القول في تأويل قوله تعالى : وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ( 19 ) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ( 20 ) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ( 21 )

يقول تعالى ذكره: وجاءهم رسول كريم, أن أدّوا إلي عباد الله, وبأن لا تعلوا على الله.

وعنى بقوله ( وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ) أن لا تطغوا وتبغوا على ربكم, فتكفروا به وتعصوه, فتخالفوا أمره ( إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) يقول: إني آتيكم بحجة على حقيقة ما أدعوكم إليه, وبرهان على صحته, مبين لمن تأملها وتدبرها أنها حجة لي على صحة ما أقول لكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ) : أي لا تبغوا على الله ( إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) : أي بعذر مبين.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, بنحوه.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ) يقول: لا تفتروا على الله.

وقوله ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) يقول: وإني اعتصمت بربي وربكم, واستجرت به منكم أن ترجمون.

واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ موسى نبيّ الله عليه السلام بربه منه, فقال بعضهم: هو الشتم باللسان.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) قال: يعني رجم القول.

حدثني ابن المثنى, قال: ثنا عثمان بن عمر بن فارس, قال: ثنا شعبة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, في قوله ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) قال: الرجم: بالقول.

حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: ثنا يحيى بن يمان, قال: ثنا سفيان, عن إسماعيل, عن أبي صالح ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) قال: أن تقولوا هو ساحر.

وقال آخرون: بل هو الرجم بالحجارة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) : أي أن ترجمون بالحجارة.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( أَنْ تَرْجُمُونِ ) قال: أن ترجمون بالحجارة.

وقال آخرون: بل عنى بقوله ( أَنْ تَرْجُمُونِ ) : أن تقتلوني.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما دلّ عليه ظاهر الكلام, وهو أن موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجُمه فرعون وقومه, والرجم قد يكون قولا باللسان, وفعلا باليد. والصواب أن يقال: استعاذ موسى بربه من كل معاني رجمهم الذي يصل منه إلى المرجوم أذًى ومكروه, شتما كان ذلك باللسان, أو رجما بالحجارة باليد.

وقوله ( وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى عليه السلام لفرعون وقومه: وإن أنتم أيها القوم لم تصدّقوني على ما جئتكم به من عند ربي, فاعتزلون: يقول: فخلوا سبيلي غير مرجوم باللسان ولا باليد.

كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ) : أي فخلُّوا سبيلي.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ( 22 ) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ( 23 ) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ( 24 )

يقول تعالى ذكره: فدعا موسى ربه إذ كذّبوه ولم يؤمنوا به, ولم يؤدّ إليه عباد الله, وهموا بقتله بأن هؤلاء, يعني فرعون وقومه ( قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ) يعني: أنهم مشركون بالله كافرون.

وقوله ( فَأَسْرِ بِعِبَادِي ) وَفِي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذُكر عليه منه, وهو: فأجابه ربه بأن قال له: فأسر إذ كان الأمر كذلك بعبادي, وهم بنو إسرائيل, وإنما معنى الكلام: فأسر بعبادي الذين صدّقوك وآمنوا بك, واتبعوك دون الذين كذّبوك منهم, وأبَوْا قبول ما جئتهم به من النصيحة منك, وكان الذين كانوا بهذه الصِّفَة يومئذ بني إسرائيل. وقال: ( فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا ) لأن معنى ذلك: سر بهم بليل قبل الصباح.

وقوله ( إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ) يقول: إن فرعون وقومه من القبط متبعوكم إذا شخصتم عن بلدهم وأرضهم في آثاركم.

وقوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) يقول: وإذا قطعت البحر أنت وأصحابُك, فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته. وقيل: إن الله تعالى ذكره قال لموسى هذا القول بعد ما قطع البحر ببني إسرائيل فإذ كان ذلك كذلك, ففي الكلام محذوف, وهو: فسرَى موسى بعبادي ليلا وقطع بهم البحر, فقلنا له بعد ما قطعه, وأراد ردّ البحر إلى هيئته التي كان عليها قبل انفلاقه: اتركْه رَهْوًا.

