هل الذي ينزل هو الله عز وجل أو لا؟

الشيخ محمد بن صالح العثيمين

السؤال: هل الذي ينزل هو الله عز وجل أو لا؟
الإجابة: ذكرنا فيما سبق أن الذي ينزل هو الله نفسه، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق به، وأنصحهم، وأفصحهم مقالاً، وأصدقهم فيما يقول: فهو أعلم، وأنصح، وأفصح، وأصدق، وكل هذه الصفات الأربع موجودة في كلامه عليه الصلاة والسلام، فوالله ما كذب في قوله: "ينزل ربنا"، ولا غشَّ الأمة ولا نطق بعي ولا نطق عن جهل: {وما ينطق عن الهوى}، بل هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: "ينزل ربنا عز وجل".

لكن قال بعض الناس: إن الذي ينزل أمر الله، وقال آخرون: الذي ينزل رحمة الله، وقال آخرون: الذي ينزل ملك من ملائكة الله، سبحان الله!!! هل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعرف أن يعبر هذا التعبير لا يعرف أن يقول: تنزل رحمة الله، أو ينزل أمر الله، أو ينزل ملك من ملائكة الله؟ الجواب: يعرف أن يعبر، ولو كان المراد ينزل أمره أو رحمته أو ملكه لكان الرسول عليه الصلاة والسلام، ملبساً على الأمة حين قال: "ينزل ربنا"، ولم يكن مبيناً للأمة بل ملبساً عليهم، لأن الذي يقول لك: "ينزل ربنا"، وهو يريد ينزل أمره هل وضح لك وبين أو غشك ولبس عليك؟ الجواب: غشك ولبس عليك فإذاً الذي ينزل هو الرب عز وجل، وهذا التحريف -ولا نقول: هذا التأويل- فالقول بأن مثل هذا التحريف تأويل تلطيف للمسألة، وكل تأويل لا يدل عليه دليل فهو تحريف، نقول: هذا التحريف لا شك أنه باطل فإذا قلنا: إن الذي ينزل أمر الله في ثلث الليل فمقتضاه:

أولاً: أنه في غير ثلث الليل لا ينزل أمر الله، وأمر الله نازل في كل لحظة: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}.

ثانياً: أمر الله ما ينتهي بالسماء الدنيا، قال تعالى: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض}، وليس إلى السماء الدنيا فقط، فبطل هذا التحريف من جهة أن الأمر لا يختص بهذا الجزء من الليل، وأن الأمر لا ينتهي إلى السماء بل ينزل إلى الأرض.

ورحمة الله أيضاً نفس الشيء، نقول رحمة الله عز وجل تنزل كل لحظة ولو فقدت رحمة الله من العالم لحظة لهلك فكل لحظة تنزل الرحمة وتنزل إلى الأرض، إذاً ما الفائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء فقط، إذا لم تصلنا الرحمة فلا فائدة لنا منها، فبطل تفسيره بالرحمة، بل ما يترتب على تفسيره بالأمر أو بالرحمة من اللوازم الفاسدة أعظم مما يتوهمه من صرف اللفظ إلى الأمر أو الرحمة من المفاسد في تفسيره بنزول الله نفسه.

ثالثاً: هل يمكن للأمر أو الرحمة أن تقول: من يدعوني فأستجيب له إلخ؟

الجواب: لا يمكن أن تقول رحمة الله: "من يدعوني"، ولا يمكن أن يقول أمر الله: "من يدعوني"، فالذي يقول هو الله عز وجل، كذلك إذا قيل: إن الذي ينزل ملك من ملائكته، نقول: الملك إذا نزل إلى السماء الدنيا لا يمكن أن يقول: "من يدعوني" أبداً، لو قال الملك: "من يدعوني" صار من دعاة الشرك لأن الذي يجيب الداعي إذا دعاه هو الله عز وجل، فلا يمكن للملك أن يقول: هكذا، حتى لو فُرض أن الله أمره أن يقول، لقال: "من يدعو الله فيستجيب له"، ولا يمكن لملك من الملائكة وهم لا يعصون الله أن يقول: "من يدعوني فأستجيب له"، وبهذا بطل تحريف هذا الحديث إلى هذا المعنى أن يكون النازل ملكاً.

