القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 8 )

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ) يقول: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله، وإلى ما يرضيه عنكم ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) يقول: رجوعا لا تعودون فيها أبدا.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ( نَصُوحًا ) قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد بن السَّريّ، قال: ثنا أَبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر عن التوبة النصوح، قال: التوبة النصوح: أن يتوب الرجل من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدًا.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر، قال: التوبة النصوح: أن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سألت عمر عن قوله: ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: هو العبد يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أبدًا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: التوبة النصوح، أن يتوب من الذنب فلا يعود.

حدثنا به ابن حميد مرّة أخرى، قال: أخبرني عن عمر بهذا الإسناد، فقال: التوبة النصوح: الذي يذنب ثم لا يريد أن يعود.

حدثني أَبو السائب، قال: ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبي إسحاق، عن أَبي الأحوص، عن عبد الله ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: يتوب ثم لا يعود.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أَبي إسحاق، عن أَبي الأحوص، عن عبد الله قال: التوبة النصوح: الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) أن لا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه، ويقال: توبته أن لا يرجع إلى ذنب تركه.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: يستغفرون ثم لا يعودون.

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: ( تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: النصوح. أن تحول عن الذنب ثم لا تعود له أبدًا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: هي الصادقة الناصحة.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله. ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) قال: التوبة النصوح الصادقة، يعلم أنها صدق ندامة على خطيئته، وحبّ الرجوع إلى طاعته، فهذا النصوح.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عاصم ( نَصُوحًا ) بفتح النون على أنه من نعت التوبة وصفتها، وذُكر عن عاصم أنه قرأه ( نُصْوحًا ) بضمّ النون، بمعنى المصدر من قولهم: نصح فلان لفلان نُصُوحًا.

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بفتح النون على الصفة للتوبة لإجماع الحجة على ذلك.

وقوله: ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم ( وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ ) محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) يقول: يسعى نورهم أمامهم ( وَبِأَيْمَانِهِمْ ) يقول: وبأيمانهم كتابهم.

كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ... إلى قوله: ( وَبِأَيْمَانِهِمْ ) يأخذون كتابهم فيه البشرى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لِنَا ) يقول جلّ ثناؤه مخبرًا عن قيل المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) قال: قول المؤمنين حين يُطفأ نور المنافقين.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن، قال: ليس أحد إلا يعطى نورًا يوم القيامة، يعطى المؤمن والمنافق، فيطفأ نور المنافق، فيخشى المؤمن أن يطفأ نوره، فذلك قوله: ( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يذكرنا ويبكي، ويصدّق قوله فعله، يقول: يا أيها الناس إنكم مكتوبون عند الله عزّ وجلّ بأسمائكم وسيماكم، ومجالسكم ونجواكم وخلاتكم، فإذا كان يومُ القيامة قيل: يا فلانُ ابْنَ فلان هاكَ نورَك، ويا فلانُ ابْنَ فلان، لا نور لك.

وقوله: ( وَاغْفِرْ لَنَا ) يقول: واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها ( إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول: إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 9 )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ) بالسيف ( وَالْمُنَافِقِينَ ) بالوعيد واللسان.

وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) قال: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين بالحدود ( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) يقول: وأشدد عليهم في ذات الله ( وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يقول: ومكثهم جهنم، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم ( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) قال: وبئس الموضع الذي يصيرون إليه جهنم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ( 10 )

يقول تعالى ذكره: مَثَّل الله مثلا للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما.

ذُكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون. وأن خيانة امرأة لوط، أن لوطًا كان يُسِرّ الضيف، وتَدُلّ عليه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سلمان بن قيس، عن ابن عباس، قوله: ( فَخَانَتَاهُمَا ) قال: كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تَدُل على الضيف.

حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا إسماعيل بن عمر، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قيس، قال: سمعت ابن عباس قال في هذه الآية: أما امرأة نوح، فكانت تخبر أنه مجنون؛ وأما خيانة امرأة لوط، فكانت تَدُلّ على لوط.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أَبي عامر الهمداني، عن الضحاك ( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) قال: ما بغت امرأة نبيّ قط ( فَخَانَتَاهُمَا ) قال: في الدين خانتاهما.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سرّ نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها؛ وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطًا أحد خبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء ( فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) .

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن أبي سعيد، أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية ( فَخَانَتَاهُمَا ) قال: في الدين.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: ( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) قال: وكانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: عبيد بن سليمان، عن الضحاك ( فَخَانَتَاهُمَا ) قال: كانتا مخالفتين دين النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كافرتين بالله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أَبو صخر، عن أَبي معاوية البجلي، قال: سألت سعيد بن جبير: ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح؟ فقال: أما امرأة لوط، فإنها كانت تدلّ على الأضياف؛ وأما امرأة نوح فلا علم لي بها.

وقوله: ( فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) يقول: فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من الله لما عاقبهما على خيانتهما أزواجهما شيئًا، ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ ) ... الآية، هاتان زوجتا نَبِيَّي الله لما عصتا ربهما، لم يغن أزواجهما عنهما من الله شيئًا.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ) .... الآية، قال: يقول الله: لم يغن صلاح هذين عن هاتين شيئًا، وامرأة فرعون لم يضرّها كفر فرعون.

وقوله: ( وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) قال الله لهما يوم القيامة: ادخلا أيتها المرأتان نار جهنم مع الداخلين فيها.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 11 )

يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلا للذين صدقوا الله ووحدوه، امرأة فرعون التي آمنت بالله ووحدته، وصدّقت رسوله موسى، وهي تحت عدوّ من أعداء الله كافر، فلم يضرّها كفر زوجها، إذ كانت مؤمنة بالله، وكان من قضاء الله في خلقه أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن لكلّ نفس ما كسبت، إذ قالت: ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) ، فاستجاب الله لها فبنى لها بيتًا في الجنة.

كما حدثني إسماعيل بن حفص الأبلي قال: ثنا محمد بن جعفر، عن سليمان التيميّ، عن أَبي عثمان، عن سلمان، قال: كانت امرأة فرعون تعذّب بالشمس، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.

حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، قال: قال سليمان: كانت امرأة فرعون، فذكر نحوه.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: ثنا القاسم بن أبي بَزَّة، قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فيقال: غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت بربّ موسى وهارون؛ فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته؛ فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، فانتزع الله روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ) وكان أعتى أهل الأرض على الله، وأبعده من الله، فوالله ما ضرّ امرأته كُفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن الله حكم عدل، لا يؤاخذ عبده إلا بذنبه.

وقوله: ( وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ) وتقول: وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره بالله.

وقوله: ( وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) تقول: وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك،ومن عذابهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ( 12 )

يقول تعالى ذكره: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) يقول: التي منعت جيب درعها جبريل عليه السلام، وكلّ ما كان في الدرع من خرق أو فتق، فإنه يسمى فَرْجًا، وكذلك كلّ صدع وشقّ في حائط، أو فرج سقف فهو فرج.

وقوله: ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) يقول: فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، من روحنا من جبرئيل، وهو الروح.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) فنفخنا في جيبها من روحنا ( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ) يقول: آمنت بعيسى، وهو كلمة الله ( وَكُتُبِهِ ) يعني التوراة والإنجيل ( وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) يقول: وكانت من القوم المطيعين.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( مِنَ الْقَانِتِينَ ) من المطيعين.

آخر تفسير سورة التحريم