القول في تأويل قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: « وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج » ، وإن أردتم، أيها المؤمنون، نكاح امرأة مكان امرأة لكم تطلقونها « وآتيتم إحداهن » ، يقول: وقد أعطيتم التي تريدون طلاقها من المهر « قنطارًا » .

و « القنطار » المال الكثير. وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف أهل التأويل في مبلغه، والصوابَ من القول في ذلك عندنا.

« فلا تأخذوا منه شيئًا » ، يقول: فلا تضرُّوا بهن إذا أردتم طلاقهن ليفتدين منكم بما آتيتموهن، كما:-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: « وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج » ، طلاق امرأة مكان أخرى، فلا يحل له من مال المطلقة شيء وإن كثر.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

 

القول في تأويل قوله: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( 20 )

قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: « أتأخذونه » ، أتأخذون ما آتيتموهن من مهورهن « بهتانا » ، يقول: ظلمًا بغير حق « وإثما مبينًا » ، يعني: وإثمًا قد أبان أمرُ آخذه أنه بأخذه إياه لمن أخذَه منه ظالم.

 

القول في تأويل قوله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: « وكيف تأخذونه » ، وعلى أي وجه تأخذون من نسائكم ما آتيتموهن من صدقاتهن، إذا أردتم طلاقهن واستبدال غيرهن بهن أزواجًا « وقد أفضى بعضكم إلى بعض » ، فتباشرتم وتلامستم.

وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام، فإنه في معنى النكير والتغليظ، كما يقول الرجل لآخر: « كيف تفعل كذا وكذا، وأنا غير راضٍ به؟ » ، على معنى التهديد والوعيد.

وأما « الإفضاء » إلى الشيء، فإنه الوصول إليه بالمباشرة له، كما قال الشاعر:

[ بَلِينَ ] بِـلًى أَفْضَـى إلَـى [ كُلِّ ] كُتْبَـةٍ بَـدَا سَـيْرُهَا مِـنْ بَـاطِنٍ بَعْدَ ظَاهِرِ

يعني بذلك أن الفساد والبلى وصل إلى الخُرَز. والذي عُني به « الإفضاء » في هذا الموضع، الجماعُ في الفرج.

فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه: وكيف تأخذون ما آتيتموهن، وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عبد الحميد بن بيان القَنّاد قال، حدثنا إسحاق، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس قال: الإفضاء المباشرة، ولكنّ الله كريم يَكْني عما يشاء.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس قال: الإفضاء الجماع، ولكن الله يَكني.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس قال: الإفضاء هو الجماع.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: « وقد أفضى بعضكم إلى بعض » ، قال: مجامعة النساء.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: « وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض » ، يعني المجامعة.

 

القول في تأويل قوله : وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ( 21 )

قال أبو جعفر: أيْ: ما وثَّقتم به لهنَّ على أنفسكم، من عهد وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم، من إمساكهن بمعروف، أو تسريحهنّ بإحسان.

وكان في عقد المسلمين النكاحَ قديمًا فيما بلغنا - أن يقال لناكح: « آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرِّحن بإحسان » !

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » . والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم: « آلله عليك لتمسكنَّ بمعروف أو لتسرحن بإحسان » .

واختلف أهل التأويل في « الميثاق » الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » .

فقال بعضهم: هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك مثله.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: هو ما أخذ الله تبارك وتعالى للنساء على الرجال، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عَقد النكاح.

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، فهو أن ينكح المرأة فيقول وليها: أنكحناكَها بأمانة الله، على أن تمسكها بالمعروف أو تسرِّحها بإحسان.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: « الميثاق الغليظ » الذي أخذه الله للنساء: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وكان في عُقْدة المسلمين عند نكاحهن: « أيْمُ الله عليك، لتمسكن بمعروف ولتسرحَنّ بإحسان » .

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

وقال آخرون: هو كلمة النكاح التي استحلَّ بها الفرجَ.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: كلمة النكاح التي استحلَّ بها فروجهن.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد مثله.

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم المكي، عن مجاهد في قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: قوله: « نكحتُ » .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن محمد بن كعب القرظي: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: هو قولهم: « قد ملكتَ النكاح » .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن سالم الأفطس، عن مجاهد: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: كلمة النكاح.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: الميثاق النكاح.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني سالم الأفطس، عن مجاهد: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: كلمة النكاح، قوله: « نكحتُ » .

وقال آخرون: بل عنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: « أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله » .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر وعكرمة: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قالا أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، والميثاق الغليظ: أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك، قولُ من قال: الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم.

