أوقات النهي عن الصلاة بمكة

الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل

السؤال: سائل يسأل عن أوقات النهي عن الصلاة، هل هي عامة في مكة وغيرها من البلدان أم أن مكة مستثناة ولها حكم يخصها، وهل ما يَخُصُّ مكة مقيَّد بركعتي الطواف أم أنه لا نهي عن الصلاة فيها مطلقا، سواءٌ ركعتا الطواف وغيرها من النوافل المطلقة والمقيدة؟
الإجابة: هذه المسألة مما اختلف العلماء فيها:

فقال بعض العلماء: إن مكة كغيرها في النهي عن صلاة التطوع إلا ركعتي الطواف خاصة.

وقال آخرون: لا نهي بمكة؛ فتباح بها جميع النوافل، سواء ركعتا الطواف، أو غيرها.

والقول الأول هو المشهور من مذهب الحنابلة: قال في (مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى): ومكة كغيرها في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات إلا ركعتي الطواف. انتهى.

وقال في (المغني) (1): (فصل) ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي.

وقال الشافعي: لا يُمنع فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبير بن مطعم: "لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت، وصلى، في أيّ ساعة شاء، من ليل أو نهار" (2)، وعن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس؛ ولا بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، إلا بمكة" يقول ذلك ثلاثا (رواه الدارقطني) (3).

ولنا عموم النهي، وأنه معنى يَمْنَعُ الصلاةَ؛ فاستوت فيه مكة -وغيرها- كالحيض، وحديثهم أراد به ركعتي الطواف، فيختص بهما. وحديث أبي ذر ضعيف، يرويه عبدالله بن المؤمل، وهو ضعيف، قاله يحيى بن معين. انتهى.

وقال في (الإنصاف) (4): الصحيح من المذهب أن المنع في وقت النهي متعلق بجميع البلدان، وعليه الأصحاب. وعنه: لا نهي بمكة. وهو قول في (الحاوي) وغيره. وتأوله القاضي على فعل ما له سبب، كركعتي الطواف. قال المجد في (شرحه): وهو خلاف الظاهر. انتهى.

وقال في (سبل السلام) (5) على حديث جبير بن مطعم السابق: وهو دال على أنه لا يكره الطواف بالبيت ولا الصلاة فيه، في أي ساعة من ساعات الليل والنهار، وقد عارض ما سلف، يعني: من النهي، فالجمهور عملوا بأحاديث النهي ترجيحا لجانب الكراهة؛ ولأن أحاديث النهي ثابتة في الصحيحين، وغيرهما. وهي أرجح من غيرها.

وذهب الشافعي وغيره إلى العمل بهذا الحديث.
قالوا: لأن أحاديث النهي قد دخلها التخصيص بالفائتة، والمنوم عنها، والنافلة التي تقضى. فضعفوا جانب عمومها؛ فتخصص أيضا بهذا الحديث. ولا تكره النافلة بمكة في أي ساعة من الساعات، وليس هذا خاصا بركعتي الطواف، بل يعم كل نافلة؛ لرواية ابن حبان في (صحيحه): "يا بني عبد المطلب، إن كان لكم من الأمر شيء، فلا أعرفن أحدا منكم يمنع من يصلي عند البيت، أية ساعة شاء، من ليل أو نهار" (6).

قال في (النجم الوهاج): وإذا قلنا بجواز النفل -يعني: في المسجد الحرام- في أوقات الكراهة، فهل يختص ذلك بالمسجد الحرام، أو يجوز في جميع بيوت حرم مكة؟ فيه وجهان. والصواب أنه يعم جميع الحرم. انتهى. والله أعلم.

___________________________________________

1 - (2/535).
2 - أخرجه أحمد (4 / 80، 81، 82، 83، 84)، وأبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (1 / 284)، (5 / 223)، وابن ماجه (1254) وغيرهم، من طرق، عن عبد الله ابن باباه، عن جبير بن مطعم، مرفوعًا، به. وصححه الترمذي والحاكم. وروي من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر، وكلها معلولة. راجع (التلخيص الحبير) (1/190).
3 - الدارقطني (1 / 424، 425)، وأخرجه أحمد (5 / 165)، والبيهقي (2 / 461)، وابن خزيمة (2748) من حديث عبد الله بن المؤمل (عن حميد مولى غفرة، وقيس بن سعد) عن مجاهد، عن أبي ذر مرفوعًا، به. قلت: فيه عبد الله بن المؤمل: ضعفه أحمد وابن معين -في بعض الروايات عنه- وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والنسائي وابن عدي وابن حبان. وفيه أيضًا: انقطاع؛ فمجاهد لم يسمع من أبي ذر، قاله أبو حاتم الرازي (المراسيل) ص (205) وقال ابن خزيمة: أنا أشك في سماع مجاهد من أبي ذر.
4 - (2/ 203).
5 - (2/ 261، 262).
6 - أحمد (4/80)، وأبو داود (1894)، والترمذي (868) وقال: حسن صحيح، والنسائي (1/284)، (5/223)، وابن ماجه (1254)، وابن حبان (1552)، (1553)، (1554)، وابن خزيمة (1280) من حديث أبي الزبير، عن عبد الله بن باباه، عن جبير بن مطعم مرفوعًا، به.