* ذكر من قال ما ذكرنا من أن الله عزّ وجلّ قال لموسى صلى الله عليه وسلم هذا القول بعد ما قطع البحر بقومه:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ) حتى بلغ ( إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) قال: لما خرج آخر بني إسرائيل أراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب البحر بعصاه, حتى يعود كما كان مخافة آل فرعون أن يدركوهم, فقيل له ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: لما قطع البحر, عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم, وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده, فقيل له: ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) كما هو ( إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) .

واختلف أهل التأويل في معنى الرهْو, فقال بعضهم: معناه: اتركه على هيئته وحاله التي كان عليها.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) يقول: سَمْتا.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) قال: الرهو: أن يترك كما كان, فإنهم لن يخلُصوا من ورائه.

حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, قال: أخبرنا حميد, عن إسحاق, عن عبد الله بن الحارث, عن أبيه, أن ابن عباس سأل كعبا عن قول الله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: طريقا.

وقال آخرون: بل معناه: اتركه سَهْلا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع, قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: سهلا.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: يقال: الرهو: السهل.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا حرميّ بن عُمارة قال: ثنا شعبة, قال: أخبرني عمارة, عن الضحاك بن مُزاحم, فى قول الله عزّ وجلّ ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: دَمثا.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: سهلا دمثا.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: هو السهل.

وقال آخرون: بل معناه: واتركه يبسا جددا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثني عبيد الله بن معاذ, قال: ثني أبي, عن شعبة, عن سماك, عن عكرمة, في قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: جددا.

حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثني عبيد الله بن معاذ, قال: ثنا أبي, عن شعبة, عن سماك, عن عكرمة في قوله ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) قال: يابسا كهيئته بعد أن ضربه, يقول: لا تأمره يرجع, اتركه حتى يدخل آخرهم.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( رَهوًا ) قال: طريقا يَبَسا.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ) كما هو طريقا يابسا.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه: اتركه على هيئته كما هو على الحال التي كان عليها حين سلَكْته, وذلك أن الرهو في كلام العرب: السكون, كما قال الشاعر:

كأنَّمـا أهْـلُ حُجْـرٍ يَنْظُـرُونَ مَتَـى يَــرَوْنَنِي خارِجــا طَــيْرٌ يَنَـادِيد

طَـيرٌ رأَتْ بازِيـا نَضْـحُ الدّمـاءِ بِهِ وأُمُّــهُ خَرَجَـتْ رَهْـوًا إلـى عِيـد

يعني على سكون, وإذا كان ذلك معناه كان لا شكّ أنه متروك سهلا دَمِثا, وطريقا يَبَسا لأن بني إسرائيل قطعوه حين قطعوه, وهو كذلك, فإذا ترك البحر رهوا كما كان حين قطعه موسى ساكنا لم يُهج كان لا شكّ أنه بالصفة التي وصفت.

وقوله ( إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) يقول: إن فرعون وقومه جند, الله مغرقهم في البحر.

 

القول في تأويل قوله تعالى : كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 25 ) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( 26 ) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ( 27 ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( 28 )

يقول تعالى ذكره: كم ترك فرعون وقومه من القبط بعد مهلكهم وتغريق الله إياهم من بساتين وأشجار, وهي الجنات, وعيون, يعني: ومنابع ما كان ينفجر في جنانهم وزروع قائمة في مزارعهم ( وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) يقول: وموضع كانوا يقومونه شريف كريم.

ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله ذلك المقام بالكرم, فقال بعضهم: وصفه بذلك لشرفه, وذلك أنه مَقام الملوك والأمراء, قالوا: وإنما أريد به المنابر.

ذكر من قال ذلك:

حدثني جعفر بن ابنة إسحاق الأزرق, قال: ثنا سعيد بن محمد الثقفي, قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مُهاجر, عن أبيه, عن مجاهد, في قوله ( وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) قال: المنابر.

