ما تقضي الحائض من الصلاة

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

السؤال: قيل لي: إذا طهرت المرأة من الحيض -أو النفاس- قبل طلوع الفجر فإنها تصلي المغرب والعشاء، وإذا طهرت قبل غروب الشمس تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل طلوع الشمس تصلي الصبح، وقد أشكل عليَّ كيف تصلي صلاة الظهر والعصر معاً، وصلاة الظهر قد فات وقتها؟ أفتونا مأجورين، مع إيضاح الجواب. وفقكم الله للصواب.
الإجابة: نعم، ذكر العلماء رحمهم الله أن الحائض أو النفساء، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق، كل هؤلاء، ونحوهم إذا أدركوا جزءاً من آخر وقت الصلاة، لزمهم قضاء تلك الصلاة وقضاء الصلاة التي قبلها إذا كانت تُجمَع معها، بخلاف التي لا تجمع معها، فلا يلزمهم قضاؤها، وإنما يقضون تلك الصلاة التي أدركوا وقتها فقط.

. قال في (كشاف القناع) (1): ومن أدرك من أول وقت مكتوبة قدر تكبيرة، ثم طرأ عليه مانع: من جنون، أو حيض ونحوه، كنفاس، ثم زال المانع بعد خروج وقتها لزمه قضاء الصلاة التي أدرك التكبيرة من وقتها فقط؛ لأن الصلاة تجب بدخول أول الوقت على مُكَلَّف لم يقم به مانع وجوباً مستقرّاً، فإذا قام به مانع بعد ذلك لم يسقطها، فيجب قضاؤها عند زوال المانع، ولا يلزمه غير التي دخل وقتها قبل طروء المانع؛ لأنه لم يدرك جزءاً من وقتها، ولا من وقت تَبعِها، فلم تجب، كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئاً، وفارق مدرِك وقت الثانية، فإنه أدرك وقتاً يتبع الأولى، فإن الأولى تفعل في وقت الثانية متبوعة مقصودة، يجب تقديمها والبداءة بها، بخلاف الثانية مع الأولى، فلا يصح قياس الثانية على الأولى. والأصل أنه لا تجب صلاة إلا بإدراك وقتها، وإن بقي قدرها، أي: قدر التكبيرة من آخره، أي آخر الوقت، ثم زال المانع: من حيض، أو جنون، ونحوه، ووجد المقتضي للوجوب، ببلوغ صبي، أو إفاقة مجنون، أو إسلام كافر، أو طهر حائض، أو نفساء، وجب قضاؤها وقضاء ما تُجمع إليها قبلها، فإن كان زوال المانع، أو طروء التكليف قبل طلوع الشمس لزمه قضاء الصبح فقط؛ لأن التي قبلها لا تجمع إليها، وإن كان قبل غروبها لزم قضاء الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر لزم قضاء المغرب والعشاء؛ لما روى الأثرم وابن المنذر وغيرهما (2) عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً.
ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه قضاء فرضها كما يلزم فرض الثانية، وإنما تعلق الوجوب بقدر تكبيرة لأنه إدراك، فاستوى فيه القليل والكثير، كإدراك المسافر صلاة المقيم.أ.هـ.

. وقال ابن أبي عمر في (الشرح الكبير) (3): مسألة: وإن بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو أفاق مجنون، أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة لزمهم الصبح، وإن كان قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء. وجملة ذلك أنه متى أدرك أحد هؤلاء جزءاً من آخر وقت الصلاة لزمه قضاؤها؛ لأنها وجبت عليه، فلزمه القضاء، كما لو أدرك وقتاً يتسع لها. وهذا مذهب الشافعي، ولا نعلم فيه خلافاً.
قال شيخنا: وأقل ذلك تكبيرة الإحرام؛ لأنها أقل ما يُتلبس بالصلاة بها، وقد أطلق أصحابنا القول فيه.
وقال القاضي: إن أدرك ركعة كان مدركاً لها، وإن أدرك أقل من ركعة كان مدركا لها في ظاهر كلامه، فإن أدرك جزءاً من آخر وقت العصر قبل غروب الشمس، أو جزءاً من آخر الليل قبل طلوع الفجر لزمته الظهر والعصر في الأولى، والمغرب والعشاء في الآخرة. روي هذا في الحائض عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وإسحاق.
قال الإمام أحمد: عامة التابعين على هذا.
ولنا ما روى الأثرم وابن المنذر وغيرهما بالإسناد عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً.
ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها، كما يلزمه فرض الثانية. والقدر الذي يتعلق به الوجوب قدر تكبيرة الإحرام في ظاهر كلام أحمد. انتهى ملخصاً. والله أعلم.

___________________________________________

1 - (1/307).
2 - ابن المنذر في (الأوسط) (2/243) من طريق ابن أبي شيبة (المصنف) (3/336)، وعبد الرزاق (1/333).
3 - (1/ 481، 482).