وقد بينا معنى « الميثاق » فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

واختلف في حكم هذه الآية، أمحكمٌ أم منسوخ؟

فقال بعضهم: محكم، وغير جائز للرجل أخذُ شيء مما آتاها، إذا أراد طلاقها، إلا أن تكون هي المريدةَ الطلاقَ.

وقال آخرون: هي محكمة، غير جائز له أخذ شيء مما آتاها منها بحال، كانت هي المريدةَ للطلاق أو هو. وممن حُكي عنه هذا القول، بكر بن عبد الله بن المزني.

حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء. قال: سألت بكرًا عن المختلعة، أيأخذ منها شيئًا؟ قال: لا « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » .

قال آخرون: بل هي منسوخة، نسخها قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [ سورة البقرة: 229 ] .

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ إلى قوله: « وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا » ، قال: ثم رخص بعدُ فقال: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [ سورة البقرة: 229 ] . قال: فنسخت هذه تلك.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، قولُ من قال: « إنها محكمة غير منسوخة » ، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها، إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها، ولا ريبة أتت بها.

وذلك أن الناسخ من الأحكام، ما نَفَى خلافه من الأحكام، على ما قد بيَّنا في سائر كتبنا. وليس في قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ، نَفْي حكمِ قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [ سورة البقرة: 229 ] . لأن الذي حرَّم الله على الرجل بقوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ، أخذُ ما آتاها منها إذا كان هو المريدَ طلاقَها. وأما الذي أباح له أخذَه منها بقوله: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ، فهو إذا كانت هي المريدةَ طلاقَه وهو له كاره، ببعض المعاني التي قد ذكرنا في غير هذا الموضع. وليس في حكم إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى.

وإذ كان ذلك كذلك، لم يجز أن يُحكم لإحداهما بأنها ناسخة، وللأخرى بأنها منسوخة، إلا بحجة يجبُ التسليم لها.

وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني : من أنه ليس لزوج المختلعة أخذُ ما أعطته على فراقه إياها، إذا كانت هي الطالبةَ الفرقةَ، وهو الكاره فليس بصواب، لصحة الخبَرِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أمرَ ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقِها إذ طلبت فراقه، وكان النشوز من قِبَلها.

 

القول في تأويل قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا ( 22 )

قال أبو جعفر: قد ذكر أن هذه الآية نـزلت في قوم كانوا يَخْلُفُون على حلائل آبائهم، فجاء الإسلام وهم على ذلك، فحرّم الله تبارك وتعالى عليهم المُقام عليهن، وعفا لهم عما كان سلف منهم في جاهليتهم وشِرْكهم من فعل ذلك، لم يؤاخذهم به، إن هم اتقوا الله في إسلامهم وأطاعوه فيه.

ذكر الأخبار التي رويت في ذلك:

حدثني محمد بن عبد الله المخرميّ قال، حدثنا قراد قال، حدثنا ابن عيينة وعمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرِّمون ما يَحْرُم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين. قال: فأنـزل الله: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء » الآية، قال: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما حرَّم الله، إلا أنّ الرجل كان يخلُف على حَلِيلة أبيه، ويجمعون بين الأختين، فمن ثَمَّ قال الله: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » ، قال: نـزلت في أبي قيس بن الأسلت، خلفَ على أمِّ عبيد بنت صخر، كانت تحت الأسلت أبيه وفي الأسود بن خلف، وكان خَلَف على بنت أبي طلحة بن عبد العُزّى بن عثمان بن عبد الدار، وكانت عند أبيه خلف وفي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسَد، وكانت عند أمية بن خلف، فخلف عليها صفوان بن أمية وفي منظور بن زبّان، وكان خلف على مُليكةِ ابنة خارجة، وكانت عند أبيه زَبَّان بن سيّار.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: الرجل ينكح المرأة، ثم لا يراها حتى يُطلقها، أتحل لابنه؟ قال: هي مُرْسَلة، قال الله تعالى: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء » . قال: قلت لعطاء: ما قوله: « إلا ما قد سلف » ؟ قال: كان الأبناء ينكحون نساء آبائهم في الجاهلية.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء » الآية، يقول: كل امرأة تزوجها أبوك وابنك، دخل أو لم يدخل، فهي عليك حرام.

واختلف في معنى قوله: « إلا ما قد سلف » .