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: ثنا عبد الله بن داود الواسطي, قال: ثنا شريك، عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جُبير, في قوله ( وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) قال: المنابر.

وقال آخرون: وصف ذلك المقام بالكرم لحسنه وبهجته.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) : أي حسن.

وقوله ( وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ) يقول تعالى ذكره: وأخرجوا من نعمة كانوا فيها فاكهين متفكهين ناعمين.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( فَاكِهِينَ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر القارئ ( فَاكِهِينَ ) على المعنى الذي وصفت. وقرأه أبو رجاء العُطاردي والحسن وأبو جعفر المدنيّ ( فَكِهينَ ) بمعنى: أشِرِين بَطِرين.

والصواب من القراءة عندي في ذلك, القراءة التي عليها قرّاء الأمصار, وهي ( فَاكِهِينَ ) بالألف بمعنى ناعمين.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ) : ناعمين, قال: إي والله, أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حتى ورّطه في البحر.

وقوله ( كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) يقول تعالى ذكره: هكذا كما وصفت لكم أيها الناس فعلنا بهؤلاء الذي ذكرتُ لكم أمرهم, الذين كذّبوا رسولنا موسى صلى الله عليه وسلم.

وقوله ( وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) يقول تعالى ذكره وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقَاماتهم وما كانوا فيه من النعمة عنهم قوما آخرين بعد مهلكهم, وقيل: عُنِي بالقوم الآخرين بنو إسرائيل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة قوله ( كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) يعني بني إسرائيل.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ( 29 ) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ( 30 ) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ( 31 )

يقول تعالى ذكره: فما بكت على هؤلاء الذين غرّقهم الله في البحر, وهم فرعون وقومه, السماء والأرض, وقيل: إن بكاء السماء حمرة أطرافها.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ, قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد, عن الحكم بن ظهير, عن السديّ قال: لما قتل الحسين بن عليّ رضوان الله عليهما بكت السماء عليه, وبكاؤها حمرتها.

حدثني عليّ بن سهل, قال: ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء في قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال: بكاؤها حمرة أطرافها.

وقيل: إنما قيل ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) لأن المؤمن إذا مات, بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا, ولم تبكيا على فرعون وقومه, لأنه لم يكن لهم عمل يَصعْد إلى الله صالح, فتبكي عليهم السماء, ولا مسجد في الأرض, فتبكي عليهم الأرض.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا طلق بن غنام, عن زائدة, عن منصور, عن المنهال, عن سعيد بن جُبير, قال: أتى ابن عباس رجل, فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينـزل رزقه, وفيه يصعد عمله, فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله, وينـزل منه رزقه, بكى عليه; وإذا فقده مُصَلاه من الأرض التي كان يصلي فيها, ويذكر الله فيها بكت عليه, وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة, ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير, قال: فلم تبك عليهم السماء والأرض.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى قالا ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: كان يقال: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحًا.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي يحيى القَتَّات, عن مجاهد, عن ابن عباس بمثله.

حدثني يحيى بن طلحة, قال: ثنا فضيل بن عياض, عن منصور, عن مجاهد, قال: حُدثت أن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي, قال: ثنا بكير بن أبي السميط, قال: ثنا قتادة, عن سعيد بن جُبير أنه كان يقول: إن بقاع الأرض التي كان يصعد عمله منها إلى السماء تبكي عليه بعد موته, يعني المؤمن.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن المنهال, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال: إنه ليس أحد إلا له باب في السماء ينـزل فيه رزقه ويصعد فيه عمله, فإذا فُقِد بكت عليه مواضعه التي كان يسجد عليها, وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يقبل منهم, فيصعد إلى الله عزّ وجلّ, فقال مجاهد: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا.

حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد قال: كان يقال: إن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا.

