القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ( 31 )

يقول تعالى ذكره: ومن يطع الله ورسوله منكن، وتعمل بما أمر الله به؛ ( نُؤْتِهَا أجْرَهَا مَرَّتَينِ ) يقول: يعطها الله ثواب عملها، مثلي ثواب عمل غيرهن من سائر نساء الناس ( وَأعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) يقول: وأعتدنا لها في الآخرة عيشا هنيئا في الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ... ) الآية، يعني من تطع الله ورسوله ( وَتَعْمَلْ صَالِحًا ) ؛ تصوم وتصلي .

حدثني سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن عون، قال: سألت عامرا عن القنوت، قال: وما هو؟ قال: قلت وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ قال: مطيعين، قال: قلت ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لله وَرَسُولِهِ ) قال: يطعن.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) أي من يطع منكن لله ورسوله ( وَأعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) وهي الجنة.

واختلفت القراء في قراءة قوله ( وَتَعْمَلْ صَالِحًا ) فقرأ عامة قراء الحجاز والبصرة: ( وَتَعْمَلْ ) بالتاء ردا على تأويل من إذ جاء بعد قوله ( مِنْكُنَّ ) . وحكي بعضهم عن العرب أنها تقول: كم بيع لك جارية؟ وأنهم إن قدموا الجارية قالوا: كم جارية بيعت لك؟ فأنَّثوا الفعل بعد الجارية، والفعل في الوجهين لكم لا للجارية. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده:

أيَـا أُمَّ عَمْـرٍو مَـن يَكُـن عُقْرُ دَارِهِ جِــوَاءَ عَــدِيٍّ يِـأْكُلُ الْحَشَـراتِ

وَيَسْـوَدُّ مـن لَفْـحِ السَّـمُومِ جَبِينُـهُ وَيَعْــرُو إنْ كَــانَ ذَوِي بَكَــرَاتِ

فقال: وإن كانوا ولم يقل: وإن كان، وهو لمن فرده على المعنى. وأما أهل الكوفة، فقرأت ذلك عامة قرائها: ( وَيَعْمَلْ ) بالياء عطفا على يقنت، إذ كان الجميع على قراءة الياء. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان في كلام العرب، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن العرب ترد خبر « من » أحيانا على لفظها، فتوحد وتذكر، وأحيانا على معناها كما قال جل ثناؤه وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فجمع مرة للمعنى ووحد أخرى للفظ.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ( 32 ) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( 33 )

يقول تعالى ذكره لأزواج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) من نساء هذه الأمة ( إنِ اتَّقَيْتُنَّ ) الله فأطعتنه في ما أمركن ونهاكن.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) يعني من نساء هذه الأمة.

وقوله: ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) يقول: فلا تلن بالقول للرجال فيما يبتغيه أهل الفاحشة منكن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) يقول: لا ترخصن بالقول، ولا تخضعن بالكلام.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) قال: خضع القول ما يكره من قول النساء للرجال مما يدخل في قلوب الرجال.

وقوله ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) يقول: فيطمع الذي في قلبه ضعف، فهو لضعف إيمانه في قلبه؛ إما شاك في الإسلام منافق، فهو لذلك من أمره يستخف بحدود الله، وإما متهاون بإتيان الفواحش.

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: إنما وصفه بأن في قلبه مرضا، لأنه منافق.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) قال: نفاق.

وقال آخرون: بل وصفه بذلك لأنهم يشتهون إتيان الفواحش.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) قال: قال عكرمة: شهوة الزنا.

وقوله: ( وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) يقول: وقلن قولا قد أذن الله لكم به وأباحه.

كما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) قال: قولا جميلا حسنا معروفا في الخير.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( وَقَرْنَ فِي بِيُوتِكُنَّ ) فقرأته عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين: ( وَقَرْنَ ) بفتح القاف، بمعنى: واقررن في بيوتكن، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولى من اقررن، وهي مفتوحة، ثم نقلها إلى القاف، كما قيل فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ وهو يريد: فظللتم، فأسقطت اللام الأولى وهي مكسورة، ثم نقلت كسرتها إلى الظاء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة ( وَقِرْنَ ) بكسر القاف، بمعنى: كن أهل وقار وسكينة ( في بيوتكن ) .

