القول في تأويل قوله تعالى : فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ( 68 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 69 ) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ( 70 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 71 )

يقول تعالى ذكره : وفي هاتين الجنتين المدهامتَّين فاكهة ونخل ورمَّان.

وقد اختلف في المعنى الذي من أجله أعيد ذكر النخل والرمان؛ وقد ذكر قبل أن فيهما الفاكهة، فقال بعضهم: أعيد ذلك لأن النخل والرمان ليسا من الفاكهة.

وقال آخرون : هما من الفاكهة؛ وقالوا: قلنا هما من الفاكهة، لأن العرب تجعلهما من الفاكهة، قالوا: فإن قيل لنا: فكيف أعيدا وقد مضى ذكرهما مع ذكر سائر الفواكه؟ قلنا: ذلك كقوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى ، فقد أمرهم بالمحافظة على كلّ صلاة، ثم أعاد العصر تشديدا لها، كذلك أعيد النخل والرمَّان ترغيبا لأهل الجنة. وقال: وذلك كقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ، ثم قال وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ، وقد ذكرهم في أوّل الكلمة في قوله: مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن رجل، عن سعيد بن جُبير قال: « نخل الجنة جذوعها من ذهب، وعروقها من ذهب، وكرانيفها من زمرد، وسعفها كسوة لأهل الجنة، ورطبها كالدلاء، أشدّ بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من العسل، ليس له عَجَم » .

قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن وهب الذماري، قال: « بلغنا أن في الجنة نخلا جذوعها من ذهب، وكرانيفها من ذهب، وجريدها من ذهب وسعفها، كسوة لأهل الجنة، كأحسن حلل رآها الناس قط، وشماريخها من ذهب، وعراجينها من ذهب، وثفاريقها من ذهب، ورطبها أمثال القلال، أشدّ بياضا من اللبن والفضة، وأحلى من العسل والسكر، وألين من الزُّبد والسَّمْن » .

وقوله: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) يقول : فبأيّ نعم ربكما تكذّبان، يقول: فبأيّ نعم ربكما التي أنعمها عليكم - بهذه الكرامة التي أكرم بها محسنكم- تكذّبان.

وقوله: ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) يقول تعالى ذكره: في هذه الجنان الأربع اللواتي اثنتان منهنّ لمن يخاف مقام ربه، والأخريان منهنّ من دونهما المدهامتان خيرات الأخلاق، حسان الوجوه.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) ، يقول: في هذه الجنان خيرات الأخلاق، حسان الوجوه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) قال: خيرات في الأخلاق، حسان في الوجوه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) قال: الخيرات الحسان: الحور العين.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) قال: خيرات الأخلاق، حسان الوجوه.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي عبيد، عن مسروق، عن عبد الله ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) قال: في كل خيمة زوجة.

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا محمد بن الفرج الصّدَفيّ الدمياطي عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أمّ سلمة قالت « قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله: ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) قال: خَيْرَاتُ الأخْلاقِ، حِسانُ الوُجُوهِ » .

قوله: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) يقول: فبأيّ نِعم ربكما التي أنعم عليكما - بما ذكر- تكذّبان.

 

القول في تأويل قوله تعالى : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ( 72 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 73 ) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ( 74 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 75 )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الخيرات الحسان ) حُورٌ ) يعني بقوله حور : بِيض، وهي جمع حوراء، والحوراء: البيضاء.

وقد بيَّنا معنى الحور فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد ( حُورٌ ) قال: بيض.

قال: ثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد ( حُورٌ ) قال: بيض.

قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، ( حُورٌ ) قال: النساء.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ ) الحوراء: العَيْناء الحسناء.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، الحور: سواد في بياض.

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله : ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: الحور: البيض قلوبهم وأنفسهم وأبصارهم .

وأما قوله: ( مَقْصُورَاتٌ ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم : تأويله؛ أنهنّ قُصِرْن على أزواجهنّ، فلا يبغين بهم بدلا ولا يرفعن أطرافهن إلى غيرهم من الرجال.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد: ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: قُصِر طرفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( مَقْصُورَاتٌ ) ، قال: قُصر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: قَصَرْن أنفسَهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله وابن اليمان، عن أبي جعفر، عن الربيع ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: قصرن طرفهنّ على أزواجهنّ.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: قصرن أنفسهنّ وقلوبهن وأبصارهنّ على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: قصر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن منصور عن مجاهد، قوله: ( مَقْصُورَاتٌ ) قال: مقصورات على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.