حدثنا يحيى بن طلحة, قال: ثنا عيسى بن يونس, عن صفوان بن عمرو, عن شريح بن عبيد الحضرمي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنَّ الإسْلامَ بَدَأ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا, ألا لا غُرْبَةَ عَلى المُؤْمِن, ما ماتَ مُؤْمِنٌ فِي غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بَوَاكِيهِ إلا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّماءُ والأرْضُ » , ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) , ثم قال: « إنَّهُما لا يَبْكِيانِ على الكافر » .

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) ... الآية, قال: ذلك أنه ليس على الأرض مؤمن يموت إلا بكى عليه ما كان يصلي فيه من المساجد حين يفقده, وإلا بكى عليه من السماء الموضعُ الذي كان يرفع منه كلامه, فذلك لأهل معصيته: ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) لأنهما يبكيان على أولياء الله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ )

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) يقول: لا تبكي السماء والأرض على الكافر, وتبكي على المؤمن الصالح معالمُه من الأرض ومقرُّ عمله من السماء.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ ) قال: بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الأرض تبكي عليه إذا مات, وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن المنهال, عن سعيد بن جُبَير, قال: سُئل ابن عباس: هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال: نعم إنه ليس أحد, من الخلق إلا له باب في السماء يصعد فيه عمله, وينـزل منه رزقه, فإذا مات بكى عليه مكانه من الأرض الذي كان يذكر الله فيه ويصلي فيه, وبكى عليه بابه الذي كان يصعد فيه عمله, وينـزل منه رزقه. وأما قوم فرعون, فلم يكن لهم آثار صالحة, ولم يصعد إلى السماء منهم خير, فلم تبك عليهم السماء والأرض.

وقوله ( وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) يقول: وما كانوا مؤخرين بالعقوبة التي حلَّت بهم, ولكنهم عوجلوا بها إذ أسخطوا ربهم عزّ وجلّ عليهم ( وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) : يقول تعالى ذكره: ولقد نجَّينا بني إسرائيل من العذاب الذي كان فرعون وقومه يعذّبونَهُم به, المهين يعني المذلّ لهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) بقتل أبنائهم, واستحياء نسائهم.

وقوله ( مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ) يقول تعالى ذكره: ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب من فرعون, فقوله ( مِنْ فِرْعَوْنَ ) مكرّرة على قوله ( مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) مبدلة من الأولى. ويعني بقوله ( إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ) إنه كان جبارا مستعليًا مستكبرًا على ربه, ( مِنَ الْمُسْرِفِينَ ) يعني: من المتجاوزين ما ليس لهم تجاوزه. وإنما يعني جل ثناؤه أنه كان ذا اعتداء في كفره, واستكبار على ربه جلّ ثناؤه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( 32 ) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ ( 33 )

يقول تعالى ذكره: ولقد اخترنا بني إسرائيل على علم منا بهم على عالمي أهل زمانهم يومئذ, وذلك زمان موسى صلوات الله وسلامه عليه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) : أي اختيروا على أهل زمانهم ذلك, ولكلّ زمان عالم.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) قال: عالم ذلك الزمان.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) قال: على من هم بين ظَهْرَانِيهِ.

قوله ( وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ ) يقول تعالى ذكره: وأعطيناهم من العِبر والعِظات ما فيه اختبار يبين لمن تأمله أنه اختبار اختبرهم الله به.

واختلف أهل التأويل في ذلك البلاء, فقال بعضهم: ابتلاهم بنعمه عندهم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ ) أنجاهم الله من عدوّهم, ثم أقطعهم البحر, وظلَّل عليهم الغمام, وأنـزل عليهم المنّ والسلوى.