وتحريف نصوص الصفات من القرآن والسنة يجري فيها هذا المجرى، يعني أن كل التحريفات إذا تأملتها وجدت أنه يترتب عليها من المفاسد أضعاف ما يترتب على المفاسد التي توهموها لو أجروا اللفظ على ظاهره، ولهذا نجد الصحابة رضي الله عنهم سلموا من هذا، فلا يوجد عنهم حرف واحد في تحريف نصوص الصفات، لأنه ليس فيها إشكال عندهم يجرونها على ظاهرها، كما يجرون آيات الأحكام على ظاهرها.

والغريب أن هؤلاء الذين يحرفون في نصوص الصفات وهم لا يستطيعون أن يعقلوها لو حرف أحد من نصوص الأحكام مع أن الأحكام مربوطة بالمصالح، والمصالح للعقول فيها مدخل، لو حرَّف أحد في نصوص الأحكام لأقاموا عليه الدنيا، وقالوا: ما يمكن أن تخرج اللفظ عن ظاهره، مع أن الأحكام مربوطة بالمصالح والمصالح للعقل فيها مجال، لكن صفات الله غير مربوطة بهذا، صفات الله طريقها الخبر المجرد يعني ما فيه تلقٍّ في صفات الله نفياً، أو إثباتاً إلا من الكتاب والسنة، ومع ذلك نجد من يعلب بنصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله ويحرفها حينما يرى أن العقل يقتضي ذلك، مع أن العقل الذي يدعي أنه يقتضي ذلك، عقل من؟ عقل زيد أو عمرو أو بكر.. كل واحد منهم له عقل يقول: هذا هو الحق ولهذا تجدهم يتناقضون، بل إن الواحد منهم ينقض كلامه بعضه بعضاً، يؤلف كتاباً فينقض به ما في الكتاب الأول، وهكذا.
حجج تهافت كالزجاج تخالها *** حقاً وكل كاسر مكسور

فهم يتناقضون، لأنهم على غير برهان وعلى غير أساس، فلهذا نقول: الطريق السليم، والمنهج الحكيم هو: ما درج عليه السلف من إجراء هذه النصوص على ظاهرها.

فإذا قال قائل: ظاهرها التمثيل.