وقال آخرون: عُنِي بذلك أنهنّ محبوسات في الحجال.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: محبوسات في الخيام.

حدثنا جعفر بن محمد البزوري، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع، بمثله.

حدثنا أبو هشام الرفاعيّ، قال: ثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مجاهد، عن ابن عباس ( مَقْصُورَاتٌ ) قال: محبوسات.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، قال: أخبرنا أبو معشر السندي، عن محمد بن كعب، قال: محبوسات في الحِجال.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: لا يبرحن الخيام.

حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عثام بن عليّ، عن إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: عَذارى الجنة.

حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام قالا ثنا عثام بن عليّ، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( مَقْصُورَاتٌ ) قال: المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: محبوسات، ليس بطوّافات في الطرق.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وصفهنّ بأنهن مقصورات في الخيام، والقصر: هو الحبس. ولم يخصص وصفهنّ بأنهنّ محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الآخر، بل عمّ وصفهنّ بذلك. والصواب أن يعمّ الخبر عنهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم، كما عمّ ذلك.

وقوله: ( فِي الخِيام ) يعني بالخيام : البيوت، وقد تسمي العرب هوادج النساء خياما؛ ومنه قول لبيد:

شـاقَتْكَ ظُعْـنُ الحَـي يَـوْم تَحَـمَّلُوا فَتَكَنَّسُــوا قُطُنــا تَصِــرُّ خِيامُهـا

وأما في هذه الآية فإنه عُنِيَ بها البيوت.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى، عن سعيد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عبد الملك بن ميسرة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: الدر المجوّف.

حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك عن أبي الأحوص، عن عبد الله، مثله.

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: ثنا فضيل بن عياش، عن هشام، عن محمد، عن ابن عباس في قوله: ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: الخيمة لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس ( فِي الخِيامِ ) قال: بيوت اللؤلؤ.

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا إدريس الأودي، عن شمر بن عطية، عن أبي الأحوص، قال، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتدرون ما حور مقصورات في الخيام؟ الخيام : درّ مجوّف.

قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا مسعر، عن عبد الملك، عن أبي الأحوص في قوله: ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: درّ مجوّف.

وبه عن أبي الأحوص قال: الخيمة: درّة مجوّفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.

قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة،عن ابن عباس قال: الخيمة في الجنة من درّة مجوّفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع.

حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدّث عن قتادة، عن خليد العصريّ قال: لقد ذكر لي أن الخيمة لؤلؤة مجوّفة، لها سبعون مِصْراعا، كلّ ذلك من درّ.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير أنه قال: الخيام: درّ مجوّف.

قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الخيام: درّ مجوّف.

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا وكيع ويعلى عن منصور، عن مجاهد ( في الخيام ) ، قال: الدرّ المجوف.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( فِي الخِيامِ ) قال: خيام: درّ مجوّف.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن حرب بن بشير، عن عمرو بن ميمون، قال: الخيام : الخيمة : درّة مجوّفة.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سَلَمة بن نُبَيط، عن الضحاك، قال: الخيمة درّة مجوفة.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن اليمان، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب ( فِي الخِيامِ ) : في الحجال. قال: ثنا عبيد الله وابن اليمان، عن أبي جعفر، عن الربيع ( فِي الخِيامِ ) قال: في الحجال.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد ( فِي الخِيامِ ) قال: خيام اللؤلؤ.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فِي الخِيامِ ) ، الخيام: اللؤلؤ والفضة، كما يقال والله أعلم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) ، ذُكر لنا أن ابن عباس كان يقول : الخيمة: درّة مجوّفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة الآف باب من ذهب.