وهذه القراءة وهي الكسر في القاف أولى عندنا بالصواب لأن ذلك إن كان من الوقار على ما اخترنا، فلا شك أن القراءة بكسر القاف، لأنه يقال: وقر فلان في منـزله؛ فهو يقر وقورا، فتكسر القاف في تفعل، فإذا أمر منه قيل: قر كما يقال من وزن يزِن زِن، ومن وعد: يعِد عِد، وإن كان من القرار، فإن الوجه أن يقال: اقررن؛ لأن من قال من العرب: ظلت أفعل كذا، وأحست بكذا، فأسقط عين الفعل، وحول حركتها إلى فائه في فعل وفعلنا وفعلتم، لم يفعل ذلك في الأمر والنهي، فلا يقول: ظل قائما ولا تظل قائما، فليس الذي اعتل به من اعتل لصحة القراءة بفتح القاف في ذلك يقول العرب في ظللت وأحسست: ظلت وأحست، بعلة توجب صحته لما وصفت من العلة، وقد حكى بعضهم عن بعض الأعراب سماعا منه: ينحطن من الجبل، وهو يريد: ينحططن، فإن يكن ذلك صحيحا، فهو أقرب إلى أن يكون حجة لأهل هذه القراءة من الحجة الأخرى.

وقوله: ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلَيَّةِ الأولَى ) قيل: إن التبرج في هذا الموضع: التبختر والتكسر.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) : أي إذا خرجتن من بيوتكن، قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج، يعني بذلك: الجاهلية الأولى، فنهاهن الله عن ذلك.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: سمعت ابن أَبي نجيح، يقول في قوله ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) قال: التبختر. وقيل إن التبرج هو إظهار الزينة، وإبراز المرأة محاسنها للرجال.

وأما قوله ( تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) فإن أهل التأويل اختلفوا في الجاهلية الأولى؛ فقال بعضهم: ذلك ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن زكريا، عن عامر ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الأولَى ) قال: الجاهلية الأولى: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.

وقال آخرون: ذلك ما بين آدم ونوح.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن أبيه، عن الحكم ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) قال: وكان بين آدم ونوح ثمانمائة سنة، فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء، ورجالهم حسان، فكانت المرأة تريد الرجل على نفسه؛ فأنـزلت هذه الآية ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) .

وقال آخرون: بل ذلك بين نوح وإدريس.

ذكر من قال ذلك:

حدثني ابن زهير، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا داود، يعني ابن أَبي الفرات، قال: ثنا علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: تلا هذه الآية ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) قال: كان فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحا، وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صباحا، وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام، فأجر نفسه منه، وكان يخدمه، واتخذ إبليس شيئا مثل ذلك الذي يزمر فيه الرعاء، فجاء فيه بصوت لم يسمع مثله، فبلغ ذلك من حولهم، فانتابوهم يسمعون إليه، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة، فتتبرج الرجال للنساء، قال: ويتزين النساء للرجال، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك، فرأى النساء، فأتي أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهن، فنـزلوا معهن، فظهرت الفاحشة فيهن، فهو قول الله ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى نساء النبي أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وجائز أن يكون ذلك ما بين آدم وعيسى، فيكون معنى ذلك: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى التي قبل الإسلام.

فإن قال قائل: أوفي الإسلام جاهلية حتى يقال عنى بقوله ( الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) : التي قبل الإسلام؟ قيل: فيه أخلاق من أخلاق الجاهلية.

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) قال: يقول: التي كانت قبل الإسلام، قال: وفي الإسلام جاهلية؟ قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لأبي الدرداء، وقال لرجل وهو ينازعه: يا ابن فلانة: لأمٍّ كان يعيره بها في الجاهلية، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « يَا أبَا الدَّرْدَاءِ إنَّ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ » ، قال: أجاهلية كفر أو إسلام؟ قال: بل جاهلية كفر، قال: فتمنيت أن لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ. قال: وقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ أهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ: الطَّعْنُ بِالأنْسَابِ، وَالاسْتِمْطَارُ بِالْكَوَاكِبِ، وَالنِّيَاحَةُ » .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: أخبرني سليمان بن بلال، عن ثور، عن عبد الله بن عباس؛ أن عمر بن الخطاب قال له: أرأيت قول الله لأزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) هل كانت إلا واحدة؟ فقال ابن عباس: وهل كانت من أولى إلا ولها آخرة؟ فقال عمر: لله درك يا ابن عباس، كيف قلت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هل كانت من أولى إلا ولها آخرة؟ قال: فأت بتصديق ما تقول من كتاب الله، قالَ: نعم ( وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ كَمَا جَاهَدْتُمْ أولَ مَرَّةٍ ) قال عمر: فمن أمر بالجهاد؟ قال: قبيلتان من قريش؛ مخزوم وبنو عبد شمس، فقال عمر: صدقت.