وقال آخرون: بل ابتلاهم بالرخاء والشدّة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله ( وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ ) , وقرأ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وقال: بلاء مبين لمن آمن بها وكفر بها, بلوى نبتليهم بها, نمحصهم بلوى اختبار, نختبرهم بالخير والشرّ, نختبرهم لننظر فيما أتاهم من الآيات من يؤمن بها, وينتفع بها ويضيعها.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى بني إسرائيل من الآيات ما فيه ابتلاؤهم واختبارهم, وقد يكون الابتلاء والاختبار بالرخاء, ويكون بالشدّة, ولم يضع لنا دليلا من خبر ولا عقل, أنه عنى بعض ذلك دون بعض, وقد كان الله اختبرهم بالمعنيين كليهما جميعا. وجائز أن يكون عنى اختباره إياهم بهما, فإذا كان الأمر على ما وصفنا, فالصواب من القول فيه أن نقول كما قال جل ثناؤه إنه اختبرهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ ( 34 ) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ( 35 ) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 36 )

يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل مشركي قريش لنبي الله صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء المشركين من قومك يا محمد ( لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأولَى ) التي نموتها, وهي الموتة الأولى ( وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ) بعد مماتنا, ولا بمبعوثين تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ) قال: قد قال مشركو العرب ( وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ) أي: بمبعوثين.

وقوله ( فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) يقول تعالى ذكره: قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: فأتوا بآبائنا الذين قد ماتوا إن كنتم صادقين, أن الله باعثنا من بعد بلانا في قبورنا, ومحيينا من بعد مماتنا, وخوطب صلى الله عليه وسلم هو وحده خطاب الجميع, كما قيل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ وكما قال رَبِّ ارْجِعُونِ وقد بيَّنت ذلك في غير موضع من كتابنا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( 37 )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير, أم قوم تُبَّع, يعني تُبَّعا الحِمْيريّ.

كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن نجيح, عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ ( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ) قال: الحميريّ.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ) ذُكر لنا أن تبعا كان رجلا من حمير, سار بالجيوش حتى حير الحيرة, ثم أتى سمرقند فهدمها. وذُكر لنا أنه كان إذا كَتَب كَتَب باسم الذي تسمَّى وملك برّا وبحرا وصحا وريحا. وذُكر لنا أن كعبا كان يقول: نُعِتَ نَعْتَ الرَّجُلِ الصَّالح ذمّ الله قومَه ولم يذمه. وكانت عائشة تقول: لا تسبوا تُبَّعا, فإنه كان رجلا صالحا.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قالت عائشة: كان تبَّع رجلا صالحا. وقال كعب: ذمّ الله قومه ولم يذمه.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن تميم بن عبد الرحمن, عن سعيد بن جبير, أن تُبَّعا كسا البيت, ونهى سعيد عن سبه.

وقوله ( وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبع والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها, يقول: فليس هؤلاء بخير من أولئك, فنصفح عنهم, ولا نهلكهم, وهم بالله كافرون, كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا.

وقوله ( إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) يقول: إن قوم تبَّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم إنما أهلكناهم لإجرامهم, وكفرهم بربهم. وقيل: إنهم كانوا مجرمين, فكُسرت ألف « إن » على وجه الابتداء, وفيها معنى الشرط استغناء بدلالة الكلام على معناها.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ( 38 ) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( 39 )

يقول تعالى ذكره: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ) السبع والأرضين وما بينهما من الخلق لعبا. وقوله ( مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ) يقول: ما خلقنا السموات والأرض إلا بالحقّ الذي لا يصلح التدبير إلا به.

وإنما يعني بذلك تعالى ذكره التنبيه على صحة البعث والمجازاة, يقول تعالى ذكره: لم نخلق الخلق عبثا بأن نحدثهم فنحييهم ما أردنا, ثم نفنيهم من غير الامتحان بالطاعة والأمر والنهي, وغير مجازاة المطيع على طاعته, والعاصي على المعصية, ولكن خلقنا ذلك لنبتلي من أردنا امتحانه من خلقنا بما شئنا من امتحانه من الأمر والنهي لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى .

( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون أن الله خلق ذلك لهم, فهم لا يخافون على ما يأتون من سخط الله عقوبة, ولا يرجون على خير إن فعلوه ثوابا لتكذيبهم بالمعاد.