وقال: قتادة: كان يقال: مسكن المؤمن في الجنة، يسير الراكب الجواد فيه ثلاث ليال، وأنهاره وجنانه وما أعدّ الله له من الكرامة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال، قال ابن عباس: الخيمة: درّه مجوّفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف باب من ذهب.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) ، قال: يقال: خيامهم في الجنة من لؤلؤ.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: الخيام: الدرّ المجوّف.

حدثنا محمد بن المثنى قال: ثني حِرْميّ بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن أبي مجلز « أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال في قول الله ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: درّ مُجَوَّفٌ » .

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول كان ابن مسعود يحدّث عن نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: « هِيَ الدُّرّ المُجَوَّفُ » يعني الخيام في قوله: ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) .

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) قال: في خيام اللؤلؤ.

وقوله: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) يقول : فبأيّ نعم ربكما التي أنعم عليكما - من الكرامة، بإثابة محسنكم هذه الكرامة- تكذّبان.

وقوله: ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ) يقول تعالى ذكره : لم يمسهنّ بنكاح فيدميهن إنس قبلهم ولا جانّ.

وقرأت قرّاء الأمصار ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ ) بكسر الميم في هذا الموضع وفي الذي قبله. وكان الكسائيّ يكسر إحداهما. ويضمّ الأخرى.

والصواب من القراءة في ذلك ؛ ما عليه قرّاء الأمصار لأنها اللغة الفصيحة، والكلام المشهور من كلام العرب.

وقوله: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) يقول : فبأيّ نِعمَ ربكما التي أنعم عليكم بها - مما وصف - تكذّبان.

 

القول في تأويل قوله تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ( 76 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 77 ) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ( 78 )

يقول تعالى ذكره : ينعم هؤلاء الذين أكرمهم جلّ ثناؤه هذه الكرامة، التي وصفها في هذه الآيات، في الجنتين اللتين وصفهما ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) .

واختلف أهل التأويل في معنى الرفرف، فقال بعضهم: هي رياض الجنة، واحدتها: رفرفة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير أنه قال فِي هذه الآية ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: رياض الجنة.

حدثنا عباس بن محمد، قال: ثنا أبو نوح، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، مثله.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا سعيد بن جُبير، في قوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: الرفرف: رياض الجنة.

وقال آخرون: هي المحابس.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) يقول: المحابس.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي. قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) : قال: الرفرف فضول المحابس والبسط.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: هي البسط، أهل المدينة يقولون: هي البسط.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كُهيل الحضرميّ، عن رجل يقال له غزوان، ( رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: فضول المحابس.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هارون، عن عنترة، عن أبيه، قال: فضول الفُرُش والمحابس.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن مروان، في قوله: ( رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: فضول المحابس.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: الرفرف الخضر: المحابس.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: محابس خضر.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: هي المحابس.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) قال: الرفرف: المحابس.

وقال آخرون : بل هي المرافق.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال، قال الحسن: الرفرف: مرافق خُضْر، وأما العبقريّ، فإنه الطنافس الثخان، وهي جماع واحدها :عبقرية .وقد ذُكر أن العرب تسمي كل شيء من البسط عبقريا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) قال: الزرابيّ.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) قال: العبقريّ: الزرابيّ الحسان.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، في قوله: ( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) قال: العبقريّ: عتاق الزرابيّ.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: العبقريّ، الزرابيّ.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة ( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) قال: الزرابيّ.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) قال: زرابيّ.

حدثي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) قال: العبقريّ: الطنافسي.

وقال آخرون : العبقريّ :الديباج.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد ( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) قال: هو الديباج. والقرّاء في جميع الأمصار على قراءة ذلك ( عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) بغير ألف في كلا الحرفين . وذُكر عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خبر غير محفوظ، ولا صحيح السند ( على رفَارِفَ خُضْرٍ وعَباقِِرِيّ ) بالألف والإجراء . وذُكر عن زُهير الفرقبي أنه كان يقرأ ( على رَفارِفَ خُضْرٍ ) ، بالألف وترك الإجراء، ( وَعَبَاقِرِيّ حِسانٍ ) بالألف أيضا، وبغير إجراء . وأما الرفارف في هذه القراءة، فإنها قد تحتمل وجه الصواب. وأما العباقريّ، فإنه لا وجه له في الصواب عند أهل العربية، لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح. وأما القراءة الأولى التي ذُكرت عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلو كانت صحيحة، لوجب أن تكون الكلمتان غير مجراتين.