فقال بعضهم: معناه: لكن ما قد سلف فدعوه. وقالوا: هو من الاستثناء المنقطع.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا نكاح آبائكم بمعنى: ولا تنكحوا كنكاحهم، كما نكحوا على الوجوه الفاسدة التي لا يجوز مثلها في الإسلام « إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا » ، يعني: أن نكاح آبائكم الذي كانوا ينكحونه في جاهليتهم، كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا - إلا ما قد سلف منكم في جاهليتكم من نكاح، لا يجوز ابتداء مثله في الإسلام، فإنه معفوٌّ لكم عنه.

وقالوا: قوله: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء » ، كقول القائل للرجل: « لا تفعل ما فعلتُ » ، و « لا تأكل كما أكلت » ، بمعنى: ولا تأكل كما أكلت، ولا تفعل كما فعلتُ.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز كان عقده بينهم، إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم، فإنّ نكاحهن لكم حلال، لأنهن لم يكن لهم حلائل، وإنما كان ما كان من آبائكم ومنهن من ذلك، فاحشة ومقتًا وساء سبيلا.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » الآية، قال: الزنا « إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا » فزاد ههنا « المقت » .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، على ما قاله أهل التأويل في تأويله، أن يكون معناه: ولا تنكحوا من النساء نكاحَ آبائكم، إلا ما قد سلف منكم فَمَضى في الجاهلية، فإنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا فيكون قوله: « من النساء » من صلة قوله: « ولا تنكحوا » ، ويكون قوله: « ما نكح آباؤكم » بمعنى المصدر، ويكون قوله: « إلا ما قد سلف » بمعنى الاستثناء المنقطع، لأنه يحسن في موضعه: « لكن ما قد سلف فمضى » « إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا » .

فإن قال قائل: وكيف يكون هذا القول موافقًا قولَ من ذكرت قولَه من أهل التأويل، وقد علمتَ أن الذين ذكرتَ قولهم في ذلك، إنما قالوا: أنـزلت هذه الآية في النَّهي عن نكاح حلائل الآباء، وأنت تذكر أنهم إنما نهوا أن ينكحوا نكاحَهم؟

قيل له: إنما قلنا إن ذلك هو التأويل الموافق لظاهر التنـزيل، إذ كانت « ما » في كلام العرب لغير بني آدم، وأنه لو كان المقصودَ بذلك النهيُ عن حلائل الآباء، دون سائر ما كان من مَناكح آبائِهم حرامًا ابتداءُ مثله في الإسلام بِنَهْي الله جل ثناؤه عنه، لقيل: « ولا تنكحوا مَنْ نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، إذ كان « مَنْ » لبني آدم، و « ما » لغيرهم ولم يُقَلْ: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء » . [ وأما قوله تعالى ذكره: « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء » ] ، فإنه يدخل في « ما » ، ما كان من مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحونها في جاهليتهم. فحرَّم عليهم في الإسلام بهذه الآية، نكاحَ حلائل الآباء وكلَّ نكاح سواه نهى الله تعالى ذكره [ عن ] ابتداء مثله في الإسلام، مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه في شِرْكهم.

ومعنى قوله: « إلا ما قد سلف » ، إلا ما قد مضى « إنه كان فاحشة » ، يقول: إن نكاحكم الذي سلف منكم كنكاح آبائكم المحرَّم عليكم ابتداءُ مثله في الإسلام بعد تحريمي ذلك عليكم « فاحشة » ، يقول: معصية « ومقتًا وساء سبيلا » ، أي: بئس طريقًا ومنهجًا، ما كنتم تفعلون في جاهليتكم من المناكح التي كنتم تناكحونها.

 

القول في تأويل قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ( 23 )

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: حُرّم عليكم نكاح أمهاتكم فترك ذكر « النكاح » ، اكتفاءً بدلالة الكلام عليه.

وكان ابن عباس يقول في ذلك ما:-

حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: حُرّم من النسب سبعٌ، ومن الصِّهر سبعٌ. ثم قرأ: « حُرّمت عليكم أمهاتكم » حتى بلغ: « وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف » ، قال: والسابعة: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: يحرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع. ثم قرأ: « حُرّمت عليكم أمهاتكم » إلى قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .

حدثنا ابن بشار مرة أخرى قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس مثله.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري بنحوه.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: حرم عليكم سبع نَسَبًا، وسبعٌ صهرًا. « حُرّمت عليكم أمهاتكم » الآية.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: « حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم » قال: حَرّم الله من النسب سبعًا ومن الصهر سبعًا. ثم قرأ: « وأمهات نسائكم وربائبكم » ، الآية.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مطرِّف، عن عمرو بن سالم مولى الأنصار قال، حُرّم من النسب سبع، ومن الصهر سبع: « حُرِّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت » ومن الصهر: « أمهاتكم اللاتي أرضَعْنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جُناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف » ثم قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ .

قال أبو جعفر: فكل هؤلاء اللواتي سَمَّاهن الله تعالى وبيَّن تحريمَهن في هذه الآية، مُحَرَّمات، غيرُ جائز نكاحُهن لمن حَرَّم الله ذلك عليه من الرجال، بإجماع جميع الأمة، لا اختلاف بينهم في ذلك: إلا في أمهات نسائِنا اللواتي لم يدخُلْ بهن أزواجُهن، فإن في نكاحهن اختلافًا بين بعض المتقدِّمين من الصحابة: إذا بانت الابنة قبلَ الدخول بها من زوجها، هل هُنّ من المُبْهمات، أم هنّ من المشروط فيهن الدخول ببناتهنّ؟

فقال جميع أهل العلم متقدمهم ومتأخرهم: من المُبهمات، وحرام على من تزوَّج امرأةً أمُّها، دخل بامرأته التي نكحها أو لم يدخل بها. وقالوا: شرطُ الدخول في الرَّبيبة دون الأم، فأما أمُّ المرأة فمُطْلقة بالتحريم. قالوا: ولو جاز أن يكون شرطُ الدخول في قوله: « وربائبكم اللاتي في حُجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » ، يرجع موصولا به قوله: « وأمهات نسائكم » ، جاز أن يكون الاستثناء في قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ من جميع المحرّمات بقوله: « حرّمت عليكم » ، الآية. قالوا: وفي إجماع الجميع على أنّ الاستثناء في ذلك إنما هو مما وَلِيَه من قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ ، أبينُ الدِّلالة على أن الشرط في قوله: « من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » ، مما وَليه من قوله: « وربائبكم اللاتي في حجوركم من نِسَائكم اللاتي دخلتم بهن » ، دون أمَّهات نسائنا.

وروي عن بعض المتقدِّمين أنه كان يقول: حلالٌ نكاح أمَّهات نسائنا اللواتي لم ندخل بهن، وأنّ حكمهن في ذلك حكم الربائب.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي رضي الله عنه: في رجل تزوّج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها، أيتزوَّج أمها؟ قال: هي بمنـزلة الربيبة.

حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد قال، حدثنا قتادة، عن خلاس، عن علي رضي الله عنه قال: هي بمنـزلة الربيبة.

حدثنا حميد قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد قال، حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت: أنه كان يقول: إذا ماتت عنده وأخذَ ميراثها، كُرِه أن يخلُف على أمِّها. وإذا طلَّقها قبل أن يدخُل بها، فإن شاءَ فعل.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخُل بها، فلا بأس أن يتزوج أمَّها.

حدثنا القاسم قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني عكرمة بن خالد: أن مجاهدًا قال له: « وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم » ، أريد بهما الدُّخُول جميعًا.

قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بالصواب، أعني قولَ من قال: « الأمّ من المبهمات » . لأن الله لم يشرط معهن الدخول ببناتهن، كما شرط ذلك مع أمهات الرَّبائب، مع أن ذلك أيضًا إجماعٌ من الحجة التي لا يجوز خِلافُها فيما جاءت به متفقة عليه. وقد روي بذلك أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرٌ، غيرَ أنَّ في إسناده نظرًا، وهو ما:-

حدثنا به المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نكح الرجلُ المرأة، فلا يحل له أن يتزوج أمَّها، دخل بالابنة أم لم يدخل. وإذا تزوج الأمَّ فلم يدخل بها ثم طلقها، فإن شاء تزوَّج الابنة.

قال أبو جعفر: وهذا خبر، وإن كان في إسناده ما فيه، فان في إجماع الحجة على صحة القول به، مستغنًى عن الاستشهاد على صِحَّته بغيره.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال لعطاء: الرجل ينكح المرأة لم يَرَها ولم يجامعها حتى يطلقها، أيحل له أمها؟ قال: لا هي مُرسلة. قلت لعطاء: أكان ابن عباس يقرأ: « وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن » ؟ قال: « لا » ، تترى قال حجاج، قلت لابن جريج: ما « تترى » ؟ قال: كأنه قال: لا! لا!