قلنا له: أخطأت ليس ظاهرها التمثيل، وكيف يكون ظاهرها التمثيل وهي مضافة إلى الله تعالى، والله لا يماثله أحد في ذاته فكذلك في صفاته، فمثلاً قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك}، إذا قال: أنا لا أثبت الوجه حقيقة لأن ظاهره التمثيل، نقول: أخطأت ليس ظاهره التمثيل لأن الله تعالى لم يذكر وجهاً مطلقاً حتى يحمل على المعهود، وإنما ذكر وجهاً مضافاً إلى ذاته: {ويبقى وجه ربك}، فإذا كان مضافاً إلى ذاته وأنت تؤمن بأن ذاته لا تماثل ذوات المخلوقين وجب أن يكون وجهه لا يماثل أوجه المخلوقين. والله أكبر عليك، لو قيل: يد الفيل ما فهمت أنها كيد الهرة لأنها أضيفت إلى الفيل وليست يداً مطلقة حتى تقول: تشترك مع غيرها فلا يمكن أن تفهم من قول القائل: يد فيل أنه كقول القائل: يد هر، أبداً فيكف تفهم إذا قيل: يد الله بأنها كيد زيد أو عمرو؟ أبداً ما يمكن أن تفهم هذا، فكل من قال: إن ظاهر نصوص الصفات التمثيل فإنه كاذب سواء تعمد الكذب أم لم يتعمده، لأنه حتى الذي يقول عن تأويل خاطئ يسمي كاذباً، أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لأبي السنابل لما أخبر بأن أبا السنابل قال لسبيعة الأسلمية: لن تنكحي حتى يمضي عليك أربعة أشهر وعشر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كذب أبو السنابل"، مع أنه ما تعمد الكذب لكنه قال قولاً خاطئاً، فنحن نقول هذا كاذب سواء تعمد أم لم يتعمد فليس في نصوص الصفات، ولله الحمد ما يقتضي التمثيل لا عقلاً ولا سمعاً، ثم إن لدينا آية من كتاب الله عز وجل تمحو كل ما ادعي أن فيه تمثيلاً وهي قوله: {ليس كمثله شيء}، فأنت إذا جاءك نص إثبات فاقرنه بنص هذا النفي ولا تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض بل اقرنه به، فمثلاً قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك} نقول: وليس كمثل وجه الله شيء، لأن الله يقول: {ليس كمثله شيء} وعلى هذا فقس، والأمر ولله الحمد ظاهر جداً ولولا كثرة الناس الذين سلكوا هذا المسلك أعني مسلك التأويل في قولهم والتحريف فيما نرى، لولا كثرتهم لكان الأمر غير مشكل على أحد إطلاقاً، لأنه واضح ليس فيه إشكال، فلهذا نقول: يجب علينا أن نؤمن بأن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا هو نفسه كما نؤمن بأنه هو نفسه الذي خلق السماوات وأضاف الخلق إليه، وينزل إلى السماء هو، لأن الإضافة في: "ينزل" كالإضافة في: "خلق، ويخلق"، ولا فرق، فالنازل هو الله، والخالق هو الله، والرازق هو الله، والباسط هو الله، وهكذا ولا فرق بينهما، والإنسان المؤمن الذي يتقي الله عز وجل لا يمكن أن يحرف ما أضافه الله إلى نفسه ويضيفه إلى أمر آخر وإذا أداه اجتهاده إلى ذلك فإنه يكون معذوراً لا مشكوراً، لأن هناك فرقاً بين السعي المشكور وهو ما وافق الحق، وبين العمل المعذور وهو ما خالف الحق لكن نعرف من صاحبه النصح إلا أنه التبس عليه الحق، فإن في هؤلاء المؤولة الذين نرى أن عملهم تحريف فيهم من يعلم منه النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، وللمسلمين، لكن التبس عليهم الحق فضلوا الطريق في هذه المسألة.

وفي قوله: "فيقول: من يدعوني فأستجيب له"، في هذا إثبات القول لله، وأنه بحرف وصوت، لأن أصل القول لابد أن يكون بصوت، ولو كان قولاً بالنفس لقيده الله كما قال تعالى: {ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله}، فإذا أطلق القول فلابد أن يكون بصوت، ثم إن كان من بعد سمي نداء، وإن كان من قرب سمي نجاء.

فإذا قال قائل: نحن لا نسمع هذا القول؟

فنقول: أخبرنا به من قوله عندنا أشد يقيناً مما لو سمعنا وهو الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم علم اليقين بأن الله يقول: بخبر أصدق الخلق صلى الله عليه وسلم ونحن لو سمعنا قولاً، لظننا أنه وجبة شيء سقط، أو حفيف أشجار من رياح فنتوهم فيما نسمع لكن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتوهم فيه فيكون خبر الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا بمنزلة ما سمعنا بآذاننا، بل أشد يقيناً، إذا صح عنه، وهذا الحديث قد صح عنه فهو متواتر أو هو مشهور مستفيض عند أهل السنة والحديث، فلذلك نقول: إن الله يقول هذا فينبغي لك وأنت تتهجد لله في هذا الزمن من الليل أن تشعر بأن الله ينادي يقول: "من يدعوني فأستجيب له"، فتدعو الله تعالى وأنت موقن بهذا والدعاء أن تقول: "يا رب" فهذا دعاء.

وقوله: "من يسألني" أي من يطلب مني شيئاً مثل أن تقول: "يا رب أسألك الجنة" فهذا سؤال، واجتمع في قول القائل: يا رب أسالك الجنة الدعاء والسؤال.

