هل هناك فرق بين المسائل التي تخفى في العادة، وبين التي لا تخفى كمسائل التوحيد؟

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

السؤال: هل هناك فرق بين المسائل التي تخفى في العادة، وبين التي لا تخفى كمسائل التوحيد؟
الإجابة: نعم، الجهل الذي يُعذر فيه الجاهل لا يُعذر في الأشياء الواضحة؛ إنما الجاهل الذي يُعذر يُعذر في الأشياء التي تخفى على مثله؛ فلو كان هناك إنسان يعيش بين المسلمين ثم فعل الزنا فلما عوقب قال: إني جاهل؛ فلا يقبل منه لأن هذا أمرٌ واضح؛ أو تعامل بالربا وهو يعيش بين المسلمين لا يُقبل منه، أو عبد الصنم وهو يعيش بين المسلمين في مجتمع موحِّد لا يقبل منه؛ لأن هذا أمر واضح.

لكن لو أسلم كافر في مجتمع يتعامل بالربا، ويرى الناس يتعاملون بالمعاملات الربوية ثم تعامل بالربا وقال إنه جاهل؛ فهذا مثله يجهل هذا الشيء، أو نشأ في بلاد بعيدة ولم يسمع بالإسلام وليس عنده وسائل هذا معذور.

أما الإنسان الذي يفعل أمراً معلوماً واضحاً وهو بين المسلمين فهذا لا يُعذر، فلابد أن تكون المسألة التي يُعذر فيها دقيقة خفية تخفى على مثله، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين في قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه وجمع أهله حينما حضرته الوفاة وقد كان مسرفاً على نفسه، فجمع أولاده عند وفاته وقال: أي أبٍ كنت لكم؟ فأثنوا خيراً، فقال لهم: إنه لم يفعل خيراً قط، وإن الله إن بعثه ليعذبنه عذاباً شديداً، فأخذ المواثيق على بنيه أنه إذا مات أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروه في البر؛ وفي بعض الروايات يذرُّوا نصفه في البر ونصفه في البحر، وقال: "لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً شديداً" ففعلوا به ذلك؛ وفي الحديث أن الله أمر كلاً من البر والبحر أن يجمع ما فيه وقال الله له: "قم" فإذا هو إنسانٌ قائم فقال له: "ما حملك على ذلك؟" قال: خشيتك يا رب؛ فرحمه الله.

وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، فبعض العلماء يقول: هذا في شرع من قبلنا، وأُجيب بأجوبة ولكن أصح ما قيل فيه ما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية: أن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل وأنه ظن أنه يفوت الله إذا وصل لهذه الحالة، فالرجل غير منكر للبعث وغير منكر لقدرة الله وهو يعلم أنه لو تُرِك ولم يُحرق ولم يُسحق فإن الله يبعثه؛ يعتقد هذا، لكنه أنكر كمال تفاصيل القدرة وظن أنه إذا وصل لهذه الحالة وأُحرق وسُحق وذُرّ أنه يفوت على الله ولا يدخل تحت القدرة، والذي حمله على ذلك ليس هو العناد ولا التكذيب وإنما الجهل مع الخوف العظيم فغفر الله له، فلو كان عالماً ولم يكن جاهلاً لم يُعذر ولو كان معانداً لم يُعذر ولكنه ليس معانداً ولا عالماً فاجتمع فيه الجهل والخوف العظيم؛ فرحمه الله وغفر له؛ فهذه مسألة خفية دقيقة بالنسبة إليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع رسالة الإسلام على شبكة الإنترنت.