وجائز أن يكون ذلك ما بين آدم ونوح. وجائز أن يكون ما بين إدريس ونوح، فتكون الجاهلية الآخرة، ما بين عيسى ومحمد، وإذا كان ذلك مما يحتمله ظاهر التنـزيل، فالصواب أن يقال في ذلك كما قال الله: إنه نهى عن تبرج الجاهلية الأولى.

وقوله ( وَأَقْمِنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ ) يقول: وأقمن الصلاة المفروضة، وآتين الزكاة الواجبة عليكن في أموالكن ( وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) فيما أمراكن ونهياكن ( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ ) يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد، ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيرا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء، وخصهم برحمة منه؟

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) قال: الرجس هاهنا: الشيطان، وسوى ذلك من الرجس: الشرك.

اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله ( أَهْلَ الْبَيْتِ ) فقال بعضهم: عُني به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا بكر بن يحيى بن زبان العنـزي، قال: ثنا مندل، عن الأعمش، عن عطية، عن أَبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « نـزلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي خَمْسَةٍ: فِيَّ وَفِي عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ وَحَسَنٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَحُسَيْنٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ الله عَنِهَا : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) » .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات غداة، وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن، فأدخله معه ثم قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر، كلما خرج إلى الصلاة فيقول: « الصَّلاةَ أَهْلَ الْبَيْتِ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطِهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) » .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم بن سويد النخعي، عن هلال، يعني ابن مقلاص، عن زبيد، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة قالت: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عندي، وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فجعلت لهم خزيرة، فأكلوا وناموا، وغطى عليهم عباءة أو قطيفة، ثم قال: « اللَّهُمَّ هَؤلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، أذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا » .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: أخبرني أبو داود، عن أَبي الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قالَ: رأيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا طلع الفجر، جاء إلى باب علي وفاطمة، فقال: « الصَّلاةَ الصَّلاةَ » ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) « . »

حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، بإسناده عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مثله.

حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن كلثوم المحاربي، عن أَبي عمار، قال: إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليًّا رضي الله عنه، فشتموه، فلما قاموا قال: اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا؛ إني عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين، فألقى عليهم كساء له، ثم قال: « اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا » . قلت: يا رسول الله، وأنا؟ قال: « وَأَنْتَ » . قال: فوالله إنها لأوثق عملي عندي .

حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثني شداد أبو عمار قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدث، قال: سألت عن علي بن أبي طالب في منـزله، فقالت فاطمة: قد ذهب يأتي برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ جاء، فدخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ودخلت، فجلس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا بين يديه، فلفع عليهم بثوبه وقال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلِي ، اللَّهُمَّ أَهْلِي أَحَقُّ « . قال واثلة: فقلت من ناحية البيت: وأنا يا رسول الله من أهلك؟ قال: » وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي « . قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرتجي. »

حدثني أَبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أَبي سعيد الخدري، عن أم سلمة قالت: لما نـزلت هذه الآية: ( إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) دعا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عليا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، فجلل عليهم كساء خيبريا، فقال: « اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا » . قالت أم سلمة: ألست منهم؟ قال: « أَنْتِ إلَى خَيْرٍ » .

حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا سعيد بن زربي، عن محمد بن سيرين، عن أَبي هريرة، عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق، فوضعته بين يديه، فقال: « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ وَابْنَاك؟ » فقالت: في البيت، فقال: « ادْعِيهِمْ » . فجاءت إلى علي فقالت: أجب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنت وابناك، قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة فمده وبسطه وأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رءوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه، فقال: « هَؤُلاءِ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا » .

حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا حسن بن عطية، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد، عن أم سلمة؛ زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن هذه الآية نـزلت في بيتها ( إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) قالت: وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: أنا يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: « إِنَّكِ إلَى خَيْرٍ، أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النِّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم » . قالت: وفي البيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم .

حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخلد، قال: ثنا موسى بن يعقوب، قال: ثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، قال: أخبرني أم سلمة أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جمع عليا والحسنين، ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جأر إلى الله، ثم قال: « هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي » . فقالت أم سلمة: يا رسول الله أدخلني معهم. قال: « إِنَّكِ مِنْ أَهْلِي » .

حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: ثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن عبيد المكي، عن عطاء، عن عمر بن أبي سلمة، قال: نـزلت هذه الآية على النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو في بيت أم سلمة ( إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فدعا حسنا وحسينا وفاطمة فأجلسهم بين يديه، ودعا عليا فأجلسه خلفه، فتجلل هو وهم بالكساء ثم قال: « هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا » . قالت أم سلمة: أنا معهم مكانك، وأنت على خير .

حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، قال: ثنا الصباح بن يحيى المري، عن السدي، عن أَبي الديلم، قال: قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام: أما قرأت في الأحزاب ( إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) قال: ولأنتم هم؟ قال: نعم.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا بكير بن مسمار، قال: سمعت عامر بن سعد، قال: قال سعد: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين نـزل عليه الوحي، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة، وأدخلهم تحت ثوبه، ثم قالَ: « رَبِّ هَؤُلاءِ أَهْلِي وَأَهْلُ بَيْتِي » .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن حكيم بن سعد، قال: ذكرنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أم سلمة قالت: فيه نـزلت: ( إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) . قالت أم سلمة: جاء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى بيتي فقال: « لا تَأْذَنِي لأحَدٍ » . فجاءت فاطمة، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن، فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه، وجاء الحسين، فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على بساط، فجللهم نبي الله بكساء كان عليه، ثم قال: « هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا » ؛ فنـزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط، قالت: فقلت: يا رسول الله وأنا؟ قالت: فوالله ما أنعم وقال: « إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ » .

وقال آخرون: بل عنى بذلك أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الأصبغ، عن علقمة، قال: كان عكرمة ينادي في السوق ( إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) قال: نـزلت في نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ( 34 )

يقول تعالى ذكره لأزواج نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: واذكرن نعمة الله عليكن؛ بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك، واحمدنه عليه، وعني بقوله ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بِيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ) : واذكرن ما يقرأ في بيوتكن من آيات كتاب الله والحكمة، ويعني بالحكمة: ما أوحي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أحكام دين الله، ولم ينـزل به قرآن، وذلك السنة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بِيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) : أي: السنة، قال: يمتن عليهم بذلك.

وقوله ( إن اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) يقول تعالى ذكره: إن الله كان ذا لطف بكن؛ إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة، خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( 35 )

يقول تعالى ذكره: إن المتذللين لله بالطاعة والمتذللات، والمصدقين والمصدقات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما أتاهم به من عند الله، والقانتين والقانتات لله، والمطيعين لله والمطيعات له فيما أمرهم ونهاهم، والصادقين لله فيما عاهدوه عليه والصادقات فيه، والصابرين لله في البأساء والضراء على الثبات على دينه وحين البأس والصابرات، والخاشعة قلوبهم لله وجلا منه ومن عقابه والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات وهم المؤدون حقوق الله من أموالهم والمؤديات، والصائمين شهر رمضان الذي فرض الله صومه عليهم والصائمات ذلك، والحافظين فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم والحافظات ذلك إلا على أزواجهن إن كن حرائر أو من ملكهن إن كن إماء، والذاكرين الله بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم والذاكرات، كذلك أعد الله لهم مغفرة لذنوبهم، وأجرًا عظيمًا: يعني ثوابًا في الآخرة على ذلك من أعمالهم عظيمًا، وذلك الجنة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: دخل نساء على نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقلن: قد ذكركن الله في القرآن، ولم نذكر بشيء، أما فينا ما يذكر؟ فأنـزل الله تبارك وتعالى ( إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ ) : أي: المطيعين والمطيعات، ( وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ ) أي: الخائفين والخائفات ( أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً ) لذنوبهم ( وَأَجْرًا عَظِيمًا ) في الجنة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَأَجْرًا عَظِيمًا ) قال: الجنة، وفي قوله ( وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ ) قال: المطيعين والمطيعات.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر قال: القانتات: المطيعات.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مؤمل، قال: سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله يذكر الرجال ولا نُذكر؛ فنـزلت ( إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ) .

حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أَبي سلمة، أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب حدثه أن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله أيذكر الرجال في كل شيء ولا نذكر؟ فأنـزل الله ( إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ ..... ) الآية.

حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا سيار بن مظاهر العنـزي، قال: ثنا أَبو كدينة يحيى بن مهلب، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ماله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟ فأنـزل الله ( إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ .... ) الآية.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله ( إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ ) قال: قالت أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما للنساء لا يذكرن مع الرجال في الصلاح؟ فأنـزل الله هذه الآية.

حدثني محمد بن المعمر، قال: ثنا أَبو هشام، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا عثمان بن حكيم، قال: ثنا عبد الرحمن بن شيبة، قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تقول: قلت للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت: فلم يرعني ذات يوم ظهرًا إلا نداؤه على المنبر وأنا أسرح رأسي، فلففت شعري ثم خرجت إلى حجرة من حجرهن، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول على المنبر: يا أيها الناس إن الله يقول في كتابه: ( إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ .... ) إلى قوله ( أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .