حكم أذان المسافر ومن يصلي خارج البلد

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

السؤال: خرجنا مع مجموعة من الزملاء آخر النهار إلى خارج البلد للتمشية، وشم الهواء، ولما غابت الشمس، وأردنا الصلاة قام أحد الإخوان ليؤذن، فقال بعضهم: تكفي الإقامة عن الأذان. وقال آخرون: بل نؤذن ونقيم. وأورد بعضهم أن الأذان لا يجب إلا على المقيم في البلد. وأخيرا اتفقنا على أن نؤذن ونقيم على أن نسأل عن حكم هذه المسألة، وهل يجب الأذان على المسافر كما يجب على المقيم في البلد. أم لا؟
الإجابة: الأذان من محاسن هذه الشريعة الإسلامية، ومن شعائر الإسلام الظاهرة، ومما يفرق به بين المسلمين وغيرهم، وهو فرض كفاية. ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع الأذان حضرا، ولا سفرا. ولهذا قال المحققون بوجوبه في السفر، كما يجب في الحضر.

قال ابن المنذر (1): الأذان والإقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به مالك بن الحويرث. والأمر للوجوب.أ.هـ.

وداوم عليه صلى الله عليه وسلم هو وخلفاؤه وأصحابه؛ لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة، فكان فرضا كالجهاد. وهذا الأصح دليلا. وهو رواية عن الإمام أحمد. وإن كان المشهور من المذهب خلافه. ومن الأدلة على وجوبه في السفر ما أشار إليه ابن المنذر فيما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث. ولفظه: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" (متفق عليه) (2). والأمر ظاهره الوجوب.

وعلى كل فقد ورد في فضله أحاديث كثيرة، حُق على من نَصَح نفسه أن يغتنم فضله، ولا يفرط فيه. فمما ورد فيه: حديث عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة، فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة". قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه البخاري وغيره) (3). وعن ابن عمر مرفوعا: "يغفر للمؤذن منتهى أذانه، ويستغفر له كل رَطْب ويابس سمع صوته" (رواه أحمد وغيره) (4). وعن أبي هريرة مرفوعا: "المؤذن يغفر له مدى صوته، ويستغفر له كل رطب ويابس" (رواه أحمد وغيره) (5). وعن أبي هريرة مرفوعا: "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين..." الحديث (6)، وعن عقبة بن عامر مرفوعا: "يعجب ربك من راعي غنم، في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة، ويصلي فيقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة" (رواه أبو داود وغيره) (7).

وفي معنى ما ذكر أحاديث أخرى تركنا إيرادها اختصارا. وهي تدل على مشروعية الأذان بالسفر حتى للرجل الواحد، فكيف بالجماعة إذا خرجوا للنزهة؟! فحكمهم كالمقيمين.

وفي هذا دليل على رفع الصوت بالأذان، وأنه لا يسمعه جن، ولا إنس، ولا شجر، ولا رطب، ولا يابس إلا أجابه، واستغفر له، وشهد له يوم القيامة. قال الخطابي: إنه يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وسعه في الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت.أ.هـ. والله أعلم.

___________________________________________

1 - انظر (الأوسط) (2 / 24).
2 - البخاري (628)، ومسلم (674).
3 - البخاري (609)، والنسائي (2/ 12).
4 - أحمد (2/136)، والبيهقي (1/ 431).
5 - أحمد (2/429)، والنسائي (2/ 13)، وابن أبي شيبة (1/ 226)، وابن ماجه (724).
6 - البخاري (608)، ومسلم (389).
7 - أحمد (4/ 157)، وأبو داود (1203)، والنسائي (2/ 20)، وانظر (السلسلة الصحيحة) (41).