُبلى، فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادنا محل جدبة، فأخبرني متى ينـزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت، فأخبرني متى أموت، فأنـزل الله: ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغَيْثَ ) إلى آخر السورة، قال: فكان مجاهد يقول: هنّ مفاتح الغيب التي قال الله وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ .

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) الآية، أشياء من الغيب، استأثر الله بهنّ، فلم يطلع عليهنّ ملَكا مقرّبا، ولا نبيا مرسلا ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أيّ سنة، أو في أيّ شهر، أو ليل، أو نهار ( ويُنـزلُ الغَيْثَ ) فلا يعلم أحد متى ينـزل الغيث، ليلا أو نهارا ينـزل؟ ( وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ ) فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟ ( وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ) خير أم شرّ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا؟ ( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ ) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبيّ، قال: قالت عائشة: من قال: إن أحدا يعلم الغيب إلا الله فقد كذب، وأعظم الفرية على الله، قال الله: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ .

حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن عمرو بن شُعيب أن رجلا قال: يا رسول الله، هل من العلم علم لم تؤته؟ قال: « لَقَدْ أُوتِيتُ عِلْما كَثِيرًا، وَعِلما حَسنًا » ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغَيْثَ ) إلى ( إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَفاتِحُ الغَيبِ خَمْسَةٌ » ثم قرأ هؤلاء الآيات ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة ) إلى آخرها.

حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ، ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغَيْثَ وَيعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ ) » الآية، ثم قال: « لا يعْلَمُ ما فِي غَدٍ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى يَنـزلُ الغَيْثَ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى قِيامُ السَّاعَةِ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ ما فِي الأرْحامِ إلا اللهُ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ. »

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَفاتحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُها إلا اللهُ: إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغيْثَ وَيعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْري نَفْسٌ بأيّ أرضٍ تَمُوتُ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن مسعر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كلّ شيء أوتيه نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا علم الغيب الخمس: ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: من حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: ( وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تكْسبُ غَدًا ) .

قال: تنا جرير وابن علية، عن أبي خباب، عن أبي زُرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ: ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنـزلُ الغَيْثَ ... ) الآية » .

حدثني أبو شُرَحبيل، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا إسماعيل، عن جعفر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: كلّ شيء قد أوتي نبيكم غير مفاتح الغيب الخمس، ثم قرأ هذه الآية ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَة ) إلى آخرها.

وقيل: ( بأيّ أرض تموت ) ، وفيه لغة أخرى: ( بأيَّةِ أرْضٍ ) فمن قال: ( بأيّ أرْضٍ ) اجتز بتأنيث الأرض من أن يظهر في ( أيِّ ) تأنيث آخر، ومن قال ( بأيَّة أرْضٍ ) فأنث، ( أي ) قال: قد تجتزئ بأي مما أضيف إليه، فلا بدّ من التأنيث، كقول القائل: مررت بامرأة، فيقال له: بأيةٍ، ومررت برجل، فيقال له بأيٍّ؟ ويقال: أي امرأة جاءتك وجاءك، وأية امرأة جاءتك.

آخر تفسير سورة لقمان.