وقوله: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) يقول تعالى ذكره : فبأيّ نِعم ربكما التي أنعم عليكم - من إكرامه أهل الطاعة منكم هذه الكرامة - تكذّبان.

وقوله ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ) يقول تعالى ذكره: تبارك ذكر ربك يا محمد، ( ذِي الجَلالِ ) : يعني ذي العظمة، ( والإكْرامِ ) يعني: ومن له الإكرام من جميع خلقه.

كما حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ( ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ) يقول: ذو العظمة والكبرياء.

آخر تفسير سورة الرحمن عزّ و جلّ

 

تفسير سورة الواقعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ( 1 ) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ( 2 ) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ( 3 ) إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ( 4 ) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ( 5 ) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ( 6 )

يعني تعالى ذكره بقوله: ( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) : إذا نـزلت صيحة القيامة، وذلك حين يُنفخ في الصور لقيام الساعة.

كما حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) يعني: الصيحة.

حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) الواقعة والطامة والصاخة، ونحو هذا من أسماء القيامة، عظَّمه الله، وحذره عباده.

وقوله: ( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ) يقول تعالى: ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية، والكاذبة في هذا الموضع مصدر، مثل العاقبة والعافية.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ) : أي ليس لها مثنوية، ولا رجعة، ولا ارتداد.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر; عن قتادة، في قوله: ( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ) قال: مثنوية.

وقوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذ خافضة، أقواما كانوا في الدنيا، أعزّاء إلى نار الله.

وقوله: ( رَافِعَةٌ ) يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا وُضعَاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى.

* ذكر من قال في ذلك ما قلنا:

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العَتَكِيّ، عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) يقول: تخللت كلّ سهل وجبل، حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواما في كرامة الله، وخفضت أقواما في عذاب الله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) وقال: أسمعت القريب والبعيد، خافضة أقواما إلى عذاب الله، ورافعة أقواما إلى كرامة الله.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) قال: خفضت وأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى؛ قال: فكان القريب والبعيد من الله سواء.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) قال: سمَّعت القريب والبعيد.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى، فكان فيها القريب والبعيد سواء.

وقوله: ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا ) يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت الأرض فحرّكت تحريكا من قولهم السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى: يهتزّ ويضطرب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا ) يقول: زلزلها.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قول الله ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا ) قال: زلزلت.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا ) يقول: زلزلت زلزلة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا ) قال: زلزلت زلزالا.

وقوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) يقول تعالى ذكره: فتتت الجبال فتا، فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول، كما قال جلّ ثناؤه: وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا والبسيسة عند العرب: الدقيق والسويق تلتّ وتتخذ زادا.

وذُكر عن لصّ من غطفان أنه أراد أن يخبز، فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا، وقال:

لا تَخْــبِزَا خَــبْزًا وبُسَّــا بَسَّــا مَلْســـا بِــذَوْدِ الحَلَسِــيّ مَلْســا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) يقول: فتتت فتا.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: فتتت.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: كما يبس السويق.

حدثني أحمد بن عمرو البصري، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرِمة ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: فُتَّتْ فتا.

حدثني إسماعيل بن موسى ابن بنت السديّ، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسيّ، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل السديّ وأبي صالح ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: فُتِّتت فتا.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: كما يبس السويق.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: صارت كثيبا مهيلا كما قال الله.

حدثنا ابن حُميَد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: فُتتت فتا.

وقوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) اختلف أهل التأويل في معنى الهباء، فقال بعضهم: هو شعاع الشمس، الذي يدخل من الكوة كهيئة الغبار.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) يقول: شعاع الشمس.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد ( هَبَاءً مُنْبَثًّا ) قال: شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة.

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) قال: شعاع الشمس يدخل من الكوّة، وليس بشيء.

وقال آخرون: هو رهج الدوابّ.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ رضي الله عنه قال: رهج الدوابّ.

وقال آخرون: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) قال: الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت، يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئا.

