ما حكم الكتابة على القبور ورشها بالماء؟

محمد الحسن الددو الشنقيطي

السؤال: ما حكم الكتابة على القبور ورشها بالماء؟
الإجابة: إن الكتابة على القبور ورد في النهي عنها حديث ضعيف، وهو زيادة في حديث صحيح، وهذه الزيادة مدارها على رجل ضعيف فلا تصح، وهي: "ولا تكتبوا عليها" و"أن يكتب عليها"، فلذلك النهي الوارد في الكتابة على القبور ضعيف.

ولكن مع هذا لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا عُلم عن أحد من أصحابه، وإنما كانوا يضعون على القبور ما تعرف به، وإذا كانت القبور تكثر في مقبرة معينة فيلتبس المكان الذي دفن فيه إنسان والمكان الذي لم يدفن فيه فيؤدي ذلك إلى نبش بعض القبور، أو أن يدفن شخصان في قبر واحد فتختلط عظامهما، فهذا مخالف للمقصد الشرعي، فالقبر حبس على الإنسان الذي دفنٍ فيه وهو له، لا يُنبش ولا يُمشى عليه ولا يُجلس عليه، فإذا كان القبر لا يتميز ولا يُعرف إلا بالكتابة عليه فلتكن تلك الكتابة من غير محترم شرعاً، من غير ذكر اسم الله أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم، فيوضع ما يميز القبر دون أن يذكر اسم الله سبحانه وتعالى في ذلك المكتوب، ودون أن يكتب دعاء أو قرآن أو نحو ذلك.

وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أنه حفر في داره فوجد حجراً مكتوباً عليه: "رملة بنت صخر"، ورملة بنت صخر هي أم حبيبة بنت أبي سفيان وأم المؤمنين رضي الله عنها وهذا اسمها، فهذا الحجر وجد في الأرض مدفوناً في دار علي بن الحسين وهي بين المسجد والبقيع، فيمكن أن يكون كان عند قبر أم المؤمنين أم حبيبة، ثم اختفى في الأرض، وهو أعاده إلى المكان الذي وجده فيه، لما وجده مكتوباً عليه هذا أعاده في حفرته، والكتابة المحظور فيها إنما هو تعريض الأسماء المحترمة للقذر والأوساخ، وهذا المحظور إذا عارضته مصلحة راجحة أقوى منه فإن القاعدة الشرعية أنه عندما تتعارض مصلحة ومفسدة يُنظر إلى أكبرهما: فإذا كانت المفسدة أكبر ترك، وإذا كانت المفسدة أصغر وكانت المصلحة أكبر أخذ بالمصلحة لكن لم تتعد، لم تتعد المصلحة، ويدل لذلك ما وجد قديماً من الكتابات على بعض الصخور، فقد وجد ابن الزبير في الكعبة صخراً مكتوباً عليه: "أنا الله ذو بكة، حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض"، وهذا الحجر لا يتعرض للأذى لأنه في الكعبة، ومثل ذلك ما كان بعض السلف يكتبون على ديارهم، فقد كتب مالك على مدخل داره: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، وهو بذلك يريد أن يتذكر أن يقولها عندما يدخل، وقد أخذ ذلك من آية سورة الكهف: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً}، فكتب مالكٌ ذلك على باب داره ليتذكره ليقوله عندما يدخل، وكتبه في مكان لا تصل إليه القاذورات والأذى، فهذا النوع إذا كان الإنسان سيكتب على قبر كتابة تميزه وليس فيها اسم الله وليس فيها تعريض لاسم الله للأذى فلا حرج إن شاء الله تعالى في ذلك، مع أنه لم يكن من قبل موجوداً.

والقاعدة الشرعية في الفرق بين المصلحة المرسلة والبدعة الإضافية: أن المصلحة المرسلة تدعو إليها الحاجة المتجددة، وأن البدعة الإضافية قد كانت الحاجة قائمة إليها، فما كانت الحاجة قائمة إليه في العهد النبوي فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ففعله بعده من البدع الإضافية، وما لم تكن الحاجة قائمة إليه في العهد النبوي وتجددت الحاجة إليه وكان مصلحة ففعله لا يدخل في البدع الإضافية، بل هو من المصالح المرسلة، كتدوين المصحف وضبطه ونقطه، وكجمع السنة في الكتب، وكتأليف الكتب ونحوها، هذه أمور لم تكن الحاجة داعية إليها في العهد النبوي وإنما نشأت بعد ذلك الحاجة إليها، فكانت من المصالح المرسلة لا من قبيل البدع الإضافية.

أما رش القبور بالماء بعد الدفن فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وله فوائد كثيرة، منها تسكين الرمل لأن الأرض إذا حفر فيها ستلين، وحينئذ يمكن أن تخرج منها رائحة الميت ويمكن أن ينبشها حيوان أو هوام أو نحو ذلك، فإذا رش عليها الماء ثبتها، فهذه فائدة من فوائدها، وأيضاً فإن رش الماء هو من الحياة، والحياة في الأجسام كلها سبب للذكر والطاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرين جديدين فقال: "أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" فدعا بسعفةِ نخلٍ فقسمها فغرز عند رأس كل واحد منهما سعفة، وقال: "لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا"، فدل ذلك على أن الرطوبة وهي مقابل اليبس سبب للتخفيف، لأنه قال: "ما لم تيبسا"، وهذا في القبر الجديد، أما القبر القديم فلا ينبغي رش الماء عليه لما في ذلك من الابتداع لأن الأمر كانت الحاجة قائمة إليه من قبل ولم يُفعل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.