وقوله: "من يستغفرني فأغفر له" أي من يطلب مني المغفرة مثل أن تقول: "يا رب اغفر لي" فهذا استغفار، وإذا قال القائل: "اللهم إني أسالك الجنة"، فقوله: "اللهم" دعاء لأن أصلها يا الله، وقوله: "أسالك الجنة" هذا سؤال، فيكون فيه سؤال ودعاء، وفي حديث أبي بكر الذي علمه إياه النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".

فهذا متضمن لثلاثة، الدعاء في قوله: "اللهم"، والاستغفار في قوله: "فاغفر لي"، وفي قوله: "وارحمني" دعاء بالرحمة.

قوله: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"، "من" هنا اسم استفهام، والمراد به التشويق وليس المراد به الاستخبار، لأن الله عز وجل يعلم، لكن المراد به التشويق يشوق سبحانه وتعالى عباده أن يسألوه، وأن يدعوه، وأن يستغفروه وفي هذا غاية الكرم والجود من الله سبحانه وتعالى أنه هو الذي يشوق عباده إلى سؤاله، ودعائه، ومغفرته كقوله: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}، انظر إلى هذا الخطاب الرفيق الشيق ففيه التشويق والرفق: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}، ولم يقل: "يا أيها الذين آمنوا بالله" ما قال هكذا، وإن كان قالها في آيات أخرى لكن في هذه الآية ما قال هكذا لأن المقام يقتضي ذلك فالسورة كلها سورة جهاد من أولها إلى آخرها: {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}، المهم أن في هذا الحديث وأمثاله من كرم الله عز وجل ما هو ظاهر لمن تأمله، وأهم شيء فيما تكلمنا عليه مسألة الصفات، فأنا أكرر أن تلتزموا فيها ما التزمه السلف، وأن لا تحيدوا يميناً ولا شمالاً، ولا تسألوا عما لم يسأله السلف، فإن هذا من التنطع والتكلف والابتداع في دين الله، وإني أقول لكم: إن الإنسان كلما تعمق في هذه الأمور فأخشى أن ينقص في قلبه من إجلال الله وعظمته بقدر ما حصل من هذا التعمق في البحث في هذه الأمور واسأل العامي، العامي إذا ذكرت الله عنده اقشعر جلده وإذا ذكرت نزوله إلى السماء الدنيا اقشعر جلده لكن أولئك الذين يتعمقون في الصفات ويحاولون أن يسألوا حتى عن الأظافر -نسأل الله لنا ولهم الهداية- هؤلاء إذا ذكر عندهم حديث النزول بدؤوا يوردون على أنفسهم أو على غيرهم كيف تكون الحال، وثلث الليل يتنقل على الكرة الأرضية؟ وكيف تكون الحال حين نزوله بالنسبة للعلو وبالنسبة للعرش؟

ونحو ذلك من الأسئلة التي تشطح بهم عن تعظيم الله عز وجل وهؤلاء بلا شك سينقص من إجلال الله عز وجل في قلوبهم بقدر ما حاولوا من التعمق في هذه الأمور، وليس إجلالنا لله عز وجل كإجلال الصحابة ولا قريباً منه، وليس حرصنا على العلم بصفات الله كحرص الصحابة وهم ما سألوا هذه الأسئلة ولذلك وأنا أنصحكم لله وأرجو منكم ألا تتعمقوا في هذه الأمور فتسألوا عن أشياء لم يسأل عنها الصحابة، خذوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتركوا ما عدا ذلك لئلا يوقعكم الشيطان في أمر تعجزون عن التخلص منه، قد يوقعكم في التمثيل ويلزمكم إلزاماً بأن تعتقدوا ذلك، لأن الإنسان الذي يتعمق إلى هذا الحد يخشى عليه، خذوا ما جاء في الكتاب وصحيح السنة واحمدوا الله على العافية واسلكوا سبيل السابقين، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى - المجلد الأول - باب النزول.