وقال آخرون: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) كيبيس الشجر، تذروه الرياح يمينا وشمالا.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( هَبَاءً مُنْبَثًّا ) يقول: الهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر.

وقد بيَّنا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وأما قوله: ( مُنْبَثًّا ) فإنه يعني متفرّقا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ( 7 ) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( 8 ) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( 9 ) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( 10 ) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ( 11 ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 12 )

يقول تعالى ذكره: وكنتم أيها الناس أنواعا ثلاثة وضروبا.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال: منازل الناس يوم القيامة.

وقوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) ، وهذا بيان من الله عن الأزواج الثلاثة، يقول، جلّ ثناؤه: وكنتم أزواجًا ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، فجعل الخبر عنهم، مغنيا عن البيان عنهم، على الوجه الذي ذكرنا، لدلالة الكلام على معناه، فقال: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) يعجِّب نبيه محمدا منهم، وقال: ( مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، أيّ شيء أصحاب اليمين، ( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) يقول تعالى ذكره: وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، والعرب تسمي اليد اليسرى: الشؤمي؛ ومنه قول أعشى بني ثعلبة:

فـأنْحَى عـلى شُّـؤْمَي يَدَيـه فَذادَهـا بأظْمــأَ مِـنْ فَـرْع الذُّوَابَـةِ أسْـحَما

وقوله: ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، وهم المهاجرون الأوّلون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة، قوله: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال: اثنان في الجنة وواحد في النار، يقول: الحور العين للسابقين، والعُرُب الأتراب لأصحاب اليمين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال: منازل الناس يوم القيامة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) . . . إلى ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم سوى بين أصحاب اليمين من الأمم السابقة، وبين أصحاب اليمين من هذه الأمة، وكان السابقون من الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة « . »

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) : أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم ( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) : أي ماذا لهم وماذا أعد لهم ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) : أي من كل أمة.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث، فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل، الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى، فإذا حسنت حال المؤمن، واستقامت طريقه كان الهوى ذليلا وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد الله به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح الله هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا الثالث، وهو خيرهم كلهم، وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال: فزوجان في الجنة، وزوج في النار، قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى، والآخر: الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى، فهذان زوجان في الجنة، والآخر: هواه قاهر لعلمه، فهذا زوج النار.

واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فقال بعض نحويي البصرة: خبر قوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) قال: ويقول زيد: ما زيد، يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله: ( مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) لا تكون الجملة خبره، ولكن الثاني عائد على الأوّل، وهو تعجب، فكأنه قال: أصحاب الميمنة ما هم، والقارعة ما هي، والحاقة ما هي؟ فكان الثاني عائد على الأوّل، وكان تعجبا، والتعجب بمعنى الخبر، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء، لأن الاستفهام لا يكون خبرا، والخبر لا يكون استفهاما، والتعجب يكون خبرا، فكان خبرا للابتداء. وقوله: زيد وما زيد، لا يكون إلا من كلامين، لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء، كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشدّه وما أعلمه.

واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فقال بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خارجة، عن قرة، عن ابن سيرين ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) الذين صلوا للقبلتين.

وقال آخرون في ذلك بما حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثنا عثمان بن أبي سودة، قال ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) أوّلهم رواحا إلى المساجد، وأسرعهم خفوقا في سبيل الله.

والرفع في السابقين من وجهين: أحدهما: أن يكون الأوّل مرفوعا بالثاني، ويكون معنى الكلام حينئذ والسابقون الأوّلون، كما يقال: السابق الأوّل، والثاني أن يكون مرفوعا بأولئك المقرّبون يقول جلّ ثناؤه: أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة.

وقوله: ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، وهم المهاجرون الأولون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة، قوله: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال: اثنان في الجنة وواحد في النار، يقول: الحور العين للسابقين، والعرب الأتراب لأصحاب اليمين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال: منازل الناس يوم القيامة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) . . . إلى ( ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « سَوَّى بَين أصَحاب اليمَين مِنَ الأمَمَ السَّابِقَةِ، وَبَيَنَ أصحَابِ اليَمِين مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ، وكانَ السَّابِقُونَ مِنَ الأمَمِ أكْثَرَ مِنْ سابِقي هَذِهِ الأمَّةِ » .

حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) : أي ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم ( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) : أي ماذا لهم وماذا أعدّ لهم ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) : أي من كلّ أمة.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث، فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل، الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى، فإذا حسُنت حال المؤمن، واستقامت طريقته كان الهوى ذليلا وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد الله به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح الله هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا الثالث، وهو خيرهم كلهم، وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال: فزوجان في الجنة، وزوج في النار، قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى، والآخر: الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى، فهذان زوجان في الجنة، والآخر: هواه قاهر لعلمه، فهذا زوج النار.

واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فقال بعض نحويي البصرة: خبر قوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) قال: ويقول زيد: ما زيد، يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله: ( مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) لا تكون الجملة خبره، ولكن الثاني عائد على الأول، وهو تعجب، فكأنه قال: أصحاب الميمنة ما هم، والقارعة ما هي؟ والحاقة ما هي؟ فكان الثاني عائد على الأوّل، وكان تعجبا، والتعجب بمعنى الخبر، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء، لأن الاستفهام لا يكون خبرا، والخبر لا يكون استفهاما، والتعجب يكون خبرا، فكان خبرا للابتداء. وقوله: زيد وما زيد، لا يكون إلا من كلامين، لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء، كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشدّه وما أعلمه.

واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فقال بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خارجة، عن قرة، عن ابن سيرين ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) الذين صلوا للقبلتين.

وقال آخرون في ذلك بما حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثنا عثمان بن أبي سودة، قال ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) أوّلهم رواحا إلى المساجد، وأسرعهم خفوقا في سبيل الله.

والرفع في السابقين من وجهين: أحدهما: أن يكون الأوّل مرفوعا بالثاني، ويكون معنى الكلام حينئذ والسابقون الأوّلون، كما يقال: السابق الأوّل، والثاني أن يكون مرفوعا بأولئك المقرّبون يقول جلّ ثناؤه: أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة.

وقوله: ( فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) يقول: في بساتين النعيم الدائم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ ( 13 ) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ ( 14 ) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ( 15 ) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ( 16 )

يقول تعالى ذكره: جماعة من الأمم الماضية، وقليل من أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وهم الآخرون وقيل لهم الآخرون: لأنهم آخر الأمم ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) يقول: فوق سُرر منسوجة، قد أدخل بعضها في بعض، كما يوضن حلق الدرع بعضها فوق بعض مضاعفة؛ ومنه قول الأعشى:

وَمِـــنْ نَسْــج دَاوُدَ مَوْضُونَــةً تُســاقُ مَــعَ الحَـيّ عِـيرًا فعِـيْرًا

ومنه وضين الناقة، وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا كالحلق حلق الدرع: وقيل: وضين، وإنما هو موضون، صرف من مفعول إلى فعيل، كما قيل: قتيل لمقتول: وحُكي سماعا من بعض العرب أزيار الآجرّ موضون بعضها على بعض، يراد مشرج صفيف.

وقيل: إنما قيل لها سُرر موضونة، لأنها مشبكة بالذهب والجوهر.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: مرمولة بالذهب.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: مرمولة بالذهب.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: يعني الأسرة المرملة.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن مجاهد، قال: الموضونة: المرملة بالذهب.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرِمة قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: مشبكة بالدّر والياقوت.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( مَوْضُونَةٍ ) قال: مرمولة بالذهب.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) والموضونة: المرمولة، وهى أوثر السرر.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، في قوله: ( مَوْضُونَةٍ ) قال مرمولة.

حدثنا ابن عيد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، في قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: مرملة مشبكة.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) الوضن: التشبيك والنسج، يقول: وسطها مشبك منسوج.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) الموضونة: المرمولة بالجلد ذاك الوضين منسوجة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها مصفوفة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) يقول: مصفوفة.

وقوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ) يقول تعالى ذكره متكئين على السُّرر الموضونة، متقابلين بوجوههم، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.

كما حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ قال: لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه، وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ ) .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، في قراءة عبد الله، يعني ابن مسعود ( مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ ) .

وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، وذكرنا ما فيه من الرواية.