وأما « الربائب » فإنه جمع « ربيبة » ، وهي ابنة امرأة الرجل. قيل لها « ربيبة » لتربيته إياها، وإنما هي « مربوبة » صرفت إلى « ربيبة » ، كما يقال: « هي قتيلة » من « مقتولة » . وقد يقال لزوج المرأة: « هو ربيب ابن امرأته » ، يعني به: « هو رَابُّه » ، كما يقال: « هو خابر، وخبير » و « شاهد، وشهيد » .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: « من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » .

فقال بعضهم: معنى « الدخول » في هذا الموضع، الجماعُ.

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: « من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » ، والدخول النكاح.

وقال آخرون: « الدخول » في هذا الموضع: هو التَّجريد.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قلت لعطاء: قوله: « اللاتي دخلتم بهن » ، ما « الدّخول بهن » ؟ قال: أن تُهْدَى إليه فيكشف ويَعْتسَّ، ويجلس بين رجليها. قلت: أرأيت إن فعل ذلك في بيتِ أهلها؟ قال: هو سواءٌ، وَحسْبُه! قد حرَّم ذلك عليه ابنتَها. قلت: تحرم الربيبة مِمَّن يصنع هذا بأمها؟ ألا يحرُم عليَّ من أمَتي إن صنعته بأمها؟ قال: نعم، سواء. قال عطاء: إذا كشف الرجل أَمته وجلس بين رجليها، أنهاه عن أمِّها وابنتها.

قال أبو جعفر: وأولى القولين عندي بالصواب في تأويل ذلك، ما قاله ابن عباس، من أنّ معنى: « الدخول » الجماع والنكاح. لأن ذلك لا يخلو معناه من أحد أمرين: إما أن يكون على الظاهر المتعارَف من معاني « الدخول » في الناس، وهو الوصول إليها بالخلوة بها أو يكون بمعنى الجماع. وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأته لا يحرِّم عليه ابنتها إذا طلِّقها قبل مَسِيسها ومُباشرتها، أو قبل النَّظر إلى فرجها بالشهوة، ما يدلُّ على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع.

وإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك ما قلناه.

وأما قوله: « فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم » ، فإنه يقول: فإن لم تكونوا، أيها الناس، دخلتم بأمهات ربائبكم اللاتي في حجوركم فجامعتموهن حتى طلقتموهن « فلا جناح عليكم » ، يقول: فلا حرج عليكم في نكاح من كان من ربائبكم كذلك.

وأما قوله: « وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم » ، فإنه يعني: وأزواج أبنائكم الذين من أصلابكم.

وهي جمع « حليلة » وهي امرأته. وقيل: سميت امرأة الرجل « حليلته » ، لأنها تحلُّ معه في فراش واحد.

ولا خلاف بين جميع أهل العلم أن حليلة ابن الرجل، حرامٌ عليه نكاحها بعقد ابنه عليها النكاح، دخل بها أو لم يدخل بها.

فإن قال قائل: فما أنت قائلٌ في حلائل الأبناء من الرضاع، فإن الله تعالى إنما حرم حلائل أبنائِنا من أصلابنا؟

قيل: إن حلائل الأبناء من الرضاع، وحلائل الأبناء من الأصلاب، سواء في التحريم. وإنما قال: « وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم » ، لأن معناه: وحلائل أبنائكم الذين ولدتموهم، دون حلائل أبنائكم الذين تبنيتموهم، كما:-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قوله: « وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم » ، قال: كنا نُحدَّث، والله أعلم، أنها نـزلت في محمد صلى الله عليه وسلم. حين نكح امرأة زَيْد بن حارثة، قال المشركون في ذلك، فنـزلت: « وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم » ، ونـزلت: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [ سورة الأحزاب: 4 ] ، ونـزلت: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [ سورة الأحزاب: 40 ]

وأما قوله: « وأن تجمعوا بين الأختين » فإن معناه: وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين عندكم بنكاح ف « أن » في موضع رفع، كأنه قيل: والجمع بين الأختين.

« إلا ما قد سلف » لكن ما قد مضى منكم « إن الله كان غفورًا » لذنوب عباده إذا تابوا إليه منها « رحيما » بهم فيما كلَّفهم من الفرائض، وخفَّف عنهم فلم يحمِّلهم فوق طاقتهم.

يخبر بذلك جل ثناؤه: أنه غفور لمن كان جمع بين الأختين بنكاح في جاهليته، وقبلَ تحريمه ذلك، إذا اتقى الله تبارك وتعالى بعدَ تحريمه ذلك عليه، فأطاعه باجتنابه رحيمٌ به وبغيره من أهل طاعته من